الديون

مشروع أرضية لتجاوز معيقات حركة 20 فبراير

ياسير بلهيبة

تقديم

تطرح إشكالات حقيقية في معترك التحولات الثورية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، فلأول مرة تأخذ ثوراتها مسارها الحقيقي البعيد عن حكم الملوك و الديكتاتوريات العسكرية الذين كانوا يطلقون على كل انقلاب عسكري أو استقلال شكلي ثورات وطنية أو يدخلونها في خانة التحرر الوطني …الشباب اليوم بقدر ما يخوضون التجربة في إطار بقايا ثقافة سياسية للتيارات الإيديولوجية الكبرى التي أنهكها الصراع مع الثقافة السائدة و ديكتاتورية الأنظمة..بقدر ما يخوضون معركة حقيقية لتلمس شكل الديمقراطية الجديدة و المناخ السياسي الجيد الذي يسمح بممارسة السياسة دون تنفير للقوى الشبيبية والذي يضمن حقا مجتمع العدالة الاجتماعية و الحرية والكرامة

في المغرب يتجدد مشروع الثورة وفق منظورات جديدة، تشكل اللحظة التاريخية الراهنة منطلقات بدائية أولية ارتبطت بإصلاح النظام قدر الإمكان اعتمادا على الوسائل النضالية السلمية و الاحتجاج في الشارع ، البعض ينطلق من منطلقات الأرضية التأسيسية لحركة 20 فبراير مثالية، إذ لا يمكن نزع صلاحيات النظام الحاكم وطبقته إلا بصعقة طبقية تنتهي بصدام حقيقي لا يمكن أن نسميه إلا ثورة حتى وإن كان ضمن إطار المطالب الإصلاحية المرفوعة : ملكية برلمانية ، فصل السلطة عن المال ، حل الأحزاب المتورطة في جرائم اقتصادية واجتماعية وسياسية ، عدم الإفلات من العقاب و محاكمة الفاسدين ..الخ؟

إشكالات البناء في حركة 20 فبراير :

منذ ولادة حركة 20 فبراير ، وعلى عكس ما تكهن به البعض، حيث اعتبر أن تكتيك المخزن سيتمركز في تفكيك شبكة الحركة الداخلية من خلال تكثيف أدوات القمع ، وهو ما لم يكن في حقيقنا من منظور مرحلي، حيث راهن تكتيك المخزن على عاملين :

–         فصل الحركة عن العمال و المعطلين و وقود الثورة من المتضررين من سياسات الاستغلال الطبقية .

–         فصل الحركة عن الجماهير بالتشويش عليها إيديولوجيا و إشعاعيا وإعلاميا ، وردعيا من خلال قانون ” البلطجة ” الطبقي.

إذن ، منذ البداية عمد القصر على استدعاء النقابات أولا لإعادة تجديد ثقة الإبقاء على السلم الاجتماعي ، وثانيا لقطع حبل التذمر العارم في قطاع الوظيفة العمومية الأكثر تنظيما من القطاع الخاص.بالمقابل فتح أنوية حوار هنا وهناك مع مجموعات العاطلين على المستويات المحلية ..إلا أنه لم يتوقع أن يصل هدير العاطلين التقليديين الى انضمام فئات جديدة أكثر تدمرا وراديكالية ويتعلق الأمر بعاطلي المدن الفوسفاطية التي تخوض معارك قوية ونوعية .

ومن ناحية أخرى عمل بخط متوازٍعلى اصطباغ حالة تشويش من فصيل العدل و الإحسان الذي ارتبط بقوة الميدان باليساريين من مختلف الأطياف ..محاولا التشويش على الحركة بنقاشات ونعوتات جانبية إضافة إلى استهداف سمعة التنظيمات الداعمة و بعض النشطاء المعروفين في الحركة .

لماذا هذه المقدمة ضرورية؟ تكمن أهميتها في كونها تحمل بعدا نقديا لما راكمته الحركة و التي في اعتقادي أنها لم تتمكن إلى حدود اللحظة من مراكمة ميزان قوى على مسار التراب الوطني يسمح بتململ حقيقي في قطبي الصراع بالنظر إلى المبررات التالية :

–         موضوعيا : استفاد النظام من الإصلاحات الهامشية  منذ وفاة الملك الحسن الثاني التي كان يحتفظ له المغاربة بذاكرة سوداء تزيد من تغذية الجنوح إلى الثورات لو أنه لا يزال على قيد الحياة : معتقل تازمامارات- إرهاب اليسار والاغتيالات و الاعتقالات أو ما عرف بسنوات الرصاص – قهر وإرغام الشعب على تأدية اتاوات كما حدث في بناء مسجده الحسن الثاني ..الخ ،ثم الخدمة المجانية التي قدمها حزب الاتحاد الاشتراكي التي انعكست سلبا على قوته النقابية و الحزبية و السياسية و خيبة أمل الجماهير في مكون كان يعتبر حليفا لها وتعمق إشكال الفساد إلى مستوياتها القصوى..

–         ذاتيا : الحركة لا تزال تعيش في وضع المحليات ولم ترتقي بعد إلى بلورة أدوات هجومية حاسمة مركزية بمباركة الجماهير اللهم بعض الاستثناءات ، تسير بخطى مرتبكة نتيجة عدم مركزة القرار أو وجود خطة وطنية تتشاور فيها المحليات لترقى لأن تكون مشروعا وطنيا ترتكز عليه مبادرات التعبئة وتوحيد التصور ، كما أن الحركة باتت تتفاعل مع مبادرات الملك بدل أن يتفاعل معها ، حيث ستجد نفسها مضطرة إلى  التفاعل مع معطى الانتخابات بنفس الصيرورة…

الحقيقة كل الحقيقة ، تكمن في كون الحركة ستعيش على المدى القريب نوعا من التشتت و الارتباك كنتيجة طبيعية لسقوط مطلب الملكية البرلمانية بعدما رد الملك بأن الأمر ليس بيسير ،في علاقته مع طبقته الحاكمة وفي تحالفه مع قوى الردع و القمع ..فهل ستتجه الحركة إلى إعادة تصفيف مطالبها وفق أولويات وتتنازل من منظور خطوتين إلى الوراء من أجل خطوة إلى الأمل كما فعل اليسار الشعبوي في نهاية التسعينات لتنتهي الحركة إلى الذوبان وسط أجندة المخزن ؟ أم أنها ستغرس رأسها كالنعامة وسط التراب وتحافظ على نفس الوثيرة من المطالب والنضالات لتنتهي إلى استنزاف الزمن المرتبط بتغيرات المحيط و المنطقة ، ناهيك عن توسع هوة الاختراق حتى تكاد تصبح الاحتجاجات في المغرب مجرد أشكال كرنفالية لا تصلح إلا للاستعراض ؟ أم أن الحركة مطالبة بتغيير بنياتها التنظيمية مع الحفاظ على مرونتها التي تمنحها حصانة ضد البقرطة وتجدد مطالبها في اتجاه أقصى و تغير أشكال تعبئتها باستقطاب فئات اجتماعية أخرى وفق برنامج ومخطط وطني ؟

لابد من الاقتراح لتتجاوز الحركة عثرات الصراع الطبيعية التي تظهرها الممارسة بين الفينة و الأخرى وعليه وجب :

–         الدعوة إلى لقاء وطني تشاوري تنتدب فيه الجموعات العامة للحركة ممثلين لها، لا يكون له صفة التقرير ولكن طابع التوصيات الواجب العمل بها ، حيث يتضمن هذا اللقاء الوطني أوراشا تتوزع بين التفكير في الإشكالات اللوجيستيكية و المالية و إغناء المطالب و البرامج النضالية و الآليات الإعلامية الذاتية للحركة و استراتيجيات البناء التنظيمي للحركة المرن المعتمد على الجموعات العامة و اللجن الفاعلة .

–         الإجابات التنظيمية :لقاء وطني تشاوري يفرز آليات للعمل:  لجنة إعلام وطنية متجددة ذات طبيعية وظيفية تنفيذية  تتشكل من متخصصين وصحافيين مدمجين في الحركة – فرز لجنة للدراسات و التكوين وتتضمن مفكرين و ناشطين حقوقيين و ذوي الاختصاص –لجنة المالية و التي تمارس مهامها بإشراف مباشر من الحركة .

–         التفكير الجدي في انطلاق أشكال المركزة الجغرافية لأشكال الاحتجاج و التي يجب أن تتوزع بين مركزتها وطنيا في وسط  البلد : البيضاء وبين تنظيم معارك جهوية مع تشكل لجن التنسيق المحلية ، و الاستناد إلى نموذج الاعتصامات الغير المفتوحة في إشكال لتمريس تدريب القوى …

–         الدفع بالالتحام مع وقود التغيير الحقيقي في المعامل و: المضربون و المطرودون و المستغلون و المستغلات ..المعطلون من مختلف الفئات ..استنهاض فعل الحركة الطلابية على أسس غير فصائلية ترتبط بوضع مصلحة الجماهير فوق أي اعتبار ..

 

هنا وفقط تكمن نقط التحول النوعية في أداء الحركة .

 

زر الذهاب إلى الأعلى