الديون

مشروع قانون المالية برسم سنة 2013 احتداد مأزق الخيارات النيو- ليبرالية في سياق الأزمة الرأسمالية العالمية

مشروع قانون المالية برسم سنة 2013

احتداد مأزق الخيارات النيو- ليبرالية في سياق الأزمة الرأسمالية العالمية

 

بقلم أزيكي عمر. الكاتب العام لجمعية أطاك المغرب

 

  1. 1.    ميزانية الدولة تمولها الضرائب والديون

تبلغ الموارد الاجمالية لميزانية الدولة برسم مشروع قانون المالية لسنة 2013 ما قدره 345,91 مليار درهم، وتتوزع على النحو التالي:

 

بيان الموارد

المبلغ (مليار درهم) 

الميزانية العامة

283,50

مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة

3,09

الحسابات الخصوصية للخزينة

59,31

المجموع

345,9

                                                                       المصدر: وزارة المالية.

تمثل الميزانية العامة حوالي 82% من الموارد الإجمالية، ويلخص الجدول التالي تطور مداخيلها على مدى السنوات الثلاث الأخيرة حسب الأصناف:

 

تطور موارد الميزانية العامة (مليار درهم)

مشروع سنة 2013

سنة 2012

سنة 2011 

سنة 2010 

بيان موارد الميزانية العامة 

النسبة المئوية

المبلغ

المبلغ

المبلغ

المبلغ

27,35

77,54

73,41

66,93

65,39

الضرائب المباشرة والرسوم المماثلة

3,19

9,07

9,89

12,78

12,03

الرسوم الجمركية

27,84

78,93

75,62

67,68

60,96

الضرائب غير المباشرة

4,88

13,84

11,75

12,28

11,69

رسوم التسجيل والتمبر

63,27 

179,38

170,67

159,67

150,07

مجموع الضرائب

0,16

0,46

0,46

0,34

0,32

عائدات أملاك الدولة

4,43

12,58

11,38

10,22

9,34

عائدات مؤسسات الاحتكار والاستغلال

والمساهمات المالية للدولة

30, 30

85,89

65,7

54,2

50,15

موارد الاقتراضات والهبات 

0

0

3,2

0

4

موارد تفويت مساهمات الدولة (الخوصصة)

1,82

5,18

4,53

2,07

2,17

موارد أخرى

100,00

283,5

255,96

226,5

216,05

المجموع  العام

                                                                             المصدر: وزارة المالية.                                                                             

هكذا إذن، تشكل الضرائب المصدر الأول لموارد الدولة برسم مشروع قانون المالية لسنة 2013 بنسبة 63,27% (179,38 مليار درهم). وتمثل منها الضرائب المباشرة وغير المباشرة، نسبة 95%، فيما تبقى حصة الرسوم الجمركية، أي الضرائب على التجارة الخارجية، ضعيفة، علاوة على أنها تميل إلى الانخفاض من سنة إلى أخرى، وذلك من جراء تدابير التفكيك الجمركي المرتبط أساسا باتفاقيات التبادل الحر وبتوصيات المؤسسات المالية الدولية لتحرير التجارة الخارجية.

 

 

 

 

 

 

1.1.        أعباء الثقل الضريبي يتحملها المستهلكون والأجراء

تمثل الضرائب المرتبطة بالاستهلاك الشعبي الواسع (الضرائب غير المباشرة، ورسوم التسجيل والتمبر) أكثر من نصف العائدات الضريبية بمبلغ 92,77 مليار درهم، وهي ما فتأت ترتفع، حيث زادت بنسبة 27,69% مقارنة مع سنة 2010.

أما موارد الضريبة المباشرة التي تبلغ 77,54 مليار درهم، فتتشكل:

 أولا، من الضريبة على الشركات بنسبة 54,84%، وتتحمل المؤسسات العمومية الكبرى قسطها الأكبر، في حين تبقى حصة المقاولات الخاصة ضعيفة نسبيا علما أنها تحظى برعاية الدولة عبر الإعانات والإعفاءات (الزراعة، النسيج، إلخ). فقد استفادت من حوالي 22 مليار درهم برسم تقييمات سنة 2012، أي 60,5% من الاستثناءات الضريبية (أو النفقات الجبائية) التي بلغ مجموعها أكثر من 36  مليار درهم[1]. و هذا الرقم لا يعكس حقيقة حجم التملص الضريبي الذي يعد سلوكا سائدا لدى كبار أثرياء المغرب في ظل دولة ينخرها الفساد والنهب.

وثانيا، من الضريبة العامة على الدخل بنسبة 42,48%، التي تتشكل ثلاثة أرباعها من الرواتب والأجور، والتي تقتطع مباشرة من المنبع.

فالمستهلكون والأجراء، إذن، هم من يتحملون أعباء الثقل الضريبي، ويعانون ويلات الفقر والهشاشة الناتجة عن إجراءات التقشف التي تفرضها ضرورة استرداد الديون.

 

2.1. تضخم المديونية العمومية يلغي السيادة الوطنية

تحتل الديون (من غير الهبات) المرتبة الثانية في تمويل الميزانية العامة للدولة برسم مشروع قانون المالية لسنة 2013، وتمثل منها نسبة 26,31% (74,6 مليار درهم، وتأتي بشكل رئيسي من الاقتراض الداخلي بنسبة 64,34% (48 مليار درهم)، والاقتراض الخارجي بنسبة 35,65%  (26,6 مليار درهم).

إلا أن المديونية العمومية للمغرب (الداخلية والخارجية) تضخمت بشكل خطير في السنوات الأخيرة، خصوصا منذ اندلاع الأزمة العالمية في سنة 2008، حيث ارتفعت بنسبة 1% درهم مقارنة مع سنة 2007، ثم بـ 7,5% سنة 2009، و11,4% في 2010، و12% سنة 2011. ومن المتوقع أن تتجاوز المديونية سقف 600 مليار درهم مع نهاية 2012 حسب التوقعات، وأن تقارب 75% من الناتج الداخلي الخام. وهذا ما يعني أن ثلاثة أرباع الثروة المنتجة بالمغرب مرهونة لصالح المؤسسات المالية الدولية (البنك العالمي وصندوق النقد الدولي) التي تمثل 52% من الديون العمومية الخارجية، والبلدان الأوروبية (25%)، والبنوك التجارية والأسواق المالية (10%)، ثم البنوك التجارية المحلية والرأسماليين الكبار. فقد احتد ارتهان البلد بقرارات جميع هؤلاء الدائنين الذين يفرضون مشيئتهم لضمان تسديد ديونهم واسترجاع أرباح استثماراتهم. وبالتالي، فلا سيادة وطنية في ظل المديونية.

 

                   جدول تطور جاري الدين العمومي (مليار درهم)

السنة

2006

2007

2008

2009

2010

2011

يونيو2012

الدين الخارجي

115,2

122,3

134,2

152,2

173,4

189,5

191,57

الدين الداخلي

277,6

274,5

266,3

278,3

305,8

346,8

377,58

المجموع

392,8

396,8

400,5

430,5

479,2

536,3

569,15

                                                المصدر: وزارة المالية.

 

 

 

يعود هذا التضخم الكبير لحجم المديونية بشكل أساسي إلى تقلص الإيرادات المالية بالعملة الصعبة بسبب الأزمة الرأسمالية العالمية، حيث تقلص الطلب على واردات المغرب الرئيسية وتراجع أسعارها، وزادت قيمة صادراته الأساسية (مواد الطاقة، المواد الغذائية، إلخ)، ثم ارتفاع نسبة الفوائد في الأسواق المالية العالمية، علاوة على تهريب الرساميل ونهب المال العام.

 

  1. 2.     ترحيل الثروات بشكل إلى الخارج

1.2. عبر التبادل اللامتكافئ

ارتكزت جميع سياسات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي التي طبقتها الدولة المغربية منذ بدايات برامج التقويم الهيكلي، في أوائل الثمانينات، على التصدير وإلغاء الحواجز أمام دخول السلع والرساميل الأجنبية لتحفيز النشاط الاقتصادي وتنمية مصادر العملة الصعبة. لكن الحصيلة العملية أثبتت الفشل الذريع لهذه السياسات، وعمقت الأزمة الرأسمالية العالمية بجلاء مأزقها. وهذا ما يكشف عنه تطور الميزان التجاري الذي بدأ يتدهور بشكل كبير منذ سنة 2007، حيث نجد أن أثمان صادرات المغرب الرئيسية تنخفض في الأسواق العالمية (10% سنة 2011 مقارنة مع سنة 2010 بالنسبة للطماطم والخضراوات، 8% بالنسبة للحوامض، إلخ)، في حين ترتفع أسعار وارداته بشكل كبير (مواد الطاقة أكثر من 32%، القمح 27%، إلخ)، ولم تعد الصادرات تغطي حتى نصف واردات البلد.

إن الرصيد التجاري السلبي يعكس بشكل واسع آلية ترحيل القيم إلى الخارج من خلال التبادل غير المتكافئ، حيث يصدر المغرب منتجات أولية وبعض المنتوجات شبه الصناعية والفلاحية الثانوية تتضمن ساعات عمل تفوق بكثير تلك التي يستوردها من البلدان المصنعة ذات المردودية العالية، علاوة على كونها مدعمة بشكل كبير.

 

 

 

 

           جدول تطور الميزان التجاري (بمليار درهم)

السنة

2006

2007

2008

2009

2010

2011

الواردات

210,55

261,28

326,04

263,98

297,96

357,98

الصادرات

111,97

125,51

155,73

113,02

149,58

173,97

الرصيد

-98,57

-135,77

-170,30

-150,96

-148,38

-184,00

معدل التغطية %

53,2

48,0

47,8

42,8

50,2

48,6

 

المصالمصدر: مكتب الصرف.

 

 

 

سنسوق هنا مثاليا دالين يعكسان بشكل جلي العجز التجاري الذي ليس فقط ظرفيا بقدر ما هو بنيوي مرتبط بما حكمت به علينا المؤسسات المالية الدولية طيلة 5 عقود: تصدير المواد الخام (المعادن) ومنتجات الأرض (البواكر والحوامض) والبحر، واستيراد مواد الطاقة والتكنولوجيا والغذاء.

 

المثال الأول: الفوسفاط (المغرب أول مصدر عالمي للفوسفاط وثالث منتج) ومواد الطاقة

 تمثل عائدات الفوسفاط ومشتقاته ربع قيمة صادرات المغرب الإجمالية، لكنها لا تغطي سوى نصف واردات مواد الطاقة  التي تمثل قيمتها خمُس الواردات الإجمالية. وإن عرفت أثمان الفوسفاط بعض الارتفاع، فهي شديدة التقلب، ولا يمكنها أن توازن انخفاض الطلب الأوروبي، وارتفاع أسعار النفط.

 

        جدول تطور وارادات مواد الطاقة وصادرات الفوسفاط ومشتقاته  (مليار درهم)

2011

2010

2009

2008

2007

السنة

90,68

68,47

54,13

72,71

53,98

واردات مواد الطاقة

48,08

35,88

18,12

51,45

22,32

مجموع صادرات الفوسفاط ومشتقاته

53,02

52,40

33,47

70,76

41,35

معدل التغطية %

المصدر: مكتب الصرف

 

المثال الثاني: المواد الغذائية (الفلاحة قاطرة التنمية بالبلد):السيادة الغذائية في مهب الريح

انتقلت قيمة واردات المواد الغذائية الأساسية بالمغرب من 3 مليار درهم سنة 1982 إلى 26,7 مليار درهم سنة 2007، وهي السنة التي شهدت اندلاع الأزمة الغذائية وغلاء المواد الغذائية على المستوى العالمي، واندلاع سلسلة الاحتجاجات الشعبية ضدها. وفي خمس الأخيرة (2007-2011)، ارتفعت قيمة واردات المواد الغذائية بأكثر من 45%، ويشكل فيها طبقنا الرئيسي (الحبوب، السكر، الحليب، الشاي) أكثر من 65%.

 

جدول تطور صادرات المنتجات الغذائية (خارج منتجات البحر)

2011

2010

2009

2008

2007

السنة

14,63

15,21

13,67

14,02

12,99

قيمة الصادرات الغذائية (مليار درهم)

19,19

18,2

18,5

16,1

18,7

حصة البواكر (%)

11,9

12

10

12,3

12,5

حصة الحوامض (%)

31,09

30,2

28,5

28,4

31,2

مجموع حصة البواكر والحوامض (%)

                    المصدر: تقارير مكتب الصرف السنوية حول التجارة الخارجية.

 

ومن جهة أخرى، بنيت الاستراتيجية الفلاحية على زراعات تصديرية ثانوية وهشة (البواكر والحوامض، وتمثل حصتها 30%  من الصادرات الغذائية كمعدل لخمس السنوات الأخيرة.

 

جدول تطور صادرات المنتجات الغذائية (خارج منتجات البحر)

2011

2010

2009

2008

2007

السنة

14,63

15,21

13,67

14,02

12,99

قيمة الصادرات الغذائية (مليار درهم)

19,19

18,2

18,5

16,1

18,7

حصة البواكر (%)

11,9

12

10

12,3

12,5

حصة الحوامض (%)

31,09

30,2

28,5

28,4

31,2

مجموع حصة البواكر والحوامض (%)

                               المصدر: تقارير مكتب الصرف السنوية حول التجارة الخارجية.

 

هكذا، فصادرات المنتجات الغذائية لا تغطي حتى نصف الواردات الغذائية كمعدل السنوات الخمس الأخيرة، وانخفضت هذه النسبة في سنة 2011 الى المستوى الذي رست عليه طيلة أكثر من ربع قرن (منذ 1982).

 

جدول تطور تغطية صادرات المواد الغذائية للواردات الغذائية

2011

2010

2009

2008

2007

السنة

38,76

29,11

24,21

31,86

26,72

قيمة الواردات (مليار درهم)

14,63

15,21

13,67

14,02

12,99

قيمة الصادرات (مليار درهم)

37,75

52,25

56,46

44,01

48,62

نسبة تغطية الصادرات للواردات %

                              المصدر: تقارير مكتب الصرف السنوية حول التجارة الخارجية.

 

 

لقد احتد ارتهان المغرب بالدوائر الإمبريالية و بالشركات التصديرية العالمية الكبرى التي تتحكم في غذائنا وإنتاجنا وتُضَارب فيه، وفقدنا سيادتنا الغذائية في تقرير ما سنزرعه لاستهلاكنا الخاص وما سنبيعه كما وكيفا، وفقدنا حقنا في حماية أسواقنا من غزو منتجات الفلاحة الصناعية الإمبريالية التي تفرضها علينا اتفاقيات التبادل الحر.

 

2.2. عبر خدمة الدين

تمتص نفقات الدين الخارجي العمومي أكثر من 17 مليار درهم كمعدل السنوات الست الأخيرة. إنها أداة ترحيل الثروات إلى الرأسمال في البلدان الإمبريالية، خصوصا إذا علمنا أن المغرب سدد في الفترة الفاصلة بين 1983 و 2011 إلى الخارج ما يفوق 115 مليار دولار، وهو ما يعادل 8 مرات دينه الأصلي، ومازال بذمته حاليا أكثر من 22 مليار دولار (192 مليار درهم)[2].

 

                         جدول تطور جاري خدمة الدين الخارجي العمومي (مليار درهم)

السنة

2006

2007

2008

2009

2010

2011

خدمة الدين الخارجي

18.6

19.9

18.6

14.2

15.4

17,5

                                                                         المصدر: وزارة المالية.

إنها دوامة الديون الجهنمية التي تلغي أسس أي تنمية. ولا يكمن الحل سوى في وقف سدادها على غرار ما قامت به دول أخرى كالأرجنتين والأكوادور.

 

     3.2. عبر تحويل الأرباح إلى الخارج

 تنفيذا لإملاءات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، أزالت الدولة المغربية الحواجز أمام دخول الرساميل والسلع الأجنبية وخروج الأرباح. ومنذ 2008، هناك ارتفعت مبالغ الأرباح المحولة إلى الخارج، حيث بلغت 9 مليار درهم سنة 2011، حسب ما يبينه الجدول التالي:

 

تحويلات أرباح الأسهم المالية إلى الخارج (مليار درهم)

السنة

2006

2007

2008

2009

2010

2011

تحويلات أرباح الأسهم المالية

4,6

4,4

6,1

9,1

8,7

9

 

 

 

المصدر: مكتب الصرف.

إلا أن هذه الأرقام تتعلق فقط بتحويلات أرباح الأسهم المالية للمستثمرين الأجانب بالمغرب، في حين أن “هناك أشكالا أخرى يتم من خلالها تحويل رؤوس الأموال إلى الخارج من طرف فروع المجموعات الدولية بالمغرب، وذلك على شكل مستحقات تقدمها هذه الفروع للشركات الأم تحت بند المساعدات التقنية… وغالبا ما يتركز الحديث على تدفقات رؤوس الأموال الخارجية إلى المغرب، في حين يغفل من التحليل المبالغ المحولة إلى الخارج، إذ من خلال المقارنة بين تدفقات الاستثمارات الخارجية و حجم تحويلات الأرباح ومختلف الأشكال الأخرى المعتمدة، نجد أن الرصيد أصبح سالبا منذ سنة 2009، ما يعني أن رؤوس الأموال المصدرة إلى الخارج تفوق رؤوس الأموال المتدفقة على المغرب، وبذلك أصبح المغرب، مصدرا لرؤوس الأموال”[3].

وتشكل عمليات الخوصصة مصدرا لتصدير العملة من طرف الرساميل الأجنبية على شكل أرباح في اتجاه بلدانهم الأصلية أو مناطق أخرى، حيث تمنحهم الدولة مقاولات عمومية مربحة على طبق من ذهب. فعلى سبيل المثال: في إطار توزيعها لمجموع أرباحها لسنة 2011، حولت شركة اتصالات المغرب (أو ماروك تيليكوم) مبلغ 4,3 مليار درهم[4] لشركة فيفاندي الفرنسية. ولم يسبق لمعدل الأرباح السنوية التي حازت عليها فيفاندي أن نزل عن عتبة 4 مليار درهم منذ 2007، وهي السنة التي ارتفعت فيها أسهمها إلى نسبة 53% من رأسمال ماروك تيليكوم. كما تسمح خوصصة الخدمات العمومية من خلال ما يسمى بالتدبير المفوض لتوزيع الماء والكهرباء، والنقل الحضري، والنظافة، وجمع النفايات المنزلية، إلخ، بفتح جيوب المواطنين للشركات متعددة الجنسيات لتستحوذ على أموالهم مباشرة وتحولها إلى الخارج.

وإن كان مشروع قانون المالية لسنة 2013 لا يتضمن مداخيل الخوصصة، فهذا لا يعني أنها استنفدت، بل تبقى موردا أساسيا، حيث وضعت الدولة لائحة من بينها  شركة تسويق الفحم، وشركة المنتوجات البيولوجية والبيطرية، والشركة الوطنية لتسويق البذور، إلخ. ويبدو أن الأزمة ستدفع في اتجاه تسريع تفكيك شركات استراتيجية مثلما هو الحال الآن بالنسبة  للخطوط الملكية المغربية. كما أن بنك المغرب يصر على استبعاد موارد الخوصصة من التوقعات، وعلى ما يبدو، ليسهل أو يحجب تمريرها إلى حساب كل من صندوق الحسن الثاني للتنمية وصندوق دعم الاستثمار.

 

   4.2. عبر تهريب الأموال

حسب دراسة قام بها مكتب أمريكي للاستشارة، فإن أكثر من 30% من الثروات التي يملكها الأثرياء المغاربة مودعة لدى البنوك الخارجية، أساسا في سويسرا وبريطانيا. كما يهرب أغنياء المغرب إلى الخارج نسبة 45% من ثرواتهم. وقدر مبلغ الرساميل المغربية المهربة بـ 25 مليار دولار (قرابة 220 مليار درهم) في سنة 2011، وفي الفترة الفاصلة بين 1970 و2008، قدر هذا المبلغ بما مجموعه 41 مليار دولار[5].

أكيد أن تهريب الأموال الذي تجلى في سياق الذعر الذي أصاب الأغنياء المحليين بعد انطلاق حركة 20 فبراير، سيزداد مع احتداد تأثيرات الأزمة الرأسمالية العالمية على المغرب.

 

  1. 3.     استنزاف احتياطي العملة الصعبة 

يكتسي ترحيل الثروات إذن طابعا بنيويا وزاد حجمه بشكل مهول، بحيث اصبح المغرب مصدرا للرساميل. وإذا كان معدل الإيرادات المالية الرئيسية للعملة الصعبة مستقر نسبيا في السنوات الست الأخيرة : حوالي 56 مليار درهم بالنسبة للسياحة ، و53 مليار درهم لعائدات المغاربة المقيمين بالخارج ، و حوالي 30 مليار درهم لعائدات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فهي لم تعد تكفي لتغطية عجز الميزان التجاري الذي يساهم في استنزاف احتياطي العملة الصعبة. كما أن جميع معطيات الأزمة الرأسمالية العالمية، خصوصا في البلدان الأوروبية التي تشكل “الشريك التجاري” الرئيسي، تدل على أن هذه المصادر ستميل نحو الانخفاض، وهو ما بدأ يتجلى في الاستثمارات الأجنبية المباشرة (انخفاض بنسبة 27% سنة 2011 مقارنة مع 2010).

 

 

        المصادر الرئيسية للعملة الصعبة (مليار درهم)

السنة

2006

2007

2008

2009

2010

2011

معدل 2006-2011

المغاربة المقيمين بالخارج

47,83

55,00

53,07

50,21

54,38

58,63

53,18

السياحة

52,48

58,67

55,55

52,83

56,42

59,11

55,84

الاستثمارات الاجنبية المباشرة

26,07

37,95

27,96

25,24

35,06

25,62

29,65

المصدر: مكتب الصرف

 

كل هذا ينعكس في عجز ميزان الآداءات (المدفوعات) الذي بلغ رقما مهولا سنة 2011 (حوالي 65 مليار درهم)، ولم يعد احتياطي العملة الصعبة يغطي سوى أقل من 4 اشهر من الاستيراد، بعد أن كان يغطي 11 شهرا سنة 2005.

 

            تطور رصيد حساب المعاملات الجارية لميزان المدفوعات (مليار درهم)

2011

2010

2009

2008

2007

2006

السنة

-64,60

-34,32

-39,87

-35,93

-0,41

+12,42

رصيد حساب المعاملات الجارية

المصدر: مكتب الصرف

 

  1. 4.    بيع السندات السيادية في الأسواق المالية الدولية

لم تجد الدولة من حل سوى اللجوء إلى الأسواق المالية الدولية لتقترض منها بالعملة الصعبة مباشرة عبر بيع سندات سيادية بالأورو (1 مليار أورو في سنة 2010)، وبالدولار (1 مليار دولار مرتقبة مع نهاية سنة 2012)، ثم قرض الوقاية والسيولة بقيمة 6.2 مليار دولار الذي وضعه صندوق النقد الدولي رهن إشارة المغرب على مدى عامين، وقد يخصص أساسا لتغطية عجز ميزان المدفوعات بشكل استعجالي على المدى القصير. وهذا ما سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف هذه الديون (خدمة الدين التي تتكون من الفوائد زائد حصة الرأسمال الأصل) الناتج عن ارتفاع نسب فائدتها، علاوة على شروطها المجحفة.

 

  1. 5.    الدولة تواصل تطبيق الخيارات النيو- ليبرالية رغم إفلاسها

خضعنا طيلة 43 سنة (منذ 1912 إلى 1955) للاستعمار الفرنسي المباشر الذي نهب ثرواتنا الأرضية والبحرية بقوة الحديد والنار، وحال دون أي تصنيع لبلدنا، وحكم على اقتصادنا بالتخلف الشديد، وعلى شعبنا بالفقر والجهل. وللأسف، لم تفض سيرورة النضال من أجل الاستقلال إلى إحداث قطيعة مع الهيمنة الاستعمارية التي تواصلت بأشكالها  الجديدة منذ نهاية الخمسينات. وها نحن بعد مضي 57 عاما، زاد خضوعنا لمشيئة المؤسسات المالية الدولية وأقطاب الإمبريالية التي تواصل ترحيل ثرواتنا عبر مختلف الآليات التي سردناها أعلاه (التبادل اللامتكافئ، الديون، ترحيل الأرباح، تهريب الرساميل)، وتغزو اسواقنا المحلية بمنتوجاتها الرخيصة مدمرة بذلك القطاعات الإنتاجية الهشة أصلا. ولضمان استمرار عملية ضخها لأرزاقنا، تصر على فرض برامج تلو البرامج وفق منطق الرأسمال، تؤدي إلى استنزاف بلدنا وتعميق تبعيته البنيوية في كافة المجالات المالية والتقنية والتجارية والصناعية والغذائية، إلخ، والتي ستزداد تفاقما في ظل الأزمة الرأسمالية العالمية. ومن جهتها، تجتهد الدولة المغربية لتنال رضى مراكز القرار الإمبريالية، بمنح مزيد من التشجيعات والإعفاءات للشركات متعددة الاستيطان والرأسمال الكبير المحلي المرتبط بها عبر معزوفة “دعم أو تحفيز الاستثمار”، وتدعيم نزع القيود عن التجارة الخارجية[6] وتداول الرساميل، وتقوية الهجوم على مكاسب الفئات الشعبية من خلال تجميد الأجور، والتراجع عن دعم مواد الاستهلاك الأساسية (صندوق المقاصة)، والهجوم على أنظمة التقاعد، وجعل القطاعات الاجتماعية (التعليم والصحة) مجالات لتنمية أرباح الرأسماليين، إلخ.

إنها شريعة البنك العالمي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية والدول الكبرى، والتي حكمت على مجمل شعوب الجنوب بالفقر والأمراض والجهل، وتتعرض شعوب بلدان الشمال حاليا لنفس السيرورة التدميرية (اليونان، إسبانيا، البرتغال، إيطاليا، إلخ)، وهي الشريعة التي يعتنقها حكام المغرب وتحكم قوانين المالية والاستراتيجيات القطاعية وسياسات الدولة بشكل عام.

 

  1. 6.    الطبقات الشعبية تؤدي الثمن

سردنا أعلاه ركاما من الأرقام لتبيان عمق إفلاس الخيارات النيو- ليبرالية ومأزقها في سياق الأزمة الرأسمالية العالمية. من يؤدي ثمن ذلك؟ إنها الطبقات الشعبية من خلال الأوضاع المزرية التي تتخبط فيها: ارتفاع البطالة التي تكتسي طابعا جماهيريا وشبابيا، درجات حادة من البؤس، توسع الهشاشة وعدم استقرار الشغل والحياة، تنامي أعداد الشباب الذين ينتحرون وهم يمتطون قوارب الموت أو يضرمون النار في أجسادهم من شدة اليأس، نسبة أمية مرتفعة خصوصا في أوساط النساء التي يرزحن تحت نير اضطهاد متعدد الأصناف، إلخ. وهناك معطيات غزيرة تصدرها عديد من المؤسسات الدولية في تقاريرها السنوية، تصنف المغرب ضمن المراتب الأولى في مؤشرات التخلف الاجتماعي والبشري. ولم تكن لإجراءات الترقيع، التي يوصي بها البنك العالمي مرة أخرى، من قبل “محاربة الفقر”، و”التنمية البشرية”، و”المشاريع المدرة للربح”، و “برامج التشغيل”، إلخ، أي تأثير ملموس، ما عدا كونها خدعة يروجها الحاكمون وخدامهم لتدويخ ضحايا خياراتهم.

 

  1. 7.    لا حلول دون مقاومة عمالية وشعبية

 

نعاني إذن من توزيع غير عادل للثروات في ظل نظام استبدادي يواصل تطبيق مخططات ترهن سيادة البلاد بإملاءات المؤسسات الاقتصادية الدولية والدول الرأسمالية العظمى، والتي يصادق عليها برلمان الأغنياء الفاقد لأي شرعية شعبية. وهذا بالطبع ليس قدرا محتوما. فالحل الحقيقي لأزمة نموذج اقتصادنا الرأسمالي التابع والمتخلف يكمن في قطع ارتهاننا بالمراكز الإمبريالية، وبناء اقتصاد وطني مرتكز على السوق الداخلية وفق حاجيات المواطنين الحقيقية. وهناك عديد من الإجراءات تبدو بديهية، مثلا، عوض تقليص نفقات القطاعات الاجتماعية العمومية يجب محاربة التهرب الضريبي الكبير، وفرض ضرائب إضافية على الرأسمال، وعلى المعاملات المالية، وثروات الأسر الغنية، وأيضا، لتقليص العجز العمومي، يجب تقليص جذري للنفقات الناتجة عن تسديد الديون العمومية وإلغاء الجزء الكريه وغير الشرعي منها، إلخ. لكن يجب أن تندرج هذه البدائل ضمن منطق شامل لإحداث قطيعة مع المنطق الرأسمالي، وتحقيق تغيير جذري للمجتمع.

ولبلوغ هذا الهدف الاستراتيجي، لابد أولا من تحقيق الديمقراطية ببلدنا، وإرساء مؤسسات تجسد تطلعات الشعب الفعلية وتسمح له بتقرير مصيره بنفسه. وهذا ما جسده مطلب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية الذي رفعته حركة 20 فبراير عاليا في شوارع مدن المغرب وقراه. وإن خسرنا نسبيا هذا الشوط من المعركة، فلابد من توحيد الطاقات النضالية لخلق ميزان قوى يسمح بانتصارنا النهائي.

10 نونبر 2012

 

 

 


[1]– تقرير حول النفقات الضريبية لسنة 2012، مرفق بتقارير مشروع قانون المالية برسم سنة 2013.

[2] – ميمون الرحماني: “الميزانية العامة للدولة وثقل المديونية”. مجلة “ممكن”، عدد5، يونيو 2012.

[3]– عبد القادرة برادة. جريدة الصباح. 11 مارس 2011.

[4] – جريدة الحياة الاقتصادية la vie économique . 30 أبريل 2012.

[5] – هروب الرساميل. مجلة تيل كيل. 20 يونيو 2012.

[6] – “تحسين مناخ الأعمال لتعزيز الثقة قصد الرفع من جاذبية البلاد للاستثمارات المباشرة والرأسمال الأجنبي، وتحسين العرض القابل للتصدير ومواصلة تحرير التجارة الخارجية، وتبسيط الجمارك واحداث مناطق حرة للتصدير”. المذكرة التقديمية لمشروع قانون المالية لسنة 2013. موقع وزارة المالية. إنها نفس المعزوفة منذ بداية برامج التقويم الهيكلي في أوائل الثمانينات.

زر الذهاب إلى الأعلى