الديون

حصيلة أولية ل20 فبراير : “هما يقولو هزمونا و احنا نقولو انتاصرنا”

مظاهرات 20 فبراير، فشلت ؟

رغم أن الإعلام الرسمي أعلن ليلة المظاهرات عن إلغائها من طرف المنظمين وهو ما يعد كذبا اعتاد المغاربة عليه من القنوات الرسمية الفاقدة لأية مصداقية أصلا، فإنه سارع بعد خروج الآلاف من المواطنين والمناضلين إلى الإشادة بالطابع السلمي للمظاهرات وحاول كعادته الاقتيات منها عبر التأكيد على أنها دليل على تمتع المغاربة بكافة الحريات ومن بينها حرية التظاهر. بطيعة الحال نسي أن يذكر المظاهرات التي تم قمعها والعديد من الشباب الذين تم اعتقالهم والتنكيل بهم  في البيضاء ومراكش ومدن أخرى قبل المظاهرات.

إذا كانت أهم الخلاصات التي فهمها المسئولون من هذه المظاهرات الشعبية وعبروا عنها في إعلامهم الرسمي، ألا وهي أن المغاربة يعيشون نعيم الحريات العامة في المغرب، فإن هذه المظاهرات، في اعتقادي، تكون قد فشلت حتى الآن في أحد أهدافها ورسائلها الأساسية كما عبر عنها الشباب في الأرضية الداعية للاحتجاج، أو بتعبير أدق فشلت في إقناع المسئولين بالتخلي عن سياسة النعامة والنزول من أبراجهم العالية للإنصات لنبض الشارع المغربي التواق للمزيد من الحريات شأنه في ذلك شأن باقي شعوب المنطقة.

سارع كذلك المخزن بكافة تمظهراته الإعلامية والسياسية بما في ذلك العديد من المتمخزنين القدماء والجدد من الأحزاب الإدارية والنيوإدارية للتصريح بأن هذه المظاهرات تؤكد حسبهم الاستثناء المغربي و اختلافه عن باقي بلدان المنطقة وخاصة تونس ومصر. وبالتالي استحالة إعادة سيناريو الثورتين بالمغرب. تكون بذلك مظاهرات 20 فبراير قد فشلت كذلك و لحد الآن في تذكير المسئولين بان الأوضاع الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية بالمغرب لا تختلف عن تلك التي كانت وراء ثورتي تونس ومصر بل أن بعضها خاصة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية أعمق وأشد تدهورا. فالخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة ونقل، والتي يشكل ضعفها إن لم نقل غيابها أحد أهم أسباب هذه الاحتجاجات. فهذه الخدمات تعرضت بالمغرب منذ بداية التسعينات لهجمة تفكيك، تحرير ثم خوصصة وتفويت قل نظيرها بالمنطقة سواء من ناحية الكم أو الكيف. كما أن عمليات التفويت هذه صاحبتها عمليات فساد ورشوة و استغلال للنفوذ لا تقل عن ما قامت به عائلة الطرابلسي في تونس أو عائلة مبارك وأحمد عز بمصر.
و رغم الطابع السلمي الذي ميز معظم المظاهرات، باستثناء بعض المناطق التي عرفت مواجهات وأعمال تخريبية تُطرح أسئلة عديدة حول هوية منفذيها، فقد ركزت وسائل الإعلام الرسمية على هذه الأحداث في محاولة منها لترويع المواطنين و تخويفهم. كما لم يتردد بعضهم في الخروج بخلاصة كان يتم الترويج لها حتى قبل 20 فبراير مفادها أننا كمغاربة غير ناضجين بما يكفي وأننا باختصار لسنا في مستوى الحريات التي تكرم الحاكمون بالسماح لنا بممارستها.

مظاهرات 20 فبراير، نجحت ؟

“الشعب يريد إسقاط الاستبداد”، “الشعب يريد إسقاط الفساد”، “الماجيدي سير بحالك المغرب ماشي ديالك”، بعض من الشعارات القوية والمتكررة التي رددها المتظاهرون في مختلف المظاهرات حيث نجح شباب 20 فبراير في تعميمها وإعادة تملك الشارع المغربي لمواضيع كانت إلى حد قريب من اختصاص النخبة والمثقفين في الصالونات الفكرية والسياسية كضرورة دستور ديمقراطي، حكام
يختارهم الشعب ويحاسبهم… كما عرفت بعض التظاهرات كتلك التي نظمت بساحة الحمام بالبيضاء عروضا فنية عبارة عن قصائد زجلية تتناول بعضا من المواضيع التي خرج من أجلها المواطنون وكذلك مجموعة من الشهادات المؤثرة لمواطنين ومواطنات يحكون عن معاناتهم اليومية وضيق حالهم ويحملون المسئولية للدولة.

نجحت مظاهرات 20 فبراير في تفنيد العديد من الأكاذيب الرسمية : التظاهرة ألغيت، المتظاهرون مخربون وأعداء الوطن، المتظاهرون أنصار البوليزاريو…

نجحت تظاهرات 20 فبراير كخطوة أولى لكسر حاجز الخوف الذي مازال يتملك العديد من مواطنينا نتيجة لسنوات من القمع والاعتقالات والجرائم التي ارتكبها نظام الحسن الثاني ويتم الترويج للطي النهائي لصفحاتها السوداء في حين أن بعض مرتكبيها مازالوا يشغلون حتى اليوم مناصب عليا وحساسة في السلطة.

نجحت 20 فبراير في إقناع عدد جديد وكبير من المواطنين ( 240 ألف حسب المنظمين) خاصة الشباب منهم وفي ظرف وجيز  بضرورة و جدوى مشاركتهم السياسية. المشاركة السياسية الحقيقية التي تمارس كل يوم و في كل مكان، في الشارع كما في المؤسسات، في المقهى كما في مكان العمل، في الحي أو في دار الشباب، و ليس المسرحيات البليدة والضعيفة الإخراج والأداء التي يدعوننا إليها كل خمس سنوات لتثبيت شرعية لمؤسسات يعلم الجميع أنه لا شرعية و لا سلطة لديها.

عرفت تظاهرات 20 فبراير كذلك، وباعتراف الدولة، انتشارا واسعا حيث عمت حسب وزارة الداخلية 53 عمالة وإقليم بالمغرب وهو عدد مهم لا أتذكر شخصيا كثيرا من الأحداث والمناسبات التي استطاعت استنفار هكذا عدد.

المهم هو ما سيأتي

إذن الحصيلة في اعتقادي تبقى أولية وتذكرني بالشعار المعروف الذي يرفعه المتظاهرون ” هما يقولو هزمونا و احنا نقولو انتاصرنا”. لكن الأهم يبقى في قدرة الشباب والمناضلين في الاستمرار في التعبئة والنضال حتى تحقيق المطالب التي حددوها.

من بين العوامل الأساسية لضمان استمرارية هذه التعبئة هناك في اعتقادي عاملين أساسيين  :
أولا نضج الحركات السياسية التي تطمح لتغيير راديكالي يتم انتزاعه عبر تعبئة الشارع ويصنعه المواطنون أنفسهم  وليس إصلاحات ترقيعية يتم التوصل إليها بتوافق مغشوش وبالتوسل للحاكمين من أجل الجود ومنح بعض التنازلات الشكلية سرعان ما يتم التراجع عنها عندما تتغير الشروط في المنطقة. والعشر السنوات الأخيرة خير دليل على هشاشة و ظرفية المكتسبات الممنوحة كما وضح ذلك علي عمار من خلال تجربته الشخصية ومراجعة تقديراته الأولى المتفائلة في كتابه “محمد السادس : سوء الفهم الكبير”.

هذا النضج يكمن في الاحترام التام لاستقلالية حركات الشباب وعفويتها ومطالبها والامتناع عن التحدث أو المفاوضة باسمها.

العامل الثاني هو الاحتياط من عملية شيطنة الحركات والجمعيات المناضلة والمكافحة التي تدعى بالحركات السياسية من جمعيات وأحزاب ومكاتب نقابية، والتي اصطفت منذ سنوات إلى جانب مصالح الكادحين وقدمت العديد من التضحيات لا ينكرها إلا جاحظ. و هناك مؤخرا حملة إعلامية خطيرة ضد هذه الحركات التي تتبنى معظمها مطالب حركة 20 فبراير بشكل شبه تلقائي لسبب بسيط هو أنها تناضل أصلا ومنذ سنوات من أجل معظم هذه المطالب في حين تصمت نفس الأفواه والأقلام التي تدعي الدفاع عن استقلالية الحركة أمام المحاولات المتعددة والمتنوعة لاحتواء الدولة والممخزنين القدامى والجدد لهؤلاء الشباب والتحدث باسمهم واستمالتهم مرة بالترغيب ومرة بالترهيب.

م.جواد
21/02/2011 البيضاء

زر الذهاب إلى الأعلى