المخططات الليبراليةملفات دراسية

عناصر أولية على ضوء ما جاء في تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد

عينت لجنة خاصة بوضع نموذج تنموي جديد في نونبر من عام 2019  وهي ذات طابع استشاري ، وجاء ذلك بعد إقرار الحاكمين في البلد بفشل النموذج التنموي الحالي المرتكز في  جوهر سياساته الاستراتيجية على التوجهات النيوليبرالية.  ويعني ذلك نهج سياسيات اقتصادية واجتماعية بيئية تضمن استقرار مصالح الطبقة المسيطرة، وتفتح المجال أمام الرأسمال الخاص، وتوسيع نطاق اللبرلة ليشمل قطاعات التعليم الصحة والشغل، وتفويت خدمات النقل و الماء والكهرباء وجمع النفيات للرأسمال الأجنبي، وتحرير أسعار مواد الاستهلاك الأساسية، واستدامة آلية الديون كمصدر للتمويل ، والاستمرار في عقد اتفاقات تجارية استعمارية تفتح السوق المحلية  على مصراعيها أمام تدفق الرساميل والسلع الأجنبية . لقد أقر من يحكمون  البلد بعد عقدين بفشل نموذج تنموي وضعوه بمباركة مؤسسات مالية دولية، وانصرفوا لوضع نموذج آخر جديد ولا حديث عن محاسبة المسؤولين عن هذا الفشل الذي يعني حرمان الشعب المغربي من حقه في حياة قوامها الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية. 

عملت  اللجنة  على عقدت لقاءات في بعض المناطق وبث البعض منها على وسائل التوصل الاجتماعي، وتحاول بذلك إضفاء “مصداقية” على طرق اشتغالها من خلال تلك المشاورات مع  من دأبت الدولة تسميتهم بشركاء اجتماعيين وفاعلين اقتصاديون ومؤسساتيون. واستدعت  قسما من جمعيات مجتمع مدني منخرط  فعلي ومستفيد من تنفيد استراتيجية الدولة التنموية ، وقامت بزيارات لبعض مراكز الإيواء  و الجامعات والثانويات لاستمالة  جزء من فئة الشباب لجانبها.  إن الحديث بإطناب لغوي عن تبنى منهجية “البناء المشترك والجماعي” في تقرير اللجنة غايته خلق تعبئة إعلامية  لنموذج تنموي يندرج ضمن نطاق الاستمرارية في نهج السياسات الرأسمالية النيوليبرالية. وتكمن الأساليب “المبتكرة وغير المسبوقة” في عمل اللجنة في إعادة ابتكار وإرساء نفس آليات الاستبداد في فرض نموذج اقتصادي يحقق رفاه  أقلية غنية  مقابل مفاقمة واقع الغبن والظلم، وتكسير آمال أجيال متعاقبة من الشعب المغربي. وانكشف  عبث المتحكمون الفعليون في البلد بمصير كادحي وكادحات المغرب المقهورين-آت في  واقعة هجرة آلاف الشباب والنساء والأطفال من سبتة نحو إسبانيا، واستغلال السلطة السياسية بالمغرب  هذه المأساة الانسانية بغرض الضغط  لتحقيق نصر ديبلوماسي.

 يعمد  تقرير اللجنة عرض أراء من شاركوا في ما أسمته ب”المشاورات المواطنة” والتأكيد على أن مجملها مجمع على “تعميق الفوارق” بين من يملكون كل شيء ومن لا يتوفرون على أي شيء”،  وكأن هذه  الحقيقة تستدعي  إعادة اكتشافها من قبل أعضاء لجنة النموذج التنموي الجديد،  وجزء منهم يكافأ مقابل السهر على تطبيق سياسات اقتصادية واجتماعية وبيئية ظالمة، وتجدر الإشارة إلى أن من عهدت له  رئاسة اللجنة كان وزيرا سابقا للداخلية ومسؤولا عن جهاز شن ولازال حملات قمعية  شرسة ضد مختلف أشكال التعبير الشعبي عن السخط إزاء نموذج تنموي نيوليبرالي فاشل وظالم.

الخيارات الاستراتيجية للنموذج التنموي الجديد، وفاء جديد لنفس التوجهات النيوليبرالية

يعيد تقرير اللجنة تدوير الكلام حول ضعف قدرة الاقتصاد الوطني  على خلق الثروة وفرص الشغل ويورد توالي تراجع معدل النمو السنوي الذي انتقل من 4.8 %  في الفترة الممتدة بين 2000 – 2009  وإلى 3.5 % ما بين 2009 – 2019 ووصل بين عامي 2018 – 2019 إلى نسبة 2.8    %، ويبقى ضعف معدلات مستوى النمو إحدى المؤشرات الدالة على ضعف التنمية. ويضع النموذج التنموي الجديد هدف بلوغ معدل نمو سنوي يصل إلى % 6 ، غير أن هذا المسعى يبدو صعب التحقق ،خاصة في ظل الأزمة الوبائية التي عمقت ركود الاقتصاد العالمي ، وارتداد ذلك على اقتصاد وطني يشكون من تبعية بنوية ماليا، وصناعيا، وغذائيا وعلى المستوى التقني والتكنولوجي، وقيامه على تصدير مواد أولية منخفضة القيمة المضافة ومنتجات فلاحية  وبحرية لا تغطي قيمتها قيمة الواردات مما يديم عجز الميزان التجاري. وتحتد تبعيتنا الاقتصادية والغذائية بسبب اعتماد المديونية أداة رئيسية للتمويل.

 يشخص التقرير عوامل تكبح  تحقيق مستوى متقدم من التنمية في المغرب ويلخصها في تدني مستوى التعليم، ثلت التلاميذ لا يحسنون القراءة في نهاية الابتدائي، وضعف الولوج لخدمات أساسية في قطاع الصحة، علاوة على تحمل الأسر 50 % من النفقات، وارتفاع نسبة العاطلين عن العمل، خاصة النساء، إذ تدهور مستوى ولوجهن لسوق الشغل منتقلا من 30 % إلى 18.6  % ما بين 1999 و 2018 نفس الأمر بالنسبة للشباب. ويعود هذا الحال المتردي الذي بلغته خدمات التعليم والصحة وكذا النقل إلى تدمير الطابع المجاني لهذه الخدمات الحيوية  بفتحها للرساميل الخاصة، ولازالت الدولة ومن خلال توصيات النموذج التنموي الجديد تحرص على تسريع وثيرة تطبيق  السياسات النيوليبرالية، و جاء في الفقرة المعنونة :ب: الخيار الاستراتيجي الرابع- إطار مكرو اقتصادي داعم للتنمية” مايلي :

 “وضع آلية دورية لمراجعة استخدام النفقات العمومية بهدف الاستخدام الأمثل لهذه النفقات عبر تقليص النفقات غير ذات الأولوية”. ويعني هذا مزيدا من التقشف في الميزانيات الموجهة للقطاعات الاجتماعية، وتوصي نفس الفقرة بتخفيض الثقل الضريبي عبر تخفيض نسبة الضريبة على الشركات الكبرى المستثمرة في الأنشطة المفتوحة على السوق الدولية، وينم ذلك عن عزم الدولة الكبير على دعم  تنافسية أنشطة الرأسمال الكبير.

يخلص تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد إلى ضرورة تسريع  وثيرة التحول الهيكلي للاقتصاد الوطني، وإتاحة فرص أكبر أمام  استثمارات الرأسمال الخاص، وتحميل القطاع العام كلفة تجهيز وتطوير بنيئة تحتية تستجيب لشروط الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية، وملائمة التشريعات مع ما تقضيه مصلحة المقاولة الرأسمالية، وتشجيع تنافسيتها عبر تخفيض تكلفة عوامل الانتاج خاصة “الطاقية واللوجتسيك” حسب ما جاء في التقرير، أي  استكمال تحرير قطاعي الطاقة والنقل. وترافق الدولة هذا المنحى بمراجعة  قانون الشغل لتأبيد الاستغلال المكثف لليد العاملة،  ويوصي تقرير اللجنة بضرورة  إرساء حوار اجتماعي يساير تحولات سوق الشغل وإشراك الشركاء الاجتماعيون (النقابات)  في ضمان هذا المسار، ويركز التقرير على ما يسميه “تيسير الحركية بين المقاولات وبين القطاع العام والخاص”، والقصد هو المزيد من الهشاشة والمرونة لضرب استقرار علاقات الشغل.  ويتبين من خلال هذه المرتكزات أن الدولة ستحمل التكلفة الاجتماعية والبيئية الناجمة عن استثمارات كبرى الشركات للمواطنين والمواطنات. وينتقد تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد ظاهرة الريع المعيق لتحرير المبادرة الحرة و المضر بقوانين وبشفافية المنافسة، لكن ذلك مجرد كلام في الهواء، لأن تلك الآلية جزء من ميكنيزمات اغتناء  الطبقة المسيطرة  وتسمين أرباح قسمها المالك للسلطة السياسية والأكثر احتكارا للثروة.

لا يمكن الحديث عن تنمية عادلة دون القطع مع سياسات تديم القهر الاقتصادي والظلم الاجتماعي والبيئي، ولن ينعم الشعب المغربي بكامل حقوقه دون افتكاك البلد من التبعية لمراكز القرار الامبريالي الداعمة لأليات الاستبداد السياسي، وهنا يجب التذكير بأن هذا “النموذج التنموي الجديد” يأتي في سياق يتسم بهجوم الدولة المستعر على الحريات الديمقراطية الأساسية، وخنق حريات التعبير بالزج بكل المعارضين في السجون، والتضييق على منظمات النضال، وقمع الاحتجاجات وحملات التضامن في شبكات التوصل الاجتماعي.  

فاطمة الزهراء البلغيتي

الكاتبة العامة لجمعية أطاك المغرب.

ملاحظة:

نشر هذا المقال ضمن مواد العدد رقم 466 من صحيفة ” ملفات تادلة ” لشهر يونيو 2021

زر الذهاب إلى الأعلى