الديون

بين أحداث مخيم اكديم إيزيك بالعيون و فيضانات البيضاء: ملامح دولة فاشلة

مخيم اكديم إيزيك بالعيون  : “طاحت الصمعة علقوا الحجام”

بالنسبة للمسئولين ثم اختزال أحداث مخيم اكديم إيزيك بالعيون في  تعاطي الصحافة الاسبانية و تصريحات بعض الأحزاب الاسبانية. و لم تكلف السلطات نفسها عناء تقديم أجوبة عن الأسئلة المحيرة التي تداولها المواطنون حول هذه الأحداث و تم الاكتفاء بترديد نسخة رسمية عن هذه الأحداث مليئة بالتناقضات و من جملة هذه الأسئلة :

هل من المعقول أن بعض عشرات من المجرمين كما تقول الرواية الرسمية أن يحتجزوا 20 ألف مواطن رغما عنهم ؟

أعضاء اللجنة الذين تتهمهم السلطات اليوم بأنهم أصحاب سوابق و متسللين من البوليساريو هم نفسهم من كانت تتحاور معهم السلطات المحلية بل حتى وزير الداخلية بنفسه، فما الذي جرى في ظرف 48 ساعة حتى تغير السلطة موقفها ؟

إذا كانت السلطات تدعي قول الحقيقة لماذا منعت صحفيين من قنوات مختلفة للدخول للمدينة و التحقق من روايتها ؟

(…)

عوض البحث في الأسباب الحقيقية و تحمل الدولة مسؤوليتها و معاقبة المتورطين في هذه المجزرة و الاستجابة للمطالب الاجتماعية بالأساس لمعتصمين كما تأكده بجلاء بيانات أهالي الصحراويين المعتصمين بأكديم ايزيك(0) التي كانت تصدرها لجنة المخيم التي كانت تقود الحوار مع السلطات و تسهر على التنظيم الذاتي للمخيم. عوض ذلك، قام “المسئولون” بطريقة غير مسؤولة باقتياد الآلاف من المواطنين لمدينة الدار البيضاء مع استعمال كل موارد الدولة  من إعلام رسمي و غيره و تجييش أعوان السلطة من أجل تضليل المواطنين في مسيرة رسمية يتقدمها  وزراء يعد الفشل في تسيير الشأن العمومي قاسمهم المشترك.

و إذا كانت هذه المسيرة الرسمية جدا قد استفادت من مساندة كل مؤسسات الدولة و رصدت لها أموال و موارد عمومية فإن معظم المسيرات الشعبية ضد غلاء الأسعار، من أجل الدفاع عن الخدمات العمومية،  من أجل الحق في السكن  أو من أجل الحق في الماء يتم قمعها و جرجرة المناضلين و المواطنين أمام المحاكم (1) :  “يسلام عليها ياسلام ديمقراطية ماروكان” كما يردد عادة المتظاهرون في الشوارع المغربية.

في الوقت الذي ينتشي المسئولون عبر وسائل الإعلام بانتصار تاريخي على “أعداء الوطن” و تجديد إجماع وطني أدى ثمنه غاليا كادحو المغرب منذ الاستقلال الشكلي حيث أن أغلب موجات القمع التي تعرض لها أحرار هذا البلد و أبنائه الأكثر كفاءة كانت بدعوى تهديد وحدته و الخروج عن الإجماع الوطني.  هذه المسيرة شكلت قمة نزعة الشوفينية “المغرب أصبح مستهدف من طرف جميع  دول العالم” والحل في نظر المسؤولين هو الاصطفاف وراء “القضية وطنية” ولتذهب الديمقراطية و حرية التعبير إلى الجحيم. على مدى شهر نونبر رجع بنا الزمن إلى سنوات خلت حيث الإجماع حول “القضية الوطنية” أصبح حجة لطمس كل صوت يقول” لا”. زمن المسيرة الخضراء وما تبعها من خنق لكل فكر نقدي وتقدمي وكيف وظفت لقمع كل المعارضين. المد الشوفييني الحالي يغطي عن الفشل في تدبير ملف الصحراء في كل تجلياته. فيضانات بداية هذا الأسبوع جاءت لتعري عن فشل آخر…

 

فيضانات بداية الأسبوع : ليديك زيادة في الفواتير و ضعف في البنيات التحتية “لازين لا مجي بكري “

يوم الأحد 28 نونبر جيء بكادحين المغرب ليصرخوا حبهم (الصادق) لوطنهم و عدائهم “المفترض” لجيرانهم الجزائريين و الاسبان. في مقدمة المسيرة زمرة من الانتهازيين الفاشلين (وزراء و سياسيون من كل الأطياف) “مسئولون” لا يفتكرون هذا الشعب إلا مرة كل خمس سنوات من أجل انتخابهم و كلما دعت ضرورة مصالح الحاكمين لذلك. يوم الثلاثاء 30 من نفس الشهر غرق المغرب أو بالأحرى غرق كادحوا هذا البلد. كشفت هذه الفياضات كذلك عن هشاشة كبيرة للبنيات التحتية التي تطلب بنائها تضحيات كبيرة من المواطنين و ديونا متراكمة مازال المغاربة يؤدون ثمنها حيث تمتص خدمتها أكثر من ثلث ميزانية الدولة.

ضعف بنياتنا التحتية الذي كشفت عنه هذه الفيضانات لم يكن ليتنبأ به حتى أكثر المتشائمين أو المعارضين لسياسات الدولة في مجال التجهيز و البنيات التحتية. 24 ساعة من الأمطار المتواصلة كانت كافية لخلق حالة استثناء حقيقية همت معظم المدن الكبرى و على رأسها مدينة البيضاء التي تركز أكثر من 60 في المائة من الأنشطة الاقتصادية للبلاد. 35 قتيلا حسب الإحصاءات الرسمية، توقف القطارات لمدة يوم كامل في سابقة من نوعها، غلق للمدارس، العديد من الموظفين و العمال لم يستطيعوا الالتحاق بعملهم، قطع العديد من الطرق  و منها الطريق إلى المطارات و إلغاء بعض الرحلات بالمطارات، غرق مجموعة من المؤسسات الاقتصادية و الإدارات بما فيها إدارة المكتب الشريف للفوسفاط  بطريق الجديدة و إتلاف معطيات معلوماتية مهمة لأكبر شركة قطاع عام (حتى الآن) و المصدر الأول في العالم للفوسفاط و مشتقاته. توقفت قاعات الإنعاش بكل المستشفيات العمومية بمدينة البيضاء. بين 4000 محطة كهربائية، 800 توقفت بشكل نهائي تاركة مناطق بأكملها بالبيضاء بدون كهرباء. في نفس الوقت و بمراكش كانت تعقد المناظرة الوطنية للسياحة و تمحور الحديث عن كيفية استقطاب 20 مليون سائح في أفق 2020. قمة السخرية !!

24 ساعة كانت كافية لتأكد من جديد فشل التسيير الليبرالي لمدننا. الخوصصة، التدبير المفوض، الشراكات بين القطاع العام والخاص و الحكامة الجيدة أعطتنا مدينة كالبيضاء تتوقف بها الحياة تماما بمجرد تهاطل أمطار غزيرة. شركة ليدك (فرع الفرنسية سويز) مثال صارخ عن هذا الفشل.

اكتفت شركة ليديك التي تتحمل مسئولية كبرى بطبيعة الحال في ماجرى، بالإضافة إلى السلطات المسؤولة عن مراقبتها، ببيان يثيم يتحدث عن أمطار استثنائية و هو ما يعد كذبا بحيث أن الشبكة من المفروض أن تتحمل أمطار تفوق التساقطات المعلنة أي 178 ملمتر في 24 ساعة.  كما أن التلويح بأن التساقطات الحالية تمثل 50 في المائة من التساقطات السنوية لا يمنع أن شبكة التطهير السائل بمدينة من حجم البيضاء يجب أن تكون لها القدرة على استيعاب أكبر التساقطات المسجلة في مدة تزيد عن عشر سنوات  crue décennale   حسب المعطيات التقنية و هو ما تطالب به حتى ليديك حتى في دفاتر التحملات التي تفرضها على الشركات العاملة معها  (2)

شركة ليديك التي استفادت من عقد التدبير المفوض لمدة 30 سنة منذ سنة 1997 على أطلال الوكالة المستقلة للماء و الكهرباء حيث قدمت نقسها أنداك كمنقذ للمدينة خاصة بعد الفيضانات التي عرفتها سنة  1996 خاصة بمنطقة الحبوس. اليوم و بعد مرور 13 سنة و استفادة الشركة من أموال طائلة من جيوب المواطنين عبر الزيادات المتتالية في فواتير الماء و التطهير الصحي، و الاستثمارات الكبيرة التي ما فتئ يتحدث عنها مسئولو الشركة و يرددها كالببغاوات مسئولو المدينة (حوض العاصفة bassin d’orageقرب منطقة عين شق، قنوات الصرف الكبرى émissaires ، …)، أظهرت هذه الكارثة أن المدينة مازالت تعاني من نفس المشاكل. و أن الاستثمارات المزعومة لم تكن بحجم ما تتطلبه إعادة هيكلة شبكة التطهير و توسيعها علما أن أن الفحص الذي أجري سنة 2007 خلص إلى أن الشركة تملصت من تنفيذ استثمارات تفوق 2.8 مليار درهم في الخمس السنوات الأولى كما ينص على ذلك دفتر التحملات (3).

للقطيعة مع أسباب الفشل المتكرر في تدبير قضايا الشأن العام ذات طابع وطني أو المحلي وجب طرح كل الأسئلة المحرجة و فتح المجال أمام كل الآراء و الابتعاد عن إجماع ما هو إلا تكميم للأفواه، يهدف في النهاية لتكريس وضع قائم يخدم مصالح حفنة من الطفيليين. نقاش قد يجنبنا فقدان أرواح الكادحين من مواطنينا سواء غرقا في فيضانات يمكن تجنبها أو حرقا في معامل تنعدم فيها أبسط شروط السلامة أو من شدة البرد في قرى تعيش عزلة تامة بالأطلس أو في صراع سياسي طال أمده و كلف المغاربة والصحراويين كثيرا.

البيضاء -02 دجنبر 2010
م.جواد و م.صلاح
(مناضلين أطاك المغرب عضو الشبكة العالمية من أجل إلغاء ديون العالم الثالث)

(0)   :  أنظر مثلا بيانات تنسيقية النازحين الصحراويين قبل الهجوم على المخيم على الموقع : http://jaridapress.blogspot.com/p/blog-page_3112.html

(1)     عرفت معظم النضلات الاجتماعية بالمغرب مؤخرا تدخلات قمعية أنظر في هذا المجال : نضالات سكان بنصميم للدفاع عن مائهم و أةأو نضالا عمال السميسي 850 بمدينة خريبكة للدفاع عن حقهم في الترسيم و التنظيم النقابي.

(2)     أنظر دفاتر التحملات على موقع شركة ليديك : www.lydec.ma

(3)  أنظر في هذا المجال تقرير الفحص الذي أجري سنة 2007 و تطرقت له مجموعة من الصحف الوطنية مثال جريدة الصباح بعنوان ” الخطايا الكبرى لمملكة جون بييرإرمونو” في عددها 2413 بتاريخ 12-13 يناير 2008  

 

زر الذهاب إلى الأعلى