إصداراتكتب وكراريس

أطاك المغرب تصدر الصيغة العربية لكتابها حول آثار اتفاقيات التبادل الحر على المغرب

أصدرت أطاك المغرب، بدعم من مؤسسة روزا لوكسمبورغ – مكتب شمال إفريقيا، الصيغة العربية لكتابها حول آثار اتفاقيات التبادل الحر على المغرب، بعد صدور النسخة الفرنسية نهاية شهر ماي 2015، يضم الكتاب تحليلا لاتفاقيات التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي في مختلف جوانبها.

فيما يلي محتويات الكتاب ومقدمته:

اتفاقيات التبادل الحر

اتفاقيات استعمارية ضد الشعوب

تحليل لاتفاقيات التبادل الحر بين الاتحاد الأوروبي والمغرب

المحتوى:

مقدمة

التبادل الحر في سياق العولمة الليبرالية

لوسيل دوما

آثار اتفاقيات التبادل الحر التي أبرمتها المغرب استفحال التبعية ونهب الموارد

عمر أزيكي

التبادل الحر الشامل والمعمق: الاتفاقيات الاستعمارية الجديدة

إبراهيم أوباها

مفاوضات اتفاقية التبادل الحر: الديمقراطية على الرف

صلاح الدين المعيزي

قضية الزراعة في اتفاقيات التبادل الحر والشراكة الموقعة من طرف المغرب

نجيب أقصبي

قصة الطماطم …

عمر أزيكي

التبادل الحر وصحة المواطنين: تقريع اتفاقيات سامة

عثمان ملوك

اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والاتحاد الأوروبي: الاختلالات المالية والتداين

ميمون رحماني

حركة الأشخاص: تبادل في اتجاه واحد

لوسيل دوما

خاتمة

قائمة المراجع

—————————

مقدمة الكتاب

يحاول الاتحاد الأوروبي، في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية التي تعصف خاصة بدول جنوب أوروبا، أن يفرض جيلا جديدا من اتفاقيات التبادل الحر على جيرانه في الجنوب والشرق اصطلح على تسميتها بالاتفاقيات الشاملة والمعمقة للتبادل الحر (ALECA). تهدف هذه الاتفاقيات إلى دعم انفتاح هذه الدول على الأسواق العالمية وخاصة توطيد تناغمها مع أوروبا من خلال إرساء انسجام قوانينها وتشريعاتها مع المواصفات الأوروبية. لقد تم توقيع عدة اتفاقيات شاملة ومعمقة للتبادل الحر مع أوكرانيا ومولدوفا، وهي قيد التفاوض مع المغرب وما يليه على القائمة من دول جنوب البحر الأبيض المتوسط : تونس ومصر والأردن.

 

ليس غريبا أن تجرى هذه المفاوضات في نفس الوقت الذي يتفاوض فيه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، منذ يوليو 2013، حول اتفاقية التبادل الحر بين الكيانين تحت اسم الشراكة عبر الأطلسي للتجارة والاستثمار (PTCI / TAFTA)،والتي تسببت في ضجة كبيرة في أوروبا والولايات المتحدة في صفوف المنظمات غير الحكومية والجمعيات والنقابات والباحثين ونقاشا واسعا في الصحافة. وبالفعل فإن الشراكة عبر الأطلسي التي تعد تتويجا لعدة سنوات من الضغط من قبل المجموعات الصناعية والمالية الأوروبية والأمريكية “ستكون واحدة من أهم اتفاقيات التبادل الحر وتحرير الاستثمار الموقعة إلى حد الآن.”[1] وتثير هذه المفاوضات العديد من المخاوف، فضلا عن أنها محاطة بتعتيم شبه كامل من جهة والمعلومات المتداولة بشأنها هي أساسا نتيجة “تسريبات”.

 

ومن جهة أخرى فإن حجم المفاوضين أنفسهم الذين يمثلون نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي وثلث التجارة الدوليةسيجعل من هذه الاتفاقية -إن وقّعت-واقعا مفروضا بالضرورة على بقية الكوكب، خاصة وأنها تندرج في إطار المئات من اتفاقيات التبادل الحر التي وقعت بالفعل أو قيد التفاوض عبر العالم والتي تؤيد بعضها البعض بطريقة أو بأخرى عل الأقل من خلال بند “الدولة الأكثر أسبقية”[2].

يثير هذا المشروع نقطتين رئيسيتين:

الأولى هي أن “كل قانون، حتى إن كان قد أقر ديمقراطيا، يمكن أن ينظر إليه باعتباره عائقا أمام التجارة[3].” لذلك فإن الأمر يتعلق بعملية هائلة لتفكيك جميع القوانين والقواعد واللوائح، في المجالات الاقتصادية والتجارية والاجتماعية والبيئية والثقافية، التي يمكن أن تشكل عقبة أمام توسع الأعمال الحرة للمؤسسات وحريتها في كنز الأرباح الأكثر فحشا، بمبرر حماية الاقتصادات أو المواطنين – .

وتتعلق النقطة الثانية بإنشاء آلية خطيرة تسمى “تسوية النزاعات”، وهي آلية تسمح لقضاة/حكام، ينظرون في المعروض امامهم باستقلال عن التشريعات الوطنية، بإدانة الدول بناء على طلب من شركات عابرة للأوطان، بحجة أن قوانينها تمثل حواجزا أمام الاستثمار الأجنبي. الهدف من ذلك: توسيع مجال الاستثمارات الممكن و”تأمين” حرية وأرباح للمستثمرين.

ستضع هذه الآلية الشركات فوق الدول وحماية الأرباح فوق حماية المواطنين.

يبرر هاذان العنصران وحدهما، واللذان ترافقهما العديد من البنود الأخرى، بالطبع التعبئة التي أثارتها المفاوضات بشأن الاتفاقية من جانب منظمات المواطنين التي تحاول فك رموز المخاطر الرئيسية الناجمة عن المشروع وتنظيم التعبئة ضد التوقيع عليه. وقد تنظمت المئات من المنظمات على المستوى الأوروبي في إطار جماعي تحت اسم STOP-TAFTA(أوقفوا اتفاقيات التبادل الحر عبر الأطلسي) وضاعفت من التحليلات ودعت بالفعل إلى العديد من التحركات. وقد استأثرت وسائل الإعلام أيضا بالنقاش في هذا الموضوع.

ولم يحصل شيء من ذلك فيما يتعلق باتفاقيات التبادل الحر بين الاتحاد الأوروبي والمغرب. حيث تكتفي وسائل الإعلام بنشر معلومات شحيحة جدا وغالبا منحازة مقطرة من قبل الاتحاد الأوروبي فقط (سنعود إلى هذا الموضوع في الفصل المتعلق بالديمقراطية). ورغم أن أرباب العمل والاتحاد العام لمقاولات المغرب يتابعون هذا الموضوع عن كثب فإن عددا قليلا من المنظمات والسياسيين يهتمون بالأمر. وحتى عندما يفعلون فإن ذلك غالبا ما يكون لمجرد لعب دور على هامش المفاوضات. وقد تدخلت أطاك / ل إ د ع ث المغرب من جانبها مرارا بشأن هذه المسألة من خلال البيانات الصحفية أو في الندوات والاجتماعات والمؤتمرات في كل من المغرب وبلدان مختلفة من الاتحاد الأوروبي وفي المنتدى الاجتماعي العالمي مارس 2013 في تونس. لكن حجم التعبئة في المغرب يبقى بعيدا عما يجب ان يثيره مثل هذا المشروع.

وتبقى تأثيرات هذه الاتفاقيات، على الرغم من ذلك، هامة بالنسبة  للبلد ومواطنيه الذين ورغم كونهم لم يسمعوا عنها أو يعبروا عن وجهة نظرهم حولها فإنهم يتحملون التبعات اليومية للانفتاح الذي غير قواعد اللعبة الاقتصادية والاجتماعية تماما. وهو ما يهدد مستقبل الزراعة والنسيج الصناعي ويساهم بشكل كبير في أزمة التشغيل الهيكلية وبمستويات لا تطاق من البطالة، مما يفاقم الاختلالات في الحسابات الخارجية ورهن متزايد للاقتصاد المغربي وجعله أعزلا أمام المنافسة غير المتوازنة تماما. لقد غيرت مثل هذه الاتفاقيات المنتجات المعروضة اليوم للبيع في الأسواق ومحلات السوبر ماركت؛ فمثل هذه الاتفاقيات هي التي تؤيد خصخصة مدارسنا وصحتنا؛ ومثل هذه الاتفاقيات هي التي سمحت للشركات متعددة الجنسيات عديمة الضمير والتي اتهمها المجلس الأعلى للحسابات مرارا وتكرارا بالاستيلاء على الخدمات الحضرية من خلال التدبير المفوض؛ ومثل هذه الاتفاقيات هي التي أدت إلى تفكيك جميع القوانين (قوانين الشغل والاستثمار والرقابة على الصرف وغيرها) التي تمثل حماية و إن منقوصة سواء للقطاع الصناعي والفلاحي الوطني أو بالنسبة للعمال. لم يتم الالتفات لهذه الحصيلة، التي لم تكن مفاجئة لنا، قبل البدء في شهر مارس 2013 في مفاوضات من أجل اتفاقيات جديدة اتفق على تسميتها بالاتفاقيات الشاملة والمعمقة للتبادل الحر (ALECA) والتي، مثلما يوحي به اسمها، تدفع نحو دعم التوجه إلى المزيد من التبادل الحر والمزيد من اللبيرالية والمزيد من ادماج المغرب في جهاز الهيمنة الأوروبية على جيرانها في الجنوب وفي الشرق.

في غياب أي تقييم، تم البدء بدراسة تأثير في عام 2012 من قبل الاتحاد الأوروبي مع شركة الدراسات Ecorys. وانتظر المغرب الجولة الرابعة من المفاوضات لينتبه إلى عدم وضوح الرؤية لديه حول الملف ويقوم بدوره بدراسة تأثير! وهذا يدل على مدى الجدية التي يعالج بها قادتنا هذه المفاوضات الحاسمة للبلد. ولذلك تم تأجيل الجولة الخامسة من المفاوضات التي كان مقررا أن تبدأ في سبتمبر عام 2014 إلى أوائل عام 2016.

ويمكن أن تنتابنا بعض الشكوك حول نوعية هذه الدراسات. إذ لا تبدو تلك التي تعلن فيها Ecorys عن 1.3 مليار كناتج محلي إجمالي إضافي سنويا بالنسبة للمغرب، مع تأثير ضئيل بالنسبة لأوروبا، جدية بل وانتقدت علنا من قبل المجلسالاقتصادي والاجتماعي والبيئي في اجتماع في بروكسل يوم 4 يونيو 2014.

ولكن يمكننا خصوصا التساؤل حول القيمة الحقيقية للمفاوضات الحالية في وقت يبدو فيه “المكسب القانوني” الأوروبيمعرضا بجدية لصيحات استهجان من قبل مفاوضات معاهدة عبر الأطلسي. عن أي تناغم نتحدث؟ هل مع المعايير واللوائح الحالية أو تلك التي سيقع إرساؤها إذا ما تم التوقيع على معاهدة عبر الأطلسي؟ ألا ينبغي لنا أن نخاف بدلا من ذلك من وضع آليات ضبط تلقائي للقوانين من شأنها أن تسمح بالخضوع دون تفاوض لأي قاعدة جديدة يضعها الشريك الأوروبي والذي هو بدوره يخضع لضغوط معايير الولايات المتحدة؟

لا يمكننا للأسف إلا المجازفة بالافتراضات بشأن هذه المسألة في ظل عدم وجود عناصر من شأنها أن تمكننا من رؤية أكثر وضوحا. ولكن يمكننا أن نكون جازمين في الدعوة، دون الخوف من  الوقوع في الخطأ، إلى وقف مفاوضات الاتفاقيات الشاملة والمعمقة للتبادل الحر بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، طالما أن المغرب يجهل ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيكون في تناغم نهائي مع الولايات المتحدة الأمريكية في إطار اتفاق جديد.

من المفروض أن تجعلنا المشاكل التي عانى منها مصدرو الطماطم المغاربة[4] نفكر من هذا المنظور: حيث عانوا من وطأة إصلاح السياسة الزراعية الأوروبية دون الجلوس مسبقا قصد التدارس المشترك للآثار المترتبة عن مثل هذا الإصلاح على منتجي الدول التي تربطها بأوروبا اتفاقيات التجارة.

يهدف هذا الجيل الجديد من الاتفاقيات، التي تم بالفعل توقيع أول دفعة منها مع مولدافيا وأوكرانيا، إلى مستوى أعلى من اللبرلة وإلى دمج متنامي لدول جوار الاتحاد الأوروبي، لا سيما على المستوى التشريعي والتنظيمي من أجل “توحيد القوانين مع مكتسبات الاتحاد الأوروبي” (كذا).. لكن أن تكون هذه “المكتسبات” قد أغرقت أوروبا في أزمة منذ أكثر من خمس سنوات دون أن تكون قادرة – أو تريد- الخروج منها؛ وأن تكون بصدد إخضاع اقتصادات وشعوب أوروبا وخاصة جنوبها وتفكيك المكتسبات الاجتماعية التي حققها وناضل من أجلها العمال والعاملات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وباختصار ألاّ تكون جذابة البتة لشعوب الجنوب، فهذا لا يبدو أنه يخامر ثانية واحدة المفاوضين الأوروبيين أو المغاربة على حد السواء.

صحيح أنه في الوقت الذي تجد فيه الشركات نفسها مسيطرة على هذه المفاوضات وتدافع بضراوة على مصالحها تجد الشعوب نفسها مستبعدة، ولسان حال المفاوضين يقول لها” انصرفوا لا شيء يستحق المشاهدة”. لكن العكس هو ما يجب ان يكون، نحن نعتقد أنه على المواطنين أن يكونوا على علم وأن يفهموا ويمارسوا حقهم في إبداء الرأي ويقولوا ما الذي يريدون أو لا يريدون.

ونود، في مستوانا المتواضع، أن نساهم في هذا النقاش ببعض العناصر التي نرى انها تمكن المواطنين من فهم هذا الملف.

بعد إعطاء لمحة عامة عن الأسس الأيديولوجية التي تدعم طفرة التبادل الحر التي نعرفها في هذه المرحلة من العولمة النيوليبرالية، سنحاول رسم الخطوط العريضة لحصيلة سريعة لتأثير اتفاقيات التبادل الحر التي وقعتها بلادنا إلى اليوم، وابراز انكار الديمقراطية الذي يحيط بهذه القضية، وتحليل تأثيرها بشكل أعمق على القضايا الزراعية وقطاع الخدمات (انطلاقا من مثال قطاع الصحة وقضية الملكية الفكرية) وعلى استدانة البلاد فضلا عن مسألة تنقل الأشخاص وقضية الهجرة.

ليست هذه سوى بعض من العناصر الأولى في الملف الذي لا يهم فقط الفاعلين الاقتصاديين بل جميع المواطنين لأنه سيكون له بالتأكيد تأثير على حياتهم اليومية. وهذا لا يتم تقييمه فقط من خلال نقاط الناتج المحلي الإجمالي، ولكن أيضا من خلال الظروف الاجتماعية واحترام حقوق العمال والمواطنين، والمحافظة على البيئة وحمايتها، وفي التحليل الأخير من خلال الدفاع عن سيادتنا: الغذائية والاقتصادية و السياسية.

تمثل اتفاقيات التبادل الحر وآلية الديون أداتي هيمنة من شأنهما إدامة التبعية ونهب ثروات بلادنا. والتعاون الوثيق مع المؤسسات الاقتصادية الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية) هو الذي يعمق أكثر التوجه الليبرالي للسياسات المعتمدة، وتفرض علينا السياسات الليبرالية الجديدة لضمان مصالح الشركات متعددة الجنسيات وسداد الديون.

طوال عام 2011، صاحت شعوب المشرق والمغرب مطالبة بالإنصات إرادتها، وإن كان هناك مجال يجب فيه الإنصات لها، فهو هذه المفاوضات التي من شأنها أن تزلزل طريقة عمل البلاد في العمق ليس اقتصاديا فحسب بل اجتماعيا وسياسيا وثقافيا أيضا.

[1] أطاك فرنسا، دليل الابحار لمواجهة السوق عبر الأطلسي، باريس، 2014

https://france.attac.org/nos-publications/brochures/articles/guide-de-navigation-pour-affronter-le-grand-marche-transatlantique

[2] la clause de la nation la plus favorisée

[3] نفس المصدر

[4] انظر الورقة حول هذا الموضوع في الفصل المخصص للزراعة

زر الذهاب إلى الأعلى