الديون

نقاش في بعض أهداف وفرضيات قانون المالية

نقاش في بعض أهداف وفرضيات قانون المالية برسم سنة 2012 

جاء قانون المالية لهذه السنة في سياق الثورات التي شهدتها المنطقة المغاربية والعربية وبروز حركة 20 فبراير المطالبة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية.  ويندرج منح دستور جديد، لا يمس جوهر مرتكزات الدستور القديم، ضمن محاولات احتواء هذه المطالب. وهذا يسري أيضا على قانون المالية لهذه السنة الذي يندرج ضمن نفس خيارات التبعية، والخضوع لإملاءات المؤسسات الاقتصادية الدولية، والذي صوت عليه برلمان لا يمثل الإرادة الشعبية.  

بما أن أطاك المغرب هي جمعية من أجل التثقيف الشعبي، فإنه يُلقى على عاتقها المساهمة في تنوير الجماهير وتنبيههم إلى هذه المخططات الليبرالية التي تم تكريسها في قانون المالية،  وتوفير مادة تحليلية تساعد على تفكيك بنيان هذا القانون، والتسطير على مكمن قصور سياسات الدولة خصوصا في القطاعات الاجتماعية. وهذا ما سيتبين من خلال تحليل بعض الأهداف والفرضيات والأرقام التي تم الاعتماد عليها لإعداد ميزانية هذه السنة.

أولا: الأهداف التي بني عليها قانون المالية

تتمحور الأهداف التي أعلن عليها  قانون المالية لسنة 2012 حول النقط التالية[1] :

تفعيل الإصلاحات المؤسساتية وتوطيد مبادئ وآليات الحكامة.

توطيد أسس النمو القوي والمستدام في إطار ماكرو اقتصادي مُستقر.

تحسين ولوج المواطنين إلى الخدمات والمرافق الإنسانية في إطار سياسة اجتماعية    تضامنية.

* تفعيل الإصلاحات المؤسساتية وتوطيد مبادئ وآليات الحكامة الرشيدة. باعتبار أن الحكامة الجيدة مقرونة بحسن التدبير وترشيد استعمال الموارد، هناك عوائق عديدة تقف حاجزا في تحقيق هذه الأهداف، من بينها غياب الديمقراطية و سوء التدبير والرشوة. وتستوجب الحكامة وجود نظام ديمقراطي يسمح بالمحاسبة والمساءلة السياسية، وإلا سيكون الحديث عن الإصلاحات المؤسساتية  مجرد كلام للاستهلاك ومجرد”  إصلاحات”  لا تسمن ولا تغني من جوع.

* توطيد أسس النمو القوي والمستدام في إطار ماكرو اقتصادي مستقر. يطغى على الدولة هاجس تحقيق التوازنات الماكرو اقتصادية الكبرى على حساب تلبية الحاجيات الرئيسية للمواطنين.  فمعدل النمو المتوقع المقدر بـ 4,2%  جد متفائل وغير واقعي في سياق الأزمة العالمية، ومقارنة مع عديد من الدول الأوربية التي تعرف تراجعا كبيرا في معدلات نموها ، علاوة على أنه يظل غير كاف للرفع من مستوى دخل المغاربة وتقليص البطالة. وفي ظل نظام اقتصادي فاسد يغيب فيه توزيع عادل للثروات، لا يعني معدل نمو مرتفع أن البلاد حققت تنمية.

* تحسين ولوج المواطنين إلى الخدمات والمرافق الإنسانية في إطار سياسة اجتماعية تضامنية. تردد الدولة باستمرار بأنها تبذل مجهودا جبارا من أجل القطاعات ذات البعد الاجتماعي كالتعليم، والصحة، والسكن، والثقافة، إلخ. وتستعرض الدولة الأرقام التي تصرفها في هذه القطاعات. لكن رغم كل هذه الادعاءات، فإنه لا يجب أن ننسى –وكما قلنا سابقا- بأن قانون المالية هو أداة لتمرير الإملاءات الليبرالية. ومن هذا المنطلق، فهو يكرس الفقر، والتهميش، والبطالة، مادام يقوم على خيارات اقتصادية ومالية وحتى سياسية تمليها المؤسسات المالية والتجارية الدولية، والتي تشجع الخوصصة وتعمم هشاشة الشغل، إلخ، وتؤدي إلى تعميق الفوارق الاجتماعية، ولا تضمن لكافة المواطنين الاستفادة من الخدمات الأساسية على أحسن وجه، إلخ.

 

ثانيا: الفرضيات

علاوة على معدل النمو غير قابل التحقيق الذي تحدثنا عنه أعلاه، اعتمد قانون المالية على فرضيات أخرى منها:

–          متوسط سعر النفط الخام : 100 دولار للبرميل

–           استقرار مدا خيل السياحة الدولية وتحويلات المغاربة المقیمین في الخارج في المستويات المسجلة سنة 2011

–          انتعاش طفيف للاستثمارات الأجنبیة المباشرة ب%10  بعد الانخفاض الكبير ب %37,2 سنة 2011

–          إنتاج للحبوب لا يتجاوز 60 ملیون قنطار خلال الموسم الفلاحي الحالي

–          ….

تدل جميع المؤشرات على أن هذه الفرضيات غير قابلة للتحقيق هي ايضا، حيث ان معدل سعر النفط يسير وفق منحى تصاعدي (فاق 105 دولار للبرميل سنة 2011)، وأن نتائج الأزمة الأوروبية تصيب المهاجرين أولا، ثم الأوروبيين الذين لن تعود لديهم هوامش مالية للأسفار السياحية، وتقلص الاستثمارات الاجنبية. وفي ظل موسم فلاحي يتسم بالجفاف، لا يمكن بلوغ 60 مليون قنطار من الحبوب، الذي هو معدل الانتاج السنوي للمغرب.

إنها إذن فرضيات مغلوطة ستؤدي الى تعميق الاختلالات وتشديد الاجراءات التقشفية واحتداد الأزمة.

 

ثالثا: مداخيل الميزانية العامة

تُقدر مداخيل الميزانية العامة لهذه السنة ب 255.96 مليار درهم. تتشكل مداخيل الميزانية من المداخيل العادية، وهي مجموع المداخيل الجبائية التي تُمثل % 67 من مجموع المداخيل و المداخيل الغير الجبائية  % 8   ، بالإضافة إلى القروض%  25 .

1-    المداخل الجبائية:

تضم كل أنواع الضرائب، المباشرة والغير المباشرة بالإضافة إلى الرسوم الجمركية ورسوم التسجيل والتمبر، وتُقَدَر مجموع المداخيل الجبائية لهذه السنة ب 170.72  مليار درهم .

أ‌-     الضرائب المباشرة: بلغت مجموع الضرائب المباشرة 73.4 مليار درهم و تُمثل % 43 من مجموع المداخل الجبائية، وتتشكل أساسا من الضريبة على الدخل ب28.9 مليار درهم، ومن الضريبة على الشركات ب 41.5 مليار درهم. وتبقى الضريبة على الدخل الضريبة الأساسية التي يؤديها الأجراء وتقتطع عند المنبع، لذلك لا يمكنهم الغش أو التهرب كما هو الشأن بالنسبة للضريبة على الشركات.

ب‌-    الضرائب غير المباشرة: تقدر ب 75.6 مليار درهم وتمثل %44.3 من مجموع المداخل الجبائية،

وتحتل الضريبة على القيمة المضافة TVA المرتبة الأولى في الضرائب الغير المباشرة وفي كل أنواع الضرائب، بحيث تُقدر ب 53.5 مليار درهم. ومن أهم المؤاخذات على الضريبة على القيمة المضافة هو أنها لا تفرق بين الغني والفقير.

ج- الرسوم الجمركية: تقدر ب 9.9 مليار درهم، وتتراجع قيمة هذه الرسوم من سنة إلى أخرى بسبب املاءات الاتفاقيات الدولية في إطار اتفاقيات التبادل الحر.

د- واجبات التسجيل والتنبر: تقدر قيمتها هذه السنة ب 71.75 مليار درهم.

2-    المداخيل غير الجبائية:

بلغت المداخيل الغير الجبائية 19,5 مليار درهم أي ما يُعادل % 8 من مجموع الموارد، و تتوزع هذه الموارد على الشكل التالي :

–  مداخيل الاحتكارات و الإستغلالات و المُساهمات المالية للدولة 11,3 مليار درهم،

– حصيلة تفويت مُساهمات الدولة بمعنى مداخيل الخوصصة 3,2 مليار درهم،

–  موارد أخرى 5 مليار درهم.                                                                                                                                                      

3-    القروض:

إذا ما انخفضت عائدات احتكارات الدولة ومساهمتها وتراجعت الرسوم الجمركية بمقتضى إبرام اتفاقيات التبادل الحر وتراجعت عائدات الخوصصة من سنة لأخرى لأن الدولة لم تعد تجد ما تبيعه،  فإن الحل الذي يبقى هو اللجوء إلى مزيد من القروض، بحيث بلغت مداخيل قروض ميزانية هذه السنة 64.5 مليار درهم.

رابعا: توزيع نفقات الميزانية العامة

لم تعرف مصاريف الميزانية العامة تغيرا كبيرا بالمقارنة مع توزيع مصاريف السنة الماضية. حيث ظلت ميزانية التسيير تستأثر بحوالي ثلثي الميزانية العامة وهو ما يعادل 187.8 مليار درهم أي %65 من النفقات تذهب للتسيير مقابل %63 في 2011.

أما نفقات الاستثمار، فاحتلت المرتبة الثانية ب %20 أي 59.13 مليار درهم مقابل %22 من مصاريف الاستثمار في السنة الماضية. من خلال القيام بالمقارنة بسيطة يتضح أن حكومة بنكيران قامت بالتخفيض من ميزانية الاستثمار وأضافتها لميزانية التسيير، وهذا الإجراء من الأخطاء الفادحة لأنه للدفع بالاقتصاد يجب الرفع من ميزانية الاستثمار و ليس العكس.

في حين خُصصت %15 المتبقية من مجموع النفقات أي 42.7 مليار درهم لتسديد الديون وفوائدها.

تتوزع ميزانية التسيير المُقدرة ب187,84 مليار درهم على الشكل التالي:

–  93,51 مليار درهم نفقات المُوظفين

–   35,74 مليار درهم نفقات التي تهم الأجهزة و النفقات المُرتبطة بالتسيير

–   45,53 مليار درهم دعم الأسعار المواد الأساسية

–   13,06 مليار درهم للتحملات الاجتماعية.

إذا ما قمنا بالمُقارنة مع أرقام ميزانية 2011 فإنه سيتبين لنا بأن ميزانية 2012 هي استنساخ لميزانية السنة الماضية. التعديل الأساسي الذي قامت به هذه الحكومة هو إضافة 15 مليار لصندوق المقاصة. هذا الصندوق الذي قيل عنه الكثير، فمن المفروض فيه أنه يدعم المواد الغذائية الأساسية قصد مساعدة الفقراء و أولئك الذين يوجدون في وضعية هشة. لكن في الواقع نجد أن الفئات المُعوزة لا تستفيد إلا ب %15 من مجموع ميزانية صندوق المقاصة أي أن %85 من ميزانية هذا الصندوق تستفيد منها الطبقة الميسورة و شركات تُحقق أرباحا طائلة كما أنه لا يخضع للمُراقبة و يعرف فوضى في التسيير[2].

 

ويتخذ الليبراليون ذلك حجة للهجوم على صندوق المقاصة لاجل الغائه ،موهمين الكل انه بنظام الدعم المباشر سيتم الحفاظ على القدرة الشرائية للفقراء دون ان يتم تحميل الميزانية اوزارا لا قبل لها بها،ولا حديث عن مخصصات النهب و ترسانة القمع و مصاريف البذخ.

على من يذرف دموع التماسيح على ارتفاع تكاليف المقاصة ،بسبب الاغنياء ، ان يقترح الصيغة الاكثر نجاعة و شفافية:الضرائب التصاعدية.و على من يتباكى على فوضى التسيير و النهب المتواصل ان يقترح اشكالا للرقابة الشعبية المواطنة….  

 

لم يخرج قانون المالية الحالي عن النهج الذي تُسطره السياسات الاقتصادية الليبرالية اللاشعبية، فهو يكاد يكون نسخة طبق الأصل للقانون السابق كما أنه يُعمق الفقر و البطالة، و لا يضمن العيش الكريم لكافة المُواطنين، لأن السياسات التي يتبعُها تُكرس منطق التبعية و سوف تُؤدي إلى حرمان فئات واسعة من حقها المشروع في خدمات عمومية جيدة و مجانية. فالمطلوب  هو الخروج من هذه النمطية و هذا القالب الذي يُحدد الخطوط العريضة التي تُبنى عليها قوانين المالية التي تحتاج الى تغيير جذري و ليس مُجرد القيام بتغييرات سطحية هنا و هناك.

و بناءا على كل ذلك فإننا نُطالب ب:

  1. 1.     وقف سداد الديون لأن ميزانية خدمة الدين ( فوائد + حصة الدين الأصلي) تمتص سنويا أكثر من ثلث ميزانية الدولة، لأن ثقل المديونية يُشكل عائقا أمام أي تنمية بشرية واجتماعية حقيقية، و لأن تسديد هذا الدين غير المشروع أصلا يُعمق تدهور الأوضاع المعيشية لفئات عديدة من الشعب مما يحكم على بلدنا بمزيد من التخلف و التبعية. وفي هذا السياق،  نطالب بإجراء تدقيق للديون لها و بإلغاء كل الديون الغير المشروعة.      
  2. 2.     فرض ضريبة على الثروة و خاصة الثروات الكبرى. هنالك الكثير مما يُقال حول مصدر الثروات التي تجمعت لدى بعض الأشخاص، فعلى الأقل يجب أن يتم إخضاعهم للضريبة و هنالك مُبررات لفرض هذه الضريبة باسم التضامن أو التكافل الاجتماعي بحيث أن التضامن الحقيقي لا يتجلى في توزيع الحريرة خلال شهر رمضان بل يتطلب إخضاع الأثرياء للضريبة [3].         
  3. 3.     تخفيض ميزانيات بعض الوزارات كوزارة الداخلية و الدفاع  للرفع من ميزانيات الصحة و التعليم و السكن لتحسين ولوج المُواطنين الى الخدمات و المرافق الأساسية مع التأكيد على مجانية وجودة الخدمات العمومية كما يجب وضع اجراءات صارمة لمُحاسبة كل من يُبذر المال العام.   
  4. 4.     إصلاح النظام الضريبي: تؤدي السياسات الضريبية التي يشهدها المغرب الى تكريس المزيد من الفوارق.  44,3 بالمائة من المداخيل الجبائية تأتي من الضريبة على القيمة المُضافة TVA و هي ضريبة تُفرض بشكل غير عادل لأنها لا تُميز بين فقير و لا غني، كما يتم إثقال كاهل المأجورين و الشرائح الدنيا، في حين تُقدم الدولة اعفاءات و تحفيزات ضريبية للشركات مما يَحْرم مداخيل الميزانية من مداخيل كفيلة بالتقليص من عجز الميزانية و من المديونية. فكيف يُعقل أن يُعفى كبار الفلاحين و أصحاب الضيعات الشاسعة و الذين يُراكمون ثروات طائلة من التصدير، في حين يدفع العاملون الذين يشتغلون في هذه الضيعات الضرائب على أجورهم الهزيلة. لهذا السبب يجب فرض ضريبة  فلاحيه مع اعفاء الفلاحين الفقراء و العمال الزراعيين.        

———————————–

[1] – حسب التقرير الاقتصادي والمالي لقانون المالية 2012   

[2] – عشر حقائق صادمة عن صندوق المقاصة تاريخ النشر: الخميس 8 ماي/أيار 2008

[3] –     أنواع الضرائب في المغرب. البرساوي كورة   2008/05/19

 

                                                                               رشيدة الشريف

                                                                               30 ماي 2012

 

زر الذهاب إلى الأعلى