الديون

المغرب البلد السادس و التسعون فقرا في العالم

ميمون الرحماني:

وفقا لتقرير ال PNUD(برنامج الأمم المتحدة للتنمية) حول التنمية البشرية لسنة 2009، احتل المغرب المرتبة 96 بين 135 بلد حسب مؤشر الفقر البشري (IPH-1) مع احتمال الوفاة قبل 40 سنة ل66.6 %. ف 17 % من السكان المغاربة لا يستخدمون مصادر الماء الشروب و 2.5 % منهم يعيشون بأقل من 1,25 دولار أمريكي في اليوم و 14 % بأقل من دولارين في اليوم!

 

قياس الفقر و المغالات فيه:

 

يجب أولا تحديد ما المقصود بالفقير أو الفقر. يفهم من الفقر معنى “الفقر النقدي”، فيتم تعريفه نسبة إلى عتبة الرعاية الاجتماعية أو الاقتصادية أو وسط العيش. كما يتم مقاربة الفقر اليوم في المغرب حسب مستوى الإنفاق السنوي المتوسط للفرد الواحد. نميز بين الفقر الغذائي و الفقر النسبي و الفقر المطلق.

 

يقاس الفقر الغذائي بتكلفة سلة السلع والخدمات الغذائية لدعم الحد الأدنى من السعرات الحرارية المطلوبة المقدرة في 2400 سعرة حرارية يوميا للشخص الواحد (المعايير التي أوصت بها منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية). و تقدر العتبة في 1957 درهم لكل شخص في السنة في المجال الحضري و 1901 درهم في المجال القروي. يعرف الفقر النسبي بعتبة الفقر الغذائي بالإضافة إلى تعويض لا غذائي ينفق حسب الأسر بعد استيفاء الحد الأدنى من الدعم المطلوب. و تقدر العتبة في 3235 درهم في المجال الحضري و 2989 درهم في المجال القروي. و يقال أن أسرة تحت عتبة الفقر المطلق عندما تحقق النفقات اللاغذائية دون التمكن من الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية. و تقدر العتبة في 2659 درهم في المدينة و 2543 درهم في البادية.

 

ليس من السهل تعداد الفقراء.. ! باستخدام تقنية تسمى “poverty mapping” (وضع خرائط للفقر)، المصممة من قبل خبراء من البنك الدولي [i]، تعتمد السلطات العمومية الآن في نهاية المطاف على خريطة الفقر في المغرب الذي يقارب الظاهرة على المستوى الوطني والإقليمي و للمرة الأولى على المستوى القروي. بموجب هذه التقنية التي تقيس الفقر من خلال الانفاق وليس الدخل، قام المغرب بتعداد 4 ملايين فقير في عام 2005، مع 13.7 % كمعدل الفقر النسبي[ii]. يمثل معدل الفقر في البوادي (23.1 %) تقريبا ثلاث أضعافه في المدن الذي يمثل فيها 6.3 % (2000/2001) مقابل ضعفيه في عام 1985 و 1.4 مرة في عام 1960.

 

الفجوة تتسع أكثر فأكثر في اتجاه التباين والتفاوت :

 

ينفق 10 % من الأغنياء جدا ما يقارب 12 مرة مما تنفقه 10 % من الأكثر فقرا. لا تمثل هذه سوى 2.5 % من الإنفاق الوطني الإجمالي للأسر. 50 % من الأسر الأكثر فقرا لا يدركون إلا 24 % من الكتلة الاجمالية للنفقات. وفقا لتقرير البنك الدولي بعنوان “الخروج من الفقر [iii] (Moving-out of poverty) الذي يعود تاريخه إلى يوليوز 2007، يعيش 15 % من السكان في حالة فقر ثلثيهم يعيشون في الوسط القروي. أولئك الذين يعيشون على 50 % تحت عتبة الفقر يعتبرون “معرضين اقتصاديا [iv]” للأمراض أو للطقس أو لفقدان الوظيفة. و بالتالي ف40 % من السكان يواجهون صعوبات في الحفاظ على نمط عيش متواضع أو مجرد البقاء على قيد الحياة يوما بعد يوم! كما أثيرت خاصية النوع حيث أن 2.5 مليون طفل ولا سيما الفتيات لا يذهبون إلى المدرسة و 83 % من النساء أميات.

 

و تأتي الدراسة الاستقصائية الوطنية حول مستوى عيش الأسر، التي أجرتها المفوضية العليا للتخطيط في عام 2007 وأعلن عنها في يونيو 2008، و حسب هذه الدراسة ففقط 2.8 مليون شخص يعيشون تحت عتبة الفقر! و هكذا فمعدل الفقر هو 9 %. وأشار التقرير إلى أنه، منذ عام 2001، خرج 1.7 مليون من المغاربة من براثن الفقر. و يعتقد هذا التقرير أن المغرب لديه فرصة كبيرة لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية! إذا ما تم تقليص الإحصاءات وخفض عدد الفقراء إلى أدنى حد، فلكي يتم التحضير لإصلاح نظام التعويض الذي سيعمل على الأرجح على التحرير الكامل للمنتجات المعنية حتى الآن و بالتالي على تطبيق “حقيقة الاسعار”، وبالمقابل دفع مبالغ تافهة (من 500 إلى 600 درهم) للأسر الفقيرة جدا. و هذا ل2.8 مليون شخص فقط! إذن فسوف تتحمل الطبقة الاجتماعية المتوسطة العواقب.

 

التدابير المتخذة لمكافحة الفقر:

 

لا تزال السلطات العمومية تستخدم الوسائل التقليدية لمكافحة الفقر: التعاون الوطني بتقديم خدمات القرب للطبقات الاجتماعية الأكثر حرمانا، ولكنها محدودة جدا. في موازاة ذلك، عمدت الدولة في السنوات الأخيرة على إقامة بعض المؤسسات: مؤسسة محمد الخامس وصندوق الحسن الثاني و وكالة التنمية الاجتماعية. لا تزال مساهمة هذه المؤسسات لتحسين العجز الاجتماعي ومكافحة الفقر ضعيفة وليس لديها قبول جيد، وربما يرجع ذلك جزئيا إلى الترابط بين مهامها (مشكل توضيح مهامها). ولكن أيضا بسبب أفعالها التي ترتكز أساسا على العمل الخيري بتوزيع أطباق الحساء في شهر رمضان و محافظ في الدخول المدرسي و ضمادات في المستشفيات… لم يعد الفقر من المحرمات في المغرب، بالتأكيد، و لكن ينظر إليه بشكل عاطفي و مصطنع. بانعدام التضامن والحماية الاجتماعية، يلتجأ المهمشين لطرق استثنائية للبقاء على قيد الحياة كالتسول أو الدعارة للبعض و الجريمة أو الحمق للبعض الاخر[v]. فحتى المعاقين لا يتمتعون بالحماية ضد هذه الشرور الاجتماعية. أدت ضخامة العجز الاجتماعي إلى توظيف المجتمع المدني على مدى العقدين الماضيين. تضاعفت الجمعيات و توسعت أنشطتها لتشمل مجالات لم تغطيها السلطات العمومية بما فيه الكفاية.

 

و لتشجيع هذه الجمعيات، تمنح لها الدولة امتيازات ضريبية و مالية مختلفة وفقا لنطاق اشتغالها وطبيعتها القانونية. وبالتالي، يتم دعم عدة برامج ماليا في مجالات التكوين المستمر أو التعليم غير النظامي أو تقديم المساعدة للأشخاص المعاقين أو القروض الصغرى أو حماية الأطفال. وعلاوة على ذلك، فالتدابير الليبرالية المتطرفة التي اتخذت في السنوات الأخيرة سوف تزيد في افقار الفقراء: بمرسوم مشترك من وزير الصحة و وزير المالية بتاريخ 25 مارس 2004 سوف تزداد تكاليف الفحوصات في المستشفيات العمومية الكبرى بأكثر من 50 %، للوصول، في حالات، إلى نسبة 100 %! فلم يعد هناك مجال لقبول شهادات الضعف. إن مجانية الصحة العمومية في المحك(كما هو الحال بالنسبة للتعليم)، والمرضى الفقراء محكوم عليهم بالإعدام. يتعرض المرضى في المغرب عموما لمعاملات لاإنسانية و محكوم عليهم بالموت إذا لم يكن لديهم ما يكفي من الموارد لتوسيع نطاق وجودهم المادي شيئا ما. سوف يسرع تقليص مجانية الصحة العمومية مسلسل الاقصاء و يهدد مستقبل الساكنة التي تفتقر أصلا إلى الموارد الضرورية للغاية. اتخذت في القوانين المالية الأخيرة (2004 و 2005) تدابير أخرى في الميزانية تتجه في نفس سياق الإفقار. بوجه خاص، فالزيادة في واجبات الاشتراك في التقاعد من 7 % إلى 10 % تمثل زيادة نسبة 01 % كل سنة من 2004 إلى 2006، و أيضا ارتفاع معدل الضريبة عن القيمة المضافة على استهلاك الكهرباء بنسبة 7 % إلى 14 %! في عام 2005، لم تعد بعض السلع الاساسية مدعمة من طرف صندوق المقاصة، بما في ذلك السكر المكرر والدقيق…! و في عام 2007 سيتم توسيع القائمة لتشمل جميع المنتجات باستثناء الوقود والغاز.

 

وبالنسبة للبنك الدولي، فإنه يقترح من بين تدابير ليبرالية أخرى:

·         تشجيع تنويع سبل المعيشة وزيادة دعم روح المبادرة.

·         تشجيع الاستثمار والتحويلات المالية من الخارج في الأنشطة الإنتاجية المحلية.

·         توسيع نطاق الحصول على خدمات المجالس البلدية.

·         معالجة أوجه التفاوت بين الجنسين.

·         إشراك الشباب في الحياة الاقتصادية والسياسية.

 

المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أو كيفية خلق فقراء لمكافحة الفقر!

 

تقوم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ( INDH)، التي بدأت في عام 2005 بدعم من البنك الدولي، من الناحية النظرية على مقاربة تشاركية. و تتضمن محور مكافحة الفقر في الوسط القروي و محور مكافحة الاقصاء الاجتماعي في الوسط الحضري ومحاربة الهشاشة. و يثير تنفيذها مشاكل ضخمة. هي أولا بتنسيق من وزارة الداخلية لأسباب أمنية بحتة، و وتيرتها سريعة جدا بالمقارنة مع المهارات والقدرات لرصد الفاعلين: الجمعيات (المختارة من بين الأكثر اعتدالا والأكثر قربا من المخزن) و التعاونيات (التي تكاد تكون معدومة) و الجماعات المحلية و الخدمات الخارجية… وهذه المكونات، التي يتم اختيارها عن طريق لجان متعددة وطنية و جهوية و إقليمية و محلية، لم تستوعب فلسفة المبادرة وليست مدربة على وضع المشاريع، والجامعة كفاعل أساسي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ليست مدمجة! تقوم وزارة الداخلية التي لا تعرف كيفية إدارة الميزانيات الضخمة التي تتلقاها، وفي غياب مقترحات ملموسة من مختلف الفاعلين، بإطلاق مشاريع لا علاقة لها بالتنمية البشرية: بناء المساجد و المرافق الرياضية وملاعب كرة القدم و مراكز تجارية أو سياحية و ممرات في الوسط القروي… يتم إهدار الأموال في الاحتفالات و المواسم و مهرجانات الغناء والرقص! هذه هي الكيفية التي يتم بها تنمية البشر في المغرب، وليس من قبيل الصدفة بعد أربع سنوات ونصف من مبادرة التنمية البشرية أن يصنف برنامج الأمم المتحدة للتنمية PNUDالمغرب في الرتبة 130، ويرجع ذلك أساسا إلى ارتفاع معدل الأمية والعجز في التعليم والصحة.

 

لقد تم إنفاق 11.13 مليار درهم ما بين ماي 2005 ويوليوز 2009 في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، يمثل هذا المبلغ ما يقرب من 28 % من ميزانية التعليم و 135 % من ميزانية الصحة لسنة 2009. إذا ما تم تخصيص هذا المال العام للمجالات ذات الأولوية و هي التعليم والصحة، سيكون المغرب قد حصل على بعض النقاط في مؤشر التنمية البشرية! في الوقت الراهن، تعتبر الطريقة التي تدير بها السلطات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بكل بساطة خلقا للفقراء في الوقت الذي يتم فيه الإدعاء بمكافحة الفقر.

 

في الختام، يمكن ان نقول ان الفقر ظاهرة معقدة. لمكافحته يجب أن نأخذ في الاعتبار جوانبه المتعددة الأبعاد، عبرمعرفة البعد الاقتصادي (انخفاض الدخل و نقص في الاحتياجات الأساسية)، و البعد الاجتماعي (التهميش و التمزق الاجتماعي…)، و البعد السياسي ( المرتبط بغياب الديمقراطية أو المشاركة في اتخاذ القرارات) و البعد الأخلاقي (عدم الاعتراف بحقوق الإنسان والعنف والرشوة…). وبعبارة أخرى، يتعين علينا أن نميز بين الفقر في الوصول السهل إلى السلع والخدمات والمعلومات والمشاركة في اتخاذ القرارات، و الفقر الناتج عن العجز المتراكم في مجالات الصحة أوالتعليم أو المواد الأساسية أو العلاقات الاجتماعية. في الواقع، يجب أن ينظر إلى الفقر كحرمان من القدرات الأساسية، وليس اعتباره انخفاضا في الدخل أو المصروف.

 

إستدراك:

 

لقد تم تصنيف المغرب في المرتبة 68 من الفقر البشري في سنة 2007 بين 108 من البلدان النامية. و في 2009 تراجع إلى المرتبة 96 ولكن بين 135 من البلدان النامية حسب مؤشر الفقر البشري IPH-1. و نذكر أيضا أن مؤشر الفقر البشري IPH-2 يتم استخدامه لتصنيف البلدان المتقدمة و خاصة بلدان منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية OCDE.

 

[i] كان البنك الدولي قد اقترح لبعض البلدان، بما في ذلك المغرب، اتباع نهج جديد لتقييم و التعرف الجيد على الفقر. و تنطوي التقنية على ربط معطيات التعداد العام للسكان مع تلك الخاصة بالدراسة الاستقصائية للنفقات الأسرية.

[ii] إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الدخل الفردي وغيرها من مؤشرات التنمية البشرية، نرى أن المغرب لديه الكثير من الفقراء مما يمكن تصوره.

[iii]على أساس دراسة استقصائية شملت 100 أسرة في 3 محافظات.

[iv] حسب البنك الدولي، يتموقع مصروف كل فرد من هذه الساكنة بين عتبة الفقر و 1.5 أضعاف هذه العتبة.

[v] أوضحت دراسة أجرتها الرابطة المغربية لرعاية الطفولة ان ولاية الرباط- سلا- الصخيرات – التمارة قامت بتعداد لوحدها 500.000 متسول بين الأطفال دون سن 12 سنة خلال 2004. هذا ولم يتم تعداد أعداد المتعاطين للدعارة والجريمة والحماق!

زر الذهاب إلى الأعلى