المخططات الليبراليةالمكتبةكتب وكراريسملفات دراسية

الحلقة 27 من سيرورة إرساء وتطور السياسات التعليمية بالمغرب:تجارب لتلمس الخروج من أزمة العمل النقابي (الجزء الثاني)التنسيقيات الفئوية

2 – 2 التنسيقيات الفئوية:

يمكن اعتبار الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب أول تنظيم فئوي داخل الحركة النضالية “العمالية” المغربية. ونشوؤها نتج بصورة أساس عن تقصير تاريخي للحركة النقابية في تنظيم العاطلين: سواء العمال المسرحين أو الملتحقين الجدد ب”سوق الشغل”. رغم أن استراتيجية الجيش الاحتياطي هي استراتيجية رأسمالية معروفة هدفها الضغط على الاجور وعلى شروط العمل. طبعت حركة المعطلين مجموع النضالات الاجتماعية بالبلد، وكانت في أصل انتقال اشكال نضال كفاحية إلى مختلف قطاعاته ومن بينها الحركة النقابية. وإن كان لنضال المعطلين حاملي الشهادات طابع خاص، لكنه شكل قنطرة لعبور ذلك النضال الفئوي إلى داخل الحركة النقابية.

  • في العشرية الأولى من سنوات الألفين:

نشأت التنسيقيات الفئوية بالمغرب بداية في أحضان الحركة النقابية المغربية أو على الأقل بالقرب منها، ولعل أول نضال فئوي دال بالمغرب كان هو تجربة المعلمين العرضيين (وقد كانوا في اغلبيتهم معطلين أعضاء في جمعية المعطلين)، عملوا وطنيا بشكل ما في إطار الاتحاد المغربي للشغل. وانتزعوا جزئيا حق الإدماج في الوظيفة العمومية وفي سلمها العاشر بالنسبة للبعض من حاملي الإجازة.

ما أوجه الجديد في هذه الحركة:

+ كل/أغلب المنخرطين فيها يناقشون الخطوات النضالية والمطالب.

+ ليست هناك تفويضات دائمة

+إضرابات ممتدة/ احتلال الشارع (خاصة ساحة الوزارة)

+ مطالب قليلة وواضحة: مادية (الادماج في السلم العاشر بالوظيفة العمومية) سياسية (اسقاط المنشور الثلاثي)

جاءت دينامية العرضيين متزامنة مع مشروع الدولة (معلن جزئيا) لإعادة هيكلة الوظيفة العمومية، وفي سياق تميز بامتداد وتوسع إشراكها المنظمات النقابية الرئيسة في عدد من الهياكل.

في الوظيفة العمومية كانت أهم جبهة هجمت عليها الدولة هي الترقية بالشهادات، وفصل التكوين عن التوظيف (ابتداء من قطاع الصحة) …ضد هذه التراجعات ولدت عدد من التنسيقيات لأجل الدفاع عن هذه الحقوق. وتحولت معظم تلك التنسيقيات إلى أدوات دائمة للنضال الفئوي، حيث سمت نفسها نقابات: النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام – النقابة المستقلة للتعليم الابتدائي – الهيئة الوطنية للتعليم …

خاضت هاته الأشكال التنظيمية نضالات متعددة، توجت بمكاسب لتلك الفئات، لكنها كرست في واقع نضالات الأجراء بالمغرب ممارسة نقابية انتهازية لا تساهم في مراكمة التجربة ولا تساعد على بناء ميزان قوى لصالح عموم الشغيلة يمكن من تحصين المكتسبات والاستمرار في الدفاع عن المصالح الحيوية للشغيلة. لم تعرقل هذه الادوات، أو بالأحرى لم تسقط أيا من الإجراءات التراجعية التي شرعت فيها الدولة منذ بداية سنوات الـ 2000.

  • في نهاية العشرية الأولى وبداية الثانية من سنوات الألفين:

 انتقلت الدولة للهجوم بصورة أشرس على عدد من المكاسب، قانون الإضراب – قانون النقابات – التقاعد – المقاصة… مع فاصل قصير خلال سنة 2011 إثر انطلاق حركة 20 فبراير والتي وَضَعَتِ الحركة النقابية المغربية نفسها على هامشها مكتفية بما أتى به اتفاق 26 أبريل (لم تنفذ بنوده الاستراتيجية: توحيد الحد الادنى للأجور والدرجة الجديدة..).

أثرت دينامية 20 فبراير وما أيقظته وفتحته من إمكانات نضالية، على عدد من الفئات الجديدة ودفعتها للنضال، وهنا وجب الانتباه لبعض السمات:

  • كانت هناك نضالات كفاحية كبرى لفئات من المعطلين، خارج جمعيتهم التاريخية.
  • كانت هناك نضالات كبيرة لفئات من الطلاب خارج منظمتهم التاريخية المفقودة.
  • استمرت فئات كبيرة في التعليم والصحة في النضال خارج النقابات.
  • انفجرت نضالات طلبة الطب في إطار تنسيقيتهم، وبأشكال نضال وتنظيم تمتح من تقاليد ديموقراطية مجيدة.
  • انفجرت نضالات تنسيقية الأساتذة المتدربين ضد فصل التكوين عن التوظيف، وأعطت للنضال الفئوي وجها جديدا، اضطرت معه الحركة النقابية إلى الاعتراف بها، ومحاولة لعب دور، ضمن حدود لم ترد تجاوزها.
  • بجانب هذا كانت هناك نضالات عمالية غير مرتبطة باي تنظيم نقابي، وتستلهم أشكال التنظيم الذاتي المباشر، أبرزها نضال عمال مناجم جبل عوام في ماي 2016.

لقد كانت هاته النضالات تعبيرا عن وصول الأزمة العميقة التي تضرب مختلف أدوات النضال التقليدية إلى مستويات خطيرة: (معطلون، طلبة ونقابات).

في هذا السياق انفجر حراك الريف، وأطلق وصف الدكاكين. كان ذلك إيذانا بأن وضع منظماتنا التقليدية وصل إلى الحد الذي لا يمكنه التدخل بفعالية في أي من النضالات الشعبية والعمالية.

وبعده انتصبت نضالات تنسيقية المفروض عليهم التعاقد، ومعها موسم نضالي استثنائي للشغيلة التعليمية، مع فرصة للحركة النقابية في القطاع على تبين الأسئلة الحقيقية وتقديم أجوبة صائبة عليها.

قدمت التنسيقيات في الممارسة أجوبة (وجب تجميعها وتقييمها من وجهة نظر عمالية) لأسئلة لم تستطع الحركة النقابية المغربية طرحها والجواب عنها:

  • سؤال العلاقة بين النقابي والسياسي بشكل عام والحزبي بشكل خاص.
  • سؤال الاستقلالية عن الدولة ومؤسساتها.
  • سؤال الديموقراطية الداخلية العمالية في النقابات: ديموقراطية تسيير الجهاز، وديموقراطية تسيير النضال.
  • سؤال الوحدة النقابية.
  • سؤال البديل العمالي عن تعديات السياسات الليبرالية.
  • سؤال أية استراتيجية نضالية: تعاون طبقي/كفاح طبقي.

مثلث نضالات التنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين والنضال الذي تخوضه التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد أبرز مثالين عن نضالات التنسيقيات، المستعيد لتقاليد كفاح عرفتها الحركة العمالية منذ زمن وتخلت عنها الحركة النقابية المغربية: تقاليد ديموقراطية تسيير النضال، وتقاليد خدمة الأجهزة للنضال وليس استعمال طاقة النضال لمصلحة المتحكمين في الأجهزة.

2 – 3 نضالات التنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين:

ظهرت على الصعيد الوطني نضالات الأساتذة المتدربين/ات بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين من أجل إسقاط المرسومين الوزاريين المشؤومين. الأول، رقم: 588 – 15 -2 ويقضي بفصل التكوين عن التوظيف والثاني رقم 589- 15 – 2 ويقضي بتقليص المنحة إلى أقل من النصف. إنهما مرسومان يضربان في العمق الوظيفة العمومية عامة وقطاع التعليم بصفة خاصة. ويفتحان أيضا شهية القطاع الخاص الطامح إلىأوسع استغلال، بحيث سيتخرج من المراكز الجهوية أساتذة وأستاذات معطلون \ آت بعدما كانت هذه المراكز تخرج أساتذة موظفين. ليكون القطاع الخاص بمشاكله وعدم هيكلته الحل الوحيد أمامهم تجنبا لجحيم البطالة، وبالتالي، تنفيذ املاءات المؤسسات الإمبريالية العالمية. لقد انطلقت الشرارة الأولى من المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بطنجة، وسرعان ما انتقلت إلى باقي المراكز، لما للمطالب من شرعية. إن لكل نضال شكل تنظيمي يؤطره. تبعا لذلك، جرى انتداب ممثل أو منسق عن كل مركز أو فرع جهوي يمثل الأساتذة المتدربين\ات بالاجتماع الأول الذي انعقد بالرباط يوم السبت 31 أكتوبر2015 حيث جرت مناقشة سبل وأشكال التنسيق وتوحيد النضالات وطنيا وجهويا ومحليا. هكذا تشكل مجلس وطني للتنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين \ ات بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بالمغرب.

أهم المحطات النضالية الوطنية:

منذ بداية المعركة دخل الأساتذة/ات في مقاطعة شاملة للدروس النظرية والتداريب التطبيقية.

  • مسيرة وطنية بتاريخ  12 نونبر 2015 بالرباط وكانت المشاركة كبيرة (حوالي 9000 مشارك)
  • مسيرة وطنية بتاريخ 17  دجنبر 2015 بالرباط شهدت تعاطفا وتضامنا كبيرا
  • مسيرة وطنية بتاريخ 24 يناير 2016 بالرباط وكانت عرضة المنع والترهيب ومصادرة حق الأساتذة/ات في التنقل، ورغم كل ذلك كان لها نجاح أكثر من سابقاتها.
  • مسيرة وطنية بتاريخ 20 مارس 2016 بالدار البيضاء، جابت أهم وأكبر شوارع المدينة، وقد قدر المنظمون المشاركة فيها ب 60 ألف مشارك.

كانت تسطر أيضا برامج نضالية محلية ومحطات جهوية وأيضا مسيرات بالأقطاب. وفي مسيرة الاقطاب المبرمجة ليوم 7 يناير 2016 بأربع مدن، وكانت إنزكان من بينها، عرفت الأخيرة تدخلا همجيا بحق الأساتذة/ات. خلقت هكذا مجزرة رأيا عاما تضامنيا ومساندا، وأصبح الكل يتحدث عن ملف التنسيقية، بعدما كان الهجوم الاعلامي ضد نضالات التنسيقية مشتدا، موازاة مع محاولة تضليل الرأي العام وتأليبه ضد مطالب التنسيقية، والتأكيد في غير ما مرة على أن جهات معلومة وخارجية هي من يدعم ويضع خطط التنسيقية.

بعض نقط قوة التنسيقية:

لعل المطلب الواضح الذي جرى الإجماع عليه وهو إسقاط المرسومين، ومحاولة توضيح خلفيات الهجوم على المدرسة والوظيفة العموميتين من قبل مناضلي/ات التنسيقية عبر ندوات فكرية وحملات تعبوية داخل الجامعات وأمام الثانويات وفي الأسواق والساحات العمومية وتوزيع المناشير التعريفية والتعبوية، والانفتاح على الاعلام الدولي وتكثيف التواصل مع الصحفيين والاعلاميين واجتهاد نضالي لترجمةمقالات للغات أجنبية.. كلها أمور ساهمت في نجاح المعركة.

كما أن الطابع الديمقراطي في اتخاذ القرارات، والجموعات العامة التي كانت تعقد بالمراكز، ومشاركة الأساتذة/ات في اتخاذ القرارات وإبداء الآراء واقتراح البرامج النضالية التي ترفع للمجلس الوطني، الذي يسهر على تجميع المقترحات والتوصيات في اجتماعات مطولة قد تدوم لأيام، بخوض نقاش ديمقراطي بعيد عن التوجهات الايديولوجية والتعصب للفكرة، وبتذويب الخلافات والاحتكام للنقاش الهادئ.. والتروي في تدبير الأمور الخلافية، والروح الشبابية الإبداعية المفعمة بتحمل المسؤولية، مكن من استمرارية المعركة بنفس قوي ومتواصل.

التهديد والوعيد:

تغض الدولة المغربية دائما الطرف عن الحركات الاحتجاجية في بداية معاركها وتراقب تحركاتها فقط، ونفس التكتيك نهجته مع التنسيقية. بعدها سخرت أبواقها الاعلامية والأقلام المأجورة للنيل من تعاطف الجماهير الشعبية ازاءها، لكن ذلك لم يفلح أمام قوة عزيمتها وبفضل عمل لجنة الإعلام الوطنية المنظم. بعدها لجأت إلى تهديد العائلات في المنازل عبر المخبرين، بالضغط عليها من أجل ثني الشباب عن مواصلة معركتنا معركتهم. جرى اخيار الأهالي أن الأبناء سيطردون، وهو التهديد الذي باشرته السلطات عبر بعثها رسائل كتابية مفادها الطرد إن لم يُستأنف التكوين يوم 7 يناير 2016، وهو أيضا ما لم يتحقق. فعزيمة المناضلين/ات ثابتة، مصرة على مواصلة تنزيل البرامج النضالية المسطرة. لتلجأ بعدها إلى الأسطوانة المعهودة بكون “جهات معادية للنظام” هي الثاوية وراء نضالات التنسيقية، لتمهد بذلك للقمع المباشر واسالة دماء غزيرة لمناضلي/ات التنسيقية الوطنية.

التضامن:

حاولت التنسيقية الانفتاح على جميع المكونات السياسية والنقابية والحقوقية بتكثيف التواصل معها عبر تكليف المجلس الوطني للجن تسهر على ذلك قصد التعريف وكسب التضامن والدعم. هذا ما مكنها من تقريب وجهات النظر في التفاعل مع الملف من قبل مختلف المكونات السياسية والنقابية والحقوقية، لكن التضامن الميداني من قبل النقابات التعليمية (وكذا دعوتها للإضرابات) لم يرق إلى تطلعات التنسيقية، اللهم بعض الفروع النقابية التي كانت تخوض اضرابات وتشارك في المسيرات وتساهم في جمع المساهمات للأساتذة.

لم تكتمل معركة الأساتذة المتدربين مادام أساتذة/ت مرسبون /ات خارج المنظومة بفعل سحب أسمائهم من نتائج مباراة التوظيف وإقصاء آخرين منها (أساتذة العرفان) ونقض الدولة لالتزاماتها ووعودها. وهذا درس ينضاف.. لاستخلاص العبر والدروس، وما أوردناه هنا بعجالة، وبدون تفاصيل أكثر عن المعركة، إنما هو فقط للاستفادة من التجربة وتجاوز الأخطاء والهفوات التي وقعت فيها، من أجل بناء أدوات نضال تكون بحجم الهجوم المنظم والمتواصل على مكتسبات كادحي هذا البلد.

2 – 4 نضالات الأساتذة المفروض عليهم التعاقد

تنفيذا لما التزمت به الدولة منذ عقدين مع مؤسسات الرأسمال العالمي (صندوق نقد وبنك دوليين، منظمة الجارة العالمية)، في شقين أساسين من البرنامج النيوليبرالي:

  • تقليص كتلة الأجور وتوجيه الميزانية العمومية لخدمة الدين وحفز القطاع الخاص.
  •  تفكيك نمط الوظيفة العمومي القديم (الممركز) وتعويضه بنمط جديد قائم على التوظيف الجهوي: اللامركزة والجهوية الموسعة. 

بدأ هذا الهجوم على حق التوظيف العمومي على نطاق واسع بقطاع التعليم في نوفمبر 2016، بأول موجة للتوظيف بموجب عقود، وواصلت الدولة نفس النهج ليصل عدد العقود المبرمة برسم موسم 2019- 2020، 70 ألف منصب.

ولأن الحركة النقابية المغربية (يمثل ما سبقت الاشارة إليه جزءً من أسباب ذلك) ألفت انتظار وقوع هجمات الدولة دون استباقها بنضالات لمنعها، حاولت الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب وخريجو برامج التكوين (10 آلاف إطار، 25 ألف إطار) مقاطعة المباريات الأولى لهذا النمط من التوظيف، لكن جحيم البطالة والحجم الكبير للتدفقات نحو المباريات حالا دون إفشال تلك المباريات.

اضطر ضحايا التوظيف بموجب عقود، تحت وقع نتائج الهجوم، إلى الرد النضالي بعد إعفاء أستاذين (دون تعويض مادي أو إشعار اداري كما تنص على ذلك العقود المبرمة).

أسس الأساتذة ضحايا التوظيف بموجب عقود “التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد” بتاريخ 4 مارس 2018، وانطلق النضال بداية ضد طرد الأستاذين وتحول بعد ذلك إلى نضال من أجل الإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية وبعد ذلك رُفع مطلب إسقاط مخطط التعاقد.

بدأ نضال هذه الفئة معزولا عن مقاومة مفترضة من قبل باقي فئات شغيلة التعليم ومجمل شغيلة الوظيفة العمومية، المستهدفة بهذا الهجوم، وظل معزولا لحدود الآن- باستثناء لحظات معينة- وهذا ما حال دون تراجع الدولة عن مخطط التوظيف بموجب عقود.

كما أن الحركة النقابية لم تنخرط من موقعها الخاص لحدود الآن في هذا النضال، وتصر قياداتها على السير في نفس النهج: نوع من المرافقة لنضال تنسيقية المفروض عليهن- هم التعاقد: تضامن كلامي، الانخراط في إضرابات التنسيقية دون تعبئة فعلية لخرط مجمل الشغيلة المرسمة في النضال، والإصرار على “الحوار” والدخول على خط الوساطة بين التنسيقية والدولة/ الوزارة.

انطلق نضال التنسيقية بداية بأشكال احتجاج ميداني خارج الزمن المدرسي، ثم تحول إلى إضرابات جزئية (يوم- يومان، 4 أيام) طيلة سنة 2018. وبداية من سنة 2019 انطلق تململ كبير في أوساط شغيلة التعليم، كانت نقطة ذروته إضراب 3 يناير الوحدوي الذي شاركت فيه 9 تنسيقيات لفئات شغيلة التعليم، بما فيها تنسيقيات هيئة التفتيش والإدارة التربوية، وانخرطت فيها النقابات التعليمية.

لكن هذا التنسيق الذي أعطى أملا بمقاومة وحدوية سرعان ما تبخر، بعد الإجراءات العقابية التي لوحت بها الدولة، وتفريط تنسيقيات هيئة التدريس في التنسيق.

كانت محطة فبراير (إضراب ومسيرة يوم 20 فبراير) آخر شعلات ذلك النضال الوحدوي، الذي انفرط عقده، بإعلان إضراب انفرادي من قبل تنسيقية المفروض عليهن- هم التعاقد على إثر محاولة الوزارة فرض توقيع ملحقات عقود، كانت غايتها إلحاق المفروض عليهن- هم التعاقد بالأنظمة الأساسية لأطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين.

كان ذلك الإضراب الذي استمر قرابة شهرين، ذروة نضال التنسيقية، وقد أثار بدوره نضال بقية فئات التعليم، خاصة حملة الشهادات وضحايا النظامين والزنزانة 9. وقد تمكنت الدولة من إطفاء تلك الموجة النضالية الجبارة بفعل عدة عوامل:

– عزلة إضراب التنسيقية، الذي جرى تمديده بشكل مستمر، دون مراعاة السياق غير الملائم لذلك النوع من الإضراب: إضراب مفتوح.

– اقتصار قيادات النقابات التعليمية على الدعوة إلى إضرابات (5 أيام في شهر مارس) دون نية حقيقية لإنجاحها بتعبئة فعلية تخرط مجمل الشغيلة المرسمة، وفي الأخير قبولها لعب دور الوساطة وجر التنسيقية إلى فخ الحوار، الذي كادت إحدى جولاته أن تعصف بوحدة التنسيقية (جولة 13 أبريل).

– مناورات الدولة (تعديل بعض بنود الأنظمة الأساسية) التي روجت لها إعلاميا على أنها استجابة لمطلب التنسيقية (إلغاء التعاقد، سحب بنود “الإعفاء دون تعويض أو إشعار)، وإجراءاتها العقابية (العزل، حبس الأجور) وإجراءات أفرغت ذلك الإضراب من قوته (تغيير البنية، تكليف المرسمين بالأقسام الإشهادية، تعويض المضربين)، وهي إجراءات أظهرت عقم النضال الفئوي المعزول.

بعد تعليق الإضراب المديد بداية شهر ماي 2019، خفت نضال المفروض عليهن التعاقد (الذي خلف شهيدا من صفوف المتضامنين: عبد الله حجيلي أب أستاذة مفروض عليها التعاقد)، وتحول من موجة هجومية (المطالبة بإسقاط مخطط التعاقد) إلى نضال دفاعي حول مطالب جزئية (إلغاء الإجراءات العقابية، الاقتطاعات، الحركة الانتقالية الوطنية…).

استمرت تنسيقية المفروض عليهن- هم التعاقد في النضال منذ بداية موسم 2019- 2020، مفتتحة ذلك بمسيرة مركزية بالرباط (1 سبتمبر) وإضرابين شهري أكتوبر (يومان) ويناير (4 أيام)، وقد أعلنت برنامجا نضاليا من شقين: اضراب لأربعة أيام (19 حتى 21 فبراير) ومسيرة أقطاب جرى تنفيذها، واضراب لأربعة أيام أخرى: (من 23 إلى 26 مارس) ومسيرتا أقطاب. جرى تعليق البرنامج بفعل جائحة كورونا.

يندرج البرنامج النضالي الأخير في سياق استمرار الدولة في تنزيل الحلقات الأخيرة من هجومها على الوظيفة العمومية: الإعداد لتمرير “مشروع النظام الأساسي لمهن التربية والتكوين” الذي حضرته منذ سنة 2015 (التدبير 19 من ضمن التدابير ذات الأولوية) وغايته الأساسية انسحاب الدولة النهائي من التوظيف العمومي والاقتصار على التدخل لتنظيم علاقات الشغل بين المشغلين المتعددين (منطوق المادة 135 من الميثاق الوطني للتربية والتكوين: أكاديميات جهوية، مديريات، مؤسسات) من جهة وبين شغيلة القطاع. وهذا جوهر ما طرحته الوزارة في جولة حوارها الأخيرة (12 فبراير 2019) بحضور النقابات الست.

إن نضال المفروض عليهن- هم التعاقد موجه ضد روح الهجوم النيوليبرالي الذي ترعاه مؤسسات الرأسمال العالمي وينفذه وكيلها المحلي (الدولة)، سواء وعى المفروض عليهن- هم التعاقد ذلك أم لا. إن شرط أي نضال يراد له الانتصار، هو معرفة ما نواجه كي نكون قادرات- ين على بلورة المطالب ونهج طرق النضال الكفيلة بتحقيقها. وبداية الأمر هي إدراك المقاصد الحقيقية لـ “التوظيف بموجب عقود” (وهو ما أوردنا جوهره في مختلف ثنايا الكتاب) والوعي بشمول الهجوم لكل شغيلة الوظيفة العمومية (وهذا ما تقر به كل وثائق الدولة، على سبيل المثال لا الحصر: تقرير حول الموارد البشرية، وزارة الاقتصاد والمالية، مشروع قانون المالية لسنة 2019).

تستدعي شمولية هذا الهجوم ضرورة توحيد روافد نضال شغيلة الوظيفة العمومية المستهدفة به : شغيلة التعليم والصحة والجماعات الترابية…

3 – تجارب النضال الشعبي من أجل تعليم ديموقراطي

3 – 1 احتجاجات التلاميذ، روافد نضال من أجل مدرسة ديموقراطية.

تبقى احتجاجات التلاميذ بالمغرب على النظام التعليمي الأكثر شهرة، هي تلك التي فجرها قرار بلعباس في سنة 1965، والتي ستعرف بانتفاضة 23 مارس في التاريخ النضالي المغربي، حيث التحقت أفواج من الساخطين على الوضع، بإضراب التلاميذ، وتحول هذا الاضراب إلى أكبر انتفاضة شعبية بأكبر تجمع سكاني واقتصادي بالبلد كتعبير عن رفض 10 سنوات من الثمار المرة للاستقلال الشكلي. وقد شكل هذا الحدث منعطفا حاسما في تاريخ البلاد، وأضحت معه احتجاجات التلاميذ أمرا مألوفا، وكان العامل المفجر فيها يتمثل بقضايا أممية (هزيمة 67 – التضامن مع نضالات الشعب الفلسطيني والشعب الفيتنامي…) لكنها تتخذ دائما وجهة نقابية: مطالب لتحسين الوضع الفعلي للمدرسة.

هكذا لم تخلُ فترة السبعينيات من نضالات التلاميذ بعلاقة مع الحركة الطلابية، فالحصول على مقعد دراسي والاستمرار في التحصيل في ظروف جيدة كان ولازال صعب المنال لأغلبية الفئات الشعبية، فاندلعت احتجاجات التلاميذ ضد الطرد من المدارس ومن أجل جودة الاطعام المدرسي والايواء في الداخليات. وشكلت سنوات مطلع السبعينيات مناسبة لمساهمة الشبيبة المدرسية في النضالات الطلابية، ووصلت إلى حدود تشكيل أنوية للنقابة الوطنية للتلاميذ ووجهت بالقمع والاعتقالات. كما ساهم التلاميذ بصورة مباشرة في إضرابات الكونفدرالية الديموقراطية للشغل سنوات تأسيسها، إضرابات 79، التي عرفت اعتقال المناضل التلاميذي محمد اكرينة واستشهاده، والاضراب العام ليوم 20 يونيو 1981.

شكلت فترة التقويم الهيكلي التي فرضها صندوق النقد الدولي على البلاد جراء أزمة المديونية العمومية فترة سوداء بالنسبة للمدرسة العمومية. وما هي إلا شهور بعد وضع هذه الاجراءات التقشفية موضع التنفيذ من قبل الحكومة حتى انفجرت نضالات شعبية ضخمة شكلت الشبيبة المدرسية جزءً هاما منها، وكان الاحتجاج على السياسة التعليمية الطبقية أحد تعبيراتها. فانطلقت شراراتها باحتجاجات تلاميذية من مدينة مراكش لتعم العديد من مناطق البلاد، وتعرف زخما في مدن منطقة الشمال. لعبت الشبيبة المدرسية دورا مهما في الانتفاضة الشعبية لسنة 1984 كرد فعل على الوضع المزري الذي تعيشه في المؤسسات التعليمية، وهو امتداد للبؤس الذي تعيشه في أحيائها العمالية والشعبية. عرف عقد الثمانينيات عديدا من الاحتجاجات في عديد من المدن الصغرى، وخيضت نضالات في الثانويات حول عديد مطالب مرتبطة بالإيواء في الداخليات وبشروط الدراسة (مثال نضالات تلاميذ الحسيمة 1986..)

افتتحت فترة التسعينيات بالأضراب العام الذي دعت إليه الكنفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين في 14 دجنبر 1990، وعرف مشاركة واسعة للشبيبة المدرسية وخاصة طلاب الثانويات، الذين نالوا نصيبهم من القمع والاعتقال وحتى القتل. كما كانت للشبيبة التلاميذية مشاركة مشهودة في التنديد بالحرب على العراق من قبل التحالف الامبريالي في يناير1991. وقد عرفت العديد من الثانويات حركات احتجاج مرتبطة ببلوغ ثمار التقويم الهيكلي والتقشف في مصاريف التعليم درجة من المرارة إلى حد السمية. لم تسلم نضالات التلاميذ في هذه المرحلة من القمع والطرد وفرض تغيير المؤسسات (جابر ابن حيان بتطوان نموذجا) .

كانت الاحتجاجات التي تنخرط فيها الشبيبة التلاميذية، متنوعة منها المرتبط بالانتفاضة الفلسطينية أو بالحرب على العراق، لكن هذه الاحتجاجات غالبا ما كانت تثير واقع بؤس الوسط التعليمي حيث اهتراء البنيات والاكتظاظ وقلة التأطير التربوي وبؤس المضامين المدرسة… فالشعارات التي تصف التعليم بالطبقي لا تفارق أية مسيرة. هكذا سيعرف مطلع العقد الجديد من القرن العشرين موجة احتجاجات تلاميذية مرتبطة بالعدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني (استشهاد التلميذة سناء مبروك يوم 2 أبريل 2002) والعدوان الامبريالي الأمريكي على العراق واحتلالها سنة 2003.

سيكون لشبيبة المدارس دور في الاحتجاجات على الظروف التي تعيشها عديد من المناطق؛ طاطا / 2008 وإفني 2005/2008 وصفرو 2007.. فالتهميش الشديد لمناطق شاسعة من البلاد يجعل الشبيبة المدرسية أكثر حساسية لواقع البؤس الذي من مظاهره، الحرمان من تعليم في ظروف لائقة. وحينما انطلق الحراك الشعبي في 20 فبراير 2011، كان التلاميذ جزء منه، وإن بصورة غير منظمة. لكنه حفز انطلاق عدد من الاحتجاجات التلاميذية الصرف: كما حدث في شهري أكتوبر ونونبر 2011 في العشرات من الثانويات في مدن عديدة، وبعدها احتجاجات ضد منظومة مسار للتدبير الالكتروني.. في فبراير من سنة 2014 وهو في الحقيقة احتجاج على الواقع المتردي للمدرسة، واحتجاجات ضد تسريب مواضيع الامتحانات، كما وقع في دورة يونيو 2015، وفي سنة 2018 ثار احتجاج كبير وممتد ضد قرار الحكومة القاضي بتثبيت التوقيت الصيفي على طول السنة، وهو ما لا يناسب التلاميذ. كما لا يخلو موسم دراسي من احتجاجات تلاميذية بسبب نقص في أطر التدريس أو الحجرات أو بسبب الحالات المتردية للمؤسسات وغياب الضروري من الوسائل والمعدات التعليمية، أو ضد الاكتظاظ كما حدث في عدد من المناطق في شتنبر/أكتوبر 2015.

رغم هاته الاحتجاجات التلاميذية المتعددة، التي كانت دوما ردود فعل على بعض ما يظهر على سطح المخططات، إلا أن الفعل التلاميذي يعيش تراجعا شديدا، يعمقه الواقع المتردي للمعارف المقدمة في المدرسة اليوم، وهي معارف تبقي المعنيين بالتأكيد خارج تلمس فَهْمٍ مهما كان بسيطا للرهانات. إن الحركة التلاميذية المناضلة من أجل مدرسة ديموقراطية منتفية وينبغي إعادة خلقها.

3 – 2 النضال الطلابي من أجل تعليم ديموقراطي: الوضع الرّاهن والمهام

3 – 2 – 1 النضال الطلابي من أجل تعليم ديموقراطي: التاريخ المجيد لم يعد يظهر إلا كومضة في ليل تردي طويل

شكلت المقاومة الطلابية في تاريخ المغرب الحديث أحد روافد النضال الرئيسة، بخاصة خلال سنوات السبعينيات. إلا أنها ومنذ بداية الثمانينيات بدأت في التراجع التدريجي، وصولا إلى انحطاط ناجز في أغلب معاقل النضال الطلابي اليوم. حيث أن 800.000 طالب-ة استسلموا لهجوم الدولة، وتحولت ساحات الجامعات من فضاء نقاش ونضال وتوعية ومعارك؛ إلى ساحات اقتتال وعنف، ومظاهر أخرى دالة على تدهور شديد، كالتجارة في الشواهد والفساد المعمم الذي ترعاه إدارات الجامعات، وسمسرة في الأحياء الجامعية وفي المطاعم وفي الولوج إلى المسالك العليا..

دفعت البرامج النيوليبرالية التعليم الجامعي إلى مستوى بالغ التردي، حيث أصبحت جودة التعليم جد متدهورة، ومعاناة الطلاب والطالبات متفاقمة. هذا التدمير الذي يتعرض له قطاع التعليم الجامعي العمومي غايته فتح المجال للمستثمرين الخواص لمراكمة الأرباح، وربط الاستفادة منه بالقدرة على الأداء، وتقليص اعتمادات الدولة المرصودة للجامعات العمومية، وملاءمتها مع متطلبات المقاولة، سواء على مستوى مضامين الدروس أو على مستوى المناهج (الممارسات البيداغوجية والإدارية) والبنيات الجامعية. إنه هجوم معمم في سياق تخلف النضال الطلابي من أجل تعليم ديمقراطي.

لقد شهد النضال الطلابي هزائم متتابعة وعزلة عن منظمات النضال التقليدية وحراكات المجتمع. وعوض أن يكسب تجدد الشباب الجامعي النضال الطلابي دماءً جديدة، دفع في اتجاه تراجعي أبعد عن النضال. كما أن شباب المدارس الثانوية، الذين يشكلون حاليًا الجزء الأكبر من الطلاب الجامعيين المستقبليين، يشهدون نفس الفشل.

3 – 2 -2 هجوم معمم..

لقد قطعت الدولة أشواطا كبيرة في هذا المسعى، حيث اتجهـت، إلـى “تنويـع نمـاذج الجامعـات”، وفتح الباب على مصراعيه للرأسماليين لإنشـاء مؤسسـات للتعليـم العالـي الخاصة المؤدى لها، وتوفير سوق من الزبناء الطلاب، عبر “الشراكة بين القطاعين العام والخاص”..

هذه الوصفات النيوليبرالية المتسارعة تترتب عنها نتائج جد مهولة: بلغت نسبة المُنقطعين من الطلاب دون أي شهادة جامعية 47,2 بالمائة، أما متوسط سنوات الحصول على الإجازة فيصل إلى 5 سنوات، بالإضافة إلى أن حوالي 17 بالمائة ينقطعون منذ السنة الأولى من الإجازة، وبلغ الاكتظاظ مداه، فكل 100 مقعد، يوازيه 329 طالبا، فيما كل أستاذ مخصص لـ 194 طالبا، وكل إداري يوازيه 226 طالبا. (أرقام وزارة التعليم). ويستمر هذا التردي عبر تنزيل الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 الخاصة بإصلاح التعليم العالي. وباسم محاربته، يجري إعداد نظام بكالوريوس جامعي 2021، يعتمد أربع سنوات لتحصيل الإجازة عوض ثلاثة (الجاري العمل بها حاليا).

يرتكز منظور الدولة ومؤسساتها في هذ الهجوم، على إحدى الخلاصات الأساس، المتضمنة في تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين المعنونة ب”إصلاح التعليم العالي: آفاق استراتيجية”، وتتمثل في “تجانس التعليم العالي أكثر فأكثر مع العولمة، عبر إخضاع المعرفـة الجامعية للســياقات المحلية والسوسيو-اقتصادية، من خلال ربط العلـم بالتكنولوجيا، وبمساطر وقواعـد التنظيـم والحكامة والمقاربات والهندسـة البيداغوجيـة، والعلاقة بيـن الفاعلين الاقتصاديين..إلخ”. هذه “خارطـة طريـق نيوليبرالية استراتيجية” سيمتد اعتمادها إلى غاية سنة 2030، وستستكمل الهجمات التي ستعيد النظر في كل جوانب الجامعة العمومية، وضرب مجانية الجامعة وجماهيريتها بمبرر “وضع شروط أمام الولوج”. 

3 – 2 – 3 تراجع النضال الطلابي..

تردى التعليم الجامعي العُمومي كنتيجة للوصفات النيوليبرالية، لكن ذلك التردي يتعمق أكثر بأكثر لارتباطه أيضا بتراجع النضال الطلابي. فرغم تمكنه لعقود من إبطاء الهجوم على المكاسب التاريخية للطلاب، إلا انه اليوم يشهد أزمة حقيقية.

هذا التراجع يسير إلى انتفاء تام، حيث انتفت النقاشات السياسية المحتدة في السنوات والعقود الماضية، واختفت المعارك التي تلف آلاف الطلاب والطالبات، واختفت الأنشطة الثقافية الطلابية، وضعفت مشاركة الطلاب في الحركات السياسية والجمعوية، وفي الاحتجاج الشعبي. الشيء الذي يعدم إمكانية تجدد النضال الطلابي.

بعض المناوشات الاحتجاجية التي تشهدها بعض الجامعات والكليات، هي ردود فعل جزئية ضد هجمات الدولة، سرعان ما تختفي.

    إن عدم قدرة المجموعات الطلابية المناضلة على التجدد، طوى نهائيا صفحة من تاريخ النضال الطلابي، وطبع الجامعات بمميزات جديدة، في مقدمتها الالتصاق بالعوالم الافتراضية، واندثار التقاليد النضالية الطلابية البناءة التي ترسخت لعقود. الشيء الذي يجعل تاريخ النضال الطلابي ودروسه، هزائمه وانتصاراته غائبا كليا لدى أجيال اليوم. كل هذا في سياق ميزان قوى مختل، مطبوع بضعف العمل النقابي وتراجع الحركات الاجتماعية الأخرى، وهجوم الدولة المعمم.

3 – 2 – 4 نضال طلاب كليات الطب والصيدلة والهندسة يملأ الفراغ

شهدت السنوات الأخيرة موجات نضال خاضها طلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة وطلاب كليات المهندسين، ضدا على هجمات على أنظمة التكوين بجامعات الطب والهندسة. وقد تطور نضال هؤلاء الطلاب-ات بتأسيس تنسيقيات وطنية موحدة للنضال وممركزة في نفس الوقت، متجاوزة إحدى أوجه قصور النضال الطلابي لعقود، المتمثل في طابعه المحلي المقتصر على الكلية أو الجامعة الواحدة.

 خاضت التنسيقية الوطنية للطلبة المهندسين بالمغرب، والتنسيقية الوطنية لطلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة معارك متعددة ممتدة زمنيا، من أجل ملف مطلبي يتضمن مطالب بيداغوجية ومادية، وتراوحت احتجاجاتهم من مقاطعة مفتوحة للدروس لأشهر عدة، توجت بمقاطعة امتحانات يونيو 2018-2019، إلى مسيرات وطنية، واعتصامات..

غير أن هذا النضال الطلابي رغم حفزه لقاعدة جد واسعة من الطلاب والطالبات، يظل نضالا دفاعيا من أجل تحصين مكاسب سابقة، وليس نضالا هجوميا لانتزاع مكاسب جديدة.

أسهم نضال طلاب كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان في تجاوز تقاليد سيئة لطالما اعترت النضال الطلابي، يتعلق الأمر بالتحكم الفوقي في النضالات، من خلال عقد الجموعات العامة في الكليات، مما سمح بالمشاركة في اتخاذ القرار وتنفيذه بشكل جماعي، وعرض خلاصات الحوارات الجارية مع ممثلي الدولة على الجموعات العامة قصد مناقشتها والتصويت عليها، مما ساهم في إنجاح المعركة.

لقد حقق طلاب كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان نصرا مهما بالقياس إلى وضع النضال الطلابي، الشيء الذي يستدعي التعريف به وبمكاسبه، وأيضا التعريف بالأساليب الديمقراطية في تسيير النضال، والتي شكلت أول خطوات نصر نضال الطلاب.

3 – 2 – 5 حفز طلاب اليوم على النضال

رغم وضع الجمود العام الذي يشهده النضال الطلابي اليوم، يُعتبر دور الشباب الجامعي حاسمًا ليس في مقاومة زحف السياسات النيوليبرالية فحسب، بل لكون تجدد منظمات النضال وقف عليه. إن الإمكانات موجودة لكنها تظل غير مستغلة. يجب التقدم في فهم انشغالات واهتمامات الشباب الجامعي اليوم، وانطلاقا منها يجب ابداع أدوات نضال فعالة، لكي يسترجع الطلاب حيويتهم الماضية وثقتهم النضالية.

3 – 3 تجارب بناء جبهات من أجل الدفاع عن المدرسة العمومية

 نتج عن الهجومات المتتالية التي تعرضت لها المدرسة العمومية مجموعة من محاولات تشكيل جبهات مقاومة للتصدي لبعض من نتائجها. ظلت هذه المحاولات للأسف ضعيفة ومحدودة زمنيا وجغرافيا، ولم ترق إلى مستوى التدمير الذي تعرضت له المدرسة العمومية.

سنركز فيما يلي على تجربتين؛ الأولى محلية بمدينة البيضاء سنة 2007 تجسدت في الجبهة من أجل الدفاع عن المدرسة العمومية والثانية وطنية برزت سنة 2015 من خلال الائتلاف المغربي من أجل تعليم للجميع نظرا للنجاح النسبي الذي لقته التجربتان مع التأكيد مرة أخرى محدوديتهما. 

3 – 3 – 1 الجبهة المحلية للدفاع عن المدرسة العمومية بالدار البيضاء  

عرفت مدينة البيضاء ابتداءً من الموسم الدراسي 2007-2008 هدم أو تفويت مجموعة من المدارس العمومية بعد هجرها من قبل الأسر، خاصة في الأحياء المتوسطة الدخل التي أصبحت تفضل وضع ابنائها في مدارس خاصة بعد تردي المستوى التعليمي في المدارس العمومية وكذلك تحت ضغط المنعشين العقاريين. من بين هذه المداس نجد مدرسة بن طفيل بالمعاريف.. ووَقْتَ   كانت السلطات المحلية تحضر من أجل هدم مدرسة بن عباد، و بمبادرة من فدرالية جمعيات آباء واولياء التلاميذ بالبيضاء، جرى تشكيل جبهة محلية للتصدي لمسلسل التفويتات والهدم الذي تعرضت له مجوعة من المؤسسات العمومية. وقد نجحت الجبهة في وقف هذا المسلسل بعد تنظيمها مجموعة  وقفات احتجاجية وندوات توعوية. لقد دفعت تعبئة هذه الجبهة ونضالاتها وتتبعها لكل محاولات التفويت والهدم الوزارة الى التراجع عن مخططاتها. كما أن ضغط الجبهة دفع مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية للتدخل للتعهد ببناء نادٍ لفائدة نساء ورجال التعليم في مكان مدرسة بن طفيل. المشروع الذي لم ير النور وظل مجمدا إلى يومنا هذا.

 لكن الوزارة، أمام تراجع تعبئات منظمات النضال، ووضع الجزر الذي تلى موجة 20 فبراير، واصلت مسلسل الهدم والتفويت، بحيث جرى هدم مدرسة بن عباد سنة 2015، كما جرى تحويل مجموعة من المدارس الأخرى لفائدة القطاع الخاص، مثال جامعة محمد 6 لعلوم الصحة التي استفادت من عقار مجموعة من المؤسسات العمومية:  مدرسة محمد عبده وثانوية شوقي ….

تجدر الإشارة أنه ما بين 2008 و2015 جرى إغلاق أبواب ما يزيد عن 200 مدرسة عمومية على المستوى الوطني بينها 135 في محور الرباط والبيضاء.

3 – 3 – 2 التقرير الموازي حول حصيلة خصخصة التعليم المقدم للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للأمم المتحدة بمناسبة دورتها 55.

انطلقت هذه المبادرة مباشرة بعد اعلان قرار لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة للأمم المتحدة بتخصيص دورتها لشهر شتنبر 2015 لدراسة مدى احترام النظام التعليمي المغربي للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وضمت مجموعة العمل هذه بالإضافة الى أطاك المغرب، الائتلاف المغربي للتعليم للجميع، الفيدرالية الوطنية لجمعيات آباء وامهات وأولياء التلاميذ بالمغرب، والمبادرة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحركة أنفاس الديمقراطية، وجمعية بيتي، واتحاد الطلاب لتغيير النظام التعليمي. وتمثل الهدف الرئيس لمجموعة العمل في إصدار تقرير موازي يفضح من الوضعية الخطيرة التي نتجت على سياسة خصخصة التعليم التي انتهجها المغرب في السنوات الأخيرة ويحذر منها. كما أن هذه المبادرة تزامنت مع تشكيل وزارة التربية والتعليم لفريق عمل لمناقشة إمكانية تطوير نظام التعليم المغربي نحو النموذج التشيلي. علما أن النموذج التشيلي، حيث 60 ٪ من المدارس الابتدائية خاصة، هو واحد من أكثر النماذج غير العادلة وغير الفعالة في العالم. كما تزامنت المبادرة مع تصريحات متكررة لوزراء حكومة بنكيران آنذاك معلنين أن الدولة تنوي رفع يدها بالكامل عن قطاعي التعليم والصحة. 

بعد اجتماعات متتالية ونقاشات طويلة لفريق العمل، توصلت الجمعيات الموقعة الى صيغة متفق حولها للتقرير البديل. يبرز التقرير في مقدمته الإطار التاريخي وأهم المحطات التي مر بها مسلسل خصخصة قطاع التعليم على مر 30 سنة منذ اعتماد مخطط التقويم الهيكلي بداية الثمانينيات، كما يبين الارتفاع الكبير في عدد التلاميذ في القطاع الخاص، الذي تضاعف ثلاث مرات في العشرية الأولى من هذا القرن مع تمركز كبير، حيث أكثر من 80 في المائة يوجد في محور البيضاءـالقنيطرة. كما يبين التقرير كيف عمق مسلسل الخصخصة التفاوتات المجالية والاجتماعية في ميدان التعليم. وقد نجح التقرير البديل عند تقديمه بجنيف في احراج الوفد الرسمي للدولة وفضح الوضعية المتردية للقطاع وكذا الآثار الكارثية لمسلسل خصخصة التعليم في بلادنا، الأمر الذي أغفله التقرير الرسمي.

زر الذهاب إلى الأعلى