الديون

حكاية قرار لا وطني: المغرب والتوقيع على اتفاقية أكتا

حكاية قرار لا وطني:

المغرب والتوقيع على اتفاقية “أكتا”.

 

صلاح الدين المعيزي

صحفي وعضو جمعية أطاك المغرب 

 

في يونيو 2012 قرر في صمت عبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة المغربي، تأجيل المصادقة على مشروع قانون 12-72  بموجبه يوافق على الاتفاق التجاري الموقع من طرف المغرب بطوكيو في فاتح أكتوبر 2011 و الخاص بمكافحة التزييف[1]. هذا النص القانوني يأتي ليلائم التشريع المغربي مع الاتفاق المثير للجدل المعروف اختصارا ب”أكتا”[2]،  وتبرر الحكومة سحبه من المسار التشريعي بمبرر” تعميق المدارسة ” حسب ما ورد في النص. 

ما لم يقله رئيس الحكومة هو أن هذا القرار جاء عقب رفض البرلمان الأوروبي المصادقة على معاهدة  “أكتا”[3]. إن توقيع الاتفاق لا يعني شيئا سوى أن الطبقة الحاكمة بالمغرب، وبتزكية من الولايات المتحدة الأمريكية و اليابان   تعتزم  الزج بالمغاربة في معترك حقوق “الملكية الفكرية” ضدا على مصلحتهم و في تغييب كامل لرأيهم. 

ماذا تعني المعاهدة ؟

يعود الحديث عن هذه المعاهدة إلى سنة 2006 بمبادرة أمريكية-يابانية. على اثر مفاوضات جد سرية انطلقت سنة 2008 جمعت كلا من الولايات المتحدة، استراليا، كندا، اليابان، نيوزيلاندا، سنغافورة، وكوريا الجنوبية، الأردن، الإمارات العربية المتحدة ، مع الإشارة إلى أن القائمة تضمنت بلدا إفريقيا وحيدا ويتعلق الأمر بالمغرب. ساهم  تسريب موقع “ويكيلكس” للمسودة الأولية لهذا الاتفاق  في خلق جدل واسع وساهم في خلق حملة لمناهضة هذا النص القانوني-التجاري الذي يجعل من الملكية الفكرية امتيازا يريد به باطل ويمس في العمق الحريات الفردية والجماعية للمواطنين. هاته المعاهدة التي تدعي رسميا الحد من ” التزوير التجاري” في الواقع لن تكون إلا أداة في أيدي الشركات المتعددة الجنسيات خاصة مصنعي الأدوية و الفاعلين في قطاع تكنولوجيا (صناعة الحواسيب والبرمجة) بغرض تجريم مؤسسات البرمجيات الحرة أو مصنعي الأدوية الجنيسة

تشكل معاهدة “اكتا” تهديدا للحريات على الشبكة العنكبوتية وتكملة لقوانين مشابهة في فرنسا ( هادوبي) و الولايات المتحدة الامريكية ( سيبا وسوبا حول المعلومات الشخصية على الانترنيت). فالشركات الاتصالات يسمح لها بتوفير المعلومات الشخصية للأشخاص الذين يشتبه فيهم استعمال برامج معلوماتية مقرصنة. البلدان الموقعة على “أكتا” تصبح مجبرة على تطبيق المقتضيات الصارمة المنصوص عليها في هذا النص. على المدى المتوسط يهدف الموقعون خلق مؤسسة جديدة لحماية الملكية الفكرية بعيدا عن المؤسسات الموجودة حاليا كالمنظمة العالمية للملكية الفكرية أو منظمة الأمم المتحدة. بذلك تحاول الدول المتقدمة تجاوز المأزق الذي تعرفه المفاوضات بمنظمة التجارة العالمية.  

التحول الجذري الأخر الذي تتضمنه معاهدة “اكتا” هو قدرتها على خوصصة “السلطة”. فبموجب هذا النص يصبح لشركة الحق في طلب حجز سلعة تحوم شكوك حول مدى احترامها حقوق الملكية. و في حال الصناعة الدوائية ينطبق ذلك حول المادة الخام التي يتم استيرادها مثلا من الصين او الهند. الهدف من مثل هذه الإجراءات هو الحد من منافسة الآتية من شركات المصنعة للأدوية الجنيسة وتأخير تواجد هذه الأدوية بدول الجنوب.

مفاوضات “اكتا” بالرباط  أو استغفال المواطنين

يوم 1 اكتوبر2011 وقع سفير المغرب بطوكيو كممثل عن المملكة المغربية اتفاقية “اكتا” إلى جانب ممثلي سبع بلدان (اليابان، الولايات المتحدة، استراليا، كندا، سنغفورة، نيوزيلندا و كوريا الجنوبية) و 22 دولة من الاتحاد الأوروبي[4] الموقعون على هذا الاتفاق المثير للجدل. انضاف إلى هاته اللائحة سويسرا و المكسيك. بذلك يكون المغرب البلد الإفريقي و العربي الوحيد  الذي وقع على هذا النص بعد انسحاب الإمارات و الأردن.

منذ بدأ المشاورات  الغير الرسمية في 2006 مرورا ب 2008، سنة انطلاق المفاوضات الرسمية، إلى يوم التوقيع الرسمي لم يتم إخبار الرأي العام المغربي و لم يتح  ل”ممثلي الأمة”  الإطلاع على مضمون هذه المعاهدة وجدوى التوقيع عليها. مع العلم أن الرباط استضافت الجولة الخامسة من المفاوضات في يوليوز 2009 والتي تمحور فيها النقاش حول التعاون الدولي من اجل مكافحة التزوير التجاري إضافة إلى البحث على السبل الكفيلة من إخبار الرأي العام بالموضوع والالتزام بالشفافية. الغريب في الأمر إن المسؤولين المغاربة لم يكلفوا نفسهم إخبار الرأي العام بخلاصات هذا الاجتماع. وينبغي على كل مواطن مغربي أراد الحصول على معلومات إضافية أن يتصفح الموقع الالكتروني للجنة الأوربية من اجل معرفة ما جرى في بلده. بيد أن التعمد في تغييب  المعلومة يشكل فضيحة بكل المقاييس .  

الحكومة السابقة التي فاوضت باسم المغرب (أقول فاوضت لأن قرار التوقيع جاء بأمر من جهات أخرى نافدة ) لم تكلف نفسها حتى نشر المسودة الأولى لهذا الاتفاق و ترجمتها إلى العربية. فإلى حدود الساعة لا توجد ترجمة للمعاهدة باللغة العربية.

 مدير المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية خرج علينا بعدة تصريحات لم تكن مقنعة. ففي غياب دراسات الجدوى والأثر حول “أكتا” بالمغرب، تبقى التصريحات القليلة في موضوع من باب ذر الرماد في العيون.

في غياب تصريح رسمي من طرف الحكومة حول دواعي مصادقة المغرب على اتفاقية “أكتا”، تروج عدة تخمينات حول خلفيات هذا القرار.هناك من يقول أن أحمد رضا الشامي، الوزير السابق للصناعة  والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، والذي شغل منصبا مهما في شركة “ميكروسوفت” هو الذي دفع في اتجاه دخول المغرب لهاته الاتفاقية[5]. آخرون يؤكدون أن شركات متعددة الجنسيات اشترطت على الحكومة التوقيع على “اكتا” من اجل الإبقاء على حضورها بالمغرب. متتبعون يربطون الخطوة المغربية حتى بقضية الصحراء وحسبهم هناك ضغط مورس على المغرب من اجل دخول “أكتا”. رغم كل هذا وذاك تبقى الحقيقة غائبة أو بالأحرى مغيبة…     

المغرب…خيانة جديدة لدول “الجنوب”

هذا في جانب الشكل. أما في ما يخص المضمون فالطامة هي أكبر.عندما نقارن بين المؤشرات الاقتصادية  للبلدان الموقعة على “أكتا” مع واقع اقتصادنا الوطني، يتضح جليا أن المغرب اختار أن يوجد ضمن نادي بعيد عن مستوى تطوره الاقتصادي. فالناتج الداخلي الخام للمغرب في 2011 هو 100مليار دولار بينما أقل ناتج داخلي خام  بباقي البلدان تتوفر عليه سنغافورة ب318 مليار دولار. لا داعي للحديث عن مستوى الاقتصادي للدول الأخرى الموقعة، فالفارق شاسع.

بتوقيعهم على هذه المعاهدة يؤكد حكام المغرب مجددا على سياسية الانفتاح الاقتصادي الغير المدروس. يؤكد ذلك واقع البحث والاختراع بالمغرب. فالخطابات الرنانة حول “المغرب الرقمي” والبحث والتنمية” تصدم بواقع مرير. المغرب يخصص سنويا 0,79  في المائة من مجموع الناتج الداخلي الخام للبحث العلمي بينما المعدل الأوروبي ينصح ب3 في المائة. دولة مثل سنغافورة تخصص  2,66 سنويا من ناتجها الداخلي الخام. حسب مؤشر اقتصاد المعرفة للبنك الدولي المغرب يحتل الصف 102 عالميا. البلدان الأخرى الموقعة تحتل المراتب التالية: نيوزيلندا(6)، كندا (7)، استراليا (9)، الولايات المتحدة(12)، اليابان (22) سنغافورة (23) و كوريا الجنوبية (29). بدون تعليق.

لتأكيد للمرة الألف على سخافة توقيع المغرب على “أكتا” أضيف مؤشر أخير: 1000 هو عدد طلبات براءات الاختراع التي سجلت بالمغرب في 2011. 167 منها فقط هو ذات اصل مغربي، الباقي هو تسجيل لماركات تجارية أجنبية بالمغرب. المغرب سجل 20 براءة اختراع على المستوى العالمي. لنأخذ بلد مثل كندا والذي يبلغ عدد سكانه تقريبا نفس ساكنة المغرب فهو سجل على أرضه   37400 طلب براءة الاختراع في 2010. منها 5200طلب من أصل كندي.

بالتوقيع على “أكتا” تعمق الدولة تقويض قدرات المغاربة  من اجل خلق “اقتصاد المعرفة”، مبني على الاختراع، الإبداع وتحويل التكنولوجيا. بذلك سنبقى رهينة اختيارات الشركات المتعددة الجنسيات في مجال التكنولوجيا و الصناعات الدوائية. اقتصاديا، سنعزز مكانتنا “كمعمل صغير” على الضفة الجنوبية للمتوسط تتواجد به استثمارات ضعيفة القيمة المضافة. 

بلدان الجنوب التي استطاعت تطوير اقتصاديتها، مرت بمرحلة من الحمائية من أجل بناء اقتصاد تنافسي ومبدع. فبلدان الهند، البرازيل أو ماليزيا هي اليوم تنمي قدراتها قبل الخوض في اتفاقيات تحرير التجارة. هذه الدول الصاعدة تفاوض بشراسة على مصالحها من داخل المنظمة العالمية للتجارة، بينما المغرب يستمر في خطابه المزدوج حول سياسته التجارية. من داخل المنظمة تعبر المملكة عن تضامنها مع طرح بلدان الجنوب وفي المقابل تستمر في الإمضاء على اتفاقيات ثنائية مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد الأوربي و مستقبلا مع كندا و الشيلي…تناقض بين القول والممارسة يوحي بخيانة مغربية لدول الجنوب.

عند طرحي سؤال في موضوع “أكتا” على وزير الصحة الحالي، اتضح ان البروفيسور الوردي غير متتبع بتاتا للملف. حيث استنجد بأحد اطر الوزارة الذي همس له بجواب خشبي و غير مطمئن: “كما كان الحال مع اتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية، سنتخذ الإجراءات الكفيلة من اجل حماية مصالح المغرب وتوفير ولوج العلاج للمواطنين”. الكل يتذكر انه لولا تدخل الاقتصادي والحائز على جائز نوبل للاقتصاد جوزيف استيغليتز لباع المغرب صحة مواطنيه بأبخس الأثمان. الخروج الإعلامي لهذه الشخصية أحرج الطرفين الأمريكي والمغربي مما دفع بهم إلى مراجعة نص هذا الاتفاق. أيجب أن ننتظر مرة أخرى استغليتز من أجل تراجع الدولة المغربية سياساتها اللاوطنية متمثلة في التوقيع على “أكتا”؟  

صلاح الدين المعيزي

 

 

 

 


[1] http://www.pm.gov.ma/ar/resultat-details-178.aspx انظر نص البيان رئاسة الحكومة

[2] ACTA التي تعني Anti-Counterfeiting Trade Agreement

للإطلاع على نص الاتفاقية انظر: http://trade.ec.europa.eu/doclib/docs/2011/may/tradoc_147938.pdf

[3] جبهة المعارضة لأكتا بالمغرب تبقى ضعيفة وتتكون من صيادلة العدالة و التنمية، جمعية محاربة السيدا، جمعية مصنعي الأدوية الجنسية و مجموعة شبابية جد نشيطة على المواقع الاجتماعية:     

http://www.facebook.com/ActionFreeNet

[4] من بين 27 دولة الأعضاء بالاتحاد الأوروبي هناك 5 دول لم تصادق ومن بينها ألمانيا، بلغاريا،  وبولونيا،

[5]  أحمد الشامي شغل منصب مدير العملاق الأمريكي بمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط من 97 الى2001 وبعده منصب مدير الشركة بجهة جنوب شرق أسيا من 2001 إلى 2004

زر الذهاب إلى الأعلى