المخططات الليبراليةالمكتبةكتب وكراريسملفات دراسية

الحلقة 24 من سيرورة إرساء وتطور السياسات التعليمية بالمغرب: “التعاون الدولي” لتمويل نفقات القطاع “العمومي” للتربية والتكوين: حصان طروادة لتسريع تفكيك المدرسة العمومية: نموذج مؤسسة تحدي الألفية الأمريكية

.  

3 – “التعاون الدولي” لتمويل نفقات القطاع “العمومي” للتربية والتكوين: حصان طروادة لتسريع تفكيك المدرسة العمومية: نموذج مؤسسة تحدي الألفية الأمريكية

تنص جميع الوثائق الاستراتيجية للدولة [المغربية] في قطاع التربية والتكوين على تنويع مصادر التعليم[1]:

1) تمويل من قبل الأسر، سواء ارتاد أبناؤها مؤسسات “عمومية” أو مؤسسات القطاع الخاص،

 2) إحداث صندوق خاص لتنويع مصادر التمويل تساهم فيه الجماعات الترابية والمقاولات العمومية والقطاع الخاص[2]، هذا الأخير يأتي بمساهماته – إن تحققت- من جيوب زبائنه دون المساس من معدلات أرباحه،

 3) دعم الدولة للبنوك من أجل التخفيف من المخاطر الائتمانية المرتبطة بالقروض الدراسية، وبذلك تمكين البنوك من سوق جديدة تؤدي الميزانية العمومية كلفة خسائرها،

 4) الشراكات مع الجماعات المحلية والقطاع الخاص.

تكمن إحدى تجليات تنويع مصادر التمويل الموجه للدولة، والمتجه أكثر فأكثر نحو الاعتماد على ما يسمى “التعاون الدولي” لتمويل نفقات القطاع “العمومي” للتربية والتكوين. الأموال المُحَصلة عن طريق هذا “التعاون”، يمكن أن تكون على شكل قروض أو مساعدات التنمية، مصدرها البنك الدولي، الاتحاد الأوروبي، الوكالة الفرنسية للتنمية، البنك الإفريقي للتنمية، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، مؤسسة تحدي الألفية الأمريكية… لكن ما الذي تشترطه الجهات المانحة مقابل حصول الدولة على التمويل؟ وما الذي تستفيده؟

بصورة عامة، يدعم هذا النوع من التمويل أجرأة المنظورات الليبرالية للتربية والتكوين التي يمليها وكلاء رأس المال العالمي على المغرب. كل تمويل يحكمه اتفاق شراكة، أو ميثاق، يجري توقيعه من قبل الحكومة المغربية والجهة المانحة. يحدد ميثاق “التعاون” المحاور المستهدفة من التمويل وآليات المواكبة والرقابة والتقييم لبلوغ الأهداف المسطرة.

 3 – 1 نموذج من تمويل البنك العالمي:

في إطار برنامج “دعم قطاع التربية” الذي يندرج ضمن الشراكة الاستراتيجية 2019 – 2024 بين المغرب والبنك الدولي، حصل المغرب على قرض ب 500 مليون دولار وهو عبارة عن ” قرض-برنامج من أجل النتائج ” حيث يكون صرف الأموال مشروطًا بتحقيق النتائج الرئيسة، كما جاء في موقع البنك الدولي عل الويب[3]. من بين المكونات التي يرتكز عليها البرنامج نجد مكون ” تعزيز قدرات التدبير لدى مجموع مقدمي الخدمات التربوية”.

في حوار مع مديرة منطقة المغرب العربي ومالطا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجموعة البنك الدولي[4]، أجري شهر أبريل سنة 2019، صرحت هذه الأخيرة أن جميع أكاديميات التربية والتكوين هي مقاولات تضم آلاف المُشغَلين. حيث يجب على الأكاديميات أن تتوفر على قدرات للتخطيط والتدبير وتتبع التنفيذ…وأضافت أنه يجب تكوين المسؤولين بالأكاديميات وضمان توفرهم على أدوات التتبع والتقييم. وقد ثمنت استخدام النظام المعلوماتي “مسار” كإحدى هذه الأدوات. كما ركزت على ضرورة التوفر على أدوات التدبير المالي، والتحقق من امتلاك القدرات اللازمة لاستعمالها. باختصار، يقدم البنك الدولي قروضا للانتقال إلى التدبير المقاولاتي الذي يناسب السياسة الرامية لتفكيك المنظومة التعليمية وتبضيع التعليم. يندرج دعم قدرات التدبير المالي للأكاديميات الجهوية في إطار تهييئها للبحث على مصادر تمويل بديلة عن الدعم الذي تقدمه لها الدولة، أي تطوير قدراتها للبحث عن موارد مالية من جهات مانحة محلية أو دولية وموازنة حساباتها بتقليص الكلفة أو منسوب “العرض التعليمي”.

في فقرة أخرى من الحوار، توضح المديرة الهدف من التعاقد على المستوى الجهوي، بصورة صريحة ودون تنميق أو افتراء طالما عهدناهما في الساسة المغاربة، خدام البنك الطيعين: “من الضروري معرفة قدرة المغرب على تعبئة التمويل لأجل مسمى. أعتقد أننا نبحث عن بعض المرونة من أجل الحصول على أشخاص يجيبون بشكل أفضل عن احتياجات اللحظة. يجب مناقشة ذلك في سياق إصلاح نظام الوظيفة العمومية واللامركزية. لقد مرت العديد من البلدان إلى التعاقد من أجل الحصول على مزيد من المرونة”[5].

3 – 2 تحدي الألفية: الدعم المالي مقابل تنفيذ السياسات الليبرالية التي تكرس التبعية والخضوع للولايات المتحدة الأمريكية:

يُعَد تمويل مؤسسة تحدي الألفية الأمريكية شكلا آخر من “التعاون” يُظهر بشكل سافر السماح للدول الإمبريالية بنهب ثروات البلد مقابل المساهمة في تمويل قطاع التربية والتكوين. تمويل يخلق سوقا للاستثمار الخاص المحلي ويُوَجه المنظومة التربوية لخدمة السياسات الاقتصادية الليبرالية ويفتح البلد لتغلغل رأس المال العالمي. لفهم أبعاد هذا “التعاون”، يجب الاطلاع على سياق تأسيس مؤسسة تحدي الألفية ومعايير انتقاء البلدان للاستفادة من التمويل.

3 – 2 – 1 هيئة تحدي الألفية: أحد أسلحة توسع الإمبريالية الأمريكية

بتاريخ 14 مارس 2002 أعلن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش في اجتماع “بنك التنمية للدول الأمريكية” عن إحداث حساب تحدي الألفية “MCA ” في إطار ما يسمى: المساعدات العمومية من أجل التنمية. سنة 2004 جرى تأسيس الهيئة “MCC” المكلفة بتدبير هذا الحساب.

هيئة تحدي الالفية موضوعة تحت سلطة مجلس إدارة يرأسه كاتب الدولة ويضم تسعة أعضاء: 1) الأربعة المقترحين في البداية: كاتب الدولة للولايات المتحدة الأمريكية، وزير الخزانة الأمريكي، مدير مكتب التدبير والميزانية المرتبط مباشرة بالمكتب التنفيذي للرئيس والممثل التجاري للولايات المتحدة، 2) مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وأربعة آخرون غير منتمين للإدارة[6].

لانتقاء بلد معين من قبل الولايات المتحدة الأمريكية قصد استفادته من التمويل، يرتكز مجلس إدارة هيئة تحدي الالفية على مؤشرات تُعِدُّها منظمات مختلفة تقتسم نفس المنظورات الليبرالية للسياسات الاقتصادية[7]، وتدعم جل أطماع رأس المال العالمي: 1) مؤشر الملاءمة المالية للبلد (مجلة المستثمر المؤسسي[8])، 2) معدل التضخم (صندوق النقد الدولي)، 3) عجز الموازنة خلال السنوات الثلاث الأخيرة (صندوق النقد الدولي ومصادر محلية)، 4) السياسة التجارية (مؤسسة التراث[9])، 5) جودة التشريعات (معهد البنك العالمي)، 6) عدد الأيام اللازمة لبدء عمل تجاري (البنك العالمي).

رغم إدماج كل من “محاربة الفساد” و”حماية الحريات” ضمن معايير الانتقاء، إلا أن الولايات المتحدة تربط بينهماوبين الحريات الاقتصادية من جهة، ودرجة القبول بالهيمنة الأمريكية من جهة أخرى. فتمويل الهيئة مشروط بالتقليص من النفقات العمومية على الخدمات العمومية والتسريع من وتيرة خصخصتها وفتح السوق المحلية أمام المنافسة الدولية. فإذا ما جرى تمويل مشاريع ببلد ما، ولسبب من الأسباب بدأ هذا البلد يتخذ مواقف لا تروق الولايات المتحدة الأمريكية، سرعان ما تسارع هذه الأخيرة إلى وقف التمويل. على سبيل المثال، توقف التمويل عن نيكاراغوا عندما جرى انتخاب الساندينيين. بالمقابل، استمر تمويل هيئة تحدي الألفية بعد الانقلاب في هندوراس سنة [10]2009.

أضحت هذه الهيئة منذ انشائها السلاح الفعال لغزو إفريقيا، حيث تلعب دورا هاما في[11]: 1) تبضيع الأراضي الفلاحية الإفريقية وفتحها أمام الرساميل الأمريكية[12]، 2) الاستيلاء على الأراضي التي لاتزال ملكيتها جماعية، والتي تدبر من قبل المجتمعات المحلية. يجري كمرحلة أولى تقسيم هذه الأراضي وتمليكها للأفراد لخلق سوق للعقار مبنية على حقوق الملكية الخاصة، ليتقدم بعد ذلك رأس المال فيضع يده على أغلبها سواء بالضغط على المالكين لاقتنائها مستفيدا من الإطار التشريعي الجديد المحفز للسوق والمنافسة أو التقدم للاستيلاء على أهمها أثناء مرحلة التمليك.3) نزع الملكية لتشييد مناطق صناعية تُجَهز وتُسَير من قبل القطاع الخاص الأجنبي، كشكل آخر من السطو على أراضي المحليين 4) تحرير سوق التعليم[13]

يجب على الحكومة التي وقعت على ميثاق تُحَصل بموجبه على تمويل من الهيئة، أن تنشئ إدارة مسؤولة عن تدبير تنزيل ما اتفق عليه وتسمى في كل البلدان التي تنشط فيها الهيئة: حساب تحدي الألفية (MCA)[14]. يستمر الميثاق خمس سنوات ويخضع لعمليات تقييم منتظمة؛ ويجب تحقيق أهداف محددة كل سنة تقريبًا قبل إصدار أشطر جديدة من التمويل.

منذ إنشائها قبل 16 عامًا، طورت مؤسسة تحدي الألفية -التي يبلغ حجم استثماراتها أكثر من 12 مليار دولار- إلى حد كبير أنشطتها في إفريقيا، والتي تمثل ثلثي محفظتها الاستثمارية. يستقطب المغرب وحده أكثر من مليار دولار من الاستثمارات، تراكمت بين الميثاق الأول المبرم في عام 2013 (698 مليون دولار) والميثاق الثاني قيد التنفيذ (450 مليون دولار). يبلغ اليوم إجمالي مشاريع مؤسسة تحدي الألفية في القارة ما يقارب 3 مليارات من الدولارات، مع 1 مليار دولار يجري استثماره حاليا، ويكرس أساسا للاستثمارات المتعلقة بالعقار وبالطاقة والتعليم وتأهيل اليد العاملة[15].

3 – 2 – 2 أنشطة هيئة تحدي الألفية بالمغرب: تقوية تغلغل الرأسمال الأمريكي في البلد

يوم 8 نونبر سنة 2004، أعلنت الهيئة عن لائحة بلدان جرى انتقاؤها، وكان المغرب أحدها، وقد برر مجلس إدارة الهيئة اختياره للمغرب بكون المجلس أخذ بعين الاعتبار الجهود التي يبذلها البلد منذ عام 2000 لفتح حدوده: إلى جانب الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي الذي نص على إلغاء الرسوم الجمركية على المنتجات غير الفلاحية، وإلى حدود سنة 2012 وقع المغرب اتفاقيات للتبادل الحر مع تركيا، الأردن، مصر، تونس والولايات المتحدة (MCC، 2004b)[16]. لقد كانت اتفاقية التبادل الحر الموقعة مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي دخلت حيز التنفيذ سنة 2006 محددا أساسا في انتقاء المغرب.

سنة 2013، عمل خبراء من هيئة تحدي الألفية والبنك الإفريقي للتنمية إلى جانب ممثلين عن القطاعات الوزارية والهيئات والمؤسسات العمومية والقطاع الخاص على بلورة مضامين شراكة ثانية تمول الهيئة بموجبها مشاريع تخص مجالات البنية التحتية ورأس المال البشري وتمويل الاستثمار[17]

بتاريخ 30 نوفمبر 2015، وقعت الحكومة المغربية برنامج “التعاون” الثاني، مع الحكومة الأمريكية، ممثلة بهيئة تحدي الألفية، بهدف “الرفع من جودة رأس المال البشري” و”تحسين إنتاجية العقار”. وقد سبق للمغرب في 31 غشت 2007 أن وقع على الميثاق الأول الذي كان غلافه المالي يقدر بـ 697 مليونا و500 ألف دولار أمريكي، وُجه لتفعيل الاستراتيجيات القطاعية، كمخطط المغرب الأخضر وأليوتيس وبرنامج مقاولتي والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية والميثاق الوطني للبيئة. يُعد تمويل هيئة تحدي الألفية “هبة” تواري خَلْفها مهمة تعبيد الطريق لتحقيق أطماع الولايات المتحدة الأمريكية وتقوية نفوذها وسيطرتها. إلى جانب تمويل الهيئة، تنشط بالمغرب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية[18] وتعمل كل من الهيئة والوكالة معا على تنزيل المشاريع التي تمولها الهيئة في قطاع التربية والتكوين قصد الاستناد على الخبرات التي راكمتها الوكالة طيلة السنوات التي سبقت التوقيع مع الهيئة.

عند الاطلاع على الميثاق الثاني لتحدي الألفية بين الحكومة المغربية وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية، والذي أدرج كقانون في الجريدة الرسمية سنة 2016[19]، تتضح منذ الوهلة الأولى الأهداف من التمويل[20]: 1) الرفع من قابلية تشغيل الشباب المغاربة ومعدل تشغيلهم من خلال تحسين جودة وملاءمة التعليم الثانوي وبرامج تنمية التكوين المهني والتشغيل، إضافة إلى المساواة في الولوج إليهما، بصورة تستجيب لاحتياجات القطاع الخاص (“هدف مشروع تعزيز قابلية التشغيل”) و، 2) الرفع من إنتاجية العقار بالمغرب من خلال تعزيز استجابة أسواق العقار لمتطلبات المستثمرين وتعزيز المناخ الأنسب للاستثمار (“هدف مشروع تعزيز حكامة العقار”). الغايات واضحة: تمويل من أجل إخضاع التعليم بالمغرب ليصبح مقاولة منتجة ليد عاملة قابلة للاستغلال المفرط وفتح سوق التربية والتكوين أمام رأس المال الأجنبي وخصوصا الأمريكي[21]……..وتهيء شروط استيلاء الرأسمال على الوعاء العقاري الذي لازال ينفلت من قبضته (يدخل في هذا الإطار تمويل ودعم تمليك أراضي الجموع[22] وتمويل نموذج جديد لتطوير المناطق الصناعية يخضع لمنطق السوق، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص في تطوير المناطق الصناعية وتسييرها[23] وتمكين الشركات الأجنبية المستثمرة في القطاع الفلاحي من اقتناء العقارات بالقرى[24] ).

نموذج عن مجالات الاستثمار التي يوفرها التمويل الثاني لهيئة تحدي الالفية للقطاع الخاص، والتي وردت في مقال بجريدة “إيكونوميست”[25]

حجم تمويل الميثاق الثاني الموقع مع هيئة تحدي الألفية الأمريكية[26]

عند الاطلاع على محتوى البرنامج الخاص بتمويل قطاع التربية والتكوين، سيتبين أن الأبواب ستُفتح أمام الاستثمار الخاص للولوج بصورة أكبر لسوق التعليم والتكوين، وأن البرنامج سيُسَرع من وتيرة تنزيل التدبير المقاولاتي للمؤسسات التعليمية (في إطار البرنامج الذي من المفروض الانتهاء منه شهر يونيو سنة 2022، تُستهدف من 90 إلى 110 مؤسسة تعليم ثانوي، ستعمل هذه المؤسسات بالتشخيص التشاركي وبمشروع المؤسسة وعقود الأداء…).[27] “بدعم من الكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب، تستطيع استثماراتنا المشتركة تعزيز الموجة المقبلة من النمو الاقتصادي في المغرب” هكذا صرحت القائمة بالأعمال في السفارة الأمريكية بالمغرب سابقا[28].

لتحقيق هدف مشروع قابلية التشغيل، سيدعم تمويل هيئة تحدي الالفية ” التحسين المباشر للجودة في مؤسسات التعليم الثانوي، وتحسين أنظمة الصيانة والتقييم والتكوين المهني تحت إشراف القطاع الخاص، واستخدام آليات تمويل مبتكرة معتمدة على النتائج للنهوض بالتشغيل الإدماجي، وتحسين نظام تدبير الأداء من خلال إصلاح السياسات ونظم المعلومات[29]“.

مقابل الحصول على التمويل تلتزم الحكومة بالتالي:

  1. ستقوم الحكومة، وفقا لما تقبل به هيئة تحدي الألفية من حيث الشكل والمضمون، بضمان التسيير المستقل للمؤسسات التعليمية التي يدعمها النشاط.
  2. ستقوم الحكومة بتمرير قانون لإصلاح التكوين المستمر بما في ذلك التمويل والتسيير.

3- ستقوم وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني بإجراء مراجعة (تقييم) سنوية لسياسة وأداء قطاع التكوين المهني[30].

بالإضافة إلى ذلك تقدم الحكومة التزاما سياسيا: “بالإضافة إلى تنفيذ السياسة الخاصة والتزامات الإصلاح القانوني والتنظيمي المحددة في الملحق 1 من هذا الميثاق، تعمل الحكومة على الحفاظ على مستوى أدائها وتحسينه وفقا لمعايير السياسة التي جرى تحديدها في الفقرة 607 من قانون تحدي الألفية، ومعايير الانتقاء ومنهجيته التي تعتمدها هيئة تحدي الالفية” (الفقرة 3.3. مسؤوليات الحكومة، المادة 3″التنفيذ”).

تُعدد الفقرة 607 من قانون تحدي الألفية، معايير انتقاء البلدان التي يمكنها الاستفادة من تمويل الهيئة، ومما جاءت به في الفقرة (ب/2) المتفرعة عنها، والخاصة بالسياسات الاقتصادية: الحرية الاقتصادية، بما في ذلك الالتزام الثابت بالسياسات الاقتصادية التي تشجع المواطنين والشركات على المشاركة في التجارة العالمية والأسواق المالية العالمية، تشجيع نمو القطاع الخاص وتعزيز قوى السوق في الاقتصاد[31].

من شأن سياسة تنويع مصادر التمويل أن تعمق من التفاوتات الملازمة لمنظومة التربية والتكوين. البحث عن تمويلات مجزأة ومتقطعة زمنيا، ومستهدِفة لإنشاء مشاريع غير معممة على جل المؤسسات والجهات ونهج مخطط خلق مؤسسات للتميز سيرفع من حدة التراتبية في قطاع التعليم. التمويل الأجنبي المشروط بالتزامات سياسية واقتصادية يضع سقفا للمسار التعليمي للأغلبية: تعليم قصير المدى يؤهل لتكوين مهني سريع منتج ليد عاملة خاضعة للعرض والطلب في سوق الشغل.

لا مناص من تمويل عمومي لمنظومة التربية والتكوين، يكون نتيجة لتطبيق برنامج اقتصادي يقطع مع مسار التبعية للدوائر المالية العالمية. سيكون لهذا التمويل بالغ الأثر على المستوى التعليمي للمتمدرسين. في دراسة[32] ل “نداء من أجل مدرسة ديمقراطية “[33] جرى استغلال قاعدة بيانات وإحصائيات تحقيق [34]PISA لسنة 2015 لإجراء البحوث والتحليلات حول العوامل المؤدية إلى ضعف التحصيل الدراسي وإلى التفاوتات داخل المنظومات التعليمية للبلدان التي شملها تحقيق PISA. وقد خلصت الدراسة إلى أن الخصائص الهيكلية للأنظمة التعليمية هي العوامل الرئيسة المؤثرة على درجة الإنصاف[35] في التعليم. أما السياسات التي تهدف، على سبيل المثال، إلى التشجيع وإعطاء الأولوية للابتكار التربوي، ليس لها البتة فرص للنجاح إن لم تقترن بإصلاحات هيكلية كبرى. خلصت الدراسة إلى أن الخصائص الداخلية والهيكلية للأنظمة التعليمية تفَسِّر بنسبة 53٪ إلى نسبة 67٪ الفروقات التي تخص الإنصاف. يمكن تلخيص هذه الخصائص كالتالي: أولا، خصائص تتمحور حول درجة إدخال ميكانيزمات السوق كمستوى الحرية المخولة للآباء في اختيار المدرسة الابتدائية التي سيرتادها أبناؤهم، ومستوى التنافس بين القطاع القطاعين الخاص والعام لاستقطاب المتعلمين ثم درجة إمكانية المدارس لانتقاء التلاميذ. ثانيا، خصائص مرتبطة بتعدد الشعب وسِن التوجه إلى شعبة خاصة وعدد السنوات التي يقضيها المتعلم في الجذع المشترك. ثالثا، نسبة التمويل العمومي[36] (نفقات التعليم لكل تلميذ نسبةً لحصة الناتج الداخلي الخام للفرد. من خلال الدراسة يستحيل القضاء على الفروقات في التعليم دون القضاء على مصادرها: سوق التعليم والانتقاء التراتبي.


[1] انظر الرافعة الخامسة عشر من الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015/2030، الفقرة -ه- التي تخص منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي.

[2] المادة 47 من قانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6805 بتاريخ 19 غشت 2019

[3] https://www.banquemondiale.org/fr/news/factsheet/2019/06/21/morocco-education-support-program

[4] https://www.leseco.ma/economie/75766-financement-de-l-enseignement-des-milliards-partis-en-fumee.html

[5] نفس المصدر

[6] Benoit Daviron (Cirad), Thierry Giordano (Iddri). « Le Millenium Challenge Account. Une nouvelle conception de l’aide publique au développement ? ». Institut du développement durable et des relations internationales. Analyses, N° 04/2006| Gouvernance mondiale

[7] https://www.cairn.info/revue-afrique-contemporaine-2003-3-page-25.htm

[8] تختص هذه المجلة بالتحليل الاقتصادي، وتُهيئ إحصاءات حول الوضعية الاقتصادية لبلدان ومؤسسات عديدة. المجلة تابعة لمجموعة “Euromoney Institutional Investor PLC» التي تعتبر من أكبر شركات الإعلام التجاري والمالي في أوروبا. تنظم هذه الشركة مؤتمرات، وكانت أول مرة استقبل فيها المغرب أحد هذه المؤتمرات، يوم 19/02/2019. كان الهدف من المؤتمر تطوير القطاع المالي المغربي وفرص الاستثمار بالبلد والنمو والتجارة والسبيل إلى جعل المغرب بوابة الاستثمار بإفريقيا.

[9] مقرها بواشنطن، وهي بمثابة لوبي أمريكي ومعقل لليمين المتطرف. من أهدافها تشجيع السياسات المحافظة والمساهمة في بلورتها بالارتكاز على مبادئ ليبرالية كحرية الاستثمار، الحريات الفردية…( https://www.contrepoints.org/2013/05/29/125942-tracer-la-voie-lhistoire-de-la-heritage-foundation)

[10]https://www.grain.org/es/article/4063-le-millennium-challenge-corporation-americain-l-afrique-livree-au-big-business

[11] للاطلاع على القطاعات التي تستهدفها الهيئة: https://www.mcc.gov/sectors

[12] https://www.grain.org/es/article/4063-le-millennium-challenge-corporation-americain-l-afrique-livree-au-big-business

[13]

[14] انظر قانون رقم 16-24 المتعلق بإحداث وكالة حساب؟ تحدي الالفية -المغرب.

[15]https://www.leconomiste.com/article/1047916-millennium-challenge-une-impressionnante-vitrine-des-marches

[16] Benoit Daviron (Cirad), Thierry Giordano (Iddri). « Le Millenium Challenge Account. Une nouvelle conception de l’aide publique au développement ? ». Institut du développement durable et des relations internationales. Analyses, N° 04/2006| Gouvernance mondiale

[17] https://www.mcamorocco.ma/index.php/ar/mshawrat

[18] وفي إطار تنزيل مقتضيات القانون الإطار، أعطيت الانطلاقة لتفعيل برنامج “شراكة التعليم العالي-المغرب” مع الوكالة يوم 06/01/2019 ويخص مجالات: “الارتقاء بجودة التعلمات في سلك التعليم الابتدائي والثانوي” و”اكتساب مهارات قابلية التشغيل للشباب المغربي” و”تكوين الأساتذة”. وستعمل جامعة ولاية أريزونا الامريكية، الشريك المنفذ للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية على تصميم وتجريب منهاج التكوين.

[19] قانون رقم 05.16، الجريدة الرسمية عدد 6473، بتاريخ 13 يونيو 2006.

[20] الفقرة 2.1 من الميثاق الثاني.

[21] بداية من السنة المقبلة سيتم اعتماد نظام جامعي جديد، وهو إرساء لنظام انجلوساكسوني يستجيب لإملاءات الممولين ويحسم في شكل ومضمون ومنهاج التعليم العالي لصالح رأس المال الأجنبي.

[22] تمليك 46000 هكتار من الأراضي الجماعية المتواجدة بمنطقة الغرب لفائدة ذوي الحقوق، وفق مسطرة جديدة ناجعة ومبسطة؛ مواكبة ذوي الحقوق لضمان تثمين أفضل للأراضي التي نقلت ملكيتها إليهم، والإعداد لتعميم عملية التمليك على دوائر الري بالمملكة (عرض حول الميثاق الثاني على موقع وكالة حساب تحدي الالفية -المغرب-)

[23] انظر الملحق الأول من نفس القانون حول وصف البرنامج.

[24] لهذا الغرض أعدت الحكومة مشروع قانون 62.19 وأحالته على البرلمان والذي يقضي بسن مقتضيات تتعلق باقتناء شركات المساهمة عقارات فلاحية أو قابلة للفلاحة خارج الدوائر الفلاحية، قصد ” الرفع من الإنتاج والمردودية والتحفيز على التشغيل في العالم القروي”. وقد سبق إقرار المادة 9 من قانون مالية 2020 والتي تتيح استيلاء هذه الشركات على الأراضي دون استفادة مالكيها من التعويض. وفي هذا السياق وضع المخطط الوطني للماء 2020-2050، لتعبئة الموارد المائية القابلة للاستغلال من قبل الشركات متعددة الجنسيات في الميدانين الصناعي والفلاحي.

[25]https://www.leconomiste.com/article/1047916-millennium-challenge-une-impressionnante-vitrine-des-marches

[26] https://www.mcamorocco.ma/index.php/ar

[27] نفس القانون.

[28]https://www.leconomiste.com/article/1047916-millennium-challenge-une-impressionnante-vitrine-des-marches

[29] الميثاق الثاني، مقدمة الفقرة-أ-“ملخص أنشطة المشروع” من الفقرة الأولى، الملحق الأول.

[30] نفس المرجع الفقرة (د) من الفقرة الأولى، الملحق الأول.

[31] TITLE VI–MILLENNIUM CHALLENGE ACT OF 2003

[32] Nico HIRTT. « Impact des facteurs de ségrégation et du financement sur l’équité des systèmes éducatifs européens

Quelques leçons statistiques de l’enquête PISA 2015. L’école démocratique, n°70, juin 2017

[33] Aped : حركة بلجيكية للتفكير والفعل، تناضل من أجل حق الشباب للولوج للمعارف الحاملة لفهم العالم و للولوج إلى معارف وقدرات ومهارات تمدهم بالقوة للتأثير على مصيرهم الفردي والجماعي.  http://www.skolo.org/

[34] البرنامج الدولي لتتبع مكتسبات التلاميذ، هو مجموعة من الدراسات التي أجرتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) وتهدف إلى قياس أداء المنظومات التعليمية في مجموعة من البلدان الأعضاء وغير الأعضاء في المنظمة. الدراسات تنجز كل ثلاث سنوات وتشمل التلاميذ اللذين لا يتجاوز سنهم 15 سنة.

[35] المقصود بالإنصاف في الدراسة، قدرة الانظمة التعليمية على جعل التحصيل المعرفي للتلاميذ مستقلا إحصائيا عن أصلهم الاجتماعي.

[36] الرفع من الإنفاق العمومي على التعليم الابتدائي والذي من شأنه أن يتيح تقليص عدد تلاميذ القسم الواحد (15 تلميذ مثلا)، سيكون له أثر جد إجابي في الرفع من المستوى التعليمي للتلاميذ، بل سيضمن هذا المستوى الجيد على المدى البعيد وسيكون عاملا أساسا في تحسين مستوى التلاميذ حتى فيما سيتبقى لهم من سنوات التمدرس. تقليص عدد تلاميذ القسم الواحد سيقلص من الفروقات بين الأطفال ذوي الأصول الاجتماعية المختلفة. هذه كانت نتائج دراسة برنامج STAR، ودراسة Peter Blatchford لمعهد التعليم بجامعة لندن. هتين الدراستين يتطرق لهما Nico HIRTT في مقال خصه لهما على الرابط التالي: http://www.skolo.org/2001/02/24/la-preuve-par-star/

زر الذهاب إلى الأعلى