التعليم : مقدمات لأجل فهم المعضلة

لسنا وحدنا من يقول بوجود إشكال كبير في التعليم بالبلد، فالدولة ذاتها تقول ذلك، والمؤسسات المالية العالمية تقول ذلك. لكن لا يتم النظر من نفس الزاوية للأمر.

فالدولة ومن ورائها الطبقات السائدة والمؤسسات المالية، ترى المشكلة من زاوية كيف يمكنها التخلص من عبء كبير يلتهم ميزانيتها، وكيف ستضمن ان تكون مخرجات المنظومة مفيدة اقتصاديا، بجانب فائدتها الاصلية: إعادة إنتاج الهيمنة الإيديولوجية بأقل تكلفة. وتشخيصها للمشكلة الآن يمكن اختزاله في إشكالية تطبيق وإنجاح رؤاها، حيث ترى أن الأمر مجرد أزمة حكامة، وليست أزمة سياسة.

  • فهم يعتبرون أن لديهم تصورا متكاملا لما يسمونه “إصلاحا”، وجوهر اختلافاتهم هو كيفيات تنزيله. بينما نرى أن اعتبار الأزمة مجرد أزمة إجراءات وحكامة وفشل تطبيق السياسات، هو فكرة خاطئة يجب محاربتها.
  • أزمة التعليم بالمغرب، هي أزمة سياسة. ونعني بها، أن كل المنظومة لا تخدم الطموح نحو بناء مدرسة ديموقراطية بالمغرب.
  • تقوم السياسات العمومية التعليمية بالمغرب على منظومة يمكن إجمالها في مثلث رؤوسه الثلاث هي: التمويل – التدبير – المضامين، هذه المنظومة تهدف إلى تحقيق غايات السياسات التعليمية.

ما هي غايات السياسة التعليمية؟

  • تأبيد الخضوع لمنظومة رأس المال باعتباره الشكل الوحيد الممكن للوجود (الاقتصاد الرأسمالي القائم على أولوية الربح والتوسع الدائم للسوق)، ويستلزم هذا الخضوع إرساء منظومة قيم تسمى ثوابتا غير قابلة للنقد أو المساءلة، الهدف عبر هاته الآلة الجبارة المسماة مدرسة هو برمجة الأجيال على ذلك الخضوع.
  • خدمة المنظور التنموي السائد القائم على التموقع في المراتب الدنيا لسلاسل القيمة العالمية والتوجه نحو تقوية “مرونة الشغل” وتكوين يد عاملة ذات “أجر منخفض” و”خاضعة”.

كيف يرون التمويل؟

  • فتح القطاع بمختلف مستوياته للرأسمال.
  • التحلل ما أمكن من نفقات “الخدمات التي لا تشكل جوهر الوظيفة التعليمية”: أعوان الحراسة والنظافة وتدبير الداخليات … إلخ؛
  • التحلل من الخدمات الجديدة التي تقدمها المنظومة: التعليم الأولي؛
  • إدخال المنظور التجاري في تقديم الخدمات: رسوم التسجيل – رسوم الدراسة… إلخ؛
  • إخضاع التمويلات العمومية في القطاع لأغراض أرباح الرأسمال: البناءات – توريد التجهيزات… إلخ.

كيف يرون التدبير؟

  • احتكار القرار الاستراتيجي على المستوى المركزي؛
  • تفكيك المنظومة إلى وحدات جهوية للتدبير: الأكاديميات؛
  • منح ما يسمى “استقلالية المؤسسات”: استقلالية تدبيرية في بعض الجوانب المالية والإدارية؛
  • فرض أنماط جديدة للتوظيف: التوظيف الجهوي؛
  • التدبير المفوض أو الشراكة عام/خاص في بعض الخدمات (SEGMA)؛
  • إدخال المرونة لساعات العمل، في اتجاه رفعها: الدعم التربوي المؤدى عنه؛
  • إقامة شراكات مع مؤسسات وجمعيات للقيام بالتدخل في بعض المشاريع: الدعم التربوي – إدماج التكنولوجيات الحديثة.

كيف يرون المضامين؟

  • العمل على جعل التعليم العمومي يقدم الحد الأدنى من المضامين التي يفترض الحصول عليها (في ما يمكن تشبيهه باستراتيجية محاربة الفقر التعليمي) ومن يبحث عن مستوى أعلى من “الجودة” عليه الاستثمار في نفسه (رأسمال بشري): أي التوجه للقطاع الخاص والدروس المؤدى عنها؛
  • ربط المضامين بحاجات القطاع الخاص ومجتمع رأس المال: من التربية المالية في المستويات الدنيا، إلى المسالك والمساقات التي يفرضها سوق الشغل الذي يقرر فيه رجال الاعمال.

ماذا نريد نحن؟

  • إعادة تعريف غايات السياسات التعليمية، أولا بالشكل الذي يجعل من التعليم غاية في حد ذاته، وليس فقط وسيلة لخدمة مشروع اقتصادي: تعليم لأجل الإنسان وليس لأجل الاقتصاد، هذا الأخير ذاته نناضل من أحل جعله في خدمة الإنسان، وتلبية حاجاته، وليس كما هو الآن آلة ضخمة لتراكم أرباح أقلية.
  • اعتبار السياسات التعليمية جزءا من مشروع عام مؤسس حول تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطن، يتم تسطيرها وتنفيذها بشكل ديموقراطي.
  • تعميم حقيقي للتعليم الجيد من الابتدائي إلى العالي. مع إعطاء ذوي الإعاقة فرصة كاملة وتفضيلية.
  • تعليم موحد، متنوع، ينطلق من الحاجات الملموسة للمتعلمين وتنمية مهاراتهم وملكاتهم الفطرية وذكاءاتهم المتعددة.
  • ميثاق شعبي لأجل مدرسة ديموقراطية محررة يشارك في وضعه ونقاشه تنظيمات المدرسين/ات والعمال- اء والآباء والأمهات، ضمن تعبئة شعبية لأجل تعليم ديموقراطي.

كيف نرى التمويل؟

  • مجانية كاملة: ليس هناك شيء مجاني، نعني بالمجانية تحمل رأس المال لكل تكاليف التعليم. عبر فرض ضرائب تصاعدية على رأس المال ومنعه من توجيهه وفق غايات أرباحه.

كيف نرى تسيير التعليم؟

في الجوهر الفكرة الأساسية هنا هي التسيير الديموقراطي من قبل الجماعة المدرسية المكونة من: المدرسين/ات + التلاميذ/ات والطلبة/ات + الأسر.

شفافية كاملة للنفقات والتحملات.

كيف نرى المضامين؟

مضامين تحررية، تخدم المستقبل: بيئيا وسياسيا واجتماعيا – مضامين لتحرير المرأة وللمساواة ولتحرير الانسان من الهوة السحيقة التي يهوي بها مجتمع رأس المال.

مضامين تعزز التربية الأخلاقية (بالمعنى الإنساني التحرري للأخلاق) والفنية (موسيقى، ومسرح…الخ) والعيش المشترك: معاداة العنصرية والميزوجينية والكراهية الدينية.

مضامين تؤسس لمفاهيم حقيقية للسيادة الشعبية وللسيادة الوطنية.

مضامين تدمج كل ما وصل إليه العلم والتكنولوجيا الحديثة.

مضامين يساهم في إنتاجها المجتمع المدرسي نفسه.

طريق النضال من أجل مدرسة ديموقراطية:

  • هو نفسه طريق استحقاق المجتمع بشكل عام، والمجتمع المدرسي خاصة لأهلية السيادة على التعليم.
  • بمعنى أن النضال من أجل مدرسة ديموقراطية لا ينفصل عن النضال من أجل بناء أدوات نضال المجتمع: تنظيمات المدرسين/ات النقابية الديموقراطية والمكافحة، تنظيمات الطلبة/ات والتلاميذ/ات النقابية والثقافية، تنظيمات الآباء والأمهات (العاملات والعمال وربات البيوت والعاطلين/ات عن العمل والمسرحين/ات…).
  • طرح منظومة مطالب متكاملة ومباشرة: المجانية – التوحيد – الحق في المشاركة – الضريبة التصاعدية على الثروات والأرباح – تدقيق المديونية العمومية وإلغاء الجزء الكريه منها لتمويل التعليم…

هذا النص هو في الأصل ورشة قدمتها جمعية أطاك المغرب على منصة الديسكورد يوم 20 نوفمبر2025

 

 

شارك الموضوع
Facebook
WhatsApp
X
LinkedIn
منشورات ذات صلة