الديون

قانون المالية وتكريس المنطق الليبرالي: قراءة في قانون المالية 2008

ميمون الرحماني

قانون المالية هو الأداة التي من خلالها يتم تمرير المخططات الليبرالية كما تمليها المؤسسات المالية والتجارية الدولية. وبواسطته تترجم الدولة خياراتها السياسية والاقتصادية والمالية، وفق منطق الانفتاح الأعمى على السوق العالمية في ظل العولمة الرأسمالية وفي سياق ما تروج له الإيديولوجية النيوليبرالية من فتح السوق المحلي أمام الرساميل الأجنبية، إلغاء الحواجز الجمركية وإلغاء كل القوانين التي ” تعرقل” التجارة العالمية، تحرير الخدمات العمومية وخوصصة كل المؤسسات والمقاولات العمومية وما إلى ذلك من تحفيزات جبائية وإعفاءات ضريبية لفائدة الرأسمالية المحلية والأجنبية. وبالتالي تراجع الدولة عن دورها الاجتماعي عن طريق التقليص التدريجي للنفقات العمومية من أجل سداد الديون التي أصبحت تمتص جزءا هاما من ميزانية الدولة.

فقانون المالية، كما يدل على ذلك اسمه، هو أولا عبارة عن مجموعة من الإجراءات أو المقتضيات القانونية. وهو أيضا عبارة عن معطيات حسابية في شكل بيانات تفصل بين الموارد، من جهة، ونفقات التسيير والاستثمار للميزانية العامة للدولة وميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة والحسابات الخصوصية للخزينة، من جهة أخرى. مما يمكن من تحديد حجم وطبيعة التوازن المالي (نسبة العجز). وهذه النقطة بالذات (التوازن المالي أو ما يفضل البعض تسميته بالتوازن الماكرو اقتصادي) تشكل الهاجس الأساسي لدى واضعي هذه القوانين، وبخاصة وزراء الاقتصاد والمالية المتعاقبين على الحكم بالمغرب منذ فجر “الاستقلال” إلى يومنا هذا. فما يهم “صانعي القرار” الاقتصادي والمالي بالمغرب (ولو أن ذلك يملى عليهم من الداخل والخارج) هو الحفاظ على نوع من التوازن المالي )كما تنص على ذلك المادة الأولى من القانون التنظيمي للمالية) دون التفكير في الاستجابة للحاجيات الاجتماعية والأساسية للمواطنين. وهناك آليات يتم اعتمادها ل”رسم” هذا التوازن المالي لابد من توضيحها، إلى جانب مغالطات أخرى، قبل الغوص فيما يحمله لنا قانون المالية للسنة الحالية من خيارات أقل ما يمكن القول عنها أنها ستكرس المنطق الليبرالي وتعمق الهوة بين مغرب الثراء ومغرب الفقر والتهميش والبؤس والحرمان. مما يجعلنا نتوقع سنة من أسوء السنوات يتهددنا فيها شبح ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة.

 

 مغالطات لابد من توضيحها

v     التوازن المالي:

حسب المادة1 من القانون التنظيمي لقانون المالية[1] “يتوقع قانون المالية لكل سنة مجموع موارد وتكاليف الدولة ويقيمها وينص عليها ويؤذن بها ضمن توازن اقتصادي ومالي يحدده القانون المذكور . وتشير المادة 7 من نفس القانون إلى أنه “يمكن أن تلزم التوازن المالي للسنوات المالية اللاحقة الأحكام المتعلقة  بالموافقة على الاتفاقيات المالية وبالضمانات التي تمنحها الدولة وبتدبير شؤون الدين العمومي وكذا الدين العمري وبالترخيصات في الالتزام مقدما وباعتمادات الالتزام وبالترخيصات في البرنامج”. وفي نفس السياق، تنص المادة 51 من الدستور المغربي على ” إن المقترحات والتعديلات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان ترفض إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة للقانون المالي إما إلى تخفيض الموارد العمومية وإما إلى إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود“. وهي نفس المقتضيات التي تم التأكيد عليها في المادة 40 من القانون التنظيمي للمالية.[1]

غير أن الذي يحدث عمليا هو أن هذا التوازن المالي يتم التحكم فيه إما بتقليص تكاليف الدولة أو بتضخيم موارد الدولة، وذلك بالاعتماد على بعض الآليات كجدولة الديون وعائدات الخوصصة وحصيلة الاقتراضات بالنسبة للموارد، أو التحملات المشتركة (charges communes) بالنسبة لتقليص التكاليف.

  1. تضخيم موارد الدولة:

أ‌)        إعادة الجدولة:

كانت هذه كآلية أولى اعتمدتها الدولة في فترة تطبيق برامج التقويم الهيكلي(1993-1983)، بحيث كانت عملية إعادة جدولة الديون تدر على الدولة مداخيل هامة (لكنها استثنائية) ساهمت بشكل كبير في تمويل عجز الميزانية العامة للدولة.

ب‌)     عائدات الخوصصة:

بعد انتهاء مرحلة إعادة جدولة الديون، أصبحت الدولة تعتمد على عائدات الخوصصة التي يتم تصنيفها كموارد قارة[2] في خانة “حصيلة تفويت مساهمات الدولة” وليس كمداخيل استثنائية (على غرار مداخيل إعادة الجدولة) بالرغم من أن الخوصصة لابد من نهاية لها. والأكيد على ذلك أنها عرفت تراجعا في حجمها: 21,3 مليار درهم سنة 2001، 14 مليار درهم سنة 2004، 12,5 مليار درهم سنة 2005 إلى 4,5 مليار درهم سنة 2007. ومن المتوقع ألا تتعدى 3 ملايير درهم سنة 2008. 

ج) حصيلة الاقتراضات:

يتم اعتمادها هي الأخرى كموارد للدولة، وعلى أساسها يتم التحكم في التوازن المالي العام. وهذه الاقتراضات الداخلية، سواء منها المتوسطة (5 سنوات) أو الطويلة الأجل (10، 15، 20 إلى 30 سنة) عرفت ارتفاعا صاروخيا في السنين الأخيرة بحيث انتقل حجمها من 12 مليار درهم سنة 2000 إلى 28 مليار درهم سنة 2001. ووصل إلى 42 مليار درهم سنة 2005 و40 مليار درهم سنة 2007. ومن المحتمل أن يتعدى 37 مليار درهم سنة 2008.

 

  1. تقليص تكاليف الدولة:

● التحملات المشتركة: CHARGES COMMUNES

يقصد بعبارة “التحملات المشتركة” ما يستوجب على الدولة تسديده سنويا لفائدة صناديق التقاعد والاحتياط الاجتماعي والتأمين الصحي لمستخدمي الوظيفة العمومية. هذه “التكاليف الاجتماعية” – charges sociales – أو ما يصطلح عليه عموما تكاليف أو “مساهمات المشغل”[3]  تتحكم فيها الدولة كآلية أخرى لرسم معالم التوازن المالي. فبدل برجمة حصتها كاملة في كل قانون مالية للسنة، تكتفي الدولة بتحديد المبلغ المتوقع لسد عجز الميزانية فقط. وقدر الفارق ما بين ما تحوله الدولة وما يستوجب عليها دفعه خلال الفترة من 1989 إلى 1995 بحوالي 1,2 مليار درهم[4]. في حين حدد المكتب الدولي للشغل في تقريره لسنة 1994 حول التغطية الاجتماعية بالمغرب نسبة ما حولته الدولة سنة 1993 لفائدة الصندوق المغربي للتقاعد في 30٪ من المبلغ القانوني.

وهكذا تراكمت “ديون الدولة”[5] إزاء صناديق التقاعد والتغطية الاجتماعية، مما أدى إلى وقوع عجز مالي لدى هذه الصناديق وتدهور جودة ونوعية خدماتها المقدمة للمتقاعدين والمنخرطين. فالوضعية الديموغرافية للمغرب ليست السبب في الأزمات التي تتخبط فيها هذه المؤسسات، كما تروج لذلك الدوائر الرسمية وهي تخطط لسيناريوهات جديدة قد تعصف بنظام التقاعد وتثقل كاهل الموظفين والأجراء بالاقتطاعات الإضافية ورفع سن الإحالة على التقاعد إلى 65 سنة.  

لقد انتظرت الدولة المغربية ما يناهز نصف قرن (من 1956 إلى 2005) لتقرر، بعد جدل حاد، تسديد ما تراكم على الإدارة من متأخرات برسم التقاعد والتغطية الصحية. وهكذا تم رصد مبلغ 11,08 مليار درهم في قانون المالية 2005 وتصفية المبلغ المترتب عن عملية المغادرة الطوعية والمقدر ب 7,5 مليار درهم على مدى أربع سنوات ابتداء من سنة 2006.

 

v     المديونية:

ما يستوجب توضيحه في هذا المجال أن نفقات الدين العمومي لا يتم احتسابها ضمن نفقات الميزانية العامة، أثناء تحديد نسبة القطاعات الاجتماعية من مجموع الميزانية العامة علما أن المادة 13 من القانون التنظيمي لقانون المالية تدرجها صراحة ضمن النفقات: “… تشتمل نفقات الميزانية العامة على نفقات التسيير ونفقات الاستثمار والنفقات المتعلقة بخدمة الدين العمومي.”

وإذا كانت الديون العمومية، كما جاء في تقارير وزارة المالية، قد انخفضت بنسبة 6٪ من الناتج الداخلي الخام سنة 2006 مقارنة مع 2005، فإنه على العكس من ذلك ارتفع حجم المديونية من 373,6 مليار درهم سنة 2005 إلى 381 مليار درهم سنة 2006 و 386,4 مليار درهم سنة 2007.

 

v     النفقات الجبائية:

الإعفاءات الضريبية تحتسب كنفقات تحث تسمية “النفقات الجبائية”، مع العلم أننا لا نجد أي أثر لهذه التسمية في القانون التنظيمي لقانون المالية (المادة 13). وقد بلغت الإعفاءات الضريبية الخاصة بسنة 2007، إلى حدود شهر شتنبر، 23,6 مليار درهم، همت 178 إجراء وبقي احتساب تكلفة 232 إجراء آخر. ويمثل هذا المبلغ 50٪ من خدمات الدين لسنة 2008، و68,4٪ من الميزانية المخصصة للتربية الوطنية والتعليم. أو أيضا أكثر من ثلاثة أضعاف الميزانية المخصصة للصحة.

 

v     حجم الاستثمارات العمومية:

قيل أن الاستثمارات العمومية تخطت، لأول مرة، في ميزانية 2008 حاجز ال100 مليار درهم !…؟؟ أمر يستوجب بعض التوضيح.

بالرجوع إلى المعطيات الحسابية بقانون المالية 2008 سنجد أن مصاريف الاستثمارات بالميزانية العامة للدولة لا تتعدى 36,07 مليار درهم[6]. تضاف إليها اعتمادات الالتزام (سنة 2009 والسنوات التي تليها) المقدرة ب 16,65 مليار درهم والاعتمادات المنقولة التي تصل إلى 9 مليار درهم. إذا أضفنا إليها نفقات الاستثمارات لصندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، نفقات الاستثمارات للحسابات الخصوصية، نفقات الاستثمارات بمرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة ونفقات الاستثمارات الخاصة بالمقاولات والمؤسسات العمومية، آنذاك سيصل حجم الاستثمارات إلى 106,93 مليار درهم. ويبقى السؤال مطروحا عن طبيعة هذه الاستثمارات، التي في غالبيتها ليست استثمارات منتجة.

 

الشق الاجتماعي في قانون المالية 2008

يدعي الخطاب الرسمي أن الحكومة المغربية خصصت أزيد من 50% من الميزانية العامة للقطاعات الاجتماعية…؟؟ مغالطة أخرى تستوجب التوضيح، وبلغة الأرقام.

تسع قطاعات تعتبرها الحكومة اجتماعية : التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، الصحة، الإسكان والتعمير والتهيئة المجالية، التشغيل والتكوين المهني، التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، الثقافة، الأوقاف والشؤون الإسلامية، المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، الشباب والرياضة.

مجموع نفقات التسيير في هذه القطاعات “الاجتماعية” تصل إلى 44,33 مليار درهم (مقابل 47,43 مليار درهم في 2007)، أي بنسبة لا تتعدى 8,21%  من مجموع نفقات الميزانية العامة للدولة التي تصل إلى 28,208 مليار درهم. وأما نفقات الاستثمار في هذه القطاعات “الاجتماعية” فتصل إلى ما مجموعه 35,6 مليار درهم. مما يمثل نسبة 05,3%  فقط من مجموع نفقات الميزانية العامة للدولة. و 17,60 % من مجموع نفقات الاستثمار (اعتمادات الأداء) لسنة 2008.

 

ثقل المديونية

بلغ حجم الديون العمومية المغربية مع متم 2007 ما يقدر ب386,4  مليار درهم، أي بنسبة ارتفاع بلغت1,4  % مقارنة مع سنة 2006. وهكذا وصلت الديون العمومية الخارجية  122,3مليار درهم بزيادة قدرها 5,5%  بالمقارنة مع سنة 2006، مشكلة بذلك% 20,3   من الناتج الداخلي الخام. وأما الديون العمومية الداخلية فبالرغم من أنها تراجعت بنسبة 1% في ظرف سنة، فإن حجمها لازال مقلقا : 264,1 مليار درهم تمثل43,9  % من الناتج الداخلي الخام. 98%  منها تتم عن طريق إصدار سندات الخزينة، مما يعني أن الدولة تقترض من مواطنيها … !

في حين بلغت تكاليف الديون سنة 2007 رقما قياسيا وصل إلى ما مجموعه83,7  مليار درهم. بينما كان متوقعا بقانون المالية 2007 ألا تتعدى هذه التكاليف  59,05مليار درهم. الأمر الذي يفسر ارتفاع الديون العمومية الخارجية ويؤكد لجوء الدولة إلى المديونية بعد ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية. وهي فرضية جد محتملة خلال السنة الحالية أيضا قد ترتفع معها تكاليف المديونية، التي قدرت بقانون المالية 2008 ب 47,92 مليار درهم. وهي بهذا القدر فقط تشكل نسبة 23,01  %من مجموع ميزانية الدولة وتمثل سبع مرات ميزانية الصحة و 42,4  %من المداخيل الجبائية عن سنة 2007.

 

مسلسل الخوصصة لم ينته رغم تراجع مداخيلها

ما بين 1993 و 2006 تمت خوصصة 47 شركة و 26 مؤسسة فندقية، عبر 107 عملية خوصصة بلغت مداخيلها الإجمالية ما يفوق 100 مليار درهم[7] . وتوجد سبع منشآت عامة في لائحة الخوصصة لسنة 2008 : شركة المنتوجات البيولوجية والصيدلية والبيطرية، شركة الأملاح بالمحمدية، الشركة الشريفة للأملاح، شركة تسويق الفحم والخشب، الشركة الوطنية لتجار البذور، مصنع الآجور والقرمود لشمال إفريقيا ومركب النسيج بفاس.

 إضافة إلى التحضير لتفويت مساهمة الدولة في رأسمال شركة استغلال الموانئ للقطاع الخاص، ويرتقب أيضا تفويت حصة من رأسمال البنك المركزي الشعبي.

وترتكز استراتيجية الدولة في مجال الخوصصة مستقبلا على فتح تدريجي لرأسمال بعض المنشآت العامة في وجه ما تسميه الدولة ب “شركائها الاستراتيجيين” أو عبر البورصة. ويتعلق الأمر أساسا بمجموعة التهيئة العمران، المكتب الوطني للمطارات ومؤسسات عمومية أخرى.

 

دعم المواد الأساسية : صندوق المقاصة

بعد تحرير قطاعات تكرير السكر والزيوت والحبوب أصبح نظام دعم أسعار البيع يهم السكر والدقيق وغاز البوتان، إضافة إلى المواد البترولية (ابتداء من سنة 2000).

ويتم دعم هذه المواد على الشكل التالي :

à السكر: إعانة جزافية قدرها 2000 درهم للطن الموجه إلى الاستهلاك.

à دقيق القمح اللين: منذ 1988 تدعم الدولة كمية سنوية لا تتعدى 10 ملايين قنطار، وقد تقرر بشكل مؤقت تحمل ميزانية الدولة للفرق بين التكلفة وثمن بيعه إلى المطاحن والذي حدد في 250 درهم للقنطار.

à الزيوت النباتية: إعانة جزافية للمنتجين المحليين.

à الدعم المقدم للأقاليم الصحراوية: وهو دعم إضافي يصل إلى 50 مليون درهم يشمل تحمل تكلفة تزود هذه المناطق بالسكر وزيت المائدة.

à المواد البترولية (بما فيها غاز البوتان): دعم بمعدل سنوي يصل إلى ,54 مليار درهم من 2001 إلى 2007 ( أي 31,5 مليار درهم).

      وفي هذا الصدد تتحمل الدولة 60 درهما من ثمن قنينة البوتان من حجم 12 كلغ و15 درهما من ثمن قنينة البوتان من حجم 3 كلغ.

 هذا وخصصت الدولة لصندوق المقاصة بقانون المالية للسنة الحالية مبلغ 20 مليار درهم تم احتسابها على أساس سعر 75 دولار للبرميل من البترول الخام في الأسواق العالمية. وهي توقعات خاطئة لأن سعر البترول قد تعدى حاجز 112 دولارا للبرميل في شهر مارس 2008. ويتوقع الخبراء الاقتصاديون أن يصل سعر البترول هذا العام إلى 120 دولارا للبرميل !

 

الإجراءات الجبائية الجديدة

بعد تراجع عائدات الخوصصة أصبحت الدولة، منذ 2004، تتخذ إجراءات جبائية جديدة، في إطار السياسات الليبرالية المملاة (أو بالأحرى المفروضة عليها) من قبل المؤسسات المالية الدولية كتخفيض الضريبة على الشركات والزيادة في الضرائب المفروضة على الطبقات الكادحة من المجتمع وتوسيع القاعدة الجبائية لتشمل مواد اعتبرت أساسية وظلت معفاة من الضريبة على القيمة المضافة، وما إلى ذلك. وقد تم على سبيل المثال رفع الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة لاستهلاك الماء والكهرباء من 7% إلى 14% ، وهو ما يفسر ارتفاع فاتورات الاستهلاك. وفي هذا السياق اتخذت مجموعة من الإجراءات في قانون المالية 2008، يمكن إجمالها فيما يلي :

بالنسبة للضريبة على الشركات :

ü     تخفيض السعر العادي للضريبة على الشركات من 35% إلى 30%.

ü     تخفيض السعر من 39,6  %إلى 37% سنة 2008 ثم إلى 35% فيما بعد هذه السنة بالنسبة للقطاع المالي.

ورغم هذه التخفيضات تتوقع الحكومة أن ترتفع المداخيل الجبائية هذا العام من 25 مليار درهم إلى 28 مليار درهم عبر توسيع القاعدة الجبائية، من جهة، و”الرفع من وثيرة الاستثمار” من جهة أخرى !

ويبلغ عدد الشركات الخاضعة لهذه الضريبة 90900 شركة، تؤدي 1803 شركة منها نسبة 78% من مداخيل هذه الضريبة.

 

بالنسبة للضريبة على الدخل :

حسب وزارة المالية، كلفت إجراءات 2007 في مجال الضريبة على الدخل ما قدره  2,5مليار درهم، 75%  من هذا المبلغ همت الضريبة على الدخل الخاصة بالأجور.

وفي إطار قانون المالية 2008، اتخذت الحكومة إجراءا يتيما تمثل في الرفع من سندات التغذية المعفاة من 10 دراهم إلى 20 درهما. وهو ما اعتبرته الحكومة تدبيرا يرمي إلى “تحسين القدرة الشرائية للمأجورين”… !!    

بالنسبة للضريبة على القيمة المضافة :

à أهم إجراء تمثل في رفع سعر الضريبة على القيمة المضافة المطبقة على عمليات الإيجار التمويلي من 10 % إلى 20 % وبأثر رجعي، وهو ما يعرف بقروض الإيجار من أجل التمليك (الليزينغ).

أصل المشكل يعود إلى الرفع من الضريبة على المعدات والتجهيزات (المشتريات) التي تمول بواسطة “الليزينغ” من 10% إلى 20% للمشتريات و 14% على العقارات. وقد أدى هذا الإجراء إلى تكاليف إضافية بالنسبة للزبائن، وخلق جدلا كبيرا وصل إلى حد الضغط على الشركات وتهديدها بالتدقيق في حساباتها كي تقبل تحمل التكاليف الإضافية. لكن الحل “السحري” لهذا المشكل تمثل في تمديد فترة السلف إلى أشهر أخرى بالنسبة إلى الزبائن، حتى يبقى المبلغ الذي يدفعونه شهريا مستقرا. على أن يتم تصحيح الخطأ الحكومي مع بداية السنة المالية المقبلة 2009.

à    رفع نسبة الضريبة على عوائد تفويت القيم المنقولة من 10% إلى 20%.

à    تطبيق سعر 20% عوض 14% على عمليات الأشغال العقارية.

à    تخفيض سعر رسم الاستيراد الأقصى المطبق على المنتجات الصناعية من 45% إلى 40%، في أفق خفضه إلى 25% في 2012… !

à    تقليص مدة الإرجاع إلى 3 أشهر عوض النظام الواقف (4 أشهر).

 

التحفيزات الجبائية

بالإضافة إلى الإجراءات الجبائية المشار إليها أعلاه، والتي جاءت لتكرس المنطق الليبرالي لفائدة الرأسمالية المحلية والأجنبية على حد سواء، مقابل ضرب القدرة الشرائية للمواطنين البسطاء، لا تبخل الدولة أيضا بتقديم إعفاءات ضريبية وتحفيزات لصالح الشركات المتواجدة في المناطق الحرة -offshoring- تتمثل في تطبيق سعر جزافي بالنسبة للضريبة على الشركات. هذا إضافة إلى تحفيزات وإعفاءات بالنسبة للشركات التي تلج البورصة لأول مرة، إعفاء المنعشين العقاريين الذين يلتزمون بإنجاز 2500 سكن اجتماعي. وتطبيق سعر الضريبة المخفض بالنسبة للمنشآت المنجمية المصدرة والمنشآت المنجمية التي تبيع منتجاتها لمنشآت أخرى لتصديرها بعد الرفع من قيمتها ( % 17,5عوض السعر العادي 30%)

وتجدر الإشارة إلى أن هذه التحفيزات والإعفاءات الضريبية ستؤدي إلى خسارة بالنسبة لخزينة الدولة قد تصل إلى 1 مليار و 420 مليون درهم !

 

يتضح من خلال المعطيات السالفة الذكر أن قانون المالية 2008، الذي تم إعداده في خضم الحملة الانتخابية (الانتخابات التشريعية 2007)، لم يتم وضعه وفق توقعات علمية دقيقة، ولم يأت للاستجابة للحاجيات الأساسية للمواطنين ولتطلعاتهم وانتظاراتهم، وإنما جاء – كسابقيه –  لتطبيق السياسات الليبرالية المملاة من قبل الدوائر المالية الدولية ولتركيز سيطرة الرأسمال على ثروات وخيرات البلاد عبر ميكانزمات الخوصصة والديون وما إلى ذلك.

وهكذا وضع قانون المالية، وتمت المصادقة عليه بالمجلس الوزاري والتصويت عليه بقبة البرلمان (بغرفتيه) على أساس سعر 75 دولار للبرميل من البترول، وعجز في الميزانية بنسبة 3% وغير هذه وتلك من الإجراءات المشار إليها.

واعتبارا للعجز في الميزانية الذي بلغ  12,4مليار درهم، وللعجز في الميزان التجاري الذي بلغ مع متم 2007 نسبة 26,6   %. وأمام الارتفاع المتزايد لأسعار النفط في الأسواق العالمية، ولأسعار المواد الأساسية وحجم المديونية العمومية، فقد بدأت تظهر بوادر ومؤشرات أزمة اقتصادية واجتماعية ستضطر معها الدولة، لا محالة، إما إلى تعديل قانون المالية أو إلى مزيد من الديون. وفي كل الأحوال سيؤدي الشعب (وبالأخص الفئات المستضعفة منه) الفاتورة … وكل عام ومملكتنا الشريفة بخير.




 القانون التنظيمي رقم 7.98 لقانون المالية كما وقع تغييره وتتميمه بالقانون التنظيمي رقم 14.00 ، ج.ر عدد 4788، 20 أبريل 2000.[1]

 إلى غاية 2004 كانت تصنف كموارد استثنائية في خانة “الموارد الاستثنائية وحصيلة الاقتراض”.[2]

 هذا التعبير هو المستعمل بكثرة بالرغم من أنه غير مقبول في التحليل الماركسي.[3]

  عبد القادر برادة، التوازن المالي وطغيان ثقافة الأمر الواقع، المجلة المغربية للتدقيق والتنمية العدد 21  سنة 2005. [4]

 للإشارة فالدولة المغربية لا تحتسبها ضمن الديون الداخلية.[5]

 حوالي 7.9٪ من الناتج الداخلي الخام، في الوقت الذي تمتص فيه مصارف الديون 10.5٪ من الناتج الداخلي الخام. [6]

منها 35 مليار درهم لفائدة صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والباقي لفائدة الميزانية العامة (التوازي المالي). [7]

 

هذا النص هو من أوراق الجامعة الربيعية الرابعة 2008 لأطاك المغرب ـ طاماريس\الدار البيضاء

 

زر الذهاب إلى الأعلى