المخططات الليبراليةالمكتبةكتب وكراريسملفات دراسية

الحلقة الواحدة والعشرون من سيرورة إرساء وتطور السياسات التعليمية بالمغرب:اتفاقيات التبادل الحر: تكريس واقع عجز ميزان التبادل التجاري وتعميقه، ومأزق الرهان على الاستثمارات الأجنبية للرفع من النمو والتشغيل

2 – 3 – 5 اتفاقيات التبادل الحر: تكريس واقع عجز ميزان التبادل التجاري وتعميقه

كرست اتفاقيات التبادل الحر الموقعة مع عدة دول (الولايات المتحدة الأمريكية، تركيا، الإمارات العربية المتحدة، مصر، الأردن، تونس، اتفاقية المنطقة العربية الكبرى للتبادل الحر…) واقع الاختلال الهيكلي لتوازن الميزان التجاري (المبيان 1).  منذ دخول اتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة سنة 2006 حيز التطبيق، كان الميزان التجاري لصالح هذه الأخيرة بشكل كبير.  في عام 2016، بلغت التجارة بين البلدين 33.7 مليار درهم، 26 مليار دولار منها لصالح المصدرين الأمريكيين[1]. اختلال ميزان حساب المعاملات الجارية للمغرب هو اختلال دائم نتيجة خضوع البلد لأوامر الدوائر الإمبريالية العالمية، وتَحَسن نسبة العجز في بعض السنوات لا يكون سوى نتيجة الاستفادة من انخفاض أسعار البترول في السوق الدولية إلى مستويات غير مسبوقة كما في السنوات الأخيرة. أما الفائض الذي حققه هذا الميزان بين سنتي 2001 و2007، فـكان نتيجة لعائدات الخصخصة وتحويلات الجالية بالخارج ومداخيل السياحة. لكن الأزمة الاقتصادية لسنة 2008 أنهت هذه المرحلة مذكرة بهشاشة بنية الاقتصاد المغربي وبدرجة تأثره بتقلبات الوضع الاقتصادي العالمي. لذلك فوتيرة التراجع تكون أقوى بكثير من وتيرة التحسن الذي لا يدوم سوى لفترات وجيزة (المبيان 2). هذا الاختلال في الميزان الجاري – الذي بلغ مستوى عجزه 5.4 في المئة من الناتج الداخلي الخام – يُعَرض البلد إلى مخأطر أزمة الصرف ويدفعه إلى مزيد من الاستدانة من الخارج ويُدَعم تحكم صندوق النقد الدولي في السياسات الاقتصادية للمغرب. ولعل إدمان الاقتصاد المغربي على خط الوقاية والسيولة[2] الذي يُرَوجُه صندوق النقد الدولي لتمويه الآلام الحادة لزبائنه، خير دليل على استمرار المغرب في الانصياع لسطوة من يُؤَمِّنون له الجرعات الليبرالية. 

مبيان (1)

2 – 3 – 6 مأزق الرهان على الاستثمارات الأجنبية للرفع من النمو والتشغيل:

لتقوية جاذبيته للاستثمارات الأجنبية المباشرة، اتخذ المغرب عدة إجراءات محفزة، وأعد ترسانته القانونية المسهلة لهذه الاستثمارات، ولا يزال الأمر مستمرا.. بالإضافة إلى تحرير السوق المالية، تحرير التجارة، تبني سياسة الخصخصة  وإعداد ميثاق الاستثمار لسنة 1995 كما جرى التطرق إليه أعلاه  – تحفيزات ضريبية، مساهمة الدولة في تهيئ المناطق الصناعية وتطوير البنى التحتية وفي تهيئ الأراضي المخصصة للمشاريع الكبرى للاستثمار والمساهمة في اقتنائها، ثم تشجيع التكون المهني، إنشاء المراكز الجهوية للاستثمار وصناديق دعم الاستثمار، إلغاء كل ما يقيد صرف العملة والتحويلات إلى الخارج ، كتحويل الأرباح –، يمكن أن نذكر أيضا: تهيئ المناطق الصناعية والمناطق الحرة للتصدير  ومناطق الأوفشور والمنصات الصناعية المندمجة[3]، إصدار مدونة التجارة سنة 1996، إضفاء المرونة على قانون الشركات والمصادقة على قانون يسمح بتأسيس المجموعات ذات النفع الاقتصادي سنة 1999، إصدار القانون الخاص بحماية الملكية الصناعية سنة 2000، والذي من شأنه أن يمنع انتشار الابتكارات و منافع التكنولوجيا الحديثة المُحتمل أن تأتي بها الاستثمارات الأجنبية، إصدار قانون تحرير الأسعار والمنافسة سنة 2001 وتأسيس مجلس المنافسة سنة 2008، المصادقة على مدونة الشغل سنة 2003، إصدار ميثاق التربية والتكوين سنة 2000 والرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية و التكوين 2015-2030، إعداد خارطة طريق لتطوير التكوين المهني وإنشاء “مدن المهن والكفاءات” في كل جهة…

مأزق الرهان على الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتحفيز ديناميكية طويلة الأمد للاقتصاد المغربي يتجلى في توجه سياسات التشغيل والتكوين للرفع من التنافسية وإعداد “بيئة أعمال”، لن تكون جالبة سوى لصناعات وخدمات تتموقع في المراتب السفلى من سلاسل القيمة العالمية، حيث يبحث الإنتاج عن يد عاملة قابلة للاستغلال المكثف وحاملة للحد الأدنى من التأهيل.


[1]“ALE Maroc-États-Unis: Le grand saut n’a pas eu lieu”, 3/10/2017.  https://leconomiste.com/article/1018188-ale-maroc-etats-unis-le-grand-saut-n-pas-eu-lieu

[2]التوقيع على خط الوقاية والسيولة الأول سنة 2012 (6.2 مليار دولار)، الثاني سنة 2014 (5 مليار دولار)، الثالث سنة 2016 (3.5 مليار دولار) والرابع سنة 2018 (2.97 مليار دولار).

[3]رغم الكلفة العالية لتهيئ هذه الفضاءات للاستقبال الصناعي، فإن تقريرا صادر عن المجلس الأعلى للحسابات سنة 2018، يبين أنها لازالت تفتقر إلى عدة عناصر لتقوية تنافسيتها إذا ما تمت مقارنتها مع نظيراتها في تونس وتركيا. وبالتالي على الدولة أن تبذل مجهودات إضافية فيما يتعلق بالتحفيزات الضريبية، شبكات الاتصال، أسعار البيع، المساحة، معالجة المياه العادمة….                                                   

زر الذهاب إلى الأعلى