ليست النيوليبرالية مفهوما مجرَّدا أو ترفا فكريا. إنها أيديولوجية الدولة التي تتحكم في حياة الناس اليومية في أدق تفاصيلها، وتُحدد قدرة البقاء على قيد الحياة وفرص النجاة أمام من “قُدِّر” لهم- هن الموت. يعيش الناس هذا الواقع الأليم يوميا في المستشفيات حيث تموت النساء في الأروقة، وفي المدارس حيث يُحرمُ الأطفال من معقد ومن تعليم مجاني وجيد، ويعيشه ضحايا البطالة… إلخ.
“إن ما وقع ليس قضاءً وقدرًا، بل نتيجة مباشرة لسياسات التهميش والنهب، وإن العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية لن تتحققا دون محاسبة ومقاومة جماعية” [1]، هكذا علَّق بيان جمعية أطاك المغرب على كارثة الفيضانات التي ضربت مدينة آسفي يوم 14 ديسمبر 2025.
قبل سنتين نُشر بموقع الجمعية مقالٌ بعنوان “زلزال نيوليبرالي” [2] على إثر الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز، يدافع عن فكرة أن السياسات النيوليبرالية التي اعتمدتها الدولة منذ أربعة عقود تُفاقم آثار الكوارث المناخية والطبيعية، وتجعل بسطاء الناس في فوهة أزمة سببتها الرأسمالية، في طورها النيوليبرالي، وتُحمِّلهم كلفة تلك الأزمة، وفي الوقت نفسه تتاجر بما تسميه حلولا للأزمة البيئية عبر آليات السوق، كما هو شأن الأزمة المناخية عبر آليات تضريب الكربون، وكذا الكوارث وآليات التأمين عليها.
من المسؤول؟
من المسؤول عن كارثة وفاة 37 من سكان مدينة آسفي، فضلا عن الخسائر الأخرى؟ أعلن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بآسفي، عن فتح تحقيق قضائي بتنسيق مع الشرطة القضائية، بهدف الوقوف على الأسباب الحقيقية لهذا الحادث الأليم والكشف عن جميع ظروفه وملابساته! أكيد أن التحقيق سيعرف نفس مآل سابقيه؛ فالمسؤول عن الكارثة ومآسيها ليس مجرد أشخاص قد تلحقهم عقوبات مخفَّفة، وهذا في أحسن الأحوال.
المسؤول هو الدولة. المسؤول هو السياسة العامة للدولة، والتي نسميها نيوليبرالية، وهي سياسة حرمت البلد من كل إمكانيات الصمود أمام الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية، والتي يفاقمها نموذج اقتصادي يخرب البيئة ويستنزفها ويرفع حرارة كوكب الأرض وما ينتج عنه من كوارث مثل الحرائق والفيضانات والجفاف… إلخ.
التقشف النيوليبرالي
لا يقتصر التقشف النيوليبرالي على بلداننا، بل يعصف أيضا بقدرات الدولة في البلدان المتقدمة. فحين ضرب إعصار كاترينا المدمر الولايات المتحدة سنة 2005، ألقى نعوم تشومسكي الضوء ساطعا على التقشف الذي نفذته إدارة جورج بوش الإبن:
“أفاد عاملون سابقون في الوكالة الفيدرالية لإدارة الحالات الطارئة أن قُدرات الوكالة قد ‘هُمشت بدرجة كبيرة’ في ظل الرئيس بوش، إذ إنها أُلحقت بوزارة الأمن الداخلي، مع قدرات أقل من الموارد… إن اقتطاع بوش من الاعتمادات المالية قد أجبر سلاح المهندسين في الجيش على تقليص الأشغال الهادفة إلى السيطرة على الفيضانات تقليصا حادا، بما في ذلك تدعيم السدود المانعة للفيضان التي تحمي المدينة”. [3]
في المغرب اعتُمد “نموذج تنموي” (نموذج تراكم رأسمالي) قائم على تفضيل الإنجازات الاقتصادية الكبرى (المسماة “أوراشا كبرى”) التي توضع في خدمة القطاع الخاص المحلي والأجنبي، على تنمية موجَّهة للناس وتخدم حاجياتهم الاقتصادية والاجتماعية وتحميهم من الكوارث البيئية والصحية. أدى هذا النموذج إلى توجيه الاستثمارات العمومية نحو ما يخدم التراكم الرأسمالي، وتقليص كل ما يخدم الناس: خدمات عمومية (صحة وتعليم)، واجتماعية (بنيات تحتية وسكن)… إلخ.
هذا التقشف هو الذي يقيَّد أيدي المؤسسات المفترَض أن تتدخل في لحظة الكوارث لإنقاذ البشر. وعلى رأسها الوقاية المدنية. فرغم أن هذه الأخيرة، “تلعب دورا أساسيا في عمليات تدبير المخاطر الطبيعية”، حسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات (أبريل 2016)، فإن “الإمكانيات الموضوعة رهن إشارتها تبقى غير كافية وموزعة بشكل غير متكافئ”، حسب نفس التقرير، الذي يضيف: “إن عدد العاملين بالمديرية العامة للوقاية المدنية يبقى غير كاف للقيام بالمهام المسندة إليها ولتحسين مستوى خدماتها”.
نفس الشيء يقوله التقرير عن الوسائل المالية المعبأة لتغطية كل مكونات المخطط الوطني لمحاربة الفيضانات: “إنها بقيت محدودة مقارنة مع الإمكانيات المتوقَّعة والتي حُددت في 25 مليار درهم، ذلك أن المبلغ الإجمالي الخاص بالاستثمار الذي تم الالتزام به ما بين سنة 2003 و2014 يقدَّر بحوالي 7.1 مليار درهم (أي ما يعادل %28 من الميزانية المتوقَّعة)”. [4]
يمكن مقارنة ما توجهه الدولة من ميزانية لتقوية أدواتها القمعية، ومن ميزانية لاستقبال كأس العالم مع الميزانية المخصصة للوقاية المدنية، لكي نعرف الأولويات الحقيقية لهذه الدولة.
مقاربة ما بعد الكارثة
يؤدي التقشف الذي يُضعِف وسائل التدخل للوقاية من الكوارث والحد من آثارها، إلى تفضيل الدولة “مقاربة ما بعد الكارثة”، وهو ما أسماه تقرير المجلس الأعلى للحسابات: “مقاربة تعتمد على ‘رد الفعل’ بدل “نهج استباقي”: “إن ما تم تسجيله بشكل رئيسي في هذا الإطار هو أن الاهتمام ظل منصبا بالأساس، ولمدة طويلة، على تدبير الحالات الاستعجالية عند ظهورها، بدلا من الاهتمام بتدابير الوقاية من المخاطر قبل حدوث الكارثة”. ويغلب الطابع الأمني على هكذا نهج /”رد الفعل”، إذ يكون هاجس السلطة احتواء الاستياء والغضب الناتجين عن “تقصيرها الإجرامي”، وقد شهدنا هذا في الزلزال الذي ضرب الحسيمة سنة 2024، وفي زلزال الحوز 2023، وفي الفيضانات التي ضربت الجنوب الشرقي في العام الماضي.
لا يتعلق الأمر بصعوبة توقع الكوارث، فاحتمال حدوث الأخيرة معلوم للجميع، ويوجد في التقارير المحلية والدولية: “يؤدي تزايد المناطق الحضرية إلى تفاقم مخاطر الفيضانات، لا سيما في المناطق الساحلية، التي يتركز فيها أكثر من %60 من السكان، وأكثر من %90 من الصناعة”. [5]
اهتمام بالواجهة
تفتخر الدولة دوما بما تعتبره تقدما في الإطار القانوني والتشريعي فيما يخص كل الملفات، وضمنها الوقاية من الكوارث والحد من آثارها. مثل تبنيها مبادئ إطار عمل هيوغو (2005- 2015) [6] للحد من مخاطر الكوارث الطبيعية، ووضع استراتيجية وطنية لتدبير مخاطر الكوارث الطبيعية (2020-2030).
لكن كل هذا يقتصر على التوقيع وإعداد الوثائق، دون أن يكون له أثر مباشر على أرض الواقع. وهو ما أكده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي: “على الرغم من انخراط المملكة في مختلف أطر العمل العالمية للحد من مخاطر الكوارث، فإن التقدم المحرَز في هذا المجال كان ضعيفا خلال تقييم إطار عمل هيوغو، ذلك على الرغم من أن بلادنا كانت تسجل تقدما على مستوى الأجهزة والآليات الكفيلة بالوقاية من الكوارث الطبيعية”، والمجلس الأعلى للحسابات (أبريل 2016): “اعتَبر إطارُ عمل “هيوغو” ما أنجزه المغرب ضعيفا”.
وغالبا ما يكون هذا العمل الموجه لإعداد الوثائق وإعلان الاستراتيجيات مدخلا للحصول على التمويلات الدولية، التي تُثقل كاهل مديونية البلد. ففي 2016 حصلت الدولة على تمويل بقيمة 200 مليون دولار في إطار مشروع التدبير المندمج للكوارث الطبيعية، خصصت كلها لإعداد هذه الواجهة التشريعية: “يرمي التمويل إلى إدخال مقاربة شاملة تضم الإصلاح المؤسسي والاستثمارات في تقليص المخاطر والتأمين عليها. هذا التمويل سيسمح بوضع صندوق وطني يهدف إلى تشجيع الاستثمار في مشاريع استباقية لمحاربة الكوارث (خصوصا الفيضانات والتسونامي وانزلاق التربة والزلازل) وتدبير الآثار الناجمة عنها”. [7]
الحصيلة: أجهزة وآليات، مقاربة شاملة، إصلاح مؤسسي، وضع صندوق وطني، وفي الجهة الأخرى حيوات البشر تفنى بسبب الكوارث الطبيعية التي تفاقمها السياسات النيوليبرالية للدولة.
كيفما كانت خلاصة التحقيق القضائي الذي أعلن وكيل الملك بآسفي مباشرته، فإنه لن يمس المسؤول الفعلي وراء الكارثة التي عصفت بمدينة آسفي وما نتج عنها من مآسٍ إنسانية. الأمر يحتاج إلى نضال عمالي وشعبي يضع نصب أعينه بناء نموذج اقتصادي واجتماعي موجَّه لخدمة البشر وليس لخدمة الشركات.
آسفي: مدينة تحتضر منذ وقت طويل
لا يموت الناس في مدينة آسفي بسبب الفيضانات فقط. هذه المدينة التي كانت في وقت مضى قطبا صناعيا واعدا، أصبحت مدينة بؤس وبطالة وتلوث وأمراض.
“آسفي مدينة تنتج الثروة، لكن بالمقابل، لا يطالها من هذه الثروة إلا التهميش لأبنائها، إذ إن نسب البطالة مرتفعة، ناهيك عن مخلفات تمركز هذه المصانع بترابها، والتي جعلت ساكنة الإقليم تعاني مجموعة من الأمراض بسبب التلوث الناتج عن نشاطاتها”. هذا ما صرح به الناشط الحقوقي بمدينة آسفي، عبد الإله الوثيق لموقع العمق المغربي. [8]
- تقهقهر اقتصادي
كان التطور الحضري والاجتماعي والاقتصادي بالمدينة وأحوازها، منذ بداية القرن العشرين، مرتبطا بصناعة صيد الأسماك التي تشكل، إلى جانب صناعة الفوسفات، ركيزتين أساسيتين لاقتصاد المدينة والمنطقة المحيطة بها. لكن في سنة 2011 كان في مدينة آسفي 18 وحدة صناعية من أصل 80. [9]
عانت آسفي من قسمة العمل الدولية التي فرضت على المغرب التخصص في مد الأسواق الأوروبية بحاجياتها. لذلك كانت الوحدات الصناعية بالمديية متخصصة على نحو مفرط في قطاع الصناعات الغذائية (القطاعات الديناميكية: المعلبات، زيوت ودقيق السمك…). وكان إنتاج %80 من الشركات المتخصصة في مجالات الصناعة المرتبطة بصيد الأسماك موجًّها إلى السوق الدُّولية.
أدى استنزاف الثروة السمكية إلى ظهور مشكلة التزود بالمواد الخام بالنسبة لمعظم شركات تعليب الأسماك، بسبب انخفاض كمية المصيد في ميناء آسفي، مما يجبرها على شراء المواد الخام بأسعار مرتفعة من موانئ الصيد البحري الأخرى في جنوب المغرب… وكانت النتيجة إغلاق متسارع للوحدات الصناعية الخاصة بالتعليب، وانتقالها إلى المدن الجنوبية حيث الثروة السمكية لم تُستنزَف بعد.
أدى ذلك إلى انخفاض عدد العاملين الدائمين (دون الحديث عن غير الدائمين)، بخسارة 1127 منصب شغل قار، ولم يتمكن قطاع الكيمياء والباراكيمياء من تعويض ذلك، رغم ارتفاع عدد الشركات العاملة في القطاع من 11 وحدة سنة 1998 إلى 39 وحدة سنة 2002، إذ لم تستوعب هذه الوحدات سوى جزء ضئيل من طالبي الشغل؛ حوالي 297 شخصا. [10]
كانت النساء أكبر ضحايا التسريحات وإغلاق المعامل. ونذكر من ذلك على سبيل المثال لا الحصر: تسريح عاملات التعاونية المغربية للتصبير”سيمسي”، التي كانت أهم وحدة في هذه المنطقة الصناعية ذات نسبة التشغيل البالغة حوالي 2200 عاملة [11]. وقد اضطر العمال والعاملات المسرَّحين إلى الهجرة نحو سوس للعمل في الضيعات الزراعية الرأسمالية.
تدهور حضري
أدى التقهقر الاقتصادي إلى تدهور حضري. نما سكان الإقليم من حوالي 308 آلاف نسمة حسب إحصاء سنة 2014، إلى أكثر من 700 ألف نسمة حسب إحصاء سنة 2024. يؤدي هذا النمو الديمغرافي إلى اختلال التوازن بين حجم سكان المدينة وأهمية قاعدتها الاقتصادية. هذه الأخيرة التي رأينا كيف تقهقرت بسبب إغلاق الوحدات الصناعية.
ليست أزمة المدينة سوى تعبيرٍ حضري عن الأزمة الاقتصادية وتفكيك الصناعية المحلية. يضاف إلى ذلك أشكال تدبيرها من قِبَلِ مجالس منتَخبة بدون وسائل مالية كافية، بالتضافر مع انعدام الديمقراطية التي تمكن المواطنين من ممارسة الرقابة على تلك المجالس ومحاسبتها.
يبلغ طول شبكة تصريف المياه المستعمَلة المنزلية بالمجال الحضري لمدينة آسفي 350 كلم، تغطي مجموع أحياء المدنية، وهي من نوع النظام الموحد أو المشترك (Système Unitaire)، الذي يتميز بالجمع بين مياه الصرف الصحي ومياه الأمطار في نفس القنوات (الأنابيب)، كما أن %90 من الوحدات الصناعية غير مرتبطة بشبكة التطهير السائل. ويجري تصريف المياه المستعلة في العملية الإنتاجية بإلقائها مباشرة بالبحر دون معالجة مسبقة أولية عبر سلسلة مخارج تمتد على طول الساحل من خلال أكثر من 30 قناة صغيرة القطر.
يعتمد الصرف الصحي بالمدينة تقنية عتيقة قائمة على تصريف الملفوظات السائلة (المنزلية والصناعية) نحو البحر على عامل الجاذبية والميل الطبوغرافي، وتعاني هذه الشبكة من إكراهات مرتبطة بعدم مواكبة قنوات الصرف الصحي للتوسع العمراني الذي تعرفه المدينة، خاصة تقادُم بعض أجزاء هذه القنوات، مما يتسبب في حدوث اختناقات خلال الأشهر الممطرة من السنة خاصة بالأحياء المنخفضة طبوغرافيا (مثل المدينة القديمة، والبيار). [12]
إن بنية تحتية من هذا القبيل، في مدينة قديمة وأثرية وبنايات متهالكة لا بد أن تؤدي إلى كوارث مثل التي شهدناها في الفيضان الأخير.
التلوث أيضا يقتل
ضخامة الخسائر الناتجة عن الفيضان، خصوصا حصيلة القتلى، والتي سُجلت في وقت قياسي أثارت الانتباه إلى الضحايا. لكن في آسفي يموت الناس في صمت دون أدنى التفات، بسبب التلوث.
أجرت وزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة MEMEE سنة 2010 دراسة قياس تركيز الغازات الملوثة بمركز أو وسط مدينة آسفي، وكانت خلاصة الدراسة هي: تجاوز الحد الأقصى الذي وضعته منظمة الصحة العالمية لثاني أكسيد النيتروجين (NO2) الذي بلغ 28 ميكروغرام/ المتر مكعب، وتجاوز ثاني أكسيد الكبريت (SO2) القيمة الوطنية المقبولة للحماية الصحية بـ 35 ميكروغرام/ المتر مكعب… [13]
تسبب هذا في ظهور العديد من الأمراض التي لم تكن تعرفها مدينة آسفي سابقا، حيث أبانت الدراسة المُنجزة من قِبَلِ المنظمة الدولية SWISSAID عن العلاقة المباشرة بين الانبعاثات الملوثة للمركبات الكيماوية المساهِمة في تلوث الهواء، وانتشار مجموعة من الأمراض المرتبطة بالجهاز التنفسي وبعض السرطانات المرتبطة بالجهاز الهضمي.
كانت خلاصة الدراسة التي اعتمدت نتائج فحص طبي لحوالي 4000 عامل، هي: “العديد من العمال يعانون من أمراض تنفسية وسرطانية نتيجة التعرض المطول للملوثات والغبار الدقيق. وقد جرى الإبلاغ عن العديد من حالات الوفيات وسط العمال نتيجة هذه الأمراض. كما يؤثر تلوث OCP على السكان المجاورين (أمراض تنفسية وتسوس الأسنان) وكذلك على الزراعة وتربية الماشية في القرى المحيطة بمواقع OCP” [14]… أما التقارير الصادرة عن النقابات العمالية للمركب الكيماوي لسنة 2015، فقد كشفت عن ارتفاع حالات الوفيات والمرض في صفوف المتقاعدين، حيث توفي أكثر من 55 عامل منهم بسبب مرض السرطان.[15]
ويشكل الكاموديوم أحد الملوثات الخطيرة، وهو ناتج عن التلوث الصناعي. فحسب دراسة حديثة أنجزها الباحثون؛ هشام الخليل، ابتسام منضري وعلي بُولرباح من مختبر البحث متعدد التخصصات في الموارد البيولوجية والبيئة والمواد ومختبر السلامة الصحية للأغذية بكلية العلوم والتقنيات بمراكش، تجاوز بعض النباتات الحدود القصوى المسموح بها دولياً بالنسبة لمادة الكاموديوم، خصوصاً النباتات الواقعة في منطقة الفوسفاط التي سُجلت بها مستويات تصل إلى 0.4 ملغ/كغ، في حين أن الحد الأقصى بالنسبة لمنظمة الصحة العالمية ومنظمة الفاو هو 0.1 ملغ/كغ فقط. [16]
من أجل تنمية بديلة
إسعاف الضحايا والتضامن معهم والحداد على القتلى واجب، وهو كذلك محاسبة كل من تورط في التقصير الإجرامي الذي فاقم الخسائر البشرية للفيضان. لكن ذلك لن يحمي آسفي، وغيرها من المدن والقرى من كوارث أخرى قادمة، بسبب التقلبات المناخية.
يحتاج الأمر إلى تنمية بديلة، تضع نصب أعينها الحاجيات المباشرة للناس وجَعْلَ تلبيتها أولويةً، وليس نموذجا تنمويا يوجِّه المالية العمومية لتجهيز بنية تحتية ضخمة موجَّهة لاستقطاب الاستثمار الخاص (المحلي والأجنبي)، بمبرر أن هذا القطاع وحده القادر على خلق الثروة والتنمية الاجتماعية، وهي خرافة أثبتت أربعة عقود خطأها.
الواجب هو القطع مع التقشف النيوليبرالي الذي يقضم ميزانيات القطاعات العمومية والاجتماعية، ورفع جذري لهذه الميزانيات، من أجل تجهيز المناطق الحضرية والقروية بما يلزم من أدوات ووسائل لتفادي الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية.
نموذج تنمية بديل يخدم الناس ويحترم الطبيعة، هذا ما يحتاجه سكان آسفي، وغيرهم من سكان البلد.
بقلم: علي أموزاي
—————
إحالات
[1]- أطاك المغرب (14-12-2025)، “كارثة مدينة آسفي: موتٌ آخر لكادحي ومُفقَري “مغرب المونديال”، https://attacmaroc.org/كارثة-مدينة-آسفي-موتٌ-آخر-لكادحي-ومُفق/.
[2]- علي أموزاي (13-09-2023)، “زلزال نيوليبرالي”، https://attacmaroc.org/زلزال-نيوليبرالي/.
[3]- نعوم تشومسكي (2007)، “الدول الفاشلة، إساءة استعمال القوة والتعدي على الديمقراطية”، ترجمة سامي الكعكي، دار الكتاب العربي، بيروت- لبنان، ص 296- 297.
[4]- المجلس الأعلى للحسابات (أبريل 2016)، “التقرير حول تقييم تدبير الكوارث الطبيعية”، https://www.courdescomptes.ma/ar/publication/خلاصة-التقرير-المتعلق-بتقييم-تدبير-ال/.
[5]- مجموعة البنك الدولي (19-04-2021)، “وثائق معلومات البرنامج (PID)”، برنامج المغرب المتكامل لإدارة مخاطر الكوارث والصمود- تمويل إضافي، https://documents1.worldbank.org/curated/en/908861623736587951/pdf/Morocco-Integrated-Disaster-Risk-Management-and-Resilience-Program-Project-Additional-Financing.pdf.
[6]- يتمثل الهدف الأساسي لإطار عمل “هيوغو” في “التقليص، بشكل ملموس، من الخسائر في الأوراح البشرية ومن الأضرار التي تتحملها الجماعات والدول على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والبيئي جراء الكوارث.
[7]- المجلس الأعلى للحسابات (أبريل 2016)، “التقرير حول تقييم تدبير الكوارث الطبيعية”، https://www.courdescomptes.ma/ar/publication/خلاصة-التقرير-المتعلق-بتقييم-تدبير-ال/.
[8]- محسن رزاق (29-12-2022)، “خمسة أسئلة”.. آسفي مدينة معطاء حظها التلوث والبطالة والإمعان في قتل ذاكرتها التاريخية”، https://al3omk.com/807371.html.
[9]- عبدالرحيم اكريطي”رئيس منتدى الصحافة الجهوية دكالة عبدة (26-04+2011)، “إغلاق معامل تصبير السمك يخلف كارثة اجتماعية حقيقية بآسفي”، نُشر في موقع “آسفي اليوم”، وأعاد نشره موقع https://www.maghress.com/safitoday/2826.
[10]- Hassan El Kendi (), «Etude de Redynamisation de l’Ancienne Zone Industrielle de Safie- Rapport Stratégie et Recommandations», https://ausy.ma/publication/etude-de-redynamisation-de-lancienne-zone-industrielle-de-safi/.
[11]- عبد الرحيم أكريطي، مرجع مذكور.
[12]- شريحة الغالية وموفق فتيحة (26-07-2025)، “الدينامية الاقتصادية والحضرية لساحل مدينة آسفي: التشخيص والانعكاسات البيئية والصحية”، مجلة الجيوماتيا وتدبير التراب، مجلد 2، عدد 1، (2025)، ص 37- 55، https://www.google.com/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=&ved=2ahUKEwj1gNrujMKRAxWxgP0HHbFRKrUQFnoECBkQAQ&url=https%3A%2F%2Fjournals.imist.ma%2Findex.php%2FGGT%2Farticle%2Fdownload%2F3974%2F3180%2F10531&usg=AOvVaw3MsusuqKVuaN7c_CJvtMsJ&opi=89978449.
[13]- شريحة الغالية وموفق فتيحة، مرجع مذكور.
[14]- SWISSAID (2019), «Engrais dangereux : Négociants suisses et violations de droits humains au Maroc», www.sachdokumentation.ch/bestand/ds/2063.
[15]- المرجع نفسه.
[16]- Btissam Mandri, Hicham El Khalil, Ali Boularbah, H. El khalil & Mandri Btissam (31-10-2025), “Assessment of trace metals concentrations of soils and plants of urban and suburban areas of Safi City, Morocco”, https://www.nature.com/articles/s41598-024-81184-6.