الديون

دورات الأزمات الاقتصادية و تأثيرها على حركية الاحتجاج بالمغرب1830-2010

دورات الأزمات الاقتصادية و تأثيرها

على حركية الاحتجاج بالمغرب(1830-2010 )

* ياسير بلهيبة

يصعب فهم صيرورة الاحتجاجات المستمرة ، طيلة العقد الأخير بالمغرب ،دون استحضار واستيعاب لمسلسل التراكم النوعي و الكمي الذي طبع المغرب ، سواء بعد رسملته سنة 1830أو بعد إقرار التبعية للنظام النقدي الدولي لبروتن وودز، و ما طرأ على المغرب من  تحولات جذرية في بنياته الاجتماعية والاقتصادية . وبالرغم من أن مجال الكتابة وهامشها لا يسمح بتدقيق و توثيق أهم دورات الاحتجاج و أسبابها-1-   ،فإننا سنعمل على استعراض أهم المحطات المؤثرة ،على مر قرن ونصف ، في تحولات الفعل الاحتجاجي ارتباطه بالسياسات المالية لحكام المغرب، المدعومة أجنبيا ( دول امبريالية ، تكتلات تجارية ، أسواق مالية  تتحكم في اقتصاديات الشعوب) .

فرضية دورات الأزمات الاقتصادية في تأثيرها على دورات الاحتجاج

ساهمت مختلف السياسات الاقتصادية و المالية التي تبناها المغرب  في بلورة قاعدة احتجاج اجتماعية ،نشطة ومتجددة، خضعت لعاملي تأثير ، ارتبطا بالسياسات المالية الحكومية على مر دورات الاحتجاج (1830-2010):

1-       عامل تأثير السياسات و الاختيارات الاقتصادية للنظام الحاكم ، وآليات تدبيره التقليدي لنظام الجبايات و الضرائب وتدبير دفة الحكم المتدبدبة ، إبان الأزمات الدورية المصاحبة لحكمه ، والتي زاد من تعقيدها ، صعوبة اندماجه و تماهيه مع سياسات الانفتاح الفج على منظومة الرأسمال العالمي.

2-       التغيرات الطارئة على التشكيلات الاجتماعية بالمغرب ارتباطا بمتطلبات السوق العالمية، ، و تدفق الرساميل الأجنبية (نظام التبعية ، والرسملة المشوهة للمغرب ) وتأثيرها على علاقات الإنتاج ، نتج عنها ظهور طبقة عاملة و تبلور مفهوم الدولة الحديثة وما استلزمها من شروط لإعادة ترتيب البناء وصياغة خرائط جديدة في صناعة النخب .

تقوم قراءتنا على استعراض تأثيرات السياسات الاقتصادية التي نهجها النظام السياسي، على التشكيلة الاجتماعية،  وافتراضنا فرضيتين في فهم تطور وثيرة الاحتجاج بالمغرب و التغيرات المصاحبة للفاعل السياسي و الاجتماعي في تأثره بالمعطى الاقتصادي:

فرضية 1: ترى أن كل أزمة اقتصادية طويلة المدى بالمغرب ، ترتبط موضوعيا بمعطى المديونية ،سرعان ما تصاحبها دورات احتجاج عميقة وعنيفة ، تتوزع بين الاحتجاج العفوي و المنظم بفعل التراكم الكمي و النوعي الحاصل ببنية الفاعلين في الحراك الاجتماعي،  -2-  و المتأثرة ضمنا باتساع المجال السكاني و بتعميق الفوارق الاجتماعية.

فرضية 2: تفترض أن كل دورة اقتصادية تؤثت لمسار دورة احتجاج ، يتراوح متوسط ديمومتها وتعبئتها للموارد البشرية من  4الى 5 سنوات ، تعنون كل لحظة احتجاج كبرى، إلا انه باندماج المغرب في الاقتصاد العالمي ، تسارعت وثيرتها لتتخذ خطا تصاعديا بمعدل سنتين عن كل لحظة احتجاجية ،تتمركز في العقد الأخير بالهامش(القرى و المدن الصاعدة ) أكثر من استمرار تفجرها في المراكز العمالية ،  وهو ما لا يتوافق مع بعض دورات الاحتجاج في البلدان العربية التي شهدت نفس الانتفاضات و التمردات ، والتي انتهت في لحظات تاريخية إلى تغيير أنظمتها السياسية أو إسقاط بعض رموزها .

وعلى مدار الدورات الأربع الاحتجاجية ، عالجت  الطبقة الحاكمة ، مسنودة بدعم امبريالي، اللحظات الاحتجاجية الكبرى  بآليتين بالغتي الدلالة ، تجعلها كطبقة قادرة على الانبعاث و التأقلم مع هكذا مستجد ومتغير: آلية القمع الدموي النموذجية و الممنهجة (سنوات الرصاص ، الاغتيال و الاختطاف ، التعذيب، النفي ، المحاكمات الصورية ) ، وآليات الاحتواء النموذجية(شراء النخب و تحقيق السلم الاجتماعي والسياسي ، دمقراطة الواجهة و الإغداق على بورجوازيتها الانتهازية من خلال تمكينها من الاستفادة من ثمار الاقتصاد الريعي و الديون الكريهة  (استفاد  كبار رأسماليي البلد بسخاء من  الدين الخارجي ،حيث بلغ 43 مليار درهم للفترة 1975-83، و119 مليار درهم للفترة 1984-92، و 138 مليار درهم للفترة 1993-2003.)

وعليه قسمنا دورات الاحتجاج إلى أربعة دورات :  (1830-1900) بمعدل انتفاضة أو تمرد عن كل 7 سنوات (1900-1956) انتفاضة أو تمرد عن كل 3أو4 سنوات-(1956-1980) بمعدل شكل احتجاجي أو انتفاضة عن كل 4سنوات- (1980-2008) تفترض متوالية احتجاج طبقي ، حركي اجتماعي ،سياسي ، مجالي سكاني ، توزعت بين 1980-1996  على معدل انتفاضة أو احتجاج في الهامش أو المركز  عن كل  4 سنوات لترتفع إلى معدل سنتين تصاعدية بدءا من 1998-2010. 

 

 

 

 

 

 

الدورات الاحتجاجية

حجم المديونية

السياق

الدورةالأولى:1830-1900

(1820-1850)1857-1863-1869-1874الدباغين-1881-1878-1889-1896

– بين 1889-1899 بلغ عجز الميزان التجاري 83 مليون فرنك .

– 1884 : افشل الأوروبيين ومقربي السلطان محاولة توحيد النظام الجبائي وتعميمه على الجميع بمن فيهم الأجانب : وأعيد إفشاله من خلال  قانون في 2 أبريل 1902

– الدورة الثانية :1900-1956

1902تازة – الاسكافيين 1904-1907الشاوية- 1911فاس-1923-السيبة1934-اضرابات عمالية1936و1937- 1952انتفاضة الكريان سنطرال-1955

-1901-1902 بلغ العجز 52 مليون فرنك، وقد منح بنك باريس والأراض المنخفضة″ أول قرض للمخزن دون ضمانات، بقيمة 7.5 مليون فرن-  1904 بلغ 62.5 مليون فرنك قدمه كونسورتيوم الأبناك الفرنسية

-1907  فشل الإقتطاعات الجبائية وتجاوز الديون 200 مليون فرنك

-1911 ثم رهن المراسي ومداخيل الخزينة للمستعمر وتوقيع قرض بـ90 مليون فرنك بباريس

– بلغ تبدير السلطان عبد العزيز في شرائه بعض المخترعات  الخاصة 30 مليون فرانك..في وقت كان فيه المغاربة  يعانون من الأوبئة القاتلة و الجوع و الجفاف.

وقعت معاهدة الحماية في 30 مارس 1912 بين السلطان عبد الحفيظ وفرنسا. كما وقعت في نونبر 1912 معاهدة فرنسية – إسبانية ألحقت بمقتضاها بإسبانيا مناطق نفوذها السابقة في شمالي المغرب وجنوبه تنفيذا لمعاهدة 1904 الأنغلوا – فرنسي

– الدورة الثالثة:1956-1980

1956-1958-1960-1965–1972-1976-1978

– قفزت مديونية الخزينة العامة بين 1960-1964 من 70 إلى 156 مليار فرانك

– 1972 بلغ  0.9 مليار دولار

– 1974 بلغ  1.2 مليار سنة

تقرر وفقا للمخطط الخماسي 1960-1964 تقليص عجز الميزانية نبتبني سياسة التقشف و الإصلاح الضريبي (إقرار ضريبة على الأجور و الاستهلاك و المنتوجات).

خلال فترة 1974-83: حصل المغرب على حوالي 50 مليار درهم ، لكنه سدد برسم الفوائد 18 مليار درهم، أي أكثر من ثلث القروض، كما ارتفعت الأسعار إلى 160%ما بين 1973-83

– الدورة الرابعة:1980-2008

  1981-1984-1988-1990-1993-1995-1996-1997-1998الهراويين،جرادة -2000تارميلالت-

2001مناجم الفحم-2002-2003-2005-2006-2007-افني 2008-

– سنة 1983 بلغت 12مليار دولار  وفي سنة 1987 سيصل الدين العمومي الخارجي إلى 18 مليار دولا وانتقلت خدمة الدين من 1,6 مليار دولار إلى 3 مليار دولار في 1990

 – 1996 بلغت  107 مليار درهم

– 1999 على سبيل المثال، بلغت – 1999 بلغت قروض المغرب الجديدة حوالي 15 مليار درهم

 – 2002 بلغت المديونية الداخلية حوالي 192 مليار درهم

– 2003 أداء خدمة الدين بلغ 126 مليار درهم .

1984-92: بلغت خدمة الدين حوالي 145 مليار درهم ، وإلى 316 مليار درهم في فترة 1993-2003

– صدر المغرب نحو مختلف الدائنين حوالي 16 مليار درهم كمعدل سنوي خلال سنوات 1996-1999

– سدد المغرب بين 1983 و 2008 إلى الخارج حوالي 69 مليار دولار، أي ما يعادل 6 مرات دينه الأصلي، أما الدين العمومي الداخلي للخزينة فقد وصل مع متم 2008 إلى 257.1 مليار درهم

مثال : المديونية و متوالية الاحتجاج الاجتماعي في الهامش و المركز من 1830-2010

الدورة الأولى(1830-1900): انهيار السوق المالية المغربية ..و.التاريخ المسكوت عنه في نضال المهمشين .

يلحظ في هذه المرحلة ،هيمنة حضور التضليل التوثيقي الغير العلمي الذي يغض النظر عن رصد التاريخ الاجتماعي للمهمشين ، على اعتبارهم لا تصنيف لهم:  ” العامة ”  -3- حيث هيمنة التأريخ السلطاني للأحداث -4- أو المرتبط بقراءات شوفينية ، أو استعمارية . ، إضافة  إلى هيمنة تأريخ المنتصرين -5-  و طغيان التوثيق الكولونيالي السوسيولوجي على رصد المرحلة .

إلا أنه بالعودة الى أهم مسببات  ومرتكزات الاحتجاجات و التذمر الحاصل(السيبة ، انتفاضة الدباغين ، تمردات القبائل وتعصبها لشيخ أو زاوية أو قائد يضمن لها الاستقلال الذاتي وتحفيز البعد التضامني التقليدي بين القبائل )، كان يكمن في نزع الأراضي وارتفاع الأسعار و كثرة الضرائب و الجبايات ، التي زامنها ارتفاع وثيرة المجاعات وقساوة الطبيعة وانتشار الأوبئة ” الطاعون الأسود “الذي قضى على قرابة  ثلث الشعب المغربي، وظاهرة الجفاف المزمن ، وعدم استقرار العملات -6-   التي أخذت تنهار مند نهاية النصف الأول من القرن 19 ” وقد اتسم هذا الانهيار بطابع تصاعدي . ضاعف تدهور سعرها روجان عدد كبير من النقود المزيفة ، أو المصنوعة من المعدن الرديء وكانت فاس تعج بمثل هذه القطع بسبب المضاربات النقدية “  -7-  كما فشلت كل محاولة ضرب وسك عملات جديدة من اجل استقرار السوق المالية و التجارية ، كما اتسعت هوة  الاحتجاجات الاجتماعية ضد نظام الحكم المركزي  ..مما سيؤدي إلى بروز طبقة جديدة تمثلت في السماسرة والتجار الصغار و الكبار ، كفاعل ومؤثر في ميزان الصراع وخصوصا مع تغلغل وتوسع التجارة العالمية .وتزايد الأطماع الأجنبية.

الدورة الثانية (1900-1956): إرساء بنيات الاقتصاد التبعي والنظام السياسي التقليدي..وتشكل طبقة جديدة

لسنا هنا إزاء عرض تاريخي ، ولكن نشير إلى أن رقعة الشطرنج الدولية و المغربية، تغيرت خرائطها ، فالمرحلة عنوانها العريض ، انبعاث الشعوب على أرضية توحيد المقاومات ضد السياسات الاستعمارية..وهي دورة لا ترتبط فقط بدورة محلية بل دورة عالمية من الاحتجاج ضد الامبريالية ، حيث انتعشت دورة الاحتجاج وفق محطات رئيسية : التطورات الحاصلة ما بعد الحربين العالميتين الأولى و الثانية و أزمة 1929 وإقرار النظام العالمي النقدي .

استسلم السلطان عبد العزيز للأطماع الامبريالية وأدت نزواته و إثقال كاهل مالية الخزينة المغربية بالمديونية ، إلى رهن الشعب المغربي للمستعمر (ظهير الحماية 1912)، كما وافق السلطان عبد الحفيظ على احتلال اسبانيا لشمال المغرب في حين تكلفت فرنسا  بالجنوب ، تمخضت عنها انبعاث حركة شعبية ، تقوم على إرادة الفلاحين في المغرب كحركة منظمة مسلحة ، و تأهيل نخب جديدة لتمارس سلطة التشريع والتوجيه السياسي و العسكري المقاومة ، ستتوج بتأسيس نموذج فريد لدولة حكم فلاحي بالريف، تأتمر بأمر قيادة قبائلية كارزماتية تمثلت في نموذج عبد الكريم الخطابي -8- الذي أعاد ترتيب الهيكل الإداري و الاقتصادي الضريبي  والسياسي ، وعمل على ترتيب قوى الفلاحين وتدريبهم عسكريا ليقود أكبر التمردات المسلحة  بدءا من سنة  1921  التي انتهت الى هزيمة تواطأ فيها المستعمر و النظام السياسي -9-

لا يزال الفلاحين والرعاة و الحرفيين يشكلون في بداية القرن الجديد ، ثلثي السكان ،وستفتح دورة الرأسمالية في المغرب ، نطاق انبعاث طبقة عمالية جديدة ، القسم المتخصص فيها، ثم جلبه  كمستوطنين وأطر إدارية فرنسية ، في حين تم إرسال عشرات الآلاف من اليد المغربية الغير المؤهلة لتعمل في المصانع و المعامل و الضيعات الفرنسية(بلغ عدد أول دفعة عمالية مغربية إلى فرنسا إبان الحرب العالمية الأولى 34.000 يد عاملة غير مؤهلة ). ستساهم في رسم الملامح الأولية لنشوء طبقة عمالية جديدة -10- ستضاف كمعادلة جديدة في موازين القوى ، مرفوقا بتغيرات جديدة ستطال  المجال الحضري و انتعاشة في الهجرة القروية إلى المدن ( ستتقلص عدد الهجرات مند 1939 بالنظر الى المحاصيل الزراعية الجيدة التي بلغت 35و31 مليون قنطار )، وانخراط فئات اجتماعية مهمشة جديدة في دائرة الاحتجاج :شباب  الأحياء المهشمة ، العاطلين وحركة المقاومة النسائية ،  العاملات ، التلاميذ و الطلبة كنخب ملحقة جديدة في ظل مغرب تشكل  نسب الأمية فيه أرقاما ضاربة .

الدورة الثالثة (1956-1980): الاستقلال الشكلي و السياسات الاقتصادية الموصوفة بعدم الاستقرار و الوضوح.

بعد الحصول على الاستقلال الشكلي ، عمت خيبة الأمل النخب الوطنية الجديدة ، وما أفرزته مقتضيات اتفاقية ايكس ليبان  ،كما أدى الإخفاق في تبني سياسات شعبية ، تنهض بالأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية إلى اتساع  رقعة الفعل الاحتجاجي الاجتماعي في المجالات السكنية المهمشة ..فمع نهاية الستينيات عانى المغرب من تأثيرات الفوضى العالمية ، نتج عنه ارتفاع في الأسعار طيلة 1958-1972 بنسبة 42.6% أي بمعدل زيادة سنوية 3% ، زاده الوضع بلة ،إقرار الولايات المتحدة سنة 1971 إلغاء إمكانية تصريف الدولار الأمريكي بالذهب ، واعتماد نظام سعر الصرف المتقلب ،وتجميد الأجور لتحقيق تراكم الثروة الرأسمالية، مما انعكس سلبا على ميولات المستهلك نتيجة غلاء المعيشة ( ارتفاع أسعار المواد الغذائية في السبعينات تراوح بين 6% و 12.5%شملت 86%من مجموع المواد) وتطور ظاهرة الانتفاضات الشعبية الصغيرة popolino   البوبولينو بالمدن الصاعدة .ويلحظ في هذه الدورة تميزها بكونها تشكل امتدادا للدورة الثانية ، سياسيا واقتصاديا و اجتماعيا وثقافيا ارتباطا بما يلي:

1-      عامل الترابط العضوي مع المنقول الرمزي و المادي للرأسمالية العالمية ، مع المداومة على  إفراز نخب تحررية جديدة ، رافقها تحديث مرن للسلطة المطلقة ونخبها الداعمة ، و تشكل الطبقة العاملة على هامش الرسملة الاستعمارية للقطاعات العقارية الزراعية و الصناعية في المغرب(في1955 بلغت أرقام الرساميل الأجنبية المستثمرة في الشركات حوالي 22 مليار فرنك هربت من فرنسا إلى المغرب مع بلوغ الجالية الأوروبية المقيمة 300.000 نسمة سنة 1942) .

2-      عامل الاحتجاج الدوري الذي شرع يخرج نسبيا من طابعه القبلي إلى طابعه المنظم في المجتمع المدني ،بإيعاز من النخب التحررية  الجديدة ،  و استكمال ملامح تشكل  المؤسسات الحزبية وما رافقها من تحديات (المقاومة المسلحة 1956-1966-1973..) و تجديد في وسائط العمل الجماهيري  الجمعوية و النقابية، واتساع  نسبة الفلاحين بغير ارض أو فئة العمال الزراعيين( بلغ عدد الأسر القروية التي لا تملك أرضا مابين 1961-1963 تقريبا 543.284 أسرة أي 32,9 % من مجموع الأسر القروية)-11-  وتبلور جيل شبيبي جديد مفجر للاحتجاج (انتفاضة الحركة الطلابية و التلاميذية 1965 باعتباره تجسيد لأول اصطدام طبقي بين المجتمع و سلطة الدولة التقليدية ) وهي سياسات لا تخرج انعكاساتها عن المحيط الإقليمي، حيث انتهت سياسة التحرير الاقتصادي في مصر إلى انتفاضة 1977- تونس 26 يناير 1978- -الجزائر )

3-      انعكست الأزمة الاقتصادية للرأسمالية العالمية ،سلبا على الاقتصاد المغربي الذي لم يكن يتبنى حاكموه سياسات وبرامج واضحة ، فبمجرد إعلان الولايات المتحدة على النظام النقدي العالمي ، وطفو ظاهرة البيترودولار ، وميل مجموعة من الدول إلى تبني سياسات حمائية ضد صادرات دول العالم الثالث ..اضطر المغرب إلى الاستدانة ،جراء ارتفاع تكاليف المعيشة ( ارتفعت الأسعار بنسبة 160% ما بين سنتي 1973-1983 اي بمعدل زيادة سنوية بنسبة 17%).

تؤكد انتفاضات مرحلة الستينيات والسبعينيات العفوية ، أنها رد فعل قوي على نتائج  السياسات المالية و الاقتصادية حيث أدى إقرار الدولة لميزانية 1965 إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي ، خصصت ثلثه لنفقات أجهزة الدولة ، كما جمدت الأجور في مقابل ارتفاع الأسعار بنسبة 50%.12- و اضطرت في مخططها الخماسي بين 1973-1977 إلى إقرار الزيادة في حجم النقود في تناقض مع حجم الانتاج مما تسبب في التضخم .-13- وارتفاع معدل الأسعار الى 20.5% سنة 1975.

الدورة الرابعة (1980-2008): ..خطوة..خطوة في اتجاه السكتة القلبية. المد و الجزر في عجلة الاحتجاجات .

في الوقت الذي شهدت فيه دول المنطقة انتفاضات انتهى بعضها إلى تغيير نظام الحكم :(تونس في يناير 1984- السودان 1985-الجزائر أكتوبر 1988-) كامتداد طبيعي لفترة السبعينيات ، هيمنت روح سياسات تقشفية مملية ، عبر حلقات ، في المغرب وفي المنطقة العربية ، رافقتها سلسلة احتجاجات في مدن المركز بتأثير من فاعلين جدد بالمغرب (يونيو 1981- يناير 1984دجنبر 1990- ) خلفت المئات من القتلى و الآلاف من الجرحى و المعطوبين.

ساهم التوسع المجالي السكاني في طرح أرضيات جديدة في انتعاشة الرفض ،وتطور في بنى التشكيلات الاجتماعية النشطة من وعمال وعاطلين وضحايا سياسات الإقصاء و فلاحين(شكل سكان البادية سنوات 1971 و1982 و1994 على التوالي 64,8 %  57,3 % 48,6 %) في مقابل انتعاشة في نضالات الطبقة العاملة (عرفت سنوات 1977-1984 -1990تأثير الفعل النقابي في الاحتجاج) ، كما عرفت المراكز الحضرية انتعاشة في المجال العمراني و تضخم مجالها السكاني ( شكل عدد سكان البيضاء  حوالي 12%من ساكنة المغرب وتمركز 40% من مناصب الشغل بالمغرب، و40% من مجموع الاستهلاك الوطني العام للطاقة جعلها في يونيو 1981 مركزا لعمليات الاحتجاج الجماعية.). أهلها لتكون أول معبر عن تمظهرات تأثيرات السياسات الحكومية، حيث  بلغ العجز الغذائي 40%من الحبوب و السكر كما سترفع الحكومة أسعار المواد الغذائية بنسبة 39%في السكر و الحليب و الزيت قبل أن تتأرجح إلى تخفيضها بنسبة 50%وارتفاع نسبة الهجرة القروية إلى المدن،إضافة إلى الجفاف ، علما أن اغلب المهاجرين من فئة الفلاحين الصغار (بلغ عددهم سنة 1996 نحو 999.700 مالك أرض أي 67 % من مجموع المالكين ، بمعدل 24 % من مالك ارض على المساحة الزراعية الإجمالية في المغرب) ووصل العجز في مجال السكن إلى  1.5مليون سكن .

تبنت الحكومة في غشت 1983 سياسات التقويم الهيكلي الذي اقتضى بموجبه أن يقوم المغرب ب: بإصلاح بنكي ، تفويت 13 مؤسسة تابعة للدولة لبعض الخواص ، تحرير ميكانيزمات تحديد الأسعار وإخضاعه لمتطلبات السوق ، تحرير التجارة الخارجية ، تخفيض قيمة الدرهم ..كما عملت على إعادة تحيين استراتيجياتها في تخفيف العبء الاحتجاجي للمدن المركزية ، وتأهيل المجال القروي والحضري(دراسة تصميم مديري جديد للمدن، وتحفيز الإنعاش الوطني لاحتواء تبعات الهجرة) ..كل هذه السياسات قضت  بتخفيف تدخل الدولة في النفقات العمومية ،وهي سياسات فاسدة ، باتت تقبر أي إمكانية لانعتاق المغاربة من الفقر مما نتج عنه متوالية انتفاضات كبرى وضخمة  :1984 و1990،  إلا انه بعد انتفاضة 2008 افني وما رافقها من انتفاضات في المدن الصاعدة والهوامش…سيتخذ مشهد الاحتجاج الاجتماعي بعدا جديدا ، حيث شرعت الجماهير تتمرس على خلق تنظيماتها الذاتية و تعبئة مواردها البشرية و تحقيق مطالبها بمعزل عن الفاعل السياسي الذي أصبح يتفاعل مع الأحداث بعدما كان مركز الفاعل فيها .

خلاصة

بعد 2010 يجدر الإشارة إلى أن الانتفاضات العفوية و الاحتجاجات السكانية المتواترة ، باتت تخضع لإيقاع  ، يقوم على معدل 5 لحظات احتجاجية كبرى في الهامش كل سنة وواحدة في المركز… ومع انفجار الغضب الجماهيري ” الربيع العربي” تحولت التمردات و الاحتجاجات و الانتفاضات الشعبية إلى صيرورة يومية في مختلف المناطق القروية أو الحضرية ، لكنها غير قابلة للتطور بحكم إحكام النظام المخزني قبضته على منحى الاحتجاج وفق  آليتي : القمع و الاحتواء ( تكريس السلم الاجتماعي و الزيادة الطفيفة في الأجور )دون استحضار للزخم الاحتجاجي لحركة 20 فبراير.

إن هذا الواقع الجديد ،باعتباره انعكاسا للتوجهات النيوليبرالية ، بقدر ما يتيح في المرحلة القادمة إمكانيات تفجر  دافعي ،تقوده الجماهير، عفويا وفجائيا ، في حركية موحدة في المكان و الزمان ،  بقدر ما يتهدده نزوع الجماعات الإسلامية (التي لا تتناقض برامجها الاقتصادية عن البرامج النيوليبرالية) إلى اقتناص الغضب الجماهيري في إقبار طموحاته في التغيير و التحرر من نير التبعية …إن الدورة الجديدة المستقبلية التي ترتبط بالغلو في تبني السياسات النيوليبرالية ، تنذر بعودة الاحتجاج بقوة  إلى المراكز الحضري الصاعدة و المتوسطة  أكثر مما هو هامشي في القرى و المدن الكبرى ، نتيجة للنمو الديمغرافي و لحالة الاستغلال المكثف التي تنتجها امتدادات الأزمة الشاملة للرأسمالية وتداعياتها على المغرب ، وتبدد أوهام التنمية باعتبارها اقتصاد ريع جديد.

الهامش

1-      يتحدث كل من كوندراتييف و ارنست مانديل على حدوث أزمات اقتصادية طويلة للرأسمالية بما يتمخض عنها موجات طويلة من الاحتجاجات الاجتماعية المصاحبة لها ، وهو ما يستتبعه تأثيرات جانبية ومحورية في الاقتصاديات التبعية .

2-      ادريس المغراوي : الأسس النظرية لدراسة المجالات الاجتماعية المهمشة منشورات مختبر المغرب والعوالم الغربية و الجمعية المغربية للبحث التاريخي طبعة 2011 ص5:ظهر في الثمانينات الحاجة إلى دراسات معمقة حول التاريخ الاجتماعي للشعوب ، خصوصا بالقارة الهندية تتناول دراسات المجالات الاجتماعية المهمشةEtudes subalternes

3-      قسم نظام الحكم التشكيلة الهرمية للمجتمع المغربي قبل القرن العشرين على أساس معيار”الخاصة” التي تعتبر صفوة القوم و المقربين من السلطان وأداته القمعية(الجيش ) ووظيفة الشرعنة و الاحتواء (العلماء/ الفقهاء ) في حين اختزل الشعب في كلمة ” العامة” و التي يتضمن وصف المولى سليمان الكثير من التأفف و الترفع ” ” إنهم في عداد الأموات لا الأحياء “

4-      كتب عبد الله العروي : كتاب مجمل تاريخ المغرب الجزء 1 طبعة الأولى 2007 المركز الثقافي العربي في نقده للكتابات السلطانية التقليدية وافتقادها للطباع العلمي  :” يعني تجديد تاريخ المغرب ، بالمعنى الأوسع ، تغيير ذهنية المؤرخ ، اعتمادا على استغلال تقنيات البحث المعاصر بهدف إعادة تحقيب ماضي المغرب” ص 24

5-      يكتب اندريه غندر ومارتا فويتس في مقال بعنوان ” الحركات الاجتماعية في التاريخ العالمي الحديث : ” ان تاريخ حركات الاحتجاج الاجتماعية ،تعرض للقمع و الاخفاء بما يشبه المؤامرة التي حالها هؤلاء المنتصرون الطبقيون و القوميون بمن فيهم ال1كور من الطبقة العاملة .ويشمل القمع تاريخ التداخل بين تلك الحركات وتعاونها وتداخلها مع حركة الطبقة العاملة ” كتاب الاضطراب الكبير ، الفارابي 1991ص147

6-      يكتب د.العربي اكنينح في كتابه : دراسات في تاريخ المغرب ص 21: ” إلا أن الوضعية المالية للمغرب ، بعد النصف الثاني من القرن 19 قد انقلبت رأسا على عقب ، فحسابات بيوت مال السلاطين ، سيدي محمد بن عبد الرحمان ، ومولاي الحسن ، ومولاي عبد العزيز …تكشف عن ندرة النقود المغربية الفضية القديمة ..وحلول القطع الأجنبية محلها ” .

7-       د.العربي اكنينح في كتابه : دراسات في تاريخ المغرب ص 21: الطبعة الأولى 2008

8-      جرمان عياش : أصول حرب الريف : ترجمة محمد الأمين البزار وعبد العزيز النمسماني خلوق صص 5-109

9-       زكية داوود : جاء في كتاب ملحمة الذهب والدم،ص: “وذهب السلطان يوسف إلى الجبهة لتفقدها بنفسه. ثم أصدر تعليماته بتجنيد “المحلات” الشريفية ووضعها تحت إمرة أخيه المامون الذي عينه حديثا خليفة لفاس. وفي الوقت الذي وجه إليه مجلس الشيوخ الفرنسي تهانئه، دعا رعاياه رسميا إلى التطوع ضد “المحتال” (أي عبد الكريم الخطابي)… “خلصوا المغرب من هذا المتمرد”، قال السلطان لبيتان”.

10-    كتاب البير عياش : الحركة النقابية المغربية الجزء الاول 1919-1942 : دار الخطابي ، الطبعة الاولى 1988، ترجمة نور الدين مسعودي مراجعة العربي مفضال ، ص 10 .

11-  Resultats de l’enquete à l’objectifs multiples 1961-1963, La Promotion Nationale, division du plan et des statistiques, service central des statistiques, Rabat, page 185.

12-   Lambotte(robert) : « les raisons de la colère » ;L humanité ; n 6405 ;29Mars1965 ;p .4

13-    المعطي سهيل :غلاء المعيشة في المغرب 1956-1996 مطبوعات دار النشر ص 44

 

زر الذهاب إلى الأعلى