المخططات الليبراليةالمكتبةكتب وكراريسملفات دراسية

الحلقة العشرون من سيرورة إرساء وتطور السياسات التعليمية بالمغرب. الخصخصة: تحرير للأسواق وترحيل مستمر لثروات البلد

2 – 3 – 4 الخصخصة: تحرير للأسواق وترحيل مستمر لثروات البلد

كان لزاما على المغرب، بعد رهانه على جلب الاستثمارات الأجنبية وتوقيعه على اتفاقيات التبادل الحر، أن يبدأ في مسلسل تحرير القطاع المالي بكل مكوناته وفي مسلسل خصخصة شركاته ومؤسساته العمومية.

يمكن أن نَذْكُرَ عدة حلقات تشكل هذين المسلسلين، كنزع القيود على أنشطة القطاع البنكي عبر تحرير أسعار فائدة الإيداع بداية من سنة 1985 وأسعار فائدة الإقراض بداية من سنة 1990، رفع القيود عن حجم القروض البنكية المسموح بها سنة 1991 وإلغاء إجبارية التوظيفات البنكية بداية من سنة 1994.

سنة 1993، انضم المغرب إلى المادة الثامنة من اتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي، فرَفَع القيود عن أداء المدفوعات والتحويلات المتعلقة بالمعاملات الدولية الجارية. سنة 1994، جرى الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، وسنة 1996  جرى التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وتأسيس سوق الصرف الذي شهد مزيدا من اللبرلة سنة 2007 عند اتخاذ مجموعة من الإجراءات للسير قدما في عملية تحرير حساب رأس المال[1]. كما اتخذت أيضاعدة إجراءات لتحرير قطاع التأمينات التزاما بما نصت عليه اتفاقيات التبادل الحر[2].

من جانب آخر، سنة 1993 جرى انشاء شركات البورصة وهيئات الاستثمارات الجماعية في القيم المنقولة. لكن يبقى الالتجاء إلى السوق المالية من أجل تمويل الاقتصاد ضعيفا حيث يمثل 2.5 في المئة من الاستثمارات[3]. لدعم السوق المالية تسعى الدولة إلى السماح بتداول منتجات مالية جديدة كالمشتقات. فقد تمت المصادقة على المرسوم الخاص بتأسيس هيئة تنسيق السوق الآجلة شهر ماي 2019 بعدما جرى إدراج القانون الخاص بهذه السوق بالجريدة الرسمية سنة 2015. وبموازاة الترويج لمشروع “الدار البيضاء المالية” ذي الكلفة العالية جدا، البيضاء التي يراد لمركزها المالي أن يكون محطة للرساميل الطائرة إلى باقي القارة الإفريقية، يتعزز منحى تحرير السوق المالية بعد دخول المرحلة الأولى من تحرير سعر صرف الدرهم، والتي سبقها تمتيع بنك المغرب بالاستقلالية منذ صدور قانون 2006. هذه السياسات الليبرالية تشكل خطرا على اقتصاد بلد تابع، وستعرضه لتقلبات مفاجئة ستكون لها عواقب كارثية على سكان المغرب. أما السياسة النقدية المتبعة، فتخدم بالأساس المستثمرين الماليين الكبار والأبناك. خلق النقد سيصبح أكثر بيد البنوك الخاصة، والتحكم في الكتلة النقدية عند توسع الأسواق المالية وتنامي المنتجات المالية سيصبح حكرا على رأس المال[4].

تعد الخصخصة إحدى السياسات المملاة من قبل المؤسسات المالية العالمية. فحسب البنك، يجب على الدولة أن تتخلص من الشركات العمومية وأن تترك المجال للقطاع الخاص للاستثمار في القطاعات التي كانت في ملكية الدولة. فهذه الأخيرة عاجزة عن تسيير هذه الشركات ب “فعالية” والقطاع العمومي يشكل عبئا على ميزانية الدولة، وذو مردودية ضعيفة. فأُصدر بذلك، سنة 1990، قانون الخصخصة. مكنت هذه الأخيرة رأس المال، بين سنتي 1993 و2005، من 44 شركة و26 فندق، من بينها اتصالات المغرب، شركة التبغ، صوماكا، شركات السكر، شركة لسامير، الشركة الوطنية للاستثمار، مساهمة الدولة في البنك المغربي للتجارة الخارجية …واستمر بيع حصص الدولة المتبقية في مجموعة من الشركات، لتكون الحصيلة 120 عملية خصخصة جزئية أو كلية. سنة 2016 جرى طرح 40 في المئة من أسهم مرسى ماروك في البورصة. لينص مؤخرا قانون المالية لسنة 2019 على برمجة تحصيل خمسة مليارات من الدراهم عبر عودة برنامج الخصخصة وفتح رأس مال الشركات التي بلغت مرحلة النضج. يجري التحضير أيضا لتفكيك المكتب الوطني للسكك الحديدية إلى شطرين، أحدهما مكلف بالبنى التحتية سيبقى تحت إشراف الدولة والثاني يخص الاستغلال التجاري وسيعهد به لشركة تجارية. فالدولة ستقتصر على الاستثمار في السكك[5].

توزع مداخيل الخصخصة بين صندوق التنمية الصناعية والاستثمارات وصندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الذي يساهم في صندوق “إثمار كابيتال” بنسبة الثلث، والذي يعتبر صندوقا سياديا تساهم فيه الموازنة العامة بنسبة الثلثين لتوجيه المستثمرين ومواكبتهم، واستقطاب الاستثمارات نحو إفريقيا والمساهمة في تمويل مشاريع تعود بمردودية عالية على الرساميل.

ما يمكن استنتاجه من هذا السطو المسمى خصخصة – التي تعد إحدى السياسات التي يجري الارتكاز عليها لجلب الاستثمارات الأجنبية، حيث كان بيع 35 في المئة من حصة الدولة في شركة اتصالات المغرب سنة 2001 العامل الأساس في ارتفاع مستوى تدفق هذه الاستثمارات – هو كالتالي: استمرار الإنفاق العمومي على شركات ومؤسسات إلى أن تنضج وتصبح جاهزة لتوليد أرباح بنسب عالية، بعد ذلك يجري تفويتها للخواص، الذين يعملون على عصرها لتصبح أكثر تنافسية، في حين أن عائدات الخصخصة تذهب في اتجاه تهيئة كل الشروط المناسبة للمستثمرين، حتى يتسنى لهم الحصول على قطاعات جديدة لتثمير رؤوس أموالهم خارج البلد.

يعد التدبير المفوض شكلا آخر من إهداء الدولة ثروات البلد لرأس المال. فقطاعات عديدة كتوزيع الماء والكهرباء، النظافة، النقل…كلها أصبحت حقول عبرها يجري ترحيل الثروة إلى خارج البلد على شكل أرباح ونفقات الخبرات الأجنبية بالعملة الصعبة، في الوقت الذي يعاني فيه المواطنون من كلفة الاستفادة من الخدمات التي تبيعها لهم الشركات المدبرة لهذه القطاعات الحيوية بأسعار لا تناسب قدرتهم الشرائية.

لتمويل مشاريع كبرى أو توفير خدمات كانت الدولة تتكلف بضمانها، ولتمكين القطاع الخاص من الاستثمار في حقول ذات مردودية مغرية، اعْتُمد القانون 86/12 لتقنين الشراكات بين القطاعين العام والخاص. هذا النوع من الشراكات سيكون بوابة لإعادة هيكلة المؤسسات والشركات العمومية (الوكالة الوطنية للسكك الحديدية، الوكالة الوطنية للماء والكهرباء…)  وتفويت أصولها بعد عقود من تدبير فاسد أدى إلى تفاقم مديونيتها.


[1]M. WARGUI, « Les réformes financières au Maroc : séquences et agendas », L’année du Maghreb, Dossier : S’opposer au Maghreb, Économies du Maghreb éditer par P. AUGIER et S. PALMERO, 2009, p.485-513.

[2] نفس المصدر

[3] El Mehdi. LAMRANI, « Le système financier marocain en quête d’un nouveau souffle », Le Maroc au présent. D’une époque à l’autre, une société en mutation, Baudouin DUPRET, Zakaria RHANI, Assia BOUTALEB, Jean-Noël FERRIE et al, 2015, p. 967-973

[4]عبد القادر مرجاني، “استقلالية البنك المركزي ونظام الصرف المرن، مخططات صندوق النقد لوضع البلد في قلب العاصفة”،2017

[5] « La scission de l’ONCF refait surface ». L’Economiste, Edition n°5625. 30/10/2019

زر الذهاب إلى الأعلى