الديون

بعض أصول الأزمة الاقتصادية العالمية

 

 

بعض أصول الأزمة الاقتصادية العالمية

 

تقديم:

الأزمة الاقتصادية استقرت داخل البيئة الدولية واعتاد المواطنون على سماع كلمات مثل: “انهيار الابناك”، “مخططات الإنقاذ”، “انحصار الطلب الخارجي”. عبارات فضفاضة تقدم الأزمة كأنها حتمية ولا مفر منها و على جميع الدول الخضوع لمنطق مخططات التقشف من اجل الهروب من وضع بلد كاليونان. الذي أصبح يقدم كالتلميذ “السيء” لمنطقة اليورو بل ولكافة اقتصادات العالم.  حتى تتضح الصورة أكثر يقدم التقرير التالي بعض أصول الأزمة الاقتصادية

الأزمة الاقتصادية الحالية يمكن تقسيمها إلى مرحلتين. المرحلة الأولى من(2007- 2009) تميزت بأزمة غذائية، مالية فتحولت الى أزمة اقتصادية و ركوض للدورة الاقتصادية. المرحلة الثانية ( والتي انطلقت في نهاية 2009 وتستمر الى حدود الساعة). وتتميز اليوم بأزمة كبيرة للديون العمومية في دول الشمال، خاصة في أوروبا الغربية والتي أدت انهيار دول مثل اليونان وأخرى هي على حافة الانهيار كاسبانيا.

المرحلة الأولى: أزمة في قلب الرأسمال العالمي

هذه مرحلة اتسمت في 2007 بأزمة غذائية أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية والأساسية بسبب المضاربات في البورصات العالمية لهاته المواد. مما أدى لأزمات غذائية وارتفاع سعر المواد الأساسية ببلدان الجنوب. نتج عنها حركات احتجاجية ببلدان إفريقيا جنوب الصحراء وحتى بالمغرب ( احداث صفرو كمثال عن ذلك).

ابتداءا  من شتنبر 2008، انهار بنك الاستثمار الأمريكي “ليمان برادرز” بشكل كامل. هذا إفلاس أدى إلى اشتعال فتيل أزمة مالية في قلب الرأسمال العالمي. إفلاس هذا البنك ثم ابناك أخرى (كولدمان ساتش، سيتي بنك،…)- اعتبرت نفسها “كبيرة جدا لتنهار”- ساهم في انهيار القطاع المالي لوول ستريت. المضاربات فسندات الرهن العقاري التي تسمى “السيبرايم” والتي هي في اصل قروض أمريكية أعطيت للطبقات الفقيرة و المتوسطة من اجل اقتناء مساكن ساهمت في ظهور الأزمة.  

“السيبيرايم” هو العنوان الأبرز لسوق مالي اخترعت فيه العديد من المنتوجات المالية الجد معقدة من خلال عمليات التسنيد وبيع وشراء ديون عمومية و خصوصية على الأسواق الثانوية للديون.  استفاد من هذا السوق طبقة من المضاربات أشخاص و مؤسسات[1] من اجل الاغتناء وكان ذلك مؤشر على صعود الرأسمالية  المضارباتية التي حولت الاقتصاد الى كازينو.    

مؤسسات “وول ستريت” اعتقدت مخطئة أن الدولة الأمريكية لا يمكن أن تتخلى عنها ولو ان ساءت وضعيتها المالية. ذلك ما لم يحدث حيث أعلنت عدة مؤسسات  مالية  خسائر كبيرة تقدر ب500 مليار دولار. بعد ذلك أعلنت الولايات المتحدة تدخلها من اجل في إطار ماسمي ب”مخطط بولسن” والذي قرر بومجبه ضخ 700 لتخليص المصارف من أصولها غير القابلة للبيع. رغم ذلك الأزمة المالية تحولت لازمة اقتصادية و اجتماعية ببلاد العم السام.

الأزمة الأمريكية أشرت معطيين. أولا: انهيار نموذج الاقتصاد الأمريكي المبني على العجز الداخلي والخارجي. ثانيا:  احتدام تناقضات النظام الرأسمالي. حيث ظهر منذ نهاية السبعينات تركيز فائض الربح في يد حفنة من الرأسماليين و الشركات المتعددة الجنسيات. هذه الأزمة تكرار في لما عاشه النظام الرأسمالي في 1857 و في سنوات العشرينات. فمن أزمة مالية تحولت الآن الأزمة لأزمة اقتصادية لم تستثني اي جزء من العالم. فبسقوط أمريكا في ركوض – تشكل وارداتها 20 في المائة من مجموع التجارة العالمية- دخلت اقتصادات دول الجنوب والشمال في ركوض لم تستطع الخروج منه لحد الساعة.  

الدولة تنقذ الرأسمال: تأميم للخسائر

بعد اشهر قليلة من بداية الازمة الأمريكية انتشرت العدوى إلى بلدان أوروبا. وفي خرق سافر للديانة السوق التي لا تؤمن –نظريا- بتدخل الدولة في الاقتصاد تم تقديم إعانات ضخمة  للقطاع المالي من طرف البنك المركزي الأوروبي و بنك انجلترا. نفس الشيء تم في الولايات المتحدة حيث قام اوباما بتأميم  (كلمة اعتقد أنها محيت من قاموس طلبة الاقتصاد) بعض المؤسسات المالية و الصناعية (كجينيرال موتورز). الخوف من انهيار كلي للنظام الرأسمالي كان هو الهاجس وراء خطط الانقاذ .

في تلك اللحظة، خيل للبعض من المعلقين العودة القوية للفكري الكينيزي. وتم اطلاق مخططات اقتصادية من اجل تحريك عجلة الاقتصاد بأوروبا وامريكا:مثلا تم اعطاء وعود ب: الرفع من الاستثمار العمومي، عدم المساس من مكتسبات الاجتماعية،  محاولة تقنين الرأسمال المالي حيث نتذكر دموع التماسيح من طرف ساركوزي، بلير و حتى بوش حول شجع الرأسمال والذين سهروا على خلق “لجنة ستيغليتز” من اجل اعادة تقنين الاقتصاد العالمي. لكن لا شيئ من ذلك حدث.

المرحلة الثانية: 2010-؟؟؟؟ : أزمة الديون في…الشمال

مخططات الإنقاذ كان ثمنها جد مكلفا للاقتصاد دول الشمال وخاصة بأوروبا. فالدورة الاقتصادية لم تعد بالسرعة المنتظرة وزاد عبئ الدين العمومي على هاته الدول. تغيرت الأدوار، فمن منقذ، أصبحت الدول في وضع حرج ومطالبة بالقيام ب”إصلاحات” من اجل تفادي “السكتة القلبية”.  

هذه المرحلة تتسم باستعمال”إستراتيجية الصدمة” حسب عبارة الصحفية والمناضلة الكندية ناومي كلاين. فبعد أن تم انقاد الرأسمال المالي من أزمته يتم الآن وبشكل شبه ممنهج تدفيع المواطنين من الشمال ثمن أزمة لم يكن لهم يد في اشتعالها. فأنقاذ البنوك كلف أموال ضخمة تم اقتراضها. بلدان مثل اسلندا او اريلندا تعرضت للنهب ممنهج من طرف الأبناك. وان كان حالة اسيلندا تبقى حالة فريدة من نوعها في العالم. فسكان هذا البلد رفضوا أن تسدد حكومتهم ما خسرته الأبناك الخاصة.  تم التعبير عن الرفض عن طريق الاستفتاء في مناسبتين حيث تم التصويت ضد تعويض المستثمرين الماليين من جراء أزمة 2008.

صلاح الدين المعيزي

عضو اطاك البيضاء     

 

 

 


 

زر الذهاب إلى الأعلى