الديون

حوار مع الرفيقة فاطمة الزهراء البلغيتي، الكاتبة العامة السابقة لأطاك المغرب: تعد  المديونية الأداة الجبارة لفرض كل  السياسات الظالمة.

حوار مع الرفيقة فاطمة الزهراء البلغيتي، الكاتبة العامة السابقة لأطاك المغرب: تعد  المديونية الأداة الجبارة لفرض كل  السياسات الظالمة.

    نضع بين أيديكم هذا الحوار، رفقة الكاتبة العامة السابقة لجمعية “أطاك المغرب” فاطمة الزهراء البلغيتي، وذلك تزامنا مع عقد مؤتمر البنك وصندوق النقد الدوليين بمراكش، وكذلك تنظيم قمة اجتماعية مضادة لهذا المؤتمر الرسمي من  طرف منظمات وحركات اجتماعية على المستوى العالمي والقاري والإقليمي، و على المستوى الوطني أيضا، إذ تم تأسيس تنسيق  وطني من أجل قمة مضادة بتاريخ 27  مارس، يضم  منظمات حقوقية ونقابية ونسائية، و سبق هذا التنسيق أن  أصدر بلاغات وبيانات ونظم ندوات عبر من خلالها عن رفضه لهذه الاجتماعات، وندد بسياسات هذه المؤسسات المناهضة لتطعات الشعوب. ندعوكم في هذا الحوار لنقاش نكتشف من خلاله؛ المؤسسات المالية الدولية وحقوق   الإنسان، وما خلف شعاراتها من تناقضات، وتضارب للمصالح.

حاورها- أيمن سلام.

  1.  ماهو السياق الذي نشأ فيه البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، وما دوافع وغايات هذه النشأة؟

         بدأ التفكير في المؤسسات الواجب إرساؤها في عز الحرب العالمية الثانية، تحديدا في سنة 1941، وعملت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مبكر قي الإنكباب على إنشاء مؤسسات قوية، لتفادي الأزمات من قبيل الركود  الاقتصادي الكبير الذي عصف باقتصادها في الفترة ما بين نهاية العشرينات والثلاثينات. أرادت الولايات المتحدة الأمريكية منذ البداية إنشاء مؤسسات قادرة على فرض قواعد على النظام المالي والاقتصاد العالمي،  وضمان زعامتها للعالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. جرى تأسيس البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في العام 1944 بحضور 44 دولة في مؤتمر بريتن وودز، ويعكس نظام التصويت الذي تقوم عليه هذه المؤسسات؛ هيمنة قوى اقتصادية رأسمالية عظمى،  تفرض هذه المؤسسات المالية الدولية عبر نظام الديون خطط وبرامج اقتصادية تقشفية تطبقها حكومات البلدان لاسيما بلدان الجنوب العالمي وبحذافيرها. وتعد هذه المؤسسات أدوات استعمار اقتصادي، تديم فقر وتبعية بلدان العالم، لمصالح قوى رأسمالية إمبريالية، وتدعم هذه المؤسسات أنظمة غير ديمقراطية، إذ قام البنك الدولي بدعم أنظمة ديكتاتورية في عدة بلدان، ومنحها قروضا كريهة لإحكام سيطرتها على الشعوب. 

  • 2-  تتحدث هذه المؤسسات المالية على مساعدة الدول الأعضاء، أين تتجلى هذه المساعدة؟ وما الذي يحول دون تحسين اوضاع هذه الدول، خاصة دول العالم الثالث التي تشهد أزمات في مجموعة من القطاعات؟.

      يجب الإشارة إلى أن هذه المؤسسات لا تقدم  “مساعدات”، بل تعطي قروضا بشروط صارمة، وحينما يكون البلد في أزمة اقتصادية تكون شروط منح القروض قاسية، ويمكن أن نذكر أمثلة عديدة عن كيف تعاملت المؤسسات المالية مع البلدان الأعضاء خاصة الأكثر مديونية، فقد عمل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي على فرض برامج التقويم الهيكلي الشهيرة، لإجبار بلدان الجنوب العالمي على السداد إبان انفجار أزمة الديون في 1982، وندري  جيدا التفقير وحجم الظلم الاجتماعي الذي خلفته تلك البرامج، كما رافق تطبيق هذه البرامج انتفاضات اجتماعية شعبية، كما كان الشأن  في بلدنا، حيث انفجرت ثلاث انتفاضات شعبية 81/84/90، ردا على بؤس الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للشعب المغربي، ونفس الأمر وقع في أزمة ديون اليونان في العام 2015 ، حيث فرض كل من صندوق النقد الدولي واللجنة الأوربية والبنك المركزي الأوروبي؛ حزمة برامج تقشفية على هذا البلد لسداد ديون أثبتت لجنة افتحاص الدين التي انتدبها البرلمان اليوناني أنها غير شرعية، وأجبرت الترويكا اليونان على أداء تلك الديون عبر تطبيق خطة التقشف التي رفضها الشعب اليوناني في استفتاء شعبي . لازالت  الطبقات الحاكمة في البلدان المثقلة بالديون  تواصل  تطبيق نفس وصفات  التقشف النيوليبرالي بتوجيه من هذه المؤسسات المالية. ويعد المغرب تلميذا مطيعا لإملاءات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وسببت برامج التقشف النيوليبرالي  التي تنهجها الدولة خرابا اجتماعيا واقتصاديا وبيئيا، ويتجلى ذلك في؛ تقليص النفقات الموجهة للصحة والتعليم، تقليص مناصب الشغل المحدثة، تفكيك التوظيف في القطاع العام، تشجيع القطاع الخاص، الاستيلاء على الأراضي وتركيزها في يد المستثمرين الخواص، ضرب القدرة الشرائية بالهجوم الكبير على الأجور وتفكيك صندوق الموازنة. 

    تعد  المديونية الأداة الجبارة لفرض كل  السياسات الظالمة، ولن تتحقق تنمية عادلة دون إلغائها، لأنها تمتص موارد هامة، وترحل ثروات وخيرات البلد لجيوب الدائنين، بدل توجيهها لتلبية حاجيات اجتماعية للشعب المغربي .

  • 3-  خضتِ فاطمة الزهراء تجربة حقوقية مهمة، بصفتك كاتبة سابقة لجمعية “أطاك المغرب”، كيف تقيمون وضع حقوق الإنسان في البلد وفي المنطقة؟

       أود أن أؤكد أولا،على تعارض مجمل الإملاءات المفروضة من قبل المؤسسات المالية على البلدان التابعة مع الشروط اللازمة لضمان تجسيد الحقوق الانسانية الأساسية، فغذاة أزمة المديونية في بداية الثمانينيات تدخلت هذه المؤسسات لتقديم تمويلات بشروط جد مجحفة، وكان من بينها ضرب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأولية، بحيث فرض على البلدان العاجزة عن السداد ؛التخلي عن الإنفاق لضمان الولوج لخدمات أساسية كالصحة والتعليم، والبنيات التحتية المرتبطة بتلبية حاجات السكان الأساسية. وكانت عاقبة الالتزام بشروط سداد الديون تلك؛ هتك الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية للشعوب في العديد من البلدان ومنها المغرب. 

نحن نعتبر في جمعية أطاك المغرب أن تلك  الديون التي تم التعاقد بشأنها، وبشروط تعسفية  ولأنها تضرب في العمق الحقوق الأساسية للشعب المغربي ومنحت لنظام غير ديمقراطي تستثمر لصالح أقلية؛ نعتبر أنه ينبغي رفض سدادها.

يولد الإجهاز على الحقوق الانسانية، وغياب العدالة الإجتماعية، انتفاضات شعبية عارمة كما شهدنا على ذلك في المنطقة في الموجة الأولى في  2011 والثانية التي انطلقت من السودان في 2018، وعمت هذه الانتفاضات كذلك المغرب، لكن واجهتها الدولة بقمع شديد وهجوم واسع على الحريات الديمقراطية؛ قمع الاحتجاجات الشعبية بالريف وجرادة والتنكيل بنضالات كل الفئات، وعملت الدولة على شن حملة اعتقالات واسعة، والزج بالمعارضين والناشطين في السجون، ومنع حريات التعبير وضمنها حرية الصحافة  المستقلة.

  • 4-  تؤكد المؤسسات المالية على حقوق الإنسان وخاصة المساواة بين الجنسين وبشعارات عريضة، لماذا في نظركم؟

    ينظر البنك العالمي للمساواة بين الجنسين على أنها أّداة يجب أن تحظى بالأولية إذا كانت تخدم منطق السوق، وليس لأنها غاية في حد ذاتها، يعتبر البنك العالمي  النساء موردا ناقص الاستخدام بفعالية، وبالتالي صنوف الميز التي تحد من ولوج النساء لدائرة الإنتاج يجب محاربتها لأنها تحرم السوق الرأسمالية من يد عاملة رخيصة الكلفة. كل خطط البنك العالمي تجاه النساء لا تمس أسس علاقات اجتماعية قائمة على استغلال واضطهاد النساء، وتبقى النساء هن من يتحملن كل أنشطة إعادة الانتاج الاجتماعية ومنها إعادة انتاج قوة العمل، لأنهن في وضع دوني في مجتمعات ذكورية يجري استغلالهن كمورد سهل  ورخيص الكلفة لتنمية الأرباح. ونرى ذلك في المغرب على سبيل المثال وليس الحصر، حيث تشتغل النساء بكثافة في الأنشطة التصديرية المعروفة بفرط الاستغلال وضعف الأجور وعدم تطبيق قانون الشغل، وتعمل النساء العاملات في غياب تام لأبسط شروط الصحة والسلامة، ولا وجود للحضانات ولا لروض أطفال في أماكن العمل.

     تستخدم المؤسسات المالية شعار “المساواة بين الجنسين” و” تعميم منظور النوع الاجتماعي” بكثرة في برامجها تجاه النساء.  وأصبحت تلك الشعارات “أهدافا معلنة”، ومكن هذا الاستغلال اللفظي للمؤسسات المالية من فرض منظورها على جزء من حركة النضال النسوي، والتي ترى فيها شريكا ومحاورا من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين.

  • 5-   تلعب النساء أدوارا لا حدود لها في مجتمعاتنا، وفي نفس الوقت تعاني من الاستغلال، ما هو الأفق الذي سيؤدي إلى تحرير المرأة من هذا الاستغلال؟

       يصطدم تحرر النساء وخاصة في بلدنا بطبيعة مجتمع رأسمالي ذكوري موغل في الرجعية، يهضم حقوقهن الديمقراطية، وتتعدد أشكال قهر النساء بحصرهن في أدوار اجتماعية يجري تبخيسها، وغير معترف بقيمتها في إعادة إنتاج المجتمع، كما يعانين أشد أشكال الاضطهاد كالعنف بكل أصنافه، وهن عرضة لعدم المساواة بكل مستوياتها، علاوة على استغلالهن  المكثف في أماكن العمل.

        يدفع واقع القهر واستغلال النساء إلى الانخراط في النضالات الاجتماعية والمطالبة بالعدالة الاجتماعية وهذا ما برهنت عليه الاحتجاجات الشعبية التي عمت المغرب. غير أنه لم تتجسد مشاركة النساء بكثافة في النضالات في رفع مطالب تتجه صوب تحررهن الخاص من الاضطهاد الذكوري. وبالرغم من أن قسم الحركة النسوية المنظم ظل لسنوات يناضل من أجل مساواة قانونية، إلا أن ذلك لم ينفذ إلى السواد الأعظم من النساء المفقرات. ويعكس هذا انحصار نضال الحركة النسائية المنظمة في التوجه نحو مؤسسات الدولة، وانفصاله عن الجدر الاجتماعي والاقتصادي لاضطهاد النساء. 

  •  ما الذي يجب أن يرافق هذه المساواة القانونية في نظرك؟

       لا تعاني نساء المغرب الكادحات من غياب مساواة قانونية فعلية فقط، رغم أنها إحدى  واجهات النضال النسوي الهامة في مجتمع بالغ الرجعية. وينبغي لنضال نسوي يرمي تحرر النساء الشامل ما يلي؛ النضال ضد برامج التفقير النيوليبرالي التي تعمق لامساواة متعددة الأوجه في صفوف النساء، لا حقوق إنسانية للنساء دون تحمل ميزانية الدولة للعبء الاجتماعي الذي يثقل كاهل النساء، ويجب أن توفر الدولة الحضانات وروض الأطفال لتتحرر النساء من الأدوار الاجتماعية التي تسحقهن. ولا بد من ضمان أجر متساو للجميع أو أي شكل آخر من الدخل، فلا يمكن أن تتحرر النساء من القهر اليومي دون الانفصال عن التبعية الاقتصادية لذكور العائلة. والنضال من أجل اسقاط كافة القوانين التميزية ضد النساء. ثم لا يمكن تحقيق هذه المطالب دون تنظيم قوة النساء الجماعية في حركة نسوية جماهيرية،نضالها متجه صوب اقتلاع الجذور الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لاضطهاد النساء.

زر الذهاب إلى الأعلى