المخططات الليبراليةالمكتبةكتب وكراريسملفات دراسية

الحلقة الثانية والعشرون من سيرورة إرساء وتطور السياسات التعليمية بالمغرب: تقوية التنافسية: “مرونة سوق الشغل” و “أجور منخفضة”

  • تقوية التنافسية: “مرونة سوق الشغل” و “أجور منخفضة”

لجلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة يجب إدخال المرونة على الأجور وعلى سوق الشغل. فبالنسبة للأجور، من جهة، يجب إزالة عائق الحد الأدنى للأجور- الذي تعتبره الاستثمارات متجاوزا لإنتاجية اليد العاملة المحلية- لكي يتمكن رأس المال من شراء قوة العمل مع ضمان معدلات ربح مغرية، ومن جهة أخرى، يجب ربط الأجور بالمردودية. فمع تغير شروط العمل باستمرار، يطلب من الأجير أن يتكيف بشكل دائم مع التحولات، وأن يرفع من إنتاجيته عن طريق الإنفاق على تكوينه المستمر وبالتالي أن يرفع من مردوديته أو أن يحافظ على مستوى مردوديته، وهذا ما سيخول له الحفاظ على مستوى أجره الذي لن تكون للأقدمية أي دور في تحديد قيمته. فإن لم يستطع الأجير “الاستثمار” في تنمية مهاراته لتكون له كفاءة   في تخصصات متعددة، فمن الطبيعي أن ينخفض أجره أو يسرح. وفي حالة عدم قبوله بعمل آخر ذي أجر متدنٍّ، يكون هو بذاته من اختار البطالة طواعية وليس من حقه المطالبة بأي تعويض عنها.

أما مرونة سوق الشغل، فتعني إتاحة الإمكانية قانونيا للمقاولات لتسريح العمال دون قيود. مداخل هذه المرونة هي نزع التقنين عن تشريعات الشغل، توسيع المجال للعمل بعقود الشغل المحددة المدة وتعميم العمل المؤقت.

في تقرير بخصوص تقييم مناخ الاستثمار بالمغرب، صادر عن البنك العالمي سنة 2005[1]، يثمن هذا الأخير المرونة التي أسست لها مدونة الشغل لسنة 2003 عند تنصيصها على عقد الشغل المؤقت وعقد الشغل من الباطن. مشيرا إلى أنه على عكس التوقعات، يبدو أن المدونة قد زادت بدلاً من ذلك من “صلابة” سوق الشغل وتكلفة اليد العاملة. على سبيل المثال، أدى انخفاض ساعات العمل الأسبوعية من 48 إلى 44 ساعة دون تخفيض في الأجور، بالإضافة إلى الزيادة في الأجور حسب الساعة بحوالي 9 في المائة، إلى الزيادة في كلفة العمل حسب الساعة بحوالي 20 في المئة. بالإضافة إلى ذلك، زادت أحكام المدونة من صلابة رواتب المشَغَّلين وجعلت التسريح من العمل مكلِفا أكثر. كما يشير إلى كون صلابة الشغل في المغرب أعلى من نظيرتها في بلدان أوروبية وأخرى عربية (مصر، تونس، الجزائر، رومانيا، كرواتيا، تركيا…) مما يشكل عائقا للتشغيل بالنسبة للمقاولات وكذلك عائقا أمام تسريحها لليد العاملة التي لا تحتاجها.  في تقاريره السنوية المصنفة للبلدان حسب حالة مناخ الأعمال بها، يصنف البنك العالمي المغرب في مراتب دنيا عند دراسة مؤشر “صعوبة التوظيف”. فالمدة القصوى لاستخدام العقود المحددة المدة تصل إلى 12 شهرا، في حين أن بلدانا أخرى لا تضع حدا لاستعمال مثل هذه العقود. أما الأجر المتوسط لعامل عمره 19 سنة يمثل أكثر من ضعف مثيله بتونس أو مقدونيا، في حين أن هناك بلدان لا تضمن حدا أدنى لهذا الأجر كرواندا. كما يشير البنك إلى أن المغرب يمثل استثناءً عند منعه استخدام هذه العقود في حالة المهام الدائمة. المغرب لازال أيضا بتشريعاته يجعل التسريح مكلفا ومعقدا، حسب التصنيف وفق مؤشري “صعوبة التسريح” و”كلفة التسريح”، فمثلا تُمَثل تعويضات التسريح ما يعادل 13.5 أسبوعا من الأجر في حين أنها تمثل ما بين 6.3 و7.8 بالنسبة لأغلبية البلدان التي يشملها التقرير السنوي[2].

 إذن لتقوية تنافسيته، يجب أن يبذل المغرب مزيدا من الجهود لإضفاء المرونة على علاقات الشغل. في هذا السياق، يأتي الاتفاق الاجتماعي لشهر إبريل لسنة 2019، تلتزم فيه الدولة بتسريع إخراج قانون الإضراب إلى حيز التنفيذ، إصدار المرسوم المتعلق بعقود الشغل المحددة المدة، مراجعة شروط تطبيق عقود العمل المؤقت وفتح ورش إصلاح مدونة الشغل[3].

تسعى بأطرونا المغرب إلى تحقيق مكاسب على المستوى القانوني والتشريعي للتأسيس والتقعيد للاستغلال والمرونة [في التشغيل] المكرَّسَين منذ عقود على أرض الواقع، وفي ذلك طمأنة للمستثمرين الأجانب وتجريدا لمن لا يملكون سوى قوة عملهم من حقهم في التصدي لتعديات رأس المال.

لم تتغير بصورة كبيرة، خلال العشرين سنة الماضية، بنية الشغل حسب المجموعات الكبرى للمهن، حيث تستأثر فئات “عمال وعمال يدويون في الفلاحة والصيد (بما في ذلك العمال المؤهلون)”، “حرفيون وعمال مؤهلون في المهن الحرفية (باستثناء عمال الفلاحة)” و “العمال اليدويون غير الفلاحين، الحمالون وعمال المهن الصغرى”، بالنسبة الأكبر من إجمالي التشغيل بالمغرب. سنة 2018، بلغت هذه النسبة 54.7 في المئة، موزعة على التوالي كالتالي: 21و18.7 و15 في المئة.

أما القطاعات المشغلة فيمكن أن نرتبها حسب مناصب الشغل المحدثة كالتالي: 1) قطاع “الخدمات” بمكوناته “التجارة بالتقسيط خارج المحلات التجارية” و”الخدمات الشخصية والمنزلية” و”المطاعم والفنادق”. 2) قطاع “الفلاحة والغابة والصيد”. 3) قطاع “البناء والأشغال العمومية”. 4) قطاع “الصناعة بما فيها الصناعة التقليدية” ويعود إحداث المناصب أساسا في هذا القطاع الأخير، سنة 2018، إلى فرع ” صناعة الألبسة”[4].

الهشاشة، البطالة والشغل الناقص، كلها مميزات واقع الشغل بالمغرب. وفقًا للمندوبية السامية للتخطيط، 16.4 في المئة من العمال النشيطين يعملون بدون أجر في عام 2018، أي 1.77 مليون شخص. وكلهم تقريبا يدخلون في خانة “مساعدات عائلية” التي تضم الأشخاص اللذين يعملون لدى مقاولة، لصالح فرد من العائلة، مع العلم أن الفرد منهم يقطن مع مشغله في نفس المنزل. 90٪ من هؤلاء العمال من الوسط القروي و55 ٪ منهم من النساء ويبلغ عددهن 945000. تعمل أكثر من 39.3٪ من النساء العاملات بدون أجر. ترتفع هذه النسبة إلى 70.4٪ بالنسبة للنساء القرويات. بالنسبة للشباب الذين تقل أعمارهم عن 25 عامًا، فإن 45.5 في المائة من جميع العاملين الشباب، عملهم غير مدفوع الأجر.

وفقًا لإحصائيات نفس المندوبية، لا يتوفر لدى حوالي 6 من كل 10 أجراء (59.4٪) عقد يضفي صبغة رسمية على علاقتهم بصاحب العمل. 7.1 ٪ لديهم عقد لفظي، و8 ٪ لديهم عقد محدد المدة و24 ٪ يتوفرون على عقد لمدة غير محددة ونصف المناصب المحدثة – بعد سنة 2008 – هي مناصب شغل موسمية أو عرضية[5].

لكن الفئات الأكثر تأثراً بالهشاشة هي فئة الشباب حيث إن الذين تقل أعمارهم عن 25 عامًا منهم، هم المعنيون أكثر بالعمل دون عقد، 21.2٪ فقط من يتوفرون على عقود عمل.

وعن ظروف العمل، تكشف إحصائيات المندوبية عما نسبته 6.2٪ من العاملين الذين يعملون ليلا ونهارا.

وفقًا للقانون، فإن عدد ساعات العمل القانونية هو 44 ساعة في الأسبوع. ومع ذلك، فإن 40.4 ٪يعملون أكثر من 48 ساعة في الأسبوع. ما يقرب من نصف العاملين في قطاعات البناء (48.7 ٪) والخدمات (47.5 ٪) يعملون أكثر من 48 ساعة في الأسبوع. نسبة الشغل الناقص تصل إلى حوالي 10 في المئة، و26.1 في المئة فقط من الأجراء تستفيد من تغطية صحية مرتبطة بعقد العمل و19.4 في المئة هي التي لها تغطية من قبل واحدة من أنظمة التقاعد[6].

لجلب مزيد من الاستثمارات، المطلوب؛ المزيد من مرونة الشغل وهشاشته مع تقنينهما. هذا هو جديد/قديم السياسات الليبرالية.

يعكف حاليا واضعو السياسات الاقتصادية للبلد على بلورة ما يسمونه النموذج التنموي الجديد، الذي لن يغدو سوى مسرعٍ لتتميم السياسات الليبرالية المملاة من قبل الدوائر المالية العالمية، والذي يجد جذوره في المخططات والمناظرات والاتفاقيات المعلن عنها سابقا: توصيات المناظرة الثالثة حول الإصلاح الجبائي، ميثاق الاستثمار الجديد، الرؤية الاستراتيجية للتربية والتكوين، الاتفاق الاجتماعي الأخير بين الحكومة الباطرونا والنقابات، مخطط تسريع التنمية الصناعية و من قبله المخططات القطاعية، مواصلة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، مواصلة تنزيل مقتضيات القانون التنظيمي لقانون المالية والحفاظ على “التوازنات المالية” عبر تقليص النفقات الاجتماعية وتقليص كتلة الأجور وتفكيك الوظيفة العمومية والاستمرار في رفع الدعم عما تبقى من المنتوجات الأساس وتبني سياسة “التصدق على الفقراء” عبر استهداف الفئات الهشة، التي تتسع قاعدتها و تتسع الهوة بينها وبين المستفيدين من الوضع القائم.. فالأوصياء على السياسات المغربية يعلمون أن المركب الذي توجهه البوصلة الرأسمالية في عرض البحر، فَقَدَ إمكانية الرسو مجددا ولم يتبق له سوى الهروب إلى الأمام، مصاحبين ذلك بتضييق هامش الحريات وقمع الاحتجاجات والاستمرار في نهج يزيد من تركيز الثروة والسلطة بيد أقلية رأسمالية محلية ويُمَكن رأس المال الأجنبي من فرص استثمار تعمل على تحويل جزء من الثروة المنتَجة داخل البلد إلى الخارج.


[1]« Evaluation du climat de l’investissement », préparé par la Banque Mondiale (Région MNA), en collaboration avec le bureau de Rabat de la Société Financière Internationale (SFI – PEP MENA) et le Ministère de l’Industrie, du Commerce et de la Mise à Niveau de l’Economie (MICMANE), 2005.

[2] Le ministère de l’Emploi et des Affaires Sociales (MEAS), USAID/Maroc. « L’impact du code du travail sur le climat des affaires au Maroc ». 2014

[3]http://www.cgem.ma/fr/actualite-cgem/la-cgem-signe-un-accord-social-avec-le-gouvernement-et-les-partenaires-sociaux-2133

[4] المندوبية السامية للتخطيط. مذكرة إخبارية للمندوبية السامية للتخطيط حول وضعية سوق الشغل سنة 2018

[5]« Le marché du travail au Maroc : Défis et opportunités ». Haut-Commissariat au plan et la banque mondiale. 2017

[6] HCP ; Note du Haut-Commissariat au Plan relative aux principales caractéristiques de la population active occupée en 2018

زر الذهاب إلى الأعلى