الديون

في الجنون السياسي

يعرف اننشتاين الجنون بتكرار نفس التجربة بنفس الأدوات و في نفس الشروط و انتظار نتائج مغايرة. أعتقد أننا في المغرب نعيش اليوم حالة من الجنون السياسي بالمعنى الاينشتايني للكلمة. فرغم أن انتخابات 25 نونبر القادمة ستتم بنفس الوجوه التي سئم المغاربة من كذبها و مسرحياتها الرديئة الإخراج، و رغم أن هذه الانتخابات يشرف عليها نفس طاقم وزارة الداخلية الذي أشرف على تزوير الانتخابات السابقة في عهد ديكتاتورية الحسن الثاني، يواصل أبواق المخزن القدامى و الجدد محاولاتهم من أجل إقناعنا برهانات هذه الانتخابات و ضرورة الانخراط فيها من أجل بناء مغرب جديد و لو بنظام قديم. 

أحزاب شائخة بيولوجيا و عقيمة برنامجيا 

أحزاب فاسدة بمعناها الأخلاقي و السياسي المباشر للكلمة نظرا لتورط العديد من قيادات هذه الأحزاب إن لم نقل معظمها في فضائح فساد مالي و إداري و اقتصادي كما بمعناها المجازي أي أن مدة صلاحيتها قد انتهت و لم تعد تصلح حتى لعب الدور التي أنشئت من أجله أي تمويه لاستبداد و خداع المواطنين و شرعنة نظام تعددية حزبية صورية، و هو نظام أقرب إلى نمط الحزب الوحيد رغم تعدد الأسماء و الرموز الحزبية 

الأحزاب كما هي بوجوهها القديمة و قيادتها الزائدة في التخمة و شيخوختها البيولوجية و حتى الأدبية و عقمها البرنامجي تولد لدى المواطن نفورا شبه تلقائي. أحزاب ببرامج تتشابه فيما بينها، و هي نفس البرامج التي تقدمت بها إلى انتخابات 2007 و كأن العالم لم يتغير منذ ذلك الوقت. علما أن الاقتصاد العالمي مثلا عرف هزات يعتبرها الخبراء الأعنف منذ أزمة 1929 كما ينذرون بانهيار وشيك بعدما انتقلت أزمة المديونية السيادية التي ضربت اليونان إلى دول أخرى مثل إيطاليا و اسبانيا 

 

برامج تتحاشى الخوض في الأسئلة الهامة و الاستراتيجية : أي سياسة اقتصادية تقترحها هذه الأحزاب لتنقذ بلادنا من تخلف مزمن ؟ أي توزيع للخيرات و بأية آليات ؟ اي نظام ضريبي تتبناه بديل لنظام ظالم و غير فعال يعفي فلاحا يتاجر بالملايير و يقتطع ضرائب تصل قيمتها 40 في المائة من الفقراء و صغار التجار و الموظفين و العمال ؟ ماذا عن دوامة المديونية التي تلتهم خدمتها أكثر من ثلث ميزانية الدولة ؟ ما موقفها من المشاريع المسماة «الفيلة البيضاء «كمشروع القطار الفائق السرعة الذي يلقى معارضة شعبية واسعة ؟ ما موقفها من البرنامج الاستعجالي لإصلاح (تخريب) التعليم و ما البديل الذي تقترحه ؟ ما موقفها من الاتفاقيات الاستعمارية الجديدة المسماة اتفاقيات التبادل الحر مع الاتحاد الأوربي، الولايات المتحدة ألأمريكية، كندا … و التي تضع اقتصادنا الهش و المتخلف في منافسة اقتصاديات ضخمة و تهدد أمننا الغذائي ؟ ماذا عن الاصلاح الزراعي و كيف يمكن تحقيق سيادة غذائية تحمي مواطنينا من تقلبات السوق العالمية و احتكارات المضاربين في المواد الأساسية ؟ ما موقفها من فشل سياسة التدبير المفوض و هل ستلبي المطالب الشعبية في طرد الشركات العالمية التي تستنزف جيوب المواطنين سيوز (ليديك) و فيوليا (ريضال و امانديس)؟ 

كل هذه الأسئلة غائبة عن برامج هذه الأحزاب و إن حضرت يتم التطرق لها بشعارات ديماغوجية فضفاضة تبارك في آخر المطاف السياسات المتبعة و التي تيقن المغاربة من فشلها و اكتووا بآثارها المدمرة على معيشهم اليومي 

كل هذا الخليط الحزبي هدفه إلهاء المواطنين في أمور جانبية و خطابات جوفاء و صراعات معظمها ذو طابع شخصي مع تبادل للتهم و الشتائم بين أناس يتسابقون في آخر المطاف من أجل الحصول على حصتهم من الكعكة 

حكومة معوقة و كذابة 

لم تمضي دقائق قليلة عن تنصيب الحكومة الحالية من طرف الملك بعد تشكيلها من طرف مستشاريه في 2007 حتى اطلع المغاربة على قصورها و تبعيتها الكاملة و ربما حتى على عدم جدواها ففي أول تصريح له، لم يتردد الوزير الأول أو رئيس الحكومة كما يحلو للبعض ان يصفه اليوم من اجل إقناعنا بحصول تغيير، في التأكيد على أن برنامجه هو تنفيذ توصيات الملك. هذا التصريح لصاحب أكبر فضيحة نصب و احتيال مباشرة على الشباب المغربي : « فضيحة النجاة »، شكل صفعة في وجه من كلفوا أنفسهم عناء المشاركة في تلك الانتخابات و خاصة من صوتوا لصالح حزبه 

حكومة تكتفي بتنفيذ التعليمات: تعليمات القصر، تعليمات البنك العالمي و تعليمات صندوق النقد الدولي. حكومة واجهة يقتصر دورها على مباركة مبادرات حكومة الظل. لكنها لا تتردد في التطبيل بانجازاتها على كافة المستويات إلى درجة أنها خصصت بوابة الكترونية كاملة للتعبير عن هذه الإنجازات، اختارت لها من الأسماء « مكاسب ». حيث تتحدث فيه الحكومة بشكل مستفيض عن المكاسب الاجتماعية التي استطاعت تحقيقها. في حين أن التقرير الأخير لبرنامج التنمية للأمم المتحدة لهذه السنة سجل تراجعا للمغرب ب16 رتبة ليستقر في المرتبة 130 عالميا و هو ما يؤكد بكل بساطة ما يحسه المواطن بشكل يومي من تراجع مستمر لمستواه المعيشي و ما تبقى من الخدمات العمومية (صحة، تعليم …). بطبيعة الحال لم تفوت الحكومة الفرصة و كعادتها حين صدور أي تقرير يفضح حصيلتها في التشكيك في صحة هذه المعطيات و طريقة حساب هذه المؤشرات.

فهل شعبنا لا يستحق أفضل من حكومات الواجهة، ألا يستحق شعبنا بنضالاته و تضحيات مناضلاته و مناضليه أكثر من فتات التغيير الذي يجود به المتحكمون في مصائرنا؟ 

حركة 20 فبراير: طريق الأمل 

أعاد المدافعون عن الوضع القائم من متمخزنين قدامى و جدد اخراج ترسانتهم العدائية اتجاه أي صوت معارض لمصالحهم باستعمال نفس الأضاليل و النعوت الكاذبة : العدميين و المتطرفيين و اللاوطنيين و … كما أن أدوات الدعاية الرسمية تسارع في كل مرة من أجل الاعلان عن الاستثناء المغربي و عن موت وشيك لحركة 20 فبراير. هذه الحركة التي تشكل الصيغة المغربية للربيع المغاربي والعربي الذي ليس إلا في بداياته و الذي ينذر بهزات و موجات ارتدادية ستطيح ما تبقى من أنظمة مستبدة حتى في الدول التي عرفت سقوط رأس النظام و هو ما تعبر عنه الانتفاضات الجارية في مختلف المدن المصرية ضد المجلس العسكري.

على العكس من التصريحات الرسمية، تجري رياح الاحتجاجات الشعبية بالمغرب بعكس ما تشتهيه سفن الطبقات الحاكمة، فقد شهدت نهاية هذا الأسبوع 20 نونبر خروج الآلاف من المحتجين في أكثر من 74 مدينة وقرية بدعوة من تنسيقيات حركة 20 فبراير التي ما فتئت تنتشر و يتسع مداها. هذه التعبئة الكبيرة تعد نجاحا آخر للحركة خاصة في ظل القمع و الاعتقالات التي تعانيها الحركة و التي ازدادت وثيرتها بقرب موعد الانتخابات و فاقت المائة اعتقال. توحد المحتجون في مسيرات 20 نونبر حول شعار مركزي و هو «مقاطعة مسرحية الانتخابات» و تعهدوا بمواصلة النضال حتى تحقيق المطالب التي خرج من اجلها الشباب منذ اليوم الأول بإسقاط الفساد و الاستبداد السياسي و الاقتصادي الذي ما زال يعاني منه المواطن المغربي. في حين يواصل الحاكمون سياسة الهروب إلى الأمام معولين على نتائج مغايرة باستعمال نفس الوصفات و على رأسها القمع والتضليل و هو ما يعد جنونا سياسيا من نوع آخر قد تظهر نتائجه في مرحلة ما بعد 25 نونبر. 

م.جواد عضو اطاك المغرب 

البيضاء 21/11/2011

زر الذهاب إلى الأعلى