الديون

موارد الدولة في قوانين المالية : موارد تقوم أساسا على الضرائب والديون

موارد الدولة في قوانين المالية : موارد تقوم أساسا على الضرائب والديون

ميزانية 2012 نموذجا

أرقام الميزانية

تبلغ الموارد الاجمالية لميزانية الدولة برسم سنة 2012 ما قدره 314,51 مليار درهم وتتوزع على النحو التالي:

 

بيان الموارد

المبلغ (مليار درهم) 

الميزانية العامة

255,96

مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة

2,65

الحسابات الخصوصية للخزينة

55,90

المجموع

314,51

تمثل الميزانية العامة أكثر من 81% من الموارد، ويلخص الجدول التالي تطور مداخيلها على مدى السنوات الثلاث الاخيرة حسب الأصناف:

 

تطور موارد الميزانية العامة (مليار درهم)

سنة 2010

سنة 2011

سنة 2012

بيان موارد الميزانية العامة

المبلغ

المبلغ

النسبة المئوية

المبلغ

65,39

66,93

27,93

71,48

الضرائب المباشرة والرسوم المماثلة

12,03

12,78

4,72

12,07

الرسوم الجمركية

60,96

67,68

29,54

75,62

الضرائب غير المباشرة

11,69

12,28

5,35

13,69

رسوم التسجيل والتمبر

150,07

159,67

67 ,54

172,86

مجموع الضرائب

0,32

0,34

0,18

0,46

عائدات أملاك الدولة

9,34

10,22

4,45

11,39

عائدات مؤسسات الاحتكار والاستغلال

والمساهمات المالية للدولة

50,15

54,2

25,67

65,7

موارد الاقتراضات والهبات

4

0

1,25

3,2

موارد تفويت مساهمات الدولة (الخوصصة)

2,17

2,07

0,92

2,35

موارد أخرى

216,05

226,5

100,00

255,96

المجموع  العام

 

المواطنين المستهلكين وصغار المنتجين والأجراء هم من يتحملون أعباء الثقل الضريبي

تبلغ موارد الميزانية العامة من الضرائب حوالي 173 مليار درهم وهو ما يمثل نسبة 68%، يتكون أكثر من نصفها من موارد الضرائب غير المباشرة ورسوم التسجيل والتمبر (88 مليار درهم)، أي من ضرائب مرتبطة بالاستهلاك الشعبي. وهذا القسط ما فتأ يرتفع على مدى السنوات الأخيرة خصوصا وأن العوائد الجمركية أي الضرائب على التجارة الخارجية تتقلص بشكل كبير من جراء تدابير التفكيك الجمركي المرتبط اساسا باتفاقيات التبادل الحر.

 

أما موارد الضريبة المباشرة فتبلغ 72 مليار درهم تشكل منها الضريبة على الشركات نسبة 60% والضريبة العامة على الدخل بنسبة 40% يأتي ثلاثة أرباعها من الرواتب والأجور . إلا أن الضريبة على الشركات تتحملها بالخصوص المؤسسات العمومية الكبرى خصوصا منها المكتب الشريف للفوسفاط واتصالات المغرب وبنك المغرب وصندوق الايداع والتدبير. وتبقى حصة المقاولات الخاصة ضعيفة نسبيا حيث أن  ثلثي المقاولات تقدم حسابات عاجزة، وفقط حوالي 100 مقاولة تساهم بنسبة 80% من الضرائب، علما أن المقاولات استفادت بنسبة 43,4 %  (أي حوالي 14 مليار درهم) من الاستثناءات الضريبية (أو ما يسمى النفقات الجبائية) التي بلغ مجموعها 32  مليار درهم حسب تقييمات سنة 2011. وهذا ما يعني أن المواطنين المستهلكين وصغار المنتجين والأجراء هم من يتحملون أعباء الثقل الضريبي بشكل رئيسي.

 

المديونية ترهن مالية الدولة وتعوق التنمية

تشكل القروض حوالي 26% من موارد الميزانية العامة (65 مليار دولار)، وتأتي بشكل رئيسي من الاقتراض الداخلي بنسبة 70% (45 مليار درهم) والاقتراض الخارجي بنسبة 30%  (20 مليار درهم)، وهو نفس معدل السنوات الأخيرة بنسبة 80% من الداخل وبنسبة 20% من الخارج.

خلال سنتي 2009 و2010 بلغت موارد الدين العام أكثر من 50 مليار درهم، جلها موجه لتمويل عجز ميزانية التسيير عوض أن يتم استخدامها لتمويل الاستثمار المنتج للثروة ولمناصب الشغل كما هو مفترض.

وخلال سنة 2011 فاقت موارد الاقتراض وتمويل الميزانية عبر الدين العام 54 مليار درهم. ويمثل مجموع الدين العمومي حاليا أكثر من 60 في المائة من الناتج الداخلي الخام PIB حيث يبلغ 533 مليار درهم منه 384 مليار درهم على صعيد الخزينة العامة و149 مليار على صعيد المؤسسات العمومية.

وفي إطار السعي إلى تمويل العجز الكبير الحاصل في العملة الصعبة، تتضمن الميزانية اقتراضا في السوق المالية الدولية لمبلغ 20 مليار درهم (سبق أن اقترضت أكثر من 11 مليار درهم في مرة سابقة). فالإيرادات المالية بالعملة الصعبة التي تأتي من السياحة (حوالي 60 مليار درهم) والعمال المغاربة المقيمين بالخارج (55 مليار درهم) لم تعد تكفي لتغطية العجز التجاري المتفاقم، حيث أن المغرب يستورد ضعف ما يصدره مما يؤدي الى استنزاف احتياطه من العملة الصعبة. كما أن ارتفاع أسعار مبيعات الفوسفاط (48 مليار درهم) شديدة التقلب لا يمكنها أن توازن انخفاض الطلب الأوروبي وارتفاع أسعار النفط والمنتجات الغذائية  التي يزداد حجم استيرادها.

سيزداد وزن الديون في الميزانية العامة وستستتبعها نفقات باهظة (خدمة الدين) بشكل يرهن مالية الدولة ويعوق الاستثمار ويحول دون تنفيذ المشاريع الضرورية لتنمية البلد. فليست هناك تنمية مع استمرار المديونية.

 

موارد الخوصصة  لتمويل الرأسمال

لم تتضمن ميزانية سنة 2011 موارد الخوصصة رغم أنها قاربت 6 مليار درهم آتية من بيع نسبة 20% من البنك المركزي الشعبي وشركة أملاح المحمدية. لقد وزعت مناصفة على صندوق الحسن الثاني للتنمية وصندوق دعم الاستثمار

المخصصان لتشجيع الاستثمار الرأسمالي عبر توفير البنيات التحتية والرصيد العقاري، إلخ. وهذا ما جعل بنك المغرب يستبعد موارد الخوصصة من توقعاته.

وتبقى الخوصصة موردا أساسيا حيث وضعت الدولة لائحة من بينها  شركة تسويق الفحم ومصنع الأجور والقرميد لشمال افريقيا وشركة المنتوجات البيولوجية والبيطرية والشركة الوطنية لتسويق البذور، إلخ. ويبدو أن الأزمة ستدفع في اتجاه تسريع تفكيك شركات استراتيجية كالمكتب الشريف للفوسفاط والمكتب الوطني للسكك الحديدية والخطوط الملكية المغربية، إلخ. وهكذا سنقلص المسافة التي تفصلنا عن وضعية الافلاس التي بلغتها اليونان حاليا أو الأرجنتين سابقا حيث لم يعد لدى الدولة ما تبيعه وتعيش وضعية عجز مزمن  يخضعها لإجراءات شديدة التقشف من طرف المؤسسات الاقتصادية الدولية.

 

الخيارات الليبرالية هي مصيبتنا

لقد أكدنا مرارا في جمعية أطاك المغرب على أن الخيارات الليبرالية التي تفرضها المؤسسات الاقتصادية الدولية هي تعوق تنمية بلدنا وتزيد من البطالة والفقر. فالمديونية تؤدي الى ترحيل الثروات ، وتلغي اتفاقية التبادل الحر الحواجز الجمركية لتغرق السوق المحلية بمنتوجات أجنبية رخيصة تدمر القطاعات الانتاجية المحلية الهشة أصلا، وتمنح الخوصصة محافظ الشركات العمومية وشبه العمومية للرأسمال كما يمنحه التدبير المفوض الخدمات العمومية المحلية. ويفرض علينا ارتهاننا بالأسواق الاجنبية الارتكاز على تصدير المواد الأولية الخام  وبعض المنتوجات شبه الصناعية والفلاحية الثانوية، في حين نستورد مواد استهلاكنا الغذائي الرئيسية كالقمح والسكر والزيت والحليب.

هذه السياسات تؤدي الى تقليص الموارد وتعميق التبعية البنيوية في كافة المجالات المالية والتقنية والتجارية والصناعية والغذائية، إلخ، وهو أمر سيزداد تفاقما في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية.

 

الأزمة العالمية  ستفاقم أزمة موارد الدولة وستوسع عجز الميزانية

حددت التوقعات الرسمية المتفائلة معدل نمو الناتج الداخلي الخام في حدود 4% وهي نسبة ضئيلة إذا افترضنا أن الاقتصاد المحلي يحتاج إلى نمو يفوق 7%  لكي تزداد الاستثمارات العمومية وتتقلص المديونية الخارجية. كما حددت عجز الميزانية

في حدود 3% من الناتج الداخلي الخام  (مبلغ 32.25 مليار درهم)، علما أن سنة 2011 شهدت عجزا فاق نسبة 7%  (50 مليار درهم) بعد أن كان في حدود 28 مليار درهم سنة 2010. تقربنا هذه الأرقام من أزمة الثمانينات التي أدت إلى برامج  التقويم الهيكلي.

وضعت مندوبية التخطيط توقعات للاقتصاد المغربي وفق نفس فرضيات قانون المالية المتفائلة:

 

–           التكلفة الإجمالية للاستثمارات المبرمجة في إطار الاستراتيجيات القطاعية المعلنة، أي تقريبا 300 مليار درهم خلال الفترة 2011-2015، أي 60 مليار درهم كمعدل سنوي،

–          المحافظة على نفس المعدلات الضريبية المتوقعة بالنسبة للناتج الداخلي الإجمالي،

–          انخفاض طفيف لنسبة حقوق الجمارك بالنسبة للواردات،

–          اعتماد نسبة ثابتة بين الضرائب غير المباشرة وباقي المداخيل بالنسبة للناتج الداخلي الإجمالي،

–          زيادة نفقات التسيير بنفس الوتيرة المسجلة بين 2005 و2011،

–          استقرار التحويلات الواردة من الخارج ( مداخيل الاستثمارات والتحويلات) في حوالي 7,5% من الناتج الداخلي الإجمالي، كمتوسط سنوي في أفق 2015،

–          يفترض أن يصل المتوسط السنوي لسعر النفط إلى 100 دولارا للبرميل، في حين لن تعرف أسعار الفائدة العالمية تغييرات مهمة،

–          ستمثل الاستثمارات الأجنبية المباشرة 3% من الناتج الداخلي الإجمالي.

 

وفي هذا الإطار، تتوقع مندوبية التخطيط أن يصل المتوسط السنوي للنمو الاقتصادي، خلال الفترة 2011-2015 نسبة 5,5% .  وسيعرف معدل المبادلات الخارجية تدهورا حيث سيصل عجز الموارد إلى 14,2%  من الناتج الداخلي الإجمالي كمتوسط سنوي خلال الفترة 2011-2015. كما سيؤدي ارتفاع النفقات العمومية (التسيير والاستثمار)، والتراجع المرتقب للمداخيل الجبائية، إلى تفاقم عجز الميزانية، ليصل إلى 6,3% سنة 2015، أي ما يعادل حوالي 70 مليار درهم عوض 50 مليار سنة 2011. وفي هذه الظروف، سيرتفع إجمالي الدين العمومي المباشر بحوالي 7 نقط بالنسبة المئوية من الناتج الداخلي الإجمالي ليصل إلى 60% سنة 2015 وسيبلغ إجمالي الدين العمومي المباشر حوالي 656 مليار درهم في أفق سنة 2015.

وعلى مستوى المالية الخارجية، لن تكون التحويلات كافية لتغطية تفاقم عجز الموارد، وسيواصل الرصيد الجاري لميزان الآداءات تدهوره، لينتقل العجز من 6,6% من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2011 إلى 8,5% سنة 2015. ومن أجل تغطية هذا العجز، وعلى أساس الفرضية المعتمدة بالنسبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة التي يتوقع أن تصل إلى 3% من الناتج الداخلي الإجمالي، فإن مستوى الدين الخارجي سيصل إلى 37,1% من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2015. وسيؤثر هذا التطور على مستوى الاحتياطيات من العملة الصعبة التي ستمثل فقط 3,8 أشهر من الواردات من السلع والخدمات سنة 2015.

أما السيناريو الحقيقي  فهو الذي نعتته مندوبية التخطيط بالسياق الدولي الصعب، وتوقعت أن يسجل فيه العجز الإجمالي للميزانية مستويات عالية ليصل إلى 8,9% من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2015 أي مبلغ 100 مليار درهم، في حين سيتفاقم عجز الحساب الجاري الخارجي ليبلغ 10% من الناتج الداخلي الإجمالي، مما سيؤثر على المالية الخارجية وعلى مكانة المغرب في الأسواق العالمية لرؤوس الأموال.

 

الفئات الشعبية هي التي تتحمل التكاليف

تركز الدولة على مقولة تدعيم الاستثمار للتخفيف من أعباء الأزمة، وهو ما يعني منح المزيد من التشجيعات للرأسمال الكبير المحلي المرتبط بمصالح الرأسمال العالمي وتقوية الهجوم على مكاسب الفئات الشعبية، أي إغناء الأثرياء وافقار المعوزين. إنه توزيع غير عادل للثروات في ظل نظام استبدادي يواصل تطبيق مخططات ترهن سيادة البلاد بإملاءات المؤسسات الاقتصادية الدولية والتي يصادق عليها برلمان الاغنياء الفاقد لأي شرعية شعبية. وهذ ما يكشف عنه بجلاء واقع البطالة التي تكتسي طابعا جماهيريا وتصيب الشباب المتمدرس وانعدام فرص التشغيل، وتعميم الفقر وتوسيع الهشاشة بشكل كبير، هذا في الوقت الذي تتسع فيه مظاهر مستفزة للفساد ونهب المال العام وتهريبه للخارج واستنزاف ثروات البلد في أعمال المضاربة والتهريب.

إن استفحال التبعية بجميع أشكالها السياسية والتجارية والمالية والاقتصادية والتقنية والعسكرية هو الذي يرهن اقتصاد البلد، ويجعله عرضة للصدمات الاقتصادية التي تهز الاقتصاد الرأسمالي العالمي، وبخاصة تلك التي تضرب الاتحاد الأوروبي.

لا حل لمعضلة الاقتصاد الرأسمالي التابع المتخلف دون القطع مع ارتهانه بالإمبريالية ومصالحها. هذا ما يجعل مهام فك الارتباط بالإمبريالية وبناء اقتصاد وطني قوي مرتكز على السوق الداخلية وفق حاجيات السكان الحقيقية وعلى تطوير الصناعة المحلية وإنجاز إصلاح زراعي حقيقي، مهاما راهنية وملحة. و لن يتأتى هذا سوى بالمقاومة والنضال والكفاح الحازم.

 

عمر ازيكي

زر الذهاب إلى الأعلى