المخططات الليبرالية

حكومة الباطرونا و”الجيل الجديد” من الإجراءات النيوليبرالية

عرفت فترة تنصيب الحكومة الجديدة برئاسة الرأسمالي عزيز أخنوش، تداول بعض الأوهام على منصات التواصل الاجتماعي والاعلام حول مشروع وأهداف هذه السلطة التنفيذية القديمة-الجديدة. حيث وصف البرنامج الحكومي ب”الاجتماعي” والذي يهدف إلى خلق “الدولة الاجتماعية”. بعيدا عن الخطابات التواصلية التي تطلقها الحكومة مدعومة من طرف إعلامها ومؤثريها الأجراء، نقدم قراءة سريعة في الأهداف المركزية للبرنامج الحكومي والذي بالرغم من كونه متواجد في النسخة الرسمية للالتزامات الحكومية فهي تتفادى التفصيل فيه نظرا لطابعها اللاشعبي.
هذا النوع من الإصلاحات سيجري تنفيذه من طرف “حكومة تقنية” هدفها الأسمى نيل رضا الاستبداد السياسي والمؤسسات المالية الدولية والباطرونا. الرأسمال الكبير الذي وجد من يمثله مباشرة من خلال شغل ثاني أكبر رأسمالي بالمغرب منصب رئاسة الحكومة.
الدولة في خطة الرأسمال
غطت أزمة كوفيد19 المتعددة الأبعاد على أزمة النموذج الاقتصادي والاجتماعي المتبع منذ ثلاثين سنة على الأقل. حيث يجري تعليل الركود الاقتصادي الكبير الذي عرفه المغرب بظهور وباء كوفيد19 فقط. والحال أننا كنا قبل الوباء في سياق ركود اقتصادي ممزوج بأزمة اجتماعية خانقة. جاء الوباء وأسقط معه آخر أوهام دعاة النيوليبرالية بالمغرب والعالم. حيث اكتشفت البرجوازية الكبرى بالمغرب الدور الاستراتيجي للقطاع العام في الصحة وغيرها من الخدمات العمومية الأساسية.
في عز الأزمة الصحية، تم التخلي عن التوازنات الماكرو اقتصادية وفتح الباب على الاستدانة من أجل انقاذ الرأسمالين أولا وبعده توزيع بعض الفتات على المفقرين من جراء الكوفيد19. مع الوباء أصبح للدولة “دور يجب أن تلعبه في الاقتصاد” يردد أشد الليبراليين اليوم بالمغرب. الدولة أصبحت هي المنقذ والملاذ الأخير لقطاعات احتكارية عدة تقدم لها خطط انقاذ ودعم سخي من المال العام الممول جزء منه من الديون العمومية.
ظهور ارهاصات الخروج من الأزمة الصحية لكوفيد تتزامن مع ارتفاع الخطاب النيوليبرالي الداعي لتبني “إصلاحات جديدة” أو كما يحلوا للحاكمين ومستشاريهم تسميتهم ” الجيل الجديد من الإصلاحات “. فبعد تقرير النموذج التنموي الذي يتضمن مجموعة هائلة من الإجراءات النيوليبرالية وكأن النخبة الليبرالية بالمغرب قامت بعصف ذهني طيلة سنة ونصف – بتمويل من المال العام – لإنتاج أكبر عدد من الأفكار من أجل تدمير الخدمة العمومية تحت تسميات خادعة وجذابة. ثم جاء البرنامج الحكومي بوعوده حول وهم “الدولة الاجتماعية” وتلاه بعد أيام “الكتاب الأبيض” لفيدرالية الباطرونا من خلال 10 إجراءات ليبرالية تهدف إلى تعميم منطق السوق على ما تبقى من الخدمات العمومية بالمغرب. في سياق يتسم بوجود “حكومة تقنية” ستعمل على استكمال ما بدأته الحكومات السابقة من خوصصة للخدمات العمومية ومن تحميل المواطنين أعباء إصلاحات تخدم الرأسمال الكبير المحلي والدولي.
أجندة صندوق النقد الدولي
يمكن تلخيص الإصلاحات القادمة والتي ستكتسي طابع الأولوية لدى الحاكمين في خمس مجالات: السياسة المالية العمومية (1)، المؤسسات والمقاولات العمومية (2)، الصحة والتغطية الاجتماعية (3)، الوظيفة العمومية (4) والضريبة (5).
في ما يلي بعض الأمثلة عن “الإصلاحات” القادمة ذات النفس النيوليبرالي.
المجال الأول: المالية العمومية
من منطق النيوليبرالية، الوضع خطير. عجز الميزانية وصل 7،6 في المائة في 2020. أما المديونية فقد تجاوزت 92 في المائة من المنتوج الداخلي الخام. أمام هذه الأرقام وفي أول فرصة ستتاح للحاكمين سنكون أمام هجمة تقشفية لا مثيل لها من أجل استرجاع ” التوازنات الماكرواقتصادية” المقدسة، خاصة أن صندوق النقد الدولي لا يكل ولا يمل في كل تقرير وكل زيارة للمغرب من التأكيد على “ضرورة توفر المغرب على نظام صرف أكثر ليونة.” ويضيف “أن زيادة المرونة في نظام الصرف ستفيد الاقتصاد المغربي من خلال الحفاظ على الاحتياطيات والقدرة التنافسية وقدرته على امتصاص الصدمات الخارجية”. ضغط كبير يواجه بنك المغرب بالرفض العلني لحد الساعة” .
المجال الثاني: المؤسسات والمقاولات العمومية
أكيد أننا أمام أكبر الإصلاحات النيوليبرالية القادمة. نحن أمام إعادة هيكلة المئات من الشركات والمؤسسات العمومية تحت يافطة “تحسين النجاعة والمردودية والالتقائية” وغيرها من المصطلحات المأخوذة من المعجم النيوليبرالي. “إصلاح” يهتم به الاستبداد السياسي بشكل كبير حيث تم تمرير قانونين في النصف الأخير من الحكومة خصيصا لإعداد هيكلة جديدة لهاته المؤسسات العمومية. حيث تم في 26 يوليوز 2021 إصدار ظهير للقانون-الإطار رقم 50.21 المتعلق بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية وفي نفس اليوم تم إصدار قانون يتم بموجبه إحداث “الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع أداء المؤسسات والمقاولات العمومية”. حيث تم تمرير تدبير المؤسسات العمومية من وزارة المالية من خلال المديرية المتخصصة لذلك إلى هاته الوكالة الجديدة. سنعود بالتفصيل لهذا الإصلاح الكبير الذي يشمل جانب كبير من الوظيفة العمومية والذي ينتظر أن يتم تسريح المئات من الأشخاص من جراء عمليات إعادة الهيكلة ودمج المؤسسات العمومية.
المجال الثالث: الصحة والتغطية الاجتماعية
أزمة كوفيد19 خلقت وعيا لدى الجميع في العالم بضرورة التوفر على أو العودة إلى “دولة الحماية الاجتماعية”. لكن هذه الأفكار الجميلة تم نسيانها بعد أشهر من بداية الوباء. استرد النيولبيراليون المبادرة من خلال السطو على كل المبادرات التي تخص القطاع الصحي وإرساء نظم حماية اجتماعية. المغرب جعل من هذين الورشين، “مشروعين ملكين” جديدين. حيث تمت المسارعة في خلق هذا النظام في وقت قياسي. والدليل على ذلك تغيير قانون ممارسة الطب بالمغرب في آخر أيام الحكومة لفتح المجال للأطباء الأجانب بمزاولة المهنة بالمغرب، وكأن جلب أطباء أجانب سيحل معضلة الخصاص المهول في الأطر الصحية. وقامت أيضا حكومة العثماني بتغيير القانون الأساسي للوظيفة العمومية من أجل تعميم التعاقد في كل القطاعات العمومية.
تهافت تكاثرت معه الأخطاء ورغبة جامحة من أجل فرض المنطق النيولبيرالي على هذا الإصلاح الاجتماعي والمجتمعي المهم. لنا في تصريح صندوق النقد الدولي مرة أخرى ملخص على الفكر السائد حول هذا الإصلاح. الصندوق ينصح ب” تدابير لتوسيع القاعدة الضريبية وزيادة تصاعدية النظام الضريبي، وإصلاحات جديدة للإدارة العمومية من شأنها ترشيد الإنفاق وبرنامج خصخصة المؤسسات العمومية من أجل تمويل منظومة الحماية الاجتماعية الجديدة “
كم كبير من الإصلاحات ورغبة من طرف الحاكمين ومستشاريهم ومموليهم الدوليين في تمرير هذه المخططات سيكون لها لا محالة أثر سلبي على الطبقات الشعبية والفقيرة وستوسع أكثر دائرة الفساد والمفسدين. هذا هو البرنامج الحكومي لحكومة الباطرونا. وبرنامجنا مزيد من النضالات الوحدوية والاجتماعية…
صلاح لمعيزي، أطاك المغرب

زر الذهاب إلى الأعلى