الاتفاقات الاستعماريةالمخططات الليبرالية

المغرب قاعدة التغلغل الاستعماري الجديد في أفريقيا (الجزء 1)

بقلم/ عمر أزيكي

باشرت كبرى المجموعات الرأسمالية المغربية سيرورة تدويل خاصة منذ بداية سنوات 2000 بهدف تجاوز ضيق السوق المحلية عاقدة شراكات متعددة الأبعاد مع الشركات متعددة الجنسيات التي ضاعفت أيضا وجودها في عديد من قطاعات الاقتصاد المغربي. وصار غزو الثروات الأفريقية أحد أهدافها الرئيسية. وهكذا بلغ عدد المقاولات المغربية التي تعمل حاليا في أفريقيا 2000 مقاولة، ومجموع استثماراتها نحو 2,2 مليار دولار. (1)

الاستثمارات الأجنبية المباشرة المغربية في إفريقيا

مازال حجم الاستثمارات المباشرة المغربية في الخارج ضعيفا بوجه عام. فخلال الفترة 2008 ـ 2015 بلغ إجمالي تدفقاتها نحو 33 مليار درهم. وتوجهت أغلبية الاستثمارات المباشرة المغربية نحو إفريقيا (19 مليار درهم)، وبشكل رئيسي نحو إفريقيا جنوب الصحراء (أكثر من 17 مليار). وتعد كوت ديفوار (ساحل العاج) أكبر مستفيد من مخزون الاستثمارات المغربية في أفريقيا جنوب الصحراء في عام 2015 حيث بلغت 4,8 مليار درهم، تليها مالي بقيمة 4,2 مليار درهم، والبنين بـ 1,6 مليار درهم، والغابون بـ 1,4 مليار درهم. وحسب القطاعات، فإن الاستثمارات الأجنبية المباشرة للمغرب في أفريقيا جنوب الصحراء هي أكثر جلاء في القطاع البنكي الذي يمثل 40,3٪ من إجمالي المخزون في الفترة 2010-2015، ثم الاتصالات بـ 34,4٪، والتأمين بـ 13 ٪ والصناعة 5,6٪ (2). ويبقى أن هذه الاستثمارات تهيمن عليها دائرة ضئيلة من المجموعات الرأسمالية الكبرى التي راكمت ثروات هائلة، وعلى رأسها العائلة الملكية.

سنحاول من خلال هذا النص أن نلقي نظرة عامة على هذه الاستثمارات إلتي تشكل ركيزة تغلغل الرأسمالية المغربية في إفريقيا وعلى المجموعات المحلية الكبيرة التي تستفيد من هذا التغلغل إلى جانب شركائها الأجانب. ولكن أولا، دعونا نلقي نظرة موجزة على محددات تركز وتمركز هذه الثروات والمرتبطة بالسياسات النيوليبرالية التي تدعو لها المؤسسات الاقتصادية العالمية، ويتم تطبيقها من طرف النظام بوتائر متحكم فيها.

السياسات النيو-ليبرالية تقوي تركز الرأسمال وتمركزه وتدويله

عززت إجراءات إعادة الهيكلة النيو-ليبرالية المفروضة من قبل البنك العالمي وصندوق النقد الدولي منذ سنوات 1980، في أعقاب أزمة الديون العمومية، تركز الثروة الاجتماعية في أيدي الرأسماليين الكبار المحليين وشركائهم الأجانب، وتمركزها عبر عمليات دمج كبيرة. وتعمل الملكية التي تركز السلطة السياسية بتحكمها في الجهاز القمعي للدولة (الجيش والشرطة)، والمؤسستين التنفيذية (الحكومة) والتشريعية (البرلمان) والمقاولات والشركات العمومية، على تدبير وتيرة تنفيذ هذه السياسات من أجل توسيع استحواذها على القطاعات المربحة من الاقتصاد وتوسيع شبكات “المتواطئين” معها، وهي تحاول في نفس الوقت ضمان الاستقرار الاجتماعي للبلد. هذا علاوة على الدعم الذي تحظى به من قبل الإمبريالية الأوروبية والأمريكية والذي يتيح لها تدبير إملاءات المؤسسات الاقتصادية الدولية بشكل يقلل من تأجيج الاحتجاجات الاجتماعية. فخلال الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة التي انطلقت في فبراير 2011 بالمغرب، في سياق الثورات والانتفاضات التي شهدتها المنطقة العربية، أرجأت السلطة تفكيك صندوق دعم أثمان مواد الاستهلاك الرئيسية (المقاصة) وإصلاح أنظمة التقاعد ورفعت الأجور في الوظيفة العمومية في الوقت الذي بلغ فيه عجز الميزانية مستويات مقلقة للغاية.

بدأت الإصلاحات الليبرالية الكبرى مع برنامج التقويم الهيكلي الذي دفع بسيرورة انسحاب تدريجي للدولة من القطاعات العمومية ونزع التقنين لصالح المقاولة الخاصة (3)، وأثر بشكل بالغ على الأجراء وصغار المنتجين وفئات شعبية أخرى. ومن ثم، فإن عمليات خصخصة المقاولات العمومية والخدمات العمومية تجسدت في عمليات منح مباشر إلى مجموعات محددة محظوظة محلية وأجنبية. وأدى تحرير التجارة الخارجية الذي تسارع مع انضمام المغرب إلى منظمة التجارة العالمية في عام 1995، إلى ابرام مجموعة من اتفاقات التبادل الحر التي عمقت عجز الاقتصاد الوطني، إلا أن مجموعة من كبار المستوردين والمصدرين استفادت منها. وخصصت الدولة جزءا كبيرا من موارد الميزانية لتوفير البنية التحتية اللازمة لضمان مردودية رأس المال. وسطرت الملكية خططا قطاعية في أوائل سنوات 2000 في قطاعات استراتيجية مثل الفلاحة، والصناعة، والصيد البحري، والسياحة، والطاقة، أو التجارة وتكنولوجيات المعلومات الجديدة، والتكوين المهني، إلخ. كما أطلقت أوراشا كبرى شملت الموانئ، والمطارات، والطرق السيارة، والطرق السريعة، وخطوط القطارات السريعة، والسكك الحديدية الخفيفة، والمجمعات الصناعية، والمدن الجديدة، إلخ. إنها استثمارات هائلة زادت من تضخم المديونية العمومية التي ستتحمل أعباءها الفئات الشعبية من خلال سياسات التقشف الاجتماعي.

فتحت إعادة الهيكلة العميقة هاته أفاق تراكم جديد لثروات بضع مئات من العائلات البورجوازية المعروفة تاريخيا في مجال الأعمال التجارية بالمغرب (بن جلون، وأخنوش، والعلمي، وبن صالح، والتازي، والشعبي، وزنيبر، الخ) ومن ثمة سعيها إلى تدويل رأسمالها. لقد وضعوا استراتيجيات شراكة مع بعضهم البعض ومع الشركات متعددة الجنسيات تحت إشراف القصر الذي يتحكم في السياسة والاقتصاد. ومن خلال أخطبوطها العملاق، الشركة الوطنية للاستثمار، ذات التفرعات مترامية الأطراف في مجموعة من المجالات المربحة، انخرطت العائلة الملكية في استراتيجية غزو أسواق أفريقيا جنوب الصحراء، وذلك على مستوى ثلاثة قطاعات رئيسية: القطاع المالي من خلال بنكها التجاري وفا بنك، وقطاع الطاقات والمناجم عبر شركة مناجم وشركة ناريفا للطاقة المتجددة، ثم صناعة الاسمنت من خلال شراكتها مع المجموعة العالمية لافارج-هولشيم (4).

تبنى النظام المغربي نهجا جزئيا وانتقائيا لتنفيذ الإصلاحات النيو-ليبرالية. وعلى الرغم من موجة الخصخصة، لا تزال العديد من المقاولات الكبرى تابعة للدولة (5). ولا تزال كل من مجالات التجارة والنقل (السكك الحديدية والنقل الجوي والبحري) والاتصالات والسياحة تابعة للقطاع العمومي. بل إن وجود هذا الأخير انتقل إلى القطاع المالي حيث تبقى المساهمة العمومية سائدة في خمسة بنوك (من أصل 19) كما هو الحال خصوصا بالنسبة لصندوق الإيداع والتدبير الذي يعد أقوى مستثمر مؤسساتي عمومي بالبلد، وفي 4 شركات مالية (من أصل 33 شركة)، وكذلك في قطاع البناء والأشغال العمومية والإنعاش العقاري (6). ولا تزال هذه المقاولات والمؤسسات العمومية تشكل “دعامات” لرأس المال الكبير المحلي والأجنبي، وأيضا رافعات لغزو الأسواق الأفريقية. ومن بين المقاولات والمؤسسات العمومية التي شرعت في الاستثمارات في البلدان الأفريقية نجد المكتب الشريف للفوسفاط، والمكتب الوطني للماء والكهرباء، والوكالة المغربية الطاقة الشمسية، وشركة اتصالات المغرب، وشركة الاستثمارات السياحية مارشيكا ميد، ومكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، والخطوط الملكية المغربية، ومكتب المعارض بالدار البيضاء، والجمعية المغربية للجبس والطلاء، والمكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، بريد المغرب، والمركز الوطني للطاقة والعلوم والتكنولوجيا النووية، إلخ (7).

 

*أزيكي عمر.عضو السكرتارية الوطنية لجمعية أطاك المغرب.

ترجمة: وحيد عسري. مناضل بجمعية أطاك المغرب

الرابط الاصلي للمقال

 

هوامش:

 

  1. تصريح وزير الخارجية والتعاون المغربي في 8 يونيو 2017. http://www.leseco.ma/maroc/58061-pres-de-1000-entreprises-marocaines-en-afrique.html
  2. مكتب الصرف. المغرب – أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. 2017. . oc.gov.ma
  3. نجيب أقصبي. الاقتصاد السياسي والسياسات الاقتصادية في المغرب. المجلة المغربية للعلوم السياسية والاجتماعية. أبريل 2017.
  4. أوبينال وعبد اللطيف زروال. تحولات البنية المالية للرأسمالية المغربية. المجلة المغربية للعلوم السياسية والاجتماعية. أبريل 2017.
  5. سعيد السعدي. الإصلاحات النيو-ليبرالية، مجموعات رجال الأعمال والتنمية في المغرب. المجلة المغربية للعلوم السياسية والاجتماعية. أبريل 2017.
  6. السيد أوبينال وعبد اللطيف زروال. المرجع السابق.
  7. https://www.finances.gov.ma/Docs/2015/DAAG/almaliya58.pdf

 

زر الذهاب إلى الأعلى