الديون

لتسقط الديون الكريهة عن تونس الحرة

ـتقـديــــــــــــــــــم :

       أضحت مسألة الديون موضوع نقاش في الساحة التونسية هاته الأيام خصوصا بعد عقد قمة الدول الثماني الكبار يوم 27 ماي 2011 . فتعددت المواقف إزاء هذا الموضوع ما بين رافض للمزيد من إغراق البلد بالديون وضرورة إلغائها لأن الشعب التونسي لم يستفد منها بقدر ما استفاد منها الدكتاتور بنعلي و عائلته و أقربائه ، بالتالي فإنها ” ديون كريهة” ينبغي إلغاؤها . وأبرز دعاة هذا الموقف هم مناهضوا العولمة وجمعية أطاك و بعض الفعاليات ، جبهة 14 جانفيي …

     أما موقف ثاني ، فيرى ضرورة الاستعانة بالدول الكبرى والاستفادة من ديون المؤسسات المالية و أبرز ممثلي هذا الموقف هم بقايا نظام بنعلي وبعض المسؤولين الجدد  الذين يلوحون بفزاعة خطر انهيار اقتصاد البلد أو أن ”سمعة تونس في الأسواق العالمية ستتأثر سلبا في حالة عدم تسديدها” . ففي اجتماع بين السيد مصطفى كامل النابلي محافظ البنك المركزي التونسي يوم 2 ماي 2011 مع” روبرت زوليك” رئيس مجموعة البنك الدولي  تدارس الجانبان خلال هذا دور التعاون الدولي والمؤسات المالية العالمية في دعم الاقتصاد الوطني ،و قد أعلن البنك الدولي اعتزامه منح تونس قرضا بقيمة 500 مليون دولار ستخصص للقيام ب ” مشاريع إصلاحية “

     و يتضح موقف  مصطفى كامل النابلي بجلاء  خلال لقاء نظمه البنك الإفريقي للتنمية يوم الخميس 13 ماي 2011 حول ” تونس ما بعد الثورة : التحديات و الآفاق ” وذلك في قوله :” أنه في حال عدم تسديد الديون فإن سمعة تونس في الأسواق العالمية ستتأثر سلبيا و لن تتمكن الدولة من تعبئة الأموال و أن الجهود في الظروف الراهنة تتركز على خلاص هذه الديون “.وأكد ف سياق آخر أن بلاده ستلتزم بتسديد ديونها المقدرة للعام الحالى بـ 1120 مليون دينار تونسي أى ما يعادل 784.15 مليون دولار في المواعيد المحددة.                                                                    

-وأوضح النابلي في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء السعودية “واس” أن الدولة رصدت فى موازنة العام الحالى موارد لتسديد تلك الديون وأن التسديد سيكون على دفعتين فى شهرى أبريل وسبتمبر القادمين.

أما الموقف الثالث فلا يرى مانعا من الاستفادة من الديون لكن دون شروط أو حتى بدون فوائد إن أمكن.   

       أعتقد أن الموضوع مهم جدا و له علاقة مباشرة بمستقبل تنمية البلد ، كما قد يكون خطرا يجهض ثورة تونس الحرة .علاوة على إعادة إنتاج نفس نظام بنعلي اقتصاديا و اجتماعيا ، لكن بمساحيق جديدة و خدام جدد للرأسمال    ومؤسساته المالية و التجارية .  (BM –FMI-OMC) العالمي  

      إن خوض هذا النقاش وإعطاء موقف إزاءه يستدعي الإحاطة بالمشكل في شموليته ، وربطه بنتائج المديونية على اقتصاد البلد بالتالي مستتبعاته الاجتماعية والسياسية … 

وفي هذا الصدد يحق لنا أن نتساءل : ما هي حالة  الديون الخارجية التونسية ؟ ماهي الديون الكريهة ؟  هل ديون تونس ديون كريهة ؟ ما هي الحجج الداعمة لإلغاء الديون ؟  

حالة الديون الخارجية التونسية :

   ونحن نبحث في هذا الموضوع لم نجد في المصادر الرسمية إحصائيات نهائية للسنوات الأخيرة  فيما يخص هيكلة خدمة الدين التونسي الخارجي ، ففي موقع البنك المركزي التونسي وجدنا أرقام إلى حدود 2009 حيث وصل خدمة الدين الخارجي ( الأصول + الفوائض) 3184 مليون دينار بعد أن كانت في 1995 تقدر ب 1481 مليون دينار أي أن الفرق خلال  14 سنة  هو 1703 مليون دينار. في سنة 1995 كان أصل الدين الخارجي التونسي 982 مليون دينار أما الفائض فيقدر ب 499 مليون دينار . أما سنة 2009 فكان أصل الدين الخارجي التونسي 2313 مليون دولار في حين كان الفائض يقدر ب 871 مليون دولار .  وإذ لا  يتسع المقام لإيراد كل التفاصيل نكتفي بالجدول الآتي :

هيكلة خدمة الدين الخارجي
المجموع

(بملايين الدنانير) 

مسمَّى

 

1995

1996

1997

1998

1999

2000

2001

2002

2003

2004

2005

2006

2007

2008

2009

 

الإدارة

المؤسسات العمومية و الخاصة

المجموع

 

  907

  968

  1121

  1152

  1195

  1840

  1368

  1594

  1404

  1804

  1697

  2345

  2049

  1421

  1801

  574

  559

  528

  578

  610

  696

  664

  700

  718

  858

  1019

  1536

  1285

  1200

  1383

  1481

  1527

  1649

  1730

  1805

  2536

  2032

  2294

  2122

  2662

  2716

  3881

  3334

  2621

  3184

 

 

 

 

 لقد بلغ مجموع القروض متوسطة وطويلة الأمد، التّي تحصّلت عليها تونس، من سنة 1986 إلى 2006ما قيمته 32.4 مليار دينار. كما بلغ مجموع المبالغ الماليّة التّي سدّدتها، خلال نفس الفترة، بعنوان خدمة الدّين، قيمة 36.2 مليار دينار.

تحتل الدول الأوربية المرتبة الأولى  بين الدائنين لتونس ، ويؤكد ذلك ما نجده من معلومات  حول بعض القروض في للسنوات الأخيرة  في موقع البنك المركزي التونسي  بأنترنت :

   من خلال ما سبق سيتضح لنا موقف السياسة الرسمية  الفرنسية اتجاه تونس  و المرتكزة أساسا على  إخضاع تونس وإغراقها بالديون مقابل جعل البلد سوقا  للاستثمار ويد عاملة رخيصة . وحتى ما ثم التعبير عنه من قبل ( فرونسوا هولاند)  رئيس الحزب الاشتراكي الفرنسي في زيارته لتونس  ” تحويل الديون الممنوحة لتونس إلى هبة تقدمها المجموعة الدولية “، و أنه يتوجب على فرنسا مساعدة تونس على مجابهة الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية في محيط اقليمي ودولي صعب ” فلا يعدوا ذلك أن يكون جزءا من حملته الانتخابية ويتضح الأمر في تعهده بالعمل في حال انتخابه رئيسا دعم المبادلات الثقافية والاقتصادية بين تونس وفرنسا والرفع من مستوى التعاون بين البلدين في إطار   ”  التعاون المتكافئ  ” ( بدون تعليق) .                                                                  وأنا أكتب هذا المقال فاجأني استجواب لقناة الجزيرة مع ” رونالد كابيروكا” رئيس البنك الإفريقي للتنمية الذي أعلن عن منح تونس قرضا بقيمة 500 مليون دولار مع مهلة 5 سنوات قبل فترة الاستخلاص التي تمتد إلى 15 سنة .                                                                                                           

ما هي الديون الكريهة ؟                                                                                                           

“هو الدين الذي تقترضه الأنظمة غير الشرعية في سبيل تثبيت حكمها و ليس خدمةً للشعب ، حيث أن هذه الديون تساعد الأنظمة الاستبدادية على اضطهاد الشعب و القضاء على مقاومته ، هذه الديون تعتبر كريهة بالنسبة للشعب و لا تعتبر ديوناً ملزمةً له ، بل هي ديون يكون النظام الدكتاتوري مسؤولاً عنها وحده ، و هي ديون يمكن اعتبارها ديوناً شخصية للدكتاتور نفسه،و لهذا فإن هذه الديون تسقط مع سقوط النظام غير الشرعي  “.                                              

 الديون على أنها الديون المستخدمة: Patricia adamsفي كتابها ( الديون الكريهة ) تعرف الباحثة الكندية

1–لتحقيق الإثراء الشخصي.
2 – لغرض اضطهاد الشعب.
3 – لشن حروب عدوانية ضد دول أخرى.
4 – لتقوية المؤسسة الدكتاتورية.

5 –  لصالح فئة معينة من الشعب دون الفئات الأخرى لأسباب سياسية و كأداة للتمييز بين أفراد الشعب.

إلا أن مبدأ الدين الكريه لم يحظ بشرعية في القانون الدولي خشية أن يفتح الباب أمام حكومات كثيرة لمحاولة تجنب سداد ديونها. ورغم ذلك فإن مفهوم الدين الكريه( المريب) وقع اعتماده أحيانا مثلما هو الأمر بالنسبة إلى كوبا ،كوستاريكا ، ناميبيا والمزمبيق …وفي الحالات التي تم فيها الاستناد إلى مفهوم” الدين الكريه” بنجاح فإن ديون الدولة أصبحت دينا خاصا بالمسؤولين في الديكتاتورية ولا يمكن أن توظف له عائدات الدولة المالية .
هل ديون تونس ديون كريهة ؟

     ديون  تونس ديون كريهة لأن نظام بنعلي الذي اقترضها هو نظام لا شرعي ديكتاتوري  استغلها لمراكمة ثروته هو وعائلته وأهل الطرابلسي .  كما أنها استغلت لغرض اضطهاد الشعب ، فقد عاش الشعب التونسي في قهر و في ظل حكم متسلط وديكتاتوري وقمع للحريات منذ تولي زين الهاربين سدة الحكم سنة 1989، وفي هذا الوقت كان الدين العمومي التونسي يقدّر بـ 2.5 مليار يورو ، واليوم يقدر بـ 15.2 مليار يورو، بالرغم من أن تونس سدّدت خلال نفس الفترة 23 مليار يورو من ديونها.  لقد ثم العثور على أموال طائلة في أحد القصور الرئاسية لبنعلي ، بالإضافة إلى أسلحة و كمية من المخدرات وهذا دليل إضافي على كون قسم مهم من الديون التونسية تستثمر لتقوية المؤسسة الديكتاتورية ولغرض اضطهاد الشعب . الدليل الآخر على كون هذه الديون غير شرعية هو أن أكثر من 10 بالمائة من التونسيين يعيشون اليوم تحت خط الفقر، و نسبة البطالة تتجاوز 15 بالمائة حيث أن ثلاثة أرباع المعطلين عن العمل هم شباب من دون 34 سنة من العمر وأغلبهم من أصحاب الشهادات الجامعية. أما الأجر الأدنى فلا يكاد يتجاوز 120 يورو.                                                                                                                                 

   ما هي الحجج الداعمة لإلغاء الديون ؟

حدد كل من ‘إريك توسان’ و’داميان ميليه ‘ مجموعة من الحجج الداعمة لإلغاء ديون العالم الثالث في كتابهما ”50 سؤال 50 جواب حول الديون و صندوق النقد الدولي و البنك العالمي” وتتوزع هذه الحجج بين ما هو أخلاقي ، سياسي ،اقتصادي وقانوني… ونلخصها فيما يلي :

– يمثل تسديد الدين عائقا أساسيا أمام إشباع الحاجات الإنسانية الأساسية، وليس من الأخلاقي مطالبة البلدان وليس من الأخلاقي مطالبة البلدان النامية تخصيص مواردها الشحيحة لخلاص دائنين        لخلاص دائنين ميسوري الحال .

– إن الدين لا أخلاقي لأنه يبرم في كثير من الأحيان من طرف أنظمة غير ديمقراطية لا تستخدم المبالغ التي تحصل عليها في مصلحة شعوبها ، وغالبا ما تنظم اختلاسات كبيرة بموافقة ضمنية أو علنية من دول الشمال و البنك العالمي و صندوق النقد الدولي .                                                                                                           

– إن الدين يسمح للدائنين ممارسة سلطاتهم المفرطة على البلدان المستدينة . و يسمح أيضا لطبقات الشمال المهيمنة إخضاع بقية العالم وبالتالي التدخل في الحياة السياسية الداخلية للبلاد للتأثير على اختيارات المواطنين لتبقى البلدان النامية دون سيادة حقيقية.

 – لقد ثم تسديد الدين مرات كثيرة فعلى دولار واحد في سنة 1980 سددت البلدان النامية 7,5 دولار و مازال عليها أن تسدد 4 دولارات أخرى .

– إن اقتصاد البلدان النامية سيربح كل شيء من إلغاء ديونها الخارجية . وقد كانت الأمثلة الحقيقية للإلغاء المنجزة في الماضي مفيدة بشكل خاص لاقتصاد البلدان التي استفادت من ذلك .

– على المستوى القانوني ، هناك العديد من حجج  القانون الدولي التي يمكن اعتمادها لإلغاء الديون الخارجية من طرف واحد منها:

 1 – حالة القوة القاهرة : و يتعلق الأمر بحالة من حالات القوة القاهرة سببها التصرف الأحادي للبلدان المصنعة .

2-  حالة الضرورة : مثلا : حالة عدم الاستقرار الاجتماعي الخطيرة أو استحالة تلبية حاجيات السكان ( الصحة ، التعليم إلخ ) .

3-  الديون الكريهة (المريبة): يعترف القانون  الدولي بضرورة الأخذ بعين الاعتبار طبيعة النظام الذي أبرم القروض و استخدامه للأموال التي ثم الحصول عليها .و يستتبع ذلك مسؤولية مباشرة للدائنين ، فإذا ثم استبدال نظام ديكتاتوري بنظام شرعي فإنه يمكن لهذا الأخير أن يبرهن على أن الديون لم يقع ابرامها لفائدة الوطن أو كانت لغايات مريبة ، بالتالي وجب إلغاؤها . 

 

لتسقط الديون الكريهة عن تونس الحرة :

 

    إن كل الحجج  التي سبق ذكرها تنطبق على ديون تونس فهي ديون كريهة ،إنها  أداة رئيسية لفرض برامج تقشفية تعمق تدهور الوضع المعيشي للفئات الشعبية . وتستخدم كأداة لتحويل جزء من الثروة المحلية إلى الرأسمال الأجنبي و المحلي.و يمثل تسديد  خدمة الدّين اليوم أحد أهمّ العراقيل التي تقف في طريق التّنمية في تونس.إن الدّين العمومي الخارجي هو ديْن خاص بالدكتاتور ابن علي. لكل ذلك من الواجب إلغاء ديون تونس ، و لهذا الغرض من الضروري تكوين لجنة تحقيق شعبية تراجع حسابات المديونية (الداخلية والخارجية) قصد تحديد جزئها غير الشرعي، أي ذلك القسط الذي لم يستفد منه الشعب التونسي.

                                                                                                           

بقلم : رشيد أوبجا/ المغرب                   

rachidoubejja@yahoo.fr

 

زر الذهاب إلى الأعلى