الديون

مشاريع التنمية المستدامة : حماية البيئة أم حماية الأرباح؟

مشاريع التنمية المستدامة : حماية البيئة أم حماية الأرباح؟

“هناك من الموارد الطبيعية على الأرض ما يكفي لحاجيات كافة الناس،  لكن تبقى هذه الموارد غير كافية لإشباع شجع و حب التملك لدى بعض الناس”  المهاتما غاندي 

تقديم

تشكل الأزمة الإيكولوجية أحد أهم مظاهر أزمة الحضارة التي يعيشها النظام الرأسمالي اليوم. هذه الأزمة التي يجزم اليوم معظم المتخصصين و علماء البيئة في العالم على ارتباطها بالأنشطة الإنسانية و نمط الإنتاج، التوزيع و الاستهلاك الرأسمالي المفروض اليوم على مواطني العالم من خلال تحكم الشركات المتعددة الجنسيات المتنامي بكل مناحي الحياة (الماء، الهواء، النبات، الإعلام، الصحة، التعليم،…). كما يجزم هؤلاء المختصين على خطورة الوضع في غياب تحرك مستعجل من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه وعدم تجاوز ارتفاع نسبة حرارة الكوكب الأكيد ل 2 درجات المئوية التي ستدخلنا لمرحلة أسوء، مرحلة اللاعودة حيث يصعب اليوم التكهن بمداها.

كل هذه التحذيرات لم تكن كافية لتدفع كبار العالم المجتمعين في قمة كوبنهاكن في دجنبر من السنة الماضية للخروج ببرتوكول جديد يعوض برتوكول كيوتو بعد سنة 2012 و اكتفوا، في استهتار كبير بمسئولياتهم أمام شعوبهم و أمام الأجيال القادمة بالخروج بنداء يتيم لا يتضمن أي التزامات مرقمة و واضحة للحد من انبعاتات الغازات الدفيئة ببلدانهم.

هذا لم يمنع بطبيعة الحال الليبراليين من مواصلة مضارباتهم في أسواق المناخ الجديدة التي ابتدعها برتكول كيوتو كحل سحري لانقاد الكوكب من خلال سوق الكاربون و آليات التنمية النظيفة بالإضافة إلى المخلوق الجديد “آلية تفادي إزالة الغابات” الذي كان من المفترض الاتفاق حوله في كوبنهاكن و النتيجة أن عدد الشركات المتعددة الجنسيات قامت بالاستحواذ على آلاف الهكتارات من الغابات من أجل المضاربة بها في السوق الجديدة دون الاكتراث بمصير السكان الأصليين الذين يقطنون هذه الغابات.

في المغرب و على غرار معلميهم الغربيين يحاول المتحكمون بزمام الأمور البحت عن فرص جديدة للاغتناء و مراكمة أرباح جديدة، هذه المرة بدعوى حماية البيئة و تحقيق تنمية مستدامة.

فعن أي تنمية مستدامة نتحدث؟ وما هي طبيعة المشاريع الخضراء الجديدة التي يتم التهييئ لإنجازها؟ من سيدفع و من المستفيد ؟ و ما جديد الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة ؟ و هل هناك من بدائل ؟

التنمية المستدامة عن ماذا نتحدث ؟  

يعتبر هذا المصطلح من أكثر المصطلحات استعمالا اليوم رغم عموميته و صعوبة تحديد دقيق لمفهومه. و يمكن أن نعتبر أن هناك إجماعا نسبيا حول التعريف الذي قدمته اللجنة العالمية حول البيئة و التنمية منذ سنة 1987 : “التنمية المستدامة هي تنمية تستجيب لحاجيات الحاضر من دون أن تمنع الأجيال القادمة من تلبية حاجياتهم” Notre avenir à tous 1989 CMED

كما أن هناك من يعارض حتى الترجمة من اللغة الإنجليزية   إلى اللغة الفرنسية Sustainable development   التنمية القابلة للاحتمال عوض المستدامة

و قد ثم تكييف هذا المصطلح منذ ظهوره مع متطلبات السوق كما هو الحال لمصطلحات و شعارات أخرى (الديمقراطية، حقوق الإنسان، المساواة..). و أصبح اليوم مفهوم التنمية المستدامة مرتبط أكثر بمفاوضات و توافق صعب بين منطق قصير المدى، منطق السوق و محركه الأساسي هو تحقيق أكبر قدر من الأرباح و في أسرع مدة ممكنة بالنسبة لحفنة من الطفيليين الذين يتحكمون في أهم الثروات (في 2009، 20 في المائة من سكان الأرض الأكثر غنى يتحكمون ب 86 في المائة من الثروات )و بين منطق مغاير بعيد المدى حول مسئوليتنا في الحفاظ على مجالاتنا الحيوية و مسئوليتنا كذلك اتجاه الأجيال القادمة و بقاء الجنس البشري بأسره. هذا المنطق هو ما يدافع عنه العديد من المناضلين البيئيين عبر العالم.

كما أن هذا المصطلح و التركيز على استعماله في العديد من المناسبات هو في الحقيقة ضمانة إضافية للرأسماليين يتم التأكيد من خلالها على ضرورة الاستمرار في التنمية بمفهومها الاقتصادي الحالي مع الأخذ بعين الاعتبار مسألة البيئة و هو ما يؤكده مثلا تصريح مدير أحد أكبر الشركات العالمية للبترول التنمية المستدامة هي أولا إنتاج المزيد من الطاقة ، المزيد من النفط ، المزيد من الغاز والفحم وربما المزيد من الطاقة النووية ، وبالتأكيد أكثر من الطاقات المتجددة . وفي الوقت نفسه ، علينا أن نتأكد أن ذلك لن يكون على حساب البيئة.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بحدة هو كيف يمكن الحكم على نمط تنمية معين بأنه تنمية بشرية مستدامة إيكولوجيا أم لا ؟ و هنا يقترح دكتور علوم الأرض و البيئة  « aurléin boutaud »  في أطروحته “التنمية المستدامة : التفكير في التغيير أم تغيير الضمادة”  « Développement durable : Penser au changement ou changer le pansement » [i]معيارين أساسيين هناك كذلك إجماع نسبي حولهما و هما مؤشر التنمية البشرية IDH و البصمة الإيكولوجية  و يقترح الدكتور مقارنة على شكل مبيان مزدوج بين مختلق البلدان يوازي فيه بين مدى تحقيق تنمية بشرية لهذه البلدان و كدا مدى تأثيرها على البيئة :

و الملاحظ أن طريق “التنمية الكلاسيكي” على النموذج الأمريكي أو الأسترالي يتميز بمرحلة أولى يتم فيها تحقيق تقدم كبير من ناحية التنمية البشرية مع آثار ضعيفة نسبيا على البيئة في حين أنه و بعد تحقيق الأساسيات فإن التأثير على البيئة يصبح كبيرا رغم أن انعكاس ذلك من ناحية التنمية البشرية يبقى ضئيلا جدا و هو أمر انتبه له منذ مدة العديد من المختصين و من بينهم Galbarith JK    حيث يقول منتقدا نموذج التنمية الأمريكي :

“عندما تتم تلبية حاجياتنا الأساسية، ينصب اهتمامنا أكثر فاكثر لناقلات العصا لملاعب الكولف أو لفراشات الأسنان الكهربائية و تختزل التنمية الاقتصادية في إنتاج السلع الفاخرة” و هذا كذاك ما لخصه الرئيس الأمريكي في قمة الأرض بريو ديجانيرو بالتصريح أن “نموذج حياة الأمريكين غير قابل للتفاوض”

كما يمكننا ملاحظة أنه إذا اتبعت الدول الناشئة كالبرازيل الهند و الصين النموذج الأمريكي الشمالي سيلزمنا أربعة كواكب من حجم الأرض. و بالتالي ما يمكننا الجزم به اليوم و دون تردد هو أن النموذج الغربي للتنمية هو ابعد ما يكون عن نموذج للتنمية البشرية المستدامة إيكولوجيا و أنه لا يمكن تعميمه على باقي دول المعمور.  

كوبنهاكن : فشل ممثلي الرأسمالية الخضراء العالمية

إن فشل المفاوضات العالمية في كوبنهاكن في التوصل إلى اتفاق رغم خطورة الوضعية يبرهن مرة أخرى عن الهوة الكبيرة بين مطالب الشعوب و أولويات النخب الحاكمة.

فعوض الاتفاق حول برتوكول ما بعد 2012 كان العالم كله ينتظره من قمة كوبنهاكن بحجم الأخطار الكبرى التي تتهدد البشرية حول التزامات الدول الغنية بخفض انبعاتاتها من تاني أوكسيد الكاربون خرجت هذه الدورة بنداء تم فرضه من طرف الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها و الذين تملصو من أي التزامات حقيقية و مرقمة و هو ما يشكل في حد ذاته تراجعا حتى بالنسبة لبرتوكول كيوتو و نسبة 5.2 في المائة الهزيلة لدول الملحق 1 كما أن هذه الدول تنكرت لمسئولياتها التاريخية  و رفضت كل أشكال جبر الضرر الإيكولوجي الذي تسببت فيه بالنسبة لدول الجنوب.

إنه لمن المؤسف أن نلاحظ اليوم أنه و مرة أخرى يعهد الحفاظ على بيئتنا إلى أولئك الذين كانوا مسئولين عن تدميرها : الشركات المتعددة الجنسيات و نمط إنتاجها وتوزيعها وكذلك نمط الاستهلاك التي تفرضه على مواطني العالم من خلال إعلاناتها المتواصلة عبر وسائل الإعلام التي تسيطر عليها.

هذه الشركات المتعددة الجنسيات والحكومات الممثلة لها و المدافعة عن مصالحها بالدرجة الأولى ترى في هذه الأزمة الإيكولوجية مخرجا لأزمتها المالية والاقتصادية و مجالات جديدة قد تسمح لها بمراكمة المزيد من الأرباح هذه المرة بدعوى حماية البيئة و تحقيق التنمية المستدامة.

و بالتالي شهدنا قبل و إبان قمة كوبنهاكن نوعا من التسابق بين لوبيات اقتصادية تروج لحلول زائفة من قبيل :

  • البيوإيثانول : و الذي يعطينا الاختيار بين “حصول فلاح فقير بالمكسيك على وجبته الأسبوعية من الذرة أو تعبئة خزان البنزين لسيارة مواطن من أوربا أو أمريكا الشمالية” دون الحديث عن التكلفة البيئية لهذا النوع من الزراعات من خلال الاستحواذ على مساحات شاسعة من الغابات و تحويلها إلى حقول لزراعات أحادية Monoculture مع الاستخدام المكثف للمبيدات
  • الفحم “النظيف” و التنحية الخطرة من انبعاثات CO2 في التربة.
  • الطاقة النووية : الدولة الفرنسية لا تفوت فرصة من أجل الترويج للطاقة النووية كطاقة نظيفة رغم المخاطر المعروفة خاصة إشكالية النفايات النووية.  ويذكر أن فرنسا هي واحدة من رواد الطاقة النووية في العالم حيث تشكل أكثر من 80 في المائة من مواردها الطاقية بالنسبة للكهرباء.

في حين عمل المناضلون من أجل عدالة مناخية الذين كانوا خارج هذه القمة و تعرضوا لقمع استثنائي من طرف شرطة الدانمرك على مناقشة بدائل حقيقية تم تلخيصها من خلال شعارات : “غيروا النظام بدل المناخ” ، “لو كان المناخ بنكا لأنقذتموه” “من أجل استعادة الشعوب لسلطتها” و قد تم تجميع هذه الخلاصات في “برتوكول الشعوب حول المناخ”  و الذي يتضمن مجموعة من التوصيات سنحاول التطرق إلى بعضها في الفقرة الخاصة بالبدائل 

تأثيرات التغيرات المناخية و الوضع البيئي بالمغرب  

يقع المغرب في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط  والتي تعد من أكثر المناطق تضررا من تبعات التغيرات المناخية التي يشهدها العالم (أنظر مثلا تقرير مجموعة الخبراء العالميين IPCC  حول المناخ ل 2007). سبب هذه التغيرات النوعية على مستوى النظم المناخية لكوكبنا هي الغازات الدفيئة GHG  التي تنبعث من المصانع و وسائل النقل خاصة في الدول المتقدمة والاستعمال المتزايد للوقود الأحفوري (الفحم، الغاز الطبيعي، البترول). كما أن سكان هذه المنطقة يعدون الأقل استعدادا للتكيف مع تبعات هذه التغيرات والتي شهد المغرب في السنوات الأخيرة عددا كبيرا من تمظهراتها من خلال تراجع كبير في التساقطات المطرية حوالي الثلث منذ سنوات الستينيات و تواتر سنوات الجفاف إضافة إلى تسجيل عدد من الكوارث الطبيعية أو ما يصطلح عليه بالظواهر المتطرفة أو الحادة خاصة الفيضانات. وتبقى الفلاحة والموارد المائية هي الأكثر تأثرا من هذه التغيرات المناخية ببلادنا.

للأسف وفي غياب تغير جذري لنمط الإنتاج والتوزيع والاستهلاك الرأسمالي السائد في عالمنا اليوم تؤكد معظم التقارير على تدهور خطير مرتقب لحالة كوكب الأرض في السنوات المائة المقبلة.[ii]

كما أن الارتفاع المرتقب في مستوى البحر يهدد بشكل كبير السواحل المغربية خاصة و أنها تمتد على طول 3500 كلم  كما أنها تظم العديد من المنشئات الاقتصادية و البنيات التحتية الهامة كالموانئ و شبكات الصرف الصحي و محطات ضخ مياه الشرب ومنتجعات سياحية ضخمة إضافة إلى نظم إيكولوجية ذات قيمة بيئية عالية.

 بالإضافة إلى ذلك عرف الوضع البيئي بالمغرب تدهورا كبيرا في السنوات الأخيرة نظرا لغياب أي حماية فعلية للمجالات الحيوية خاصة تلك التي تعرف تمركزا للأنشطة الاقتصادية كالسواحل الأطلسية التي تظم أكثر من 80 في المائة من الأنشطة الصناعية و 53 في المائة من المنشئات السياحية.

و من أهم مظاهر تدهور الوضع البيئي بالمغرب [iii]الناتج عن أنشطة محلية نجد:

– تلوث المياه السطحية والجوفية والبحرية حيث نجد أن أكثر من 90  في المائة من المياه المستعملة يتم رميها بدون معالجة منها 370  مليون م3  للمياه المستعملة الحضرية ( 48% منها تلقى في الأحواض المائية أو في الأرض والباقي يلقى في البحر) و 964 مليون م3  من المياه المستعملة الصناعية (2% منها تلقى في الأحواض المائية أو في الأرض والباقي يلقى في البحر)

 بالإضافة إلى ضعف البيات التحتية في مجال التطهير السائل و الصلب بحيث يظم المغرب 300 من المطارح العشوائية للنفايات و فقط 2 في المائة من النفايات المنزلية التي يتم تدويرها أو وضعها بمطارح مراقبة دون الحديث عن النفايات الصناعية التي تبلغ 930 ألف طن في السنة 42 في المائة منها متركزة في جهة الدار البيضاء الكبرى. تساهم هذه المطارح العشوائية بشكل كبير في ثلويث الفرشات المائية، هذا بالإضافة للاستغلال المفرط للمياه و الاستعمال المكثف للأسمدة.

– تدهور الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي حيث تقدر الدراسة الوطنية التي أجرتها كتابة الدولة المكلفة بالماء و البيئة بحوالي 1670 نوع نباتي و 610 نوع حيواني من بينها 85 نوع من السماك و 98 نوع من الطيور. كما أن التقنيات المستعملة في استغلال المناجم و المقالع بمختلف أنواعها في غياب تام لأية مراقبة تنتج أضرارا كبيرة بالمجالات الحيوية المجاورة (الماء، النبات، الهواء، التربة و الرمال، …)  

– تلوث الهواء : تبقى مساهمة المغرب في انبعاتاث الغازات الدفيئة المسئولة عن التغيرات المناخية ضعيفة بالمقارنة مع دول أخرى  حيث لم تتعدى 78 مليون طن مكافئ لثاني أكسيد الكربون سنة 2005 لكن و في حالة مواصلة نفس السياسات الحالية خاصة في الميدان الطاقي من المنتظر أن ترتفع إلى 196.4 مليون طن في أفق سنة [iv]2030. و تبقى المدن الصناعية الكبرى هي الأكثر تضررا من ثلوث الهواء الناثج عن الانبعاثات الغازية للمصانع و وسائل النقل.

 

مشاريع التنمية المستدامة بالمغرب: الرأسمالية الخضراء بالمغرب و البحت عن فرص جديدة للاغتناء بدعوى حماية البيئة

كثر الحديث هذه الأيام عن حماية البيئة و التنمية المستدامة خاصة بعد إطلاق مشروع الميثاق الوطني للبيئة، كما أنه ثم اختيار مدينة الرباط كأحد العواصم العالمية للاحتفال باليوم العالمي للأرض و قد أسندت مهمة المندوبة المكلفة بتظاهرة يوم الأرض لمريم بنصالح شقرون مديرة شركة المياه المعدنية أولماس. للتذكير فعائلة بنصالح هي صاحبة مجموعة هولماركوم و التي راكمت ثروة كبيرة عبر استغلالها لعيون المياه المعدنية من خلال الماركات التجارية أولماس، سيدي علي و أخيرا عين الأطلس.

و الملاحظ أنه في المغرب و كما هو الشأن على المستوى الدولي فإن حماية البيئة تعهد لشركات تتحمل مسئولية كبيرة في تدهور الوضع البيئي من قبيل مجموعة أونا خاصة عبر ذرعها المنجمي “مناجم” و الكوارث البيئية التي خلفتها في معظم أماكن الاستغلال و ما جماعة البليدة نواحي جرادة إلا مثالا حيث تعاني الجماعة اليوم من تلوث كبير ناجم عن النفايات التي خلفتها وراءها “أونا”  قبل أن ترحل سنة 1998. هذه النفايات يقدر حجمها ب280 ألف طن سنويا لمدة استغلال وصلت إلى 20 سنة أي ما يعادل 4 مليون طن من النفايات السامة و التي  تتكون من بقايا معادن النحاس، الكروم، البلومب وأنواع أخرى من المعادن.  

مجموعة أونا و هذه المرة عبر ذرعها الأخضر شركة “ناريفا” و التي وصفها التقرير الأخير لمجلس المجموعة إلى جانب قطاع الاتصالات بالقطاعات الواعدة « Relais de croissance »  هي التي تنصب نفسها اليوم مدافعة عن البيئة و التنمية المستدامة عبر مشاريع “خضراء” خاصة المحطات الريحية حيث تستحوذ المجموعة على حصة الأسد من تلك المشاريع و قد استفادت مؤخرا من صفقات هامة مع كل من المكتب الوطني للسكك الحديدية، شركة لفارج و خاصة المكتب الوطني للكهرباء الذي كان يرأسه مديرها الحالي السيد ناقوش.

وقد حصلت شركة ناريفا أخيرا على صفقة من أجل إنجاز ثلاثة مشاريع هامة بتكلفة إجمالية تبغ 3 مليار درهم  :

  • محطة بأخنفير (220 كلم عن العيون) بطاقة إنتاجية تبلغ 200 ميكاوات أي ما يعادل استهلاك مدينة مليون نسمة
  • محطة فم الواد قرب العيون دائما بطاقة إنتاجية تبلغ 100 ميكاوات أي ما يعادل استهلاك مدينة نصف مليون نسمة
  • محطة “الحومة” بمنطقة طنجة

و معلوم أن المغرب يتوفر على إمكانات مهمة من هذا النوع من الطاقة تقدر ب 25000 ميكاوات  بسرعة تتراوح ما بين 8 متر في الثانية بالجنوب و 10 متر بالثانية بالشمال و قد تم تحديد 14 موقعا بالمغرب لإنشاء محطات لإنتاج الطاقة الريحية و هي :

تينغير، بوجدور، طرفايا، طرفايا الجنوب (طا)، العيون-تيسكراد، العيون-فم الواد، بوزركتون، صندوق، نوينويش، فرديوا، عين رمل، حومة، فنيدق، ميدلت.

و قد التحقت شركة ناريفا في أواخر شهر ما رس بالمشروع الضخم “ديزيرتيك”  بقيادة ألمانية و الذي يظم مجموعة من الشركات العالمية من بينها : الشركة العملاقة سيمنس، البنك الماني، ابنكوا الاسبانية، … و يهدف المشروع إلى تغطية 15 في المائة من احتياجات أوربا الطاقية من خلال أنشاء شبكة من المحطات الشمسية في عدد من المواقع تمتد من المغرب غربا إلى السعودية شرقا.

تقدر الكلفة الاجمالية للمشروع ب400 مليار أورو، 350 منها لإنجاز المحطات و 50 مليار أورو لإنجاز خطوط الإرسال الضرورية نحو أوربا.

و في المغرب تم الإعلان على إنجاز مشروع فرعوني بكلفة مالية تقدر ب9 مليار دولار أي 70 مليار درهم بطاقة إنتاجية في أفق 2020 تبلغ 2000 ميكاوات و هو ما يشكل 1/10 المخطط الشمسي للمتوسط و سيرفع عند اكتماله نسبة مساهمة الطاقات المتجددة بالمغرب إلى 42 بالمائة.

وقد تم خلق وكالة خاصة لتدبير هذا المشروع “الوكالة المغربية للطاقة الشمسية” و وضع على رأسها المدير السابق لصندوق الإيداع و التدبير مصطفى الباكوري « MASEN ».

و شكل اللقاء المنظم من طرف “التجاري وفا بنك” حول الموضوع “الطاقة الشمسية، أي نموذج اقتصادي مربح” [v]بمشاركة مدير الوكالة إضافة إلى مدير المكتبين الوطنيين للماء و الكهرباء بداية شهر مارس 2010 فرصة من اجل التداول في مقترحات لتمويل المشروع و تسييره و ذهب المشاركون إلى ضرورة اعتماد نموذج الشراكة بين القطاعين العام و الخاص PPPمن اجل إنجاز و تسيير المشروع مع ضرورة تقديم ضمانات كافية (إلزامية الشراء مثلا للدولة بعد إنجاز المشروع)  و تحفيزات مالية و ضريبية من أجل تشجيع الخواص.   و في محاولة منه  لطمأنة المستثمرين صرح مدير الوكالة بأنه “صحيح أن مشاريع الطاقة شمسية تبقى من المشاريع المكلفة لكنها تشكل احد المشاريع الأكثر مردودية حوالي 15 بالمائة cash flow”.

كما أن تقنية الإنتاج للطاقة الشمسية التي سيتم اعتمادها لم تحدد بعد علما أن هناك تقنيتان :

الشمسي الحراري

الألواح الشمسية

 

 

 

 

حيث يتم تحويل الطاقة الشمسية مباشرة إلى كهرباء عن طريق مواد شبه موصلة مثل ”السيليكون“، ومغطاة بطبقة معدنية رقيقة.

 

حيث يتم تركيز أشعة الشمس بواسطة المرايا نحو أنبوب مائي حيث تنتج الحرارة التي تم تجميعها بخارا يتم تحويله إلى كهرباء عن طريق مجموعة توربينات مولدة

 

و قد حددت 5 مواقع  لإنجاز هذا المشروع الضخم : (ورزازات أكبر (500 ميغاواط) ، العيون ، بوجدور ، في طرفاية جنوب منطقة أغادير وعين بني مطهر قرب فاس.

و السؤال الذي يطرح نفسه بشدة هو إذا كانت هذه الطاقات المتجددة التي سيتحكم فيها الخواص ستشكل ما يقارب نصف الطاقة الكهربائية للمغرب في أفق2020 ألن تكون هذه الشركات هي الوحيدة التي راكمت ما يكفي من المعارف للسيطرة الفعلية على هذ القطاع الاستراتيجي ؟ 

وكيف يمكن تفويت قرار سياسي بالدرجة الأولى يهم السيادة الوطنية لمجموعة أبناك و تقنوقراطيين يناقشونه بشكل تقني محدود في الزاوية المالية و المردودية الاقتصادية لهكذا مشروع ؟

أما على مستوى تمويل هذه المشاريع فقد ثم إحداث العديد من الآليات الاقتصادية و المالية لتوفير التمويلات اللازمة من خلال إنشاء مجموعة من الصناديق أهمها صندوق مكافحة التلوث الصناعي، الصندوق الوطني لحماية واستصلاح البيئة(FNE) و أخيرا صندوق رأسمال الكاربون المغرب Fonds Capital Carbone Maroc و هو صندوق ثم إنشائه لشراء أرصدة الكربون الناتجة عن مشاريع آلية التنمية النظيفة[vi] بالمغرب من المستثمرين المحليين في انتظار إعادة بيعها في سوق الكاربون العالمية. رأسمال الصندوق يقدر ب 300 مليون درهم من تمويل صندوق الإيداع والتدبير (إيرادات ومعاشات العمال والمستخدمين) بنسبة (50 ٪) ، صندوق الإيداع الفرنسي (25 ٪) وبنك الاستثمار الأوروبي (25 ٪).

ما الجديد في الميثاق الوطني حول البيئة و التنمية المستدامة

يضم مشروع الميثاق ثلاثة أقسام رئيسية:

1-      الحقوق المضمونة و الواجبات

2-      المبادئ و القيم

3-      الالتزامات

كما يفتتح مشروع الميثاق بديباجة تحاول شرح دواعي ميثاق للبيئة و التنمية المستدامة في المغرب من بينها :

  • اعتبار أن التضامن من الدعامات الأساسية للتماسك الاجتماعي و هنا نتساءل عن أي تماسك نتحدث في ظل تزايد عدد المفقرين بالمغرب
  • اعتبار أن المغرب معرض لتغيرات يصعب التحكم في أسبابها
  • التزام المغرب و مساهمته الفعالة في المجهودات المبذولة على المستوى العالمي و خاصة التعاون جنوب جنوب و هنا نتساءل عن ما الذي قامت به البعثة المغربية لقمة المناخ بكوبهاجن دجنبر الماضي و التي ترأسها الوزير الأول “صاحب فضيحة النجاة” و ما موقفها من مبادرات بعض دول الجنوب خاصة جنوب أمريكا لمطالبة الدول الغنية بتحمل مسئولياتها التاريخية و كيف تعاملوا مع تعنت الدول الكبرى رغم خطورة الموقف و التأثيرات التي يتعرض لها المغرب شأنه في ذلك شأن باقي الدول الفقيرة.

كما ينص مشروع الميثاق في القسم الأول على أن الميثاق يضمن الحقوق التي ينص عليها و من بينها العيش في بيئة سليمة،  الرخاء الاقتصادي و الرقي الاجتماعي:  كيف ذلك؟ في بلد يفضل فيه الشباب المخاطرة بحياتهم في السواحل هروبا من ظروف العيش.

كما يتضمن المشروع مجموعة من المصطلحات و المفاهيم دون تدقيقها كالتنمية المجتمعية، رقي الأمة، مشاركة المرأة، تكوين الشباب بالإضافة إلى مفاهيم متناقضة تم تجميعها قصرا كأنماط إنتاج واستهلاك مسئولة بفضل اقتصاد يتسم بالفعالية و الأداء الجيد .

في الالتزامات هناك ثلاثة مستويات: السلطات، الجماعات المحلية ثم المنظمات الغير حكومية من أجل “التحمل المجتمعي” لتكاليف التنمية المستدامة و حماية البيئة و المحافظة عليها.

وسيتم الإعلان الرسمي عن النسخة الأخيرة من “الميثاق الوطني للبيئة و التنمية المستدامة” بالموازاة مع الاحتفالات بيوم الأرض بمدينة الرباط إلى جانب مدن عالمية أخرى كنيويرك، مومباي، روما و شنغاي. و الاحتفالات بهذا اليوم بالمغرب ستكون لمدة أسبوع من 17 على 24 ابريل. و المثير أنه من بين المبادرات التي يؤكد عليها منظمو هذا اليوم العالمي هو ضرورة حماية و ترشيد استعمال المياه علما أن المندوبة السامية تترأس شركات تقوم يوميا باستنزاف ثروات مائية في العديد من المناطق بالأطلس من أجل بيعها في مدن أخرى وحتى تصديرها لمناطق أخرى من العالم خاصة اروبا التي تتوفر على كميات أكبر من المياه.

كما سيتم إنشاء 16 مرصدا جهويا للبيئة يتكلف بإنجاز تقارير عن الوضع البيئي بالجهة علما أن المغرب يتوفر منذ مدة على مرصد وطني لا تخرج تقاريره و توصياته عن العروض السنوية و أدراج المكاتب.

أما عن المشاورات و الندوات الجهوية التي ثم تنظيمها بدعوى إشراك كافة الفاعلين في هذا المشروع فكيف يمكن ادعاء مشاركة واسعة في حين أن جزءا من أطر و مسئولي الوزارة أنفسهم يشتكون من تهمشيهم في التحضيرات و النقاشات حول مشروع الميثاق[vii].

 جل بيعها

 

 

 

 

 

هل هناك من بدائل ؟

دون الحديث عن المرتزقة و أشباه المثقفين و المختصين البيئيين الذين تجتذبهم الإمكانيات المادية و فرص الاغتناء عبر تسجيل مشاريعهم كمشاريع خضراء بنفس الطريقة التي اجتذبت بها “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية” العديد من الانتهازيين و المرتزقة و الذين استفادوا من التمويلات عبر تسجيل مشاريعهم في إطار المبادرة.

إنه لمن الضروري أن يتخلص الأكاديميون النزهاء والمدافعون الحقيقيون عن البيئة من وهم حماية البيئة عن طريق ميكانيزمات السوق وما يسمى بالرأسمالية الخضراء و الانخراط في الحركة العالمية من أجل عدالة مناخية من أجل  بدائل حقيقية للأزمة الإيكولوجية، بدائل تقدمية بمعناها الاجتماعي-الإيكولوجي والتي نص عليها على سبيل المثال برتوكول الشعوب الصادر عن القمة البديلة كليما فوروم  KLIMAORUMبكوبنهاكن و من بينها :

  • ضريبة تصاعدية للملوثين الكبار تكون بحجم الآضرار الناجمة عن أنشطتهم الصناعية
  • إعادة تملك السكان لمواردهم الطبيعية ومشاركتهم الفعلية في تدبيرها عوض رهنها بمصالح الشركات الكبرى  (حالات تفويت عيون بنصميم، الشاون، السلطان، عين سايس…)
  • تغييرات جذرية في نظم التنقل والتراجع التدريجي عن الأشكال الخصوصية للنقل وتشجيع و تطوير أدوات النقل العمومية. مثال تطوير شبكة السكك الحديدة التي لم تتوسع منذ زمن بعيد في المغرب في حين أن معظم الاستثمارات الأخيرة تهم الطرق السيارة.
  • النضال من أجل إلغاء الديون المالية للدول الفقيرة بإشعار ورقة الدين الإيكولوجي الذي تفوق قيمته بكثير قيمة الديون المالية الحالية للدول الفقيرة.
  • اعتماد وتشجيع المعاملات الاقتصادية المحلية و لتقريب ما بين أماكن الإنتاج وأماكن الاستهلاك وهو ما يتعارض كليا مع النظام الليبرالي الحالي ومبدأ التبادل “الحر” ونظرية المنافع المتقارنة – Avantages comparatifs

م.جواد
الشاون- أبريل 2010


[i] رسالة الدكتوراه في علوم البيئة من المدرسة الوطنية العليا للمعادن لساتيتيان 14 فبراير 2005 حول موضوع

« Développement durable : Penser le changement ou changer le pansement »

[ii]الأزمة الإيكولوجية : الوضعية الحالية، الإصلاحات الليبرالية و أية بدائل ؟” م.ج – أبريل 2009 ورزازات – جامعة أطاك الربيعية الخامس

[iii] وتقدر الحكومة تكلفة التدهور البيئي المالية بالمغرب بقرابة 13 مليار درهم سنويا، أي ما يناهز 3.7 % من الناتج الداخلي الخام.

[iv]  « FONDS POUR LES TECHNOLOGIES PROPRES PLAN D’INVESTISSEMENT POUR LE MAROC » SEPTEMBRE 2009

 

[v]  جريدة Les Echos عدد 86 بتاريخ 17/03/2010

 

[vi] آلية التنمية النظيفة هي إحدى آليات المرونة التي جاء بها برتوكول كيوتو لتمكين  البلدان المتقدمة من الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة خارج حدودها في الدول الفقيرة بتكلفة أقل.

[vii] انظر الرسالة الاحتجاجية للأطر و مستخدمي الوزارة التابعين للكنفدرالية الديمقراطية للشغل

 

المراجع

  • التقرير العالمي حول التنمية البشرية 2007/2008 :

La lutte contre le changement climatique : un impératif de solidarité humaine dans un monde divisé

  • حوار في جريدة ليبراسيون مع ذ الخطابي عبد اللطيف ممنسق مشروع التكيف مع التغيرات المناخية بالمغرب يوم السبت 18 أبريل 2009 «La Vision 2010 n’a pas pris compte des risques écologiques»                              
  • كتابة الدولة لدى وزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة المكلفة بالماء والبيئة قطاع البيئة- المجلس الوطني للبيئة الدورة السادسة 11 ماي 2009
  • الموقع الرسمي لمشروع الميثاق الوطني للبيئة و التنمية المستدامة : http://www.charteenvironnement.ma
  • “برتكول الشعوب حول المناخ” الصادر عن القمة البديلة بكوبنهاكن دجنبر 2009
زر الذهاب إلى الأعلى