المخططات الليبراليةالمكتبةغير مصنفكتب وكراريسملفات دراسية

الحلقة العاشرة من سيرورة إرساء وتطور السياسات التعليمية بالمغرب: البرنامج الاستعجالي: إجهاز على الوظيفية العمومية وتمكين القطاع الخاص وتبديد أموال عمومية

الحلقة العاشرة

  • الإجهاز على الوظيفة العمومية في التعليم كانت أهم مشاريع البرنامج الاستعجالي.

أفرد البرنامج للعاملين بالتعليم وعودا بهجوم على أوضاعهم: هؤلاء المدرسون والإداريون [أو ما يسميه الخطاب “النيوليبرالي” “الموارد البشرية”] هُم مَنْ سينفذ البرنامج. لكن نجاح تنفيذه يستلزم حل “أزمة حكامة المنظومة”. اعتبر البرنامج أن القيام بتدبير مثالي” للوظائف والكفاءات” مرتبط بالوفاء بالشروط الثلاثة:

  •  إرساء العمل بالتعاقد.
  • ·          لا مركزة تدبير الموارد البشرية، (الإلحاح على ضرورة إصدار النظام الأساسي للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين).
  • ·         ربط الأجر بالمردود.

وهكـــذا أقر البرنامج الخطوات التالية:

ـ سيجري توظيف الأطر التربوية على الصعيد الجهوي، وسيكون هذا التوظيف على أساس العقدة بناء على أنظمة وقوانين خاصة بالأكاديميات.

ـ إضافة ساعتين لوعاء عمل المدرسين (لربح المزيد من المدرسين).

ـ إدخال مفهوم المدرس المتحرك: الذي يعني تعيين المدرس حسب الجهة (وليس في مؤسسة معينة) وجعله رهن الإشارة في أي وقت داخل الجهة ككل: ضرب الاستقرار.

ـ اعتماد مسار جديد لولوج ما يسميه البرنامج “مهنة التربية”.

يشمـــل:

–   3 سنوات من التكوين بالمسالك الجامعية للحصول على إجازة.

–   اجتياز مباراة المراكز الجهوية للتكوين.

–   سنتان من التكوين يتم الحصول بعدها على شهادة المركز، التي لا تعني التوظيف بل تخول العمل بالقطاع الخاص أو الالتحاق بالتدريس على أساس عقود عمل (التوظيف التعاقدي) لمدة 3 أو 4 سنوات دون ترسيم وبعده اجتياز امتحان شهادة الأهلية لولوج الوظيفة التعليمية على أساس نظام الاكاديميات. مما يعني فرط استغلال وتعميم الهشاشة وانعدام استقرار.

إن كل إجراءات البرنامج الاستعجالي هي في الأصل توجهات للميثاق الوطني للتربية والتكوين، لكن ما فعله هذا البرنامج هو إزالة مساحيق التجميل الوطنية “الميثاقية” ليظهر الجوهر الليبرالي سافرا.

كان هدف إرساء المدرسة المغربية الجديدة، المتساوقة مع منظورات الليبرالية الجديدة للتعليم ووظيفته، قد أضحى مطلب كل القوى السياسية المؤسسية، بما فيها “المعارضة”. لقد كان ذلك أحد أهم إنجازات الميثاق، المبني على إجماع تلك القوى حول مشروع يحتمل تأويلات “وطنية” وظيفتها الخداع، في سنين تنزيله الأولى، لكن الوصول إلى هدف بناء هذه المدرسة بقي بعيد المنال، لسبب رئيس تمثل في محاولة تحقيق أهداف ذلك الميثاق دون رفع فعلي للجهد المطلق المبذول لصالح التعليم بالبلد، الذي بقي طيلة السنين السبع الأولى لتزيل الميثاق قريبا من المستوى الذي كان عليه أثناء سنوات التقويم الهيكلي.

جاء البرنامج الاستعجالي ليحاول في ثلاث سنين الرفع بصورة دالة من مستوى ذلك الجهد، لكي يتم الوصول أخيرا لِجَنَّةِ المدرسة الليبرالية المأمولة، عبر جهد مالي استثنائي (حوالي 5 مليارات من الدولارات) كانت الاستدانة مصدرها الأساس.

كان هذا السخاء الاستثنائي معبرا عن ضيق شديد أصاب الحاكمين الفعليين للبلد، من مدرسة لبرالية لم تقم قائمتها رغم جهودهم. فكان الخيار الذي جرى اتباعه هو المقامرة ببعض المال، واستعجال النتائج.

مبيان رقم 4

تطور مؤشر الجهد المطلق المبذول لصالح التعليم طيلة سنين تطبيق الميثاق والبرنامج الاستعجالي[1]

لكن النتائج لم تأت كما أريد لها، لقد كان الأمر أشبه برمي أكياس من المال في بحر تسكنه حيتان رأسمال من مختلف الأحجام. لقد كان البرنامج الاستعجالي مثالا واضحا عن تكوين دين لا يحتمل[2] أو قد يكون كريها[3]، حيث جرى تبديد أموال عمومية بعضها مُتَأَتّ من قروض خارجية لأجل اغتناء أقلية نهابة. لم يُستشر الشعب عند اعتماد البرنامج وعند اللجوء إلى القروض لتمويله، وستؤدي أجيال عديدة أصول وفوائد ديون، لم يشركهم أحد في التقرير بشأنها، وبالتأكيد لم يستفيدوا منها.

الجدول رقم 16

مشاريع البرنامج الاستعجالي والاعتمادات المخصصة لها

لقد كشف المجلس الأعلى للحسابات في تقرير له بصورة خجولة بعضا من” اختلالات” تنفيذ البرنامج الاستعجالي، وخلص إلى ” أن المخطط الاستعجالي لم يحقق جميع أهدافه، كما أنه لم تكن له التأثيرات المرغوب فيها على النظام التعليمي في البلاد. وللإشارة، فإن تطور العديد من المؤشرات بعد سنة 2012 تظهر تفاقم وضعية التعليم والتكوين.”[4]. إنه إقرار خجول بفشل جديد في مشروع الحاكمين للتأسيس للمدرسة النيولبرالية بالمغرب. لكن هؤلاء لا ييأسون من المحاولة، كما سنرى، وستتقدم الدكاكة النيولبرالية، العاجزة حتى عن الوصول لما تخطط له، فيما سيلي من مخططات.

إطار رقم 03[5]

منظور البرنامج الاستعجالي لحل إشكالية التمويل


لقد أصبح من الصعوبة بمكان الاستمرار في الرفع من ميزانية وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي دون اللجوء إلى عقلنة جذرية للنفقات وسبركل إمكانيات الترشيد المحتملة. وهذا يقتضي اتخاذ إجراءات صارمة لتحسين مردودية منظومة التربية والتكوين وترشيد النفقات ومحاربة التبذير. ومن الضروري الإشارة إلى أن آثار هذه التدابير لا يمكن أن تقاس بصورة سليمة إلا بإقرار محاسبة عامة ومحاسبة تحليلية في الأكاديميات والجامعات والمعاهد والمؤسسات. وحتى في حالة التطبيق المرضي لهذه التدابير الهادفة إلى عقلنة النفقات، فإنه من البديهي أن الدولة تبقى غير قادرة لوحدها على تحمل إجمالي النفقات المرتبطة بإصلاح منظومة التربية والتكوين. وعليه، فتخفيف هذا الضغط على ميزانية الدولة يظل رهينا بتفعيل دعامتين :
اللجوء إلى كل مكونات المجتمع عبر إحداث صندوق للدعم.
تشجيع تنمية العرض التربوي الخصوصي.

لكن الحاكمين حققوا رغم كل شيء نجاحات استراتيجية، تمثلت في حسم الحرب السياسية على المدرسة العمومية، ودخول الجميع تحت الخيمة النيولبرالية، بحيث أضحت كل المفاهيم المؤطرة للإصلاح التربوي والتعليمي بالمغرب تمتح من المعجم الليبرالي وتنهل من محبرة المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية وقد انعكس ذلك في دستور 2011.

إن وجود المغرب دائما في أدنى درجات الترتيب في تقارير المؤسسات الدولية بخصوص التعليم (والصحة وعديد من المؤشرات الأخرى) مقارنة بالبلدان المغاربية والعربية القريبة منه (التي تنفذ سياسات بنفس المضامين كما تمليها المؤسسات المالية الدولية) هو واقع لم يستطع الحاكمون التقدم كثيرا في تغييره، خاصة أن المشكل حسبهم يجب أن يحل على المستوى التدبيري في تنزيل تلك السياسات مادامت لم تنفذ كما يجب، وليس وضع تلك السياسات موضع اتهام.

ولتجاوز هذا الواقع، سيتم الارتماء في سيرورة ساعية لمأسسة الرؤية الليبرالية في التعليم و”تحديث” الإطار العام لتنفيذها وتفعيل أدوات ذلك التنفيذ. حيث سيجري تعديل جوهري في الإطار الدستوري ذي الصلة بالخدمة التعليمية، والبناء عليه في تكريس المنظورات الليبرالية عبر الرؤية الاستراتيجية، والإفادة من ميزان القوى الجديد الأشد ميلانا لصالح من هم فوق بعد هزيمة نضالات سنة 2011 للقيام بخطى حاسمة لفرض تهشيش أوضاع العاملين في التعليم (عبر التعاقد) باعتباره خيارا لا مناص منه لجعل قطاع التعليم يستجيب لشروط المرونة اللازمة لتيسير تنفيذ المخطط الليبرالي المتعدد الأوجه. وفي ذات السياق جرى السعي لتجاوز نقيصة تدبيرية مهمة تتمثل في أن أطر وزارة التربية الوطنية هم في غالبيتهم أطر تربية وتدريس، أتوا إلى ميدان التدبير والإدارة عن طريق مسارات لم تقض على خلفيتهم التربوية، تلك الخلفية التي تمنعهم (رغم الاستعداد الذي يبدونه) من التبني الكامل للمنظور المقاولاتي وأوهام فعاليته، عبر ما تجري تسميته بمهننة “المهن التعليمية”، خاصة الإدارة “التربوية” للمؤسسات المدرسية والتسيير المالي والمادي للمؤسسات والأكاديميات ومديريات التعليم[6]. كما ابتدأ العمل بنظام للتدبير المعلوماتي للمؤسسات التربوية، منظومة مسار، التي يعول عليها لتغيير شامل لميكانيزمات العمل في القطاع بصورة تسمح بالتتبع الدقيق لمؤشرات الإنجاز، وبالتالي التحكم فيها لترضي مخرجاتها من سيتولون توجيه التعليم، أي المقاولات والرأسمال الخارجي الساعي لاستثمار أمواله في البلد.

هي إذن محاولات لتجاوز النقائص التي يسببها مناخ الاستبداد السياسي، تجاوز لا يمس أسس الاستبداد، بل فقط مستويات تدبيره الأدنى.

إن كل هذه السيرورة أفضت لتطور سريع وحاد للتعليم المدرسي الخصوصي، على حساب التعليم العمومي. حيث تبين الإحصائيات الرسمية ان هذا الاخير يتطور بشكل سريع جدا من حيث عدد التلاميذ. وإذا علمنا ان القطاع الخاص يتطور فقط في العالم الحضري، فيجدر بنا عقد المقارنات بين تطور المؤسسات العمومية بالحضري وتلك الخصوصية لنبين حجم تطور هذه الاخيرة المخيف، بما يجعل تحول التعليم إلى سلعة أمرا واقعا، وسيصبح التعليم الخصوصي أو شبه الخصوصي هو القاعدة في السنوات القليلة القادمة، إذا لم يتم تغيير المنحى الحالي:

الجدول رقم 17

تطور التعليم العمومي الحضري والتعليم الخصوصي بين سنتي 2010 و2018 [7]

تنطق هاته الأرقام بحقيقة فاقعة ومفجعة، مفادها ان التعليم العمومي في المدن لا يتطور كميا من حيث عدد التلاميذ، حيث لم يتطور التعليم العمومي في الابتدائي بين 2010 و2018 إلا بنسبة: 1,54% ، وفي الإعدادي بنسبة : 0,17% ، بل سجل تراجعا في التعليم الثانوي: بناقص 0,74%، بينما تطور التعليم الخصوصي بمعدلات مرتفعة جدا :في الابتدائي بنسبة  63,26% والإعدادي 87,62%، وفي الثانوي ب 37,19%. لا تمثل هاته النسب، رغم دلالاتها الواضحة حول وجهة التعليم بالمغرب، إلا بداية في مشروع جعل التعليم سوقا بالكامل، وهو ما تسعى له فعلا الرؤى الليبرالية السائدة.

الجدول رقم 18

تطور أعداد المؤسسات التعليمية حسب الأسلاك التعليمية بالوسط الحضري بالنسبة للتعليم العمومي والتعليم الخصوصي بين سنتي 2010 و2018[8]

سيرورة تحويل الخدمة العمومية التعليمية إلى سلعة، أي التحول من التعليم العمومي التضامني، إلى التعليم التجاري الذي يستحوذ فيه القطاع الرأسمالي على الأقسام القادرة على الدفع داخل المجتمع، جارية على قدم وساق طبقا لتوصيات المؤسسات المالية الدولية والبورجوازية المحلية. هكذا نجد تنامي هائل لاستثمارات للرأسماليين في القطاع التعلمي التجاري، وهذا ما توضحه الأرقام في الجدول أعلاه.

 لقد عرف عدد مؤسسات التعليم الابتدائي في الوسط الحضري تطورا بالنسبة للقطاع العمومي بنسبة 8,18 في المئة بينما نمى عدد مؤسسات القطاع التعليمي التجاري، بنسبة 70,47 في المئة. حيث انتقل عدد مؤسسات التعليم الابتدائي العمومي الحضري من 2798 سنة 2010 إلى 3027 مؤسسة سنة 2018.

أما بالنسبة لمؤسسات التعليم العمومي الاعدادية فقد تطورت أعدادها في الوسط الحضري بنسبة 20,10 بالمئة منتقلة من 945 مؤسسة سنة 2010 إلى 1135 مؤسسة سنة 2018 بينما عدد مؤسسات التعليم الخصوصي التجاري بالوسط الحضري تطورت بنسبة 111,11 في المئة منتقلا عددها من 747 سنة 2010 إلى 1577 سنة 2018.

في حين انتقل عدد مؤسسات التعليم التجاري في الثانوي من 467 سنة 2010 إلى 920 مؤسسة سنة 2018 بنسبة تطور بلغت 97 في المئة، بينما تطور عدد مؤسسات التعليم العمومي في الثانوي التأهيلي في الوسط الحضري بنسبة 27,7 في المئة حيث انتقل عدد المؤسسات من 686 سنة 2010 إلى 876 سنة 2018.


[1] Atlas graphique et cartographique de la décennie de la Charte Nationale de l’Education et de la Formation 2000-2013§ / page 10

[2]  دين لا يحتمل dette insoutenable

دين لا يمكن تسديده دون إحداث ضرر بالغ بقدرة الدولة المدينة على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان الأساس، كالتي ترتبط بمجال التربية والتعليم، والماء، والرعاية الصحية، وتوفير السكن اللائق، أو الاستثمار في البنيات التحتية العمومية والبرامج اللازمة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. أو يمكن أن يكون دينا سوف يؤدي تسديده إلى عواقب وخيمة على سكان الدولة المدينة (والتي تتضمن تدهور مستويات المعيشة الضرورية). قد يمكن تسديد مثل هذا الدين، ولكن ينبغي للدولة أن توقف تسديده حتى تتحمل مسؤولياتها المتعلقة بحقوق الإنسان.

أنظر : http://cadtm.org/Definition-des-dettes-illegitimes

[3] دين كريه dette odieuse

دين مُنح في انتهاك للمبادئ الديمقراطية (والتي تتضمن الموافقة والمشاركة والشفافية والمسؤولية)، واستخدم ضد المصالح العليا لشعب الدولة المدينة، أو دين باهض ينتج عنه إنكار الحقوق المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية للسكان. ويعلم الدائن أو كان قادرا على معرفة ما ورد أعلاه.

أنظر : http://cadtm.org/Definition-des-dettes-illegitimes

[4]  المجلس الأعلى للحسابات : تقرير حول تقييم المخطط الاستعجالي لوزارة التربية الوطنية. مايو 2018 ، صفحة : 89

[5]  البرنامج الاستعجالي 2009- 2012 التقرير التركيبي- صفحة 74

[6]  منذ سنة 2015 تم إحداث مسلك لتكوين أطر الإدارة التربوية وفق منظور مقاولاتي صرف.

[7] مصدر الإحصائيات هو ” موجز إحصائيات التربية الوطنية 2018/2019) الذي أصدرته وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي”.

[8] نفس المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى