المخططات الليبراليةالمكتبةكتب وكراريسملفات دراسية

الحلقة التاسعة من سيرورة إرساء وتطور السياسات التعليمية بالمغرب: البرنامج الاستعجالي، حرب سياسية على المدرسة العمومية ذات لبوس تقنية

الحلقة التاسعة

مثلت السنوات الخمس لتطبيق الميثاق فترة ذهبية في مجال إعادة صياغة الإطار القانوني والتدبيري للتعليم العمومي بالمغرب. فقد جرى إنتاج عدد هائل من النصوص القانونية والتنظيمية والهياكل التدبيرية الجديدة، مثل القانونين 00/01 و00/07 المتعلقين بالتعليم العالي وبالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والظهائر التطبيقية لهما ولما له بهما من صلة، حجر الزاوية فيها، والوعاء الذي سيجري داخله تنفيذ السياسات المجهزة على حلم بناء مدرسة عمومية مجانية وجيدة بالمغرب.

نجح الميثاق والإجراءات التي أتت في سياقه، بما فيه في ذلك النظام الأساسي الجديد لموظفي وزارة التربية الوطنية، في التأسيس لرؤية المدرسة الليبرالية بالمغرب، وحرف النظر عن كل البدائل الاخرى عنها. لقد كان هذا إنجازا أساسا. لكن التخلص من تناقضاته الداخلية (المقصودة) أصبح على جدول الأعمال. لقد أتى الوقت ليعلن واضعو الميثاق عن تعثرات تنفيذه، لكي يجري التخلص من كل لبس قد تكون العبارات الطنانة التي حفل بها الميثاق قد أحدثته، والتوجه رأسا نحو تنفيذ البرنامج النيوليبرالي بوضوح.

  • البرنامج الاستعجالي: حرب سياسية على المدرسة العمومية ذات لبوس تقنية

 اتخذ المولود الجديد، المسمى “برنامجا استعجاليا”، في مضمونه وأهدافه وطريقة صياغته شكلا جديدا:

لقد اعتمد لغة ليبرالية سافرة، بحيث لم يسع واضعوه إلى تمويه طبيعته كما فعل الميثاق، ولماذا يفعلون ذلك وقد اختفت من الساحة تلك الحساسية السياسية “الوطنية” التي تحولت لبوق إضافي للعولمة الليبرالية.

جاء البرنامج الاستعجالي في طريقة صياغته، وفيا لموضة اللجوء إلى مكتب للدراسات لوضع المشروع على غرار باقي المشاريع المتزامنة معه (المخطط الأزرق. المخطط الأخضر..)، فلم تعد هناك حاجة لبناء رؤية “سياسية”، فقط يتطلب الأمر إجراءات تقنية، عليها أن تستفيد من آخر ما وصل إليه “علم التدبير”.

•        إجراءات البرنامج الاستعجالي: الميثاق الوطني يتخلى عن مساحيق التجميل ” الوطنية”.

أنزل البرنامج الاستعجالي بعد صدور تقريرين:

1)  تقرير البنك الدولي[1] الذي وضع النظام التعليمي في نفس ترتيب دجيبوتي والعراق المدمر. واقترح خطاطة لإنجاح إصلاح التعليم متمحورة حول مكونات ثلاثة بلغة البنك الدولي:

  • هندسة التعليم: الموارد المالية ـ المناهج والتدريس ـ التمويل والإدارة.
  • الحوافز: ربط النواتج بالمكافآت أو ربط الأجر بالمردود.
  • المساءلة العامة.

وشخص أهم داء في كون التمويل الخاص للتعليم متواضع نتيجة التزام دول المنطقة بالمجانية.

2)   تقرير المجلس الأعلى للتعليم الذي كان رجع صدى لتقرير البنك الدولي، ونقلا لمضمونه ليوافق الاصطلاحات المستعملة وطنيا، ووصف أزمة التعليم بكونها:

  • أزمة حكامة: ليس هناك “تحفيز” للمدرسين باعتبار أن الترقية تتم بالأقدمية.
  • أزمة تمويل: اعتبر أنه هناك ضعف في الإنفاق التربوي.

جاء البرنامج الاستعجالي ب 23 مشروعا موزعة على أربعة أبواب هي:

  • التحقيق الفعلي لإلزامية تعليم الأطفال إلى غاية 15 سنة: أي استكمال أوراش تعميم التعليم التي لم تنفذ في الماضي.
  • استكمال تأهيل الثانوي وتحسين التعليم العالي. (4 مشاريع).
  • مواجهة إشكالات تدبير المنظومة: (حل أزمة الحكامة). (7 مشاريع).
  • توفير وسائل النجاح: الحل النهائي لإشكالية تمويل التعليم. (مشروعان).

  • اللغة الليبرالية السافرة تطل من ثنايا البرنامج الاستعجالي تحت عناوين تدبيرية

يستعمل البرنامج كلمة/مفهوم العرض التربوي عند حديثه عن التعليم التأهيلي والعالي وهو استعمال غير مسبوق في الحقل التعليمي المغربي ويحيل مباشرة وصراحة على ثنائية العرض والطلب كما هو متعارف عليها في كل سوق.

بمعنى أنه ينبغي أن تتشكل “سوق تربية” في الثانوي التأهيلي والعالي. ومدخل ذلك موجود، فهو غير إلزامي، وبالتالي غير مطلوب من الدولة أن تستمر في تقديم خدماته، بل يجب ربطه بالقدرة على الأداء/ شراء الخدمة.

كما يستعمل البرنامج كلمة العرض المدرسي عند الحديث عن الابتدائي والإعدادي وهنا يميز البرنامج بين “المصالح التي تشكل جوهر الوظيفة التعليمية” بمعنى التدريس. “والمصالح التي لا تشكل جوهر الوظيفة التعليمية” بمعنى الحراسة والنظافة وتدبير الداخليات والمطاعم المدرسية والنقل المدرسي…هاته المصالح الأخيرة لا ينبغي ان تقدمها الدولة، بل يجب أن تصبح خاضعة لمنطق السوق. وقدم سياق تنفيذ البرنامج أولى تطبيقاته مع تكليف شركات بخدمات الحراسة والنظافة، ووقف توظيف الأعوان الذين كانوا يتكلفون بذلك.

تمثل هاته “المصالح التي لا تشكل جوهر الوظيفة التعليمية” أساس نجاح أية مدرسة باعتبار أهميتها الأساس في جعل الفضاء المدرسي جذابا وآمنا ومحتضنا للعملية التربوية في شروطها الجيدة، إنها مكون رئيس من مكونات الوظيفة التعليمية وأساس لا غنى عنه لمدرسة جيدة، لكن المنطق الليبرالي له رأي آخر.

وعد البرنامج بإصلاح البنيات التحتية والصيانة وتوفير النقل وتعميم التعليم الأولي والاعداديات بالوسط القروي وإنشاء المدارس الجماعاتية وداخليات جديدة، وهاته تظهر للوهلة الأولى ك”ايجابيات”، لكنها ربطت في البرنامج بما سماه الأخير “توفير وسائل النجاح” أي منظوره لحل إشكالية التمويل. وهذا الحل يقوم حسب البرنامج ب :

1)   تفويض ما سماه البرنامج “المصالح التي لا تشكل جوهر الوظيفة التعليمية” إلى جهات خارج المنظومة: تدبير الداخليات ـ الأمن والحراسة ـ النقل ـ الصيانة والترميم ـ البناء ـ الفضاءات الخضراء ـ المطاعم… بمعنى خدمات مؤدى عنها تستهدف تحقيق الربح لمقدميها.

2)   إحداث صندوق لدعم التعليم المدرسي (الابتدائي والإعدادي): تجري تغذيته من قبل فعاليات المجتمع بمعنى إثقال كاهل المواطنين بمصاريف جديدة تنضاف إلى موجة الغلاء…

3)   تنمية العرض التربوي الخصوصي:

ـ إشراك المبادرة الخصوصية في تدبير مؤسسات مدرسية “عمومية” قائمة.

ـ تفويض تدبير مدارس “عمومية” للقطاع الخاص (خصخصة مدارس قائمة).

ـ تطوير نموذج جديد ومتكامل “للعرض التربوي الخاص” ينتظم حول متدخلين خواص من حجم كبير باستطاعتهم تغطية التراب الوطني. أي خلق سوق كبير للتعليم بالمغرب يسيل لعاب رأسمال كبير للاستثمار بهذا القطاع.


[1]  التقرير المعنون ب” الطريق غير المسلوك”.

زر الذهاب إلى الأعلى