الديون

خروقات ليديك : من يوقف النزيف ؟ و هل من بدائل ؟

 

خروقات ليديك : من يوقف النزيف ؟ و هل من بدائل ؟

“… الماء هو مورد طبيعي ، من دون ماء لا نستطيع أن نعيش ، وبالتالي المياه لا يمكن أن تخضع لمنطق رجال الأعمال، وإذا كانت كذلك فسوف يتم انتهاك حقوق الإنسان. يجب أن يكون الماء خدمة عمومية ……  ليس من الممكن خصخصة الخدمات الأساسية. لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن للحكومات السابقة خوصصة الخدمات الأساسية ، لاسيما المياه…”  من خطاب الرئيس البوليفي ايفو موراليس عند تنصيبه في عام 2006  

موضوع التدبير المفوض في البيضاء و بالأخص ما يمكن أن نسميه فضيحة ليديك تلخص إلى حد بعيد مجموع المشاكل التي يعاني منها المواطن المغربي في علاقته بالحكام و النخبة السياسية و الاقتصادية التي تسير هذه البلاد  بحيث هذا الملف رمز للفساد بكل أشكاله الإداري و المالي و السياسي و كذلك رمز لتواطؤ مكشوف لجزء كبير من هذه النخبة و تقاطع مصالحها مع المصالح الاستعمارية الجديدة لفرنسا في المغرب و هو ما يفسر حرص هذه الأخير على التطبيل و تشجيع النظام على مسلسل ديمقراطية الواجهة و الديمقراطية بنظام التنقيط  « Goutte à goutte » التي لا تتردد الدبلوماسية الفرنسية في مدحه من خلال تصريحات ألان جوبي و يبين إلا حد كبير أن المغرب شأنه في ذلك شأن مجموعة من الدول الإفريقية ما زال للآسف يشكل حديقتها الخلفية.

سأحاول أن أتناول هذا الموضوع في محورين أساسيين : الأول حول الخروقات الكبيرة التي اقترفتها شركة ليديك التابعة للشركة الفرنسية المتعددة الاستيطان  سوييز SUEZو سأعتمد في ذلك على وثيقة رسمية و هي التقرير السنوي الأخير للمجلس الأعلى للحسابات لسنة [i]2009.

في المحور الثاني سأحاول التطرق للبدائل الممكنة، بدائل من خارج منطق السوق، لأن المشكل في اعتقادي ليس فقط أن هناك أشخاص فاسدين و أن الشركة قامت بالتحايل و لكن أصل المشكل هو تفويت القطاع للخواص و إخضاع خدمات أساسية لمنطق السوق و وضعه تحت رحمة شركات خاصة عالمية أو محلية لا يهمها إلا الربح أو بتعبير أدق أكبر قدر من الأرباح. البدائل التي سنتحدث عنها ستكون من خارج السوق و سأحاول أن أستعرض بعض النماذج من مدن تخلصت من “عقدة” التدبير المفوض و استطاعت أن تحصل على جودة عالية و تحسن كافة المؤشرات خاصة التقنية و الاجتماعية منها.

لأختم بمقترحات عملية حول مالعمل هنا و الآن من أجل بلورة هذه البدائل الممكنة لتتحول من أحلام إلى واقع ملموس يبنيه المواطنون و المواطنات بشكل يومي من أجل مغرب أخر ممكن أصبح اليوم ضروريا.

خروقات ليديك من خلال تقرير المجلس الأعلى للحسابات 

بعد الاختلالات و التجاوزات التي سجلها الافتحاص الذي قامت به لجنة الخبرة التي تم تشكيلها بداية سنة 2008 أي عشر سنوات بعد توقيع العقد[ii]، جاء التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات لسنة 2009 لتأكيد تلك الخروقات التي اقترفتها شركة ليديك بعد استفادتها في 28 أبريل 1997 من عقد للتدبير المفوض للخدمات المتعلقة بتوزيع الماء و الكهرباء و التطهير السائل مدته 30 عاما، مرت منها إلى حد الآن ما يقارب 15 سنة. و تجدر الإشارة إلى أن هذا التفويت لم يشكل إلا عودة لسيطرة الشركات الفرنسية –المستعمر القديم/الجديد- على هذا القطاع مند سنة 1914 و إلى غاية 1964 عن طريق شركة SMD –الشركة المغربية للماء و الكهرباء- الفرنسية.

يتكون عقد التدبير المفوض من دفاتر التحملات بالإضافة إلى 14 ملحقا تمت مراجعته بواسطة عقد ملحق دخل حيز التنفيذ بتاريخ 20 ماي 2009.

يشمل تقرير المجلس الأعلى للحسابات 6 محاور هي: المشاريع، الأداء في المجال الاجتماعي، المقتضيات المالية، تسيير صندوق الأشغال، تتبع و مراقبة التدبير المفوض، نواقص تسيير المرحلة الانتقالية.

سأحاول التركيز هنا على 3 محاور الأولى الأساسية :

الخروقات في انجاز المشاريع و المجال الاجتماعي 

وقف التقرير على تملص ليديك من التزاماتها في تنفيذ العديد من المشاريع بالإضافة إلى مجموعة من الخروقات التي صاحبت تنفيذ بعض المشاريع.

و من خلال العينة المختارة لسنة 2006، لم تنجز ليديك ما يعادل 250 مليون درهم من مشاريع البنى التحتية و أشغال تقوية الشبكة المبرمجة لتلك السنة. أي ما يعادل 2.5 مليار درهم خلال عشر سنوات. و قد تبين حسب نفس التقرير أن ما يفوق 30 مشروعا لم يتم انجازها بما فيها مشروع مكافحة التلوث بمبلغ يفوق المليار (قيمة 1996). وقد كان لعدم انجاز هذه المشاريع وقع سيئ على جودة الخدمات و تحسين مرد ودية توزيع الماء التي لم تتجاوز 74 في المائة في حين أن ليديك التزمت في عقد التدبير المفوض ب 77 في المائة كهدف أدنى. كما تم تسجيل عدة حالات لأحياء سكنية يتم تزويدها بماء مشبع بالصدأ نظرا لعدم تجديد قنوات الشبكة القديمة و المصنوعة من الفولاذ الرمادي و التي بدأ استعملها منذ 1930 ولازالت تستعمل إلى اليوم و قدر طولها ب 672 كلم من القنوات و هو ما يشكل خطرا على الصحة العمومية للمواطنين[iii].

في حين أن مشاريع أخرى تعرف تأخرا كبيرا و منها من يزال  منذ أكثر من عشر سنوات في طور الدراسات و من بينها مشاريع معالجة المياه العادمة و محاربة التلوث بالإضافة إلى مشاريع لبنى تحتية أساسية لمكافحة الفيضانات (أحواض العاصفة bassins d’orage، المحطات المطرية …) و خاصة مشروع “قناة الصرف الكبرى الغربية لبوسكورة Super collecteur Ouest de bousoukoura، …) و الذي من المفترض أن يساهم في تخفيف وقع فياضانات واد بوسكورة على مدينة البيضاء. و للإشارة فقد خلف فيضان هذا الواد في نونبر من العام الماضي خسائر كبيرة وصلت إلى حد قطع كل منافد المدينة و إلحاق العديد من الأضرار بممتلكات المواطنين … و كادت النتيجة أن تكون أسوء بكثير لولى تواجد مؤسسات كالمدرسة الحسنية للآشغال العمومية EHTPو إدارة المجمع الشريف للفوسفاط OCP و مختبر LPEE  التي توجد في مدخل المدينة على محور واد بوسكورة و تتوفر على مساحات واسعة و منخفضة مما جعلها تلعب عمليا دور  “أحواض عاصفة” لكن تلك الفضانات كلفت بالمقابل هذه المؤسسات العمومية خسائر فادحة خاصة من خلال إتلاف العديد من المعطيات و الحواسيب و المعدات الالكترونية ….

و يذكر أن شركة ليديك تعهدت بانجاز هذا المشروع منذ توقيعها على العقد في 1997 بقيمة مليار سنتيم، اليوم تقدر قيمة المشروع ب 60 مليار سنتيم بعد ما أعادت ليديك دراسته لعدة مرات !! [iv] 

و بالتالي فإن تكلفة التأخير في انجاز المشاريع المبرمجة و المتعاقد حولها تكون كبيرة جدا ليس فقط نظرا للارتفاع أسعار مواد البناء و الخدمات أي تكلفة الإنجاز تكون مرتفعة و لكن “تكلفة عدم الانجاز” و الأضرار الناجمة عنها بالنسبة للمواطنين و سلامتهم الصحية و ممتلكاتهم و تعطيل الحركة الاقتصادية يصعب تقديرها و هو ما عايشه البيضاويون في شتاء العام الماضي عندما توقفت الحياة في المدينة الاقتصادية بشكل شبه كلي. 

و إذ كان يحلو للبعض إلصاق انعدام الشفافية بالتسيير العمومي فمن بين ما سجله تقرير المجلس الأعلى للحسابات فيما يخص المشاريع المنجزة على قلتها هو “غياب و وثائق كدراسات الجدوى و الصفقات و محاضر التسلم”. كما أن التقرير سجل تحايل ليديك و عدم احترامها للمعايير المحاسباتية من خلال تضخيم الانجازات المادية في البيانات المقدمة بنسبة تزيد عن 78 في المائة بالنسبة لنفس العينة المختارة لسنة 2006. دون الحديث عن إتلاف مجموعة من المعطيات عن السنوات الأولى و هو ما كان قد وقف عنده تقرير الخبرة في 2008. 

و فيما يخص الربط الاجتماعي لم تحترم ليديك التزاماتها التعاقدية بحيث عوض 45 ألف ربط اجتماعي المتفق عليها خلال خمس سنوات لم تتجاوز النسبة 9 ألاف خلال نفس المدة و هو ما يعني حرمان ما يقارب 100 ألف من البيضاويين من حقهم في الربط بشبكة الماء الصالح للشرب منذ مجيئ ليديك.

و لم ينفع في هذا المجال العقد الإطار الذي وقعته شركة ليديك في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية حيث أن نسبة الانجاز لم تتعدى 6 في المائة حتى تاريخ مهمة المراقبة سنة 2009 من الأهداف المسطرة و التي كان من المفروض بلوغها قبل متم نفس السنة !! 

في الخروقات المالية 

قامت شركة ليديك في خرق واضح لمقتضيات عقد التدبير المفوض بتوزيع أرباح على المساهمين منذ سنة 2003 في حين أن العقد الذي وقعت و وافقت عليه ينص على عدم توزيع أية أرباح قبل سنة 2006. و ما يدعوا للاستغراب بالإضافة إلى غياب أي رد فعل حقيقي للسلطات و المنتخبين المكلفين بالمراقبة طيلة مدة صرف هذه الأرباح  هو تواجد فرع صندوق الإيداع و التدبير و هو مؤسسة عمومية  من بين المساهمين في شركة ليديك بنسبة 19 في المائة و استفادته كذلك من الأرباح قبل الأوان إلى جانب الشركة المتعددة الاستيطان سوييز التي حصلت بطبيعة الحال على حصة الأسد. 

و يلخص الجدول الآتي مجموع الأرباح الموزعة إلى حدود سنة 2008 مع مقارنة مع ما كان مرتقبا في عقد التدبير الذي تم توقيعه سنة 1997: 

 

الفارق

 

 

الأرباح الموزعة فعليا

 

(مليون درهم) 

 

 

مبلغ الأرباح المحدد توزيعه بموجب العقد

 

(مليون درهم) 

 

 

السنة 

 

 

 

 

 

 

 

-100

 

 

 

 

 

100

 

 

0

 

 

2003

 

 

 

 

 

 

 

-100

 

 

 

 

 

100

 

 

0

 

 

2004

 

 

 

 

 

 

 

-180

 

 

 

 

 

180

 

 

0

 

 

2005

 

 

 

 

 

 

 

-1

 

2

 

 

 

 

 

180

 

 

28

 

 

2006

 

 

127

 

 

100

 

 

227

 

 

2007

 

 

 

 

 

 

 

-204

 

 

 

 

 

760

 

 

556

 

 

المجموع 

 

من بين الخروقات المالية التي سجلها التقرير نجد كذلك ما يمكن تسميته ب ليديك كيت LYDEC GATE حيث أن المفوض له شركة ليديك لجأت و في خرق سافر لمقتضيات و بصفة أحادية إلى إبرام اتفاقية للمساعدة التقنية مع المساهمين المؤسسين لشركة ليديك و تعويضات لفائدتهم تم تحديدها في :

  • تعويض جزافي مرتبط برقم المعاملات على ما أسمته الشركة المساعدة التقنية المستمرة و قد قدر التقرير مبلغ هذه التعويضات ما بين سنوات  1997 و 2008 ما يقارب المليار درهم.
  • مصاريف و تحملات المساعدة التقنية المباشر و مصارف المغتربين يتم فوترتها مباشرة بعد كل تدخل بطيعة الحال يحدد المساهمون بصفة أحادية مبلغها و حجمها و قد قدر التقرير هذه المصاريف بما يفوق 50 مليون درهم سنويا.

و تعتبر هذه التعويضات الغير قانونية تهريبا للأرباح لفائدة المساهمين و قد أكد التقرير أنها مكنتهم من استرجاع ما يعادل الرأسمال المستثمر في أقل من عشر سنوات.

وخلص التقرير إلى تجاوز المفوض له ليديك للأرباح المتعاقد عليها و قدر ارتفاع نسبة المردودية الداخلية taux de   rentabilité interne  إلى 18.5 في المائة عوض 15 في المائة المنصوص عليها في العقد و التي تشمل تحمل ليديك للمخاطر.

 

إن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة أمام هول هذه الخروقات هو أين كانت سلطات المراقبة  من منتخبين داخل مجلس المدينة و ممثلي وزارة الداخلية و ما الذي قاموا به من اجل إيقاف هذا النزيف و لماذا لم يتم تحريك متابعات قضائية بتبدير المال العام و الربح الغير مشروع ضد هذه الشركة بعد صدور هدا التقرير. و قد ردت شركة ليديك على هذا التقرير بأن معظم التجاوزات التي وردت فيه و التي لا تنفيها كلها بالمناسبة تمت معالجتها في مراجعة 2009 و هو ما يدفعنا إلى الاعتقاد بان تلك المراجعة استفادت منها أكثر ليديك بحيث تعتبرها اليوم شهادة لتبرئة ذمتها في هذه الجرائم الاقتصادية التي اقترفتها بتواطئ مع سلطات المراقبة.

و من المثير للانتباه العجرفة و عدم المبالاة التي تتعامل بها شركة ليديك و مسئوليها الفرنسيين مع سلطات المراقبة و بالمقابل نلاحظ انبطاح و خنوع معظم المسئولين عن المراقبة و صمتهم بل و حتى الدفاع عنها في بعض الحيان. فشركة ليديك لا تولي أي احترام لهذه المؤسسات و ممثليها و يظهر ذلك جليا في مجموعة من المناسبات. فبالإضافة إلى القرارات التي تهم التسيير المالي للقطاع و التي اتخذتها شركة ليديك بشكل أحادي بما فيها قرار دخول البورصة، لم يكلف مدير الشركة نفسه عناء المثول أمام أعضاء المجلس بعد الأحداث المأساوية التي عرفتها المدينة شتاء العام الماضي و التي تتحمل فيها شركته قسطا كبيرا من المسئولية.

و تجد هذه العجرفة و التعالي تفسيرهما في اعتقادي في مستويين:

  • مستوى موضوعي مرتبط بنوعية المراقبين و تورط معظمهم في عمليات فساد مباشرة أو غير مباشرة مع الشركة بما فيها تمويل حملات انتخابية لبعض المسئولين الجماعيين مما يعطي لمديريها الانطباع  بإمكانية شراء كل الذمم و التصرف كما يشاءون في الممتلكات العامة.
  • ·         مستوى مرتبط بما يمكن تسميته بعقدة المستعمر[v]  « le complexe du colonisé »المستبطنة لدى الطرفين بما هي إحساس دفين لدى المستعمًر و المستعمِر بسمو هذا الأخير “الطبيعي” بالمقارنة مع سكان مستعمراته القديمة/الجديدة. 

في البدائل : تسيير عمومي تحت رقابة شعبية 

  إن حصيلة ما يقارب 15 سنة من التدبير المفوض بمدينة الدار البيضاء من طرف شركة ليديك تعد كارثية على كافة المستويات :

  • في المجال الاجتماعي من خلال حرمان العديد من المواطنين من حقهم في الربط الاجتماعي والرفع الهستيري في فواتير الماء و الكهرباء سواء بشكل مباشر أو عبر تقليص الشطر الاجتماعي و هو أدى إلى ضرب القدرة الشرائية الضعيفة أصلا للسكان المدينة
  • في المجال التقني و جودة الخدمات: ما عدى عمليات التجميل الخارجية التي عرفتها بعض المقرات الإدارية و خاصة وكالات الأداء و تنظيم عمليات الأداء لم تكلف ليديك نقسها عناء الاستثمار من أجل تحسين جودة خدماتها كما أوضحنا ذلك سابقا
  • في المجال المالي بتهريب مبالغ هامة من الأموال بالعملة الصعبة سواء كأرباح مباشرة أو أخرى مقنعة على شكل مصاريف للشركة الأم.
  • في مجال خلق مناصب الشغل تملصت ليديك من التزاماتها اتجاه حوالي 1000 من العمال العرضين السابقين و التي التزمت بترسيمهم كما تؤكد على ذلك رسالة الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي الموجهة لوزير الداخلية و التي يطالب فيها بإدماجهم.
  • في المجال الأيكلوجي تبين المردودية الضعيفة لشبكة الماء التبذير الذي تتعرض له مواردنا المائية الضعيفة أصلا و المرشحة للتراجع بفعل التغيرات المناخية[vi] و غياب أي مجهود حقيقي من اجل تدارك الأمر بالإضافة إلى مواصلة قذف الجزء الأكبر من المياه العادمة في البحر بدون أية معالجة نظرا لعدم إنشاء محطات المعالجة التي تمث برمجتها منذ سنوات. 

إن تجربتنا في مدينة البيضاء مع شركة ليديك و التجاوزات و التلاعبات التي عرفها تدبير هذا القطاع بعد تفويته يسقط المسلمات الليبرالية التي  تبناها مسئولونا و أبدعوا في تنفيذها حتى أصبح المغرب مثالا تطلب المؤسسات المالية العالمية من الدول الأخرى اتباعه.

و يمكننا أن نلاحظ ذلك بشكل جلي في تقرير البنك الدولي لمارس 2008  حول منطقة  MENA   حيث يِؤكد التقرير أن : 

بلدان كثيرة شرعت أيضا في تدبير مواردها المائية بشكل أكثر عقلانية، من خلال إجراء اللامركزية على مستوى اتخاذ القرار أو حتى من خلال تطوير شراكات بين القطاع العمومي والقطاع الخاص، كما هو الشأن بالنسبة المغرب…..من نواحي عديدة، يعتبر المغرب ‘‘بطلا‘‘ في منطقة الشرق الأوسط وبلدان شمال إفريقيا……كما أنه استطاع اجتذاب القطاع الخاص لتوفير التمويل والخبرة الضروريين لتدبير هذا القطاع 

و من بين هذه المسلمات التي يتم الترويج لها من طرف دعاة الليبرالية الاقتصادية و المحافظون الجدد[vii]: سمو التدبير الخاص و فعاليته بالمقارنة مع التدبير العمومي. تفشي الرشوة و انعدام الشفافية في التسيير العمومي.

لدى من الضروري دحض هذه الأكاذيب و خوض هذا الصراع المفاهيمي و الإيديولوجي الذي قاده الليبراليون لمدة عقود و خلف مجموعة من الأحكام المسبقة و المسلمات حتى داخل الأوساط المناضلة.

و يرافق كذلك النقاش حول البدائل لمهزلة التدبير المفوض مجموعة من الأوهام حول صعوبة تعويض هذه الشركات العالمية و صعوبة القيام بتدبير هذه القطاعات بالاعتماد على مؤهلاتنا الداخلية. و هنا وجب التذكير بأنه لدينا من الطاقات و المؤهلات ما يكفي لتمكيننا من تدبير قطاعات حيوية من قبيل تزويد الناس بالماء الصالح للشرب و  الصرف الصحي و معالجة المياه العادمة….كما أنه يمكننا الاستناد على التجارب التي خاضتها مجموعة من العواصم العالمية في العودة إلى تسيير جماعي و اجتازت بنجاح هذه العودة مع تحسن ملحوظ في كل المؤشرات حتى التقنية منها.

بعض التجارب  العالمية ناجحة في التسيير العمومي [viii]

  •          مدينة كرونوبل الفرنسية

تسيير عمومي منذ 2001 بعد فاشل تجربة التدبير المفوض لمدة 12 سنة لفائدة نفس الشركة الأم لليديك شركة سوييز و قد صاحب هذه الصفقة فضائح رشاوى تورط فيها عمدة المدينة و صلت قيمتها إلى 2.7 مليون أورو  و ارتفاع كبير في الفواتير. و قد أدت نضالات السكان و تغيير في تشكيلة مجلس المدينة بهيمنة لليساريين إلى فسخ العقدة و متابعات قضائية و عقوبات وصلت إلى  حبس عمدة المدينة و شخصيات نافذة في الشركة المستفيدة. وقد عرفت الأسعار مع التسيير العمومي استقرارا و تعد ألضعف في فرنسا اليوم كما أن حجم الاستثمارات زاد بشكل ملحوظ. 

و رغم أن فرنسا كانت السباقة عالميا لتطبيق سياسة التدبير المفوض في هذا القطاع و انتشار هذا الأسلوب من التسيير في عدد من المدن الفرنسية لدرجة إطلاق اسم “النموذج الفرنسي” عليه، فالسنوات الأخيرة شهدت رجوع العديد من المدن للتسيير العمومي[ix] و تخلصهم من سطو الشركات الخاصة الفرنسية العالمية سوييز و فيوليا اللتان تستحوذان لوحدهما  على حصة الأسد من السوق العالمية لهذه الخدمات. و تعد عودة خدمات المياه بمدينة باريس منذ يناير 2010 أحد أبرز عمليات مسلسل الرجوع لتدبير البلديات REMUNICIPALISATION الذي تعيشه فرنسا. 

  • ·         أمستردام الهولندية[x] 

في عام 2005 و منذ دخول قانون المياه حيز التنفيذ في هولندا، و الذي نص على أنه وحدها الشركات ذات الملكية العمومية يسمح لها توفير خدمات مياه الشرب. أصبحت عمليات الخوصصة أو التدبير المفوض غير ممكن في هولندا ، وشركات المياه العشر في البلاد تسير من قبل السلطات الإقليمية والمحلية. و في مدينة أمستردام عمل مجلس المدينة على إنشاء مؤسسة عمومية Waternet  تعنى بكافة خدمات المياه في المنطقة : الماء الصالح للشرب والصرف الصحي ومعالجة مياه الصرف الصحي وحفظها والحماية من الفيضانات ، وإدارة القنوات والمجاري المائية وغيرها. والشركة لديها درجة معينة من الاستقلالية في التسيير ولكن هي خاضعة للمساءلة من مدينة أمستردام ، ومجلس المياه في المنطقة بحيث يتم  تجديد ولاية المؤسسة كل سنة مع تحديد مهامها و أهدافها. و تعد هذه المؤسسة مرجعا في التسيير و الحكامة الجيدة في هذا الميدان على المستوى الأوربي كما أنها تعد مرجعا في الشركات العمومي-العمومي ذات المنفعة العمومية و الغير هادفة للربح. وتمتلك الشركة حاليا مشاريع لتبادل الخبرات والتجارب لتحسين إمدادات المياه في مصر واندونيسيا وفلسطين وعدة بلدان أخرى. و يمكننا أن نقرأ على موقع المؤسسة على الإنترنيت : “إننا لا نريد الاحتفاظ بمهاراتنا لأنفسنا و لكننا نريد ان نتقاسمها مع الآخرين على قدم المساواة”

·         إيطاليا 

عرفت ايطاليا هذه السنة انتصارا تاريخيا لمناهضي خوصصة خدمات المياه في الاستفتاء الشعبي الذي نظم أيام 12 و 13 يونيو 2011 و الذي عرف مشاركة واسعة للإيطاليين الذين صوتوا بنسبة 97 في المائة تقريبا من أجل إسقاط قانون خوصصة تدبير المياه.

و للتذكير فهذا الانتصار التاريخي جاء كثمرة لسنين منذ 2003 من النضال و إصرار المناضلين الايطاليين بحيث فرض تنظيم هذا الاستفتاء يشترط القانون الايطالي جمع أكثر من 500 ألف توقيع من الناخبين و قد  استطاع “المنتدى الايطالي من أجل الماء ثروة مشتركة” و الذي قاد هذه الحملة ضد قانون خوصصة الماء و يظم مجموعة من المواطنين و النقابات و المنتخبين والمنظمات الايطالية من بينها أطاك إيطاليا من جمع أكثر من 1.4 مليون توقيع. كما يشترط القانون من أجل قبول مقترح الاستفتاء مشاركة أكثر من 50 في المائة من الناخبين و هو ما حدث بالفعل بحيث شارك أكثر من 57 في المائة من الناخبين و هو ما لم تشهده إيطاليا منذ أكثر من 16 سنة رغم محاولات التشويش للسلطات و الإعلام الرسمي و الشبه الرسمي فبرلسكوني الرئيس الحالي هو كذلك من أكبر رجال الأعمال و يستحوذ على أكبر شبكة إعلامية في البلاد. 

  • ·         انتصار كوتشابامبا

تشكل تجربة كوتشابامبا أحد الرموز العالمية لمقاومة تسليع الماء و الدفاع عن الخدمات العمومية في هذا القطاع. قامت الدولة سنة 1999 بضغط من البنك العالمي بتفويت خدمات توزيع الماء و الصرف الصحي بمدينة كوتشابامبا ثالث أكبر مدينة ببوليفيا لشركة “Aguas del Tunari“، وهي شركة تابعة للمجموعة الأمريكية العالمية بكتل  Bechtel  . وكانت النتيجة المباشرة لهذا التفويت ارتفاع كبير للأسعار وصل في بعض الحالات إلى أكثر من 250 في المائة. وبفضل نضالات بطولية لساكنة المدينة و مواجهات مع السلطات و سقوط العديد من الضحايا  استطاع المواطنون طرد شركة بيكتل في أبريل من سنة 2000 و تم سحب القانون الذي يبيح خوصصة خدمات الماء و اعتماد قانون جديد كما تمت استعادة التسير العمومي بمقاربة تشاركية للقطاع تمكن المواطنين من المساهمة مباشرة في تدبير القطاع إلى جانب المستخدمين بما يخدم مصالح الساكنة. وقد لعبت “التنسيقية من أجل الماء و الحياة” Coordinadora de Defensa del Agua y la Vida  دورا محوريا في تأطير المواطنين و بلورة البدائل و هي تتكون من (نقابيين، اقتصاديين، مدافعيين عن البيئة و ممثلين عن جمعيات الحياء المتضررة..).

وقد كانت معركة كوتشابامبا حاسمة في التغيرات الجذرية التي عرفتها البلاد و التي توجت بانتخاب جمعية تأسيسية و وضع دستور جديد ثم انتخاب الرئيس إيفو موراليس في 18 دجنبر 2005 وهو أول رئيس في تاريخ أمريكا اللاتينية من أصل هندي. و قد تضمن الدستور الجديد مجموعة من الفصول التي تؤكد على حماية الموارد الطبيعية و على رأسها الماء و عدم تملكها أو تفويت خدماتها للخواص.

و قد كان لهذه التطورات صدى عالمي و تأثيرات تخطت حدود الدولة البوليفية و كان آخرها في يوليوز 2010  حيت اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، و بمقترح من بوليفيا، قرار أممي حول الاعتراف ب “الحق في الماء الصالح للشرب كحق أساسي ، ضروري من أجل الممارسة الكاملة للحق في الحياة و كافة حقوق الإنسان “

ما العمل هنا و الآن ؟ 

إن التجارب السابقة تبرهن بشكل ملموس أنه بمقدورنا نحن كذلك التخلص من هذه الشركات التي تمتص خيراتنا إذا توفرت الإرادة الحقيقية و تعبئة كل الطاقات من أجل إعادة تملك مصيرنا و ذلك من خلال: 

 

  • •         مواصلة النضال و تعبئة المواطنين للضغط من أجل محاسبة المفسدين و المتواطئين و طرد شركة ليديك ومطالبتها بتعويض البيضاويين عن الخسائر الناجمة عن سوء تسييرها و تهريبها للأموال سواء بشكل مباشر (توزيع الأرباح) أو بشكل غير مباشر (تحويلات مقنعة عن خدمات و نقل خبرة باسم الشركة الأم سوييز (SUEZ)
  • •         إعادة هيكلة القطاع بتسيير عمومي تحت رقابة شعبية من خلال مجالس تسيير تضم تمثيلية العاملين و المستعملين و الاستفادة من التجارب الناجحة في العالم السالفة الذكر. 

 

  • •         تشكيل جبهة وطنية واسعة من أجل استرجاع التدبير العمومي لهذه القطاعات و طرد الشركات المتعددة الاستيطان و النضال على جميع المستويات : 
  • •         التشريعي و القانوني : دسترة الحق في الماء و ضرورة تسيرها من طرف القطاع العمومي تحت رقابة شعبية
  • •         العلمي و الأكاديمي : البحت الجاد و النزيه حول بدائل تقدمية بمعناها الاجتماعي بما يخدم المستعملين و المستخدمين و الايكولوجي بما يحافظ على ثرواتنا المائية و محيطنا البيئي مع الاستفادة من التجارب العالمية.
  • •         النقابي: المطالبة بالمشاركة الفعلية للمستخدمين في تسيير القطاعات العمومية و النضال من أجل تحسين أوضاعهم المعنوية و المادية من أجل أداء خدمة عمومية ذات جودة لصالح المواطنين.
  • •         النضالي و الميداني : من خلال تعبئة الشارع و الوقوف إلى جانب كافة النضالات التي يخوضها المواطنون من أجل حقهم في خدمات المياه من خلال دعمهم المباشر و رفع التعتيم الإعلامي الذي غالبا ما يحيط بمعاركهم. 

م.جواد 

البيضاء – 19/08/2011 


 

 

[i]  التقرير متوفر في جزئين يمكن تحميلهما على الموقع الرسمي للمجلس الأعلى للحسابات كما يتضمن التقرير معطيات مماثلة و مهمة عن عقد التدبير المفوض في كل من الرباط، طنجة و تطوان  : http://www.courdescomptes.ma/

 

 

 

 

 

[ii]  من أجل الاطلاع على هذه الخوروقات التي سجلها هذا الافتحاص، انظر المقال على الرابط التالي :

 

https://www.attacmaroc.org/index.php?page=4&postId=184

 

 

 

 

 

[iii] أنظر جريدة المساء 27 أبريل 2011

 

 

 

 

 

[iv] أنظر ملف خاص عن الموضوع و خطورة هذا الوادي على حياة البيضاويين في مجلة le reporter  في عددها 587 لشهر دجنبر 2010

 

 

 

[v]  أنظر في هذا المجال هذا المقال الجيد حول عقدة المستعمر عند النخبة الإفريقية تحت عنوان “Du complexe à la crise du colonisé: syndrome d’une élite africaine en perte de repère ” على الرابط التالي: http://eboussou.afrikblog.com/archives/2010/07/13/18568111.html

 

 

 

[vi]  من أجل المزيد من المعطيات حول التغيرات المناخية في منطقتنا و تأثيراتها المرتقبة على الموارد المائية، أنظر المقال التالي :

 

http://www.cadtm.org/Water-resources-and-climate-change,5080

 

 

 

 

 

[vii] أنظر في هذا المجال تحليل ثاقب للصحفية الكندية ناومي كلاين حول الدور الذي لعبه المحافظون الجدد أو ما يدعى بمدرسة شيكاغو  Chicago boys  و زعيمهم الروحي ميلتون فريدمان Milton Freindman في نشر الأفكار الليبرالية الاقتصادية المتطرفة

 

 L’ultra-libéralisme في كتابها “إستراتيجية الصدمة : صعود رأسمالية الكوارث” 2008

 

 

 

 

 

[viii]  تجدون على هذا الموقع عرض لأهم التجارب الناجحة للعودة للتسيير العمومي : http://www.remunicipalisation.org/

 

 

 

 

 

[ix] للمزي من المعلومات أنظر هذا المقال بعنوان : “فرسا من التسيير الخاص إلى العودة للتسيير البلديات لخدمات الماء” على الرابط التالي

 

http://www.partagedeseaux.info/article163.html

 

 

 

 

 

[x]  “نحو تسيير تقدمي للمياه في أوروبا : بعض ابرز الحالات ” نشرت في يناير 2009 من قبل المرصد الأوربي لمراقبة الشركات و المعهد العبر للأوطان Corporate Europe Observatory (CEO) & Transnational Institute (TNI)

 

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى