المخططات الليبرالية

المناطق الحرة للتصدير : السراب الكبير

المناطق الحرة للتصدير : السراب الكبير

 التشغيل و استقرار العمل في ظل سباق عالمي نحو الحضيض لخدمة الرأسمال

نموذج المنطقة الحرة بميناء طنجة المدينة 

 

 

على سبيل التقديم:

 

عرفت المناطق الحرة للتصدير ازدهارا وتوسعا،فقد اصبحت متواجدة في 130 بلدا في سنة 2006 مقابل 25 بلدا فقط في سنة 1975،  ووصل عددها 3500  في سنة 2006 و يشتغل داخلها 66 مليون عامل وعاملة منهم 40 مليون في الصين وحدها (1). تقدم المناطق الحرة للتصدير على أنها رافعة للنمو و الازدهار الاقتصادي، و تقدم في هاذا الباب سنغافورة و تايوان و كوريا الجنوبية كنماذج يحتذى بها. دون ذكر سياقها التاريخي، وخصوصا ظروف الحرب الباردة.

يعاني الاجراء في بلدان عديدة من معاملة قاسية في المناطق الحرة ، بالإضافة الى ظروف استغلال مشددة في ظل غياب تشريعات الشغل والحماية الاجتماعية فعليا إن وجدت على الورق. و المغرب نموذج في الدوس على حقوق العمال و العاملات في المناطق الحرة قديمها و حديثها.

 

المنطقة الحرة بميناء طنجة المدينة

 

في المغرب تم إحداث أول منطقة حرة بميناء طنجة بظهير 1.61.426 بتاريخ 30 دجنبر 1961. بعد إزالة الامتيازات الخاصة التي كانت سارية في مدينة طنجة جراء وضعها كمدينة دولية إبان فترة الحماية. حسب هذا الظهير ، في فصله الثامن: “لا يجري التشريع المتعلق بمراقبة التجارة الخارجية و الصرف و التجارة في النصب على الدخول للمنطقة الحرة و الخروج منها”. كما جاء في مرسومه التطبيقي في فصله الثاني: “يؤذن داخل المنطقة الحرة في القيام بجميع العمليات التجارية الخاصة بالبضائع المودعة في المنطقة المذكورة باستثناء البيع بالتفصيل. كما يؤذن داخل المنطقة الحرة في القيام بجميع عمليات الفرز و الخلط و التصنيف و الغربلة و التقسيم و تبديل اللفائف وصيانة البضائع و كذا جميع العمليات التي تحددها قرارات الوزير المكلف بالمالية.” في حين ورد في فصله الثالث تحديد نسبة 5% من قيمة البضائع كرسم تستخلصه إدارة الجمارك.

المنطقة الحرة المحدثة (2) كانت مساحتها حوالي 5149 متر مربع، لم تعرف هذه المنطقة النجاح المتوقع لها في جلب رجال الأعمال لسببين: ضيق المساحة  و نظام صرف غير مرون كافية – فتح حساب ترانزيت حر.

لتجاوز هذه العوائق، ومن أجل جلب المزيد من المستثمرين جاءت عملية توسيع المنطقة الحرة من حيث المساحة و كذا من حيث زيادة امتيازات المستثمرين. ولهذا الغرض صدر مرسوم ملكي بتاريخ 4 غشت 1965. يقضي بتوسيعها ، حيث:أعطيت الإمكانية لاستقرار البنوك بالمنطقة الحرة و كذا إمكانية فتح حسابات بنكية بالعملة الصعبة في البنوك الموجودة في طنجة واستعمالها بحرية لتنظيم العمليات المنجزة في المنطقة الحرة، للأشخاص الطبيعيين المغاربة المقيمين بالخارج و الأجانب الطبيعيين المقيمين بالمغرب.تم توسيع المنطقة بإضافة 35.000 متر مربع و صدر قرار لوزير الأشغال العمومية والمواصلات بتاريخ 08 نونبر 1965 من أجل تنظيم المنطقة التجارية الحرة و تنشيطها. وأعلن الملك في خطاب له بتاريخ 29 دجنبر 1964 على إنشاء منطقة حرة صناعية بنفس المنطقة. يشار إلى أن هذه هي أول منطقة حرة بإفريقيا.

 سنة 2009 كانت المنطقة الحرة بميناء طنجة المدينة تحتضن حوالي 78 شركة منها 68 في المئة في التجارة و ثلاثون في المئة في صناعة النسيج و الباقي في تهيئة و تعبئة السمك (القمرون) و صناعة الزليج. كما كانت تشغل 3550 عاملة و عامل (4) تسعون في المئة منهم نساء (3). للإشارة فالشركات العاملة بهذه المنطقة غير مسجلة بالسجل التجاري المغربي. مما حتم عليها عند الانتقال إلى المنطقة الحرة لطنجة قرب المطار التقييد في السجل التجاري و منها من غير اسمه.

 

عاملات و عمال المنطقة الحرة بميناء طنجة ضحية فرط الاستغلال و سياسة خدمة الرأسمال

 

بعد نمو المناطق الحرة للتصدير بطنجة منذ سنة 2000، فقدت المنطقة الحرة بميناء طنجة المدينة أهميتها، و خاصة بعد افتتاح ميناء طنجة المتوسط بمنطقة القصر الصغير شرق مدينة طنجة، هكذا أسال الوعاء العقاري بميناء المدينة لعاب المستثمرين، ليتم تحويله لميناء ترفيهي و سياحي. هكذا انطلقت عملية تنقيل أنشطة الميناء تدريجيا و تفكيك المنطقة الصناعية و التجارية قبل متم سنة 2014. الرأسماليون و اصحاب المصالح و جدو من يستجيب لمطالبهم و تلقوا التعويضات المناسبة من خلال الاتفاقية الموقعة في فبراير 2011 بين كل من ولاية طنجة و المركز الجهوي للاستثمار و شركة تهيئة ميناء طنجة و الوكالة الوطنية للموانئ و جمعية الصناعيين بالمنطقة الحرة الميناء.

و بحكم غياب عمل نقابي منظم داخل المنطقة الحرة للميناء وجد العمال والعاملات أنفسهم في وضعية صعبة، حيث لا وجود لمن يدافع عن مصالحهم في ظل تعاون الباطرونا والسلطة من أجل التحايل على حقوق الأجراء. هكذا تعرض العمال للطرد المقنع من خلال تخفيض ساعات العمل (البطالة التقنية) من أجل دفعهم للاستقالة لكي تتمكن الشركات من الاستفادة من الترحيل و تعويضاته والتخلص من أقدمية الأجراء وخاصة مكاسبهم في التقاعد والتغطية الصحية (تشريد أكثر من 180 عامل (ة) بشركة Manifacturing بعد 35 سنة من العمل. و حرمانهم من الضمان الاجتماعي و التغطية الصحية منذ سنة 2004، تسريح أكثر من 1000 عاملة في معامل القمرون: Detroit SeafoodMaroc   و , Fish company  بطرق احتيالية للتخلص من أقدميتهم في العمل، علما أنه لم يكن هناك  احترام لقانون الشغل في هذا القطاع قبل ترحيل هذه الوحدات الصناعية).

إن سعي أرباب العمل للتخلص من العمال القدماء ، ينجح لأن سياسة الدولة تسهل تشغيل العمال دون حماية اجتماعية ومقابل دعم مالي للمقاولات تحت غطاء تشغيل الشباب ( ما يعرف بعقد أول عمل). لقد وجدت العاملات والعمال أن التصريح لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لا يتم طبقا للقانون و لا يشمل المدة التي اشتغلها العامل فعليا. فهل يعقل أن الدولة بكل أجهزتها السرية و العلنية غير قادرة على كشف تلاعب أرباب العمل وتهربهم من تطبيق القانون؟

رغم أن الدولة اشترطت الاحتفاظ بالعمال لتلقي الدعم الخاص بالترحيل، فإن الباطرونا و بعلم السلطة وصمتها المتواطئ لجأت لكل أشكال التحايل للتخلص من أجرائها. هذا هو حال العديد من الشركات من قبيل  “كارميلا”  و “باريتيكس” و “طروجاكو”..

مع انطلاق ترحيل مقرات الشركات نحو المنطقة الحرة للتصدر قرب المطار او منطقة المجد، اندلعت أول الاحتجاجات بشركة   manifacturing للنسيج في مطلع سنة 2013، استمر الاحتجاج شهرين توج برفع دعوى ضد الباطرون، صدر الحكم لصالح العمال في دجنبر 2013 يقضي بالتعويض عن الطرد و مدة الاخطار. الحكم كان لفائدة 53 عامل و عاملة، في حين تمكنت الشركة من هضم حقوق العشرات الباقين من خلال تقديم تعويض هزيل مقابل الاستقالة (ثمانية آلاف درهم لمن قضى ثلاثين سنة من العمل، و ألف درهم لمن قضى خمس سنوات من العمل كمثال). كما تعرض عمال ALEA IMAGE لصناعة الزليج، و كرميلا  لنفس المصير، لكن جزء منهم فضل خوض معركة نضالية و قضائية من اجل انتزاع حقوقهم (16 عامل رفعوا دعوى ضد شركة كرميلا).

 بعد اتباع كافة الاجراءات و مراسلة كل الجهات، منها السلطات المحلية و وزارة العدل  بتاريخ 4 فبراير 2015، و التعريف بالقضية عبر وسائل الاعلام، لم تجد السلطات غضاضة في ترك الباطرونا تهاجم العمال المعتصمين، مستعملة بلطجية مجرمين و متسكعين، يوم 10 فبراير 2015، حيث تم تهديد العاملات و الاعتداء عليهن،  في منطقة تعرف حضورا دائما و مكثفا للسلطات الامنية. لقد تم إدخال البلطجية داخل شاحنات لإخراج الأليات حتى لا يعود هناك ما يمكن مصادرته من الباطرون لتسديد مستحقات العاملات.

لم تجد كل مؤسسات حقوق الانسان التابعة للدولة و لا مرافقها المكلفة بالسهر على تطبيق القانون و حماية المواطنين (العمال و العاملات مواطنون على ما نعتقد)، في حماية حقوق العمال، وإنصافهم، بل نجد أن قرارتها تبقى حبرا على ورق وهو حال اللجان الاقليمية والوطنية للبحث والمصالحة وكذا الاحكام القضائية.

إن محاربة العمل النقابي بشتى الوسائل، يكشف ما الهدف من إحداث المناطق الحرة للتصدير، أي إيجاد يد عاملة دون حماية وممنوعة من الاتحاد للدفاع عن نفسها.

 

التضامن و النضال وحده يفتح أفق الخلاص رغم الصعاب

 

عرفت الاحتجاجات العمالية والاعتصام داخل بالمنطقة الحرة لميناء طنجة المدينة أشكال تضامن متواضعة ولكنها مهمة ومتواصلة من طرف العديد من المناضلين بالجمعية المغربية لحقوق الانسان و الاتحاد النقابي بطنجة و شبكة جمعيات الشمال وأطاك المغرب، الاعتصام مستمر لخمسة شهور بالمعملين في انتظار تنفيذ حكم المحكمة، و تقام وقفات اسبوعية أمام باب ميناء طنجة المدينة. النقابات الكبرى “الأكثر تمثيلية” الموقعة للسلم الاجتماعي من جانب واحد، لم تكلف نفسها الدفاع عن حقوق الأجراء، لكي لا تشوش على جلب الاستثمارات، مقابل الفتات. لكن يبقى الضعف الكبير للتنقيب وسط العمال جراء الترهيب وارتفاع البطالة أحد أسباب قوة أرباب العمل.

إن النتائج السلبية على صحة العمال و العاملات بعد سنوات من العمل في ظروف قاسية كارثية بكل المقاييس فتفشي الأمراض المهنية من روماتيزم و سياتيك و ربو و حساسية.. نخرت صحة العاملات و العمال، ليجدوا أنفسهم في الأخير محرومين من أي مكتسبات و مهددين بفقدان عملهم، بينما أرباب العمل ينعمون بالثراء و الرفاهية. في طنجة ، كما في كل مكان، رفاهية و ثراء البورجوازية من فقر و بؤس العاملات والعمال.

 

على سبيل الختام:

عند زيارة كورنيش طنجة تصادفك ملصقات ضخمة توضح ما سيكون عليه ميناء طنجة الترفيهي، بفنادقه ويخوته ومطاعمه الرفيعة، للترفيه عن بورجوازيين من عناء استغلال العاملات و العمال، في شروط عمل قاسية و عقود عمل هشة وأجور هزيلة، إن هذا الاستعراض الباذخ للثراء من طرف البورجوازين وخدامهم، يستلزم بقاء الطبقة العاملة خلف جدار الخوف وبدون تنظيم نقابي. أي بقاؤها مشتتة و ضعيفة. لتعيث فيها شركات الوساطة و السمسرة في اليد العاملة فسادا، ولتكون فريسة سهلة للرأسمال الأجنبي و المحلي.

 

هامش:

(1)   انظر كتاب  maroc zones franches ; droits des travailleurs et stratégies syndicales     الصادر سنة 2012  عن كل من الكونفدرالية الدولية للنقابات و منظمة العمل الدولية. صفحة 2

(2)   معطيات واردة في مقال للأستاذ المختار مطيع –كلية الحقوق فاس- أوردها في مقال “مشروع خلق منطقة للتبادل الحر بإقليم طنجة” المنشور بمجلة الكلية لسنة 1993.

(3)   انظر كتاب  maroc zones franches ; droits des travailleurs et stratégies syndicales     الصادر سنة 2012  عن كل من الكونفدرالية الدولية للنقابات و منظمة العمل الدولية. صفحة 3

(4)   حسب تصريح لجريدة ليكونوميست عدد4192 بتاريخ 16 يناير 2014، قال امحمد بوزكري رئيس جمعية الصناعيين للمنطقة الحرة لميناء طنجة المدينة قدر عدد المشتغلين ب ستة عشر ألف عامل و عاملة، فهل هذا الرقم مبالغ فيه للحصول على تعويضات و تسهيلات ما؟

 

طنجة في مارس 2015

د/ش

زر الذهاب إلى الأعلى