الديون

القروض الصغرى: محاربة الفقر أم محاربة الفقراء

 

القروض الصغرى: محاربة الفقر أم محاربة الفقراء

 

قام محمد يونس الاقتصادي البنغالي في جامعة شيتاكون على اثر المجاعة التي اجتاحت بنغلادش في سنة 1974 و1975 ، من خلال التواصل مع سكان قرية جوبرا القريبة من مدينة شيتاكون، بالاستنتاج التالي: جميع الفلاحات المسجونات في دائرة الفقر راجع لعدم توفرهن على القليل من المال لكي يجدن مخرجا. وخلص إلى أنه بدولار واحد ستتمكن هؤلاء الفقيرات من الخروج من جحيم الفقر، لكنهن مقصيات من طرف الأبناك و لا يحق لهن الحصول على القرض حسب شروط النظام البنكي.

 

ظهرت فكرة القروض الصغرى ،إذن، ببنغلاديش مع محمد يونس الذي بدأ بتسليف فقراء تلك البلدة.وتوسعت الفكرة يونس وتوجت بتأسيسه لبنك موجه للفقراء في سنة 1983.  وكان بمثابة أول مؤسسة مالية للقروض الصغرى و تسمى grameen bank

 

المبادئ الأساسية للقروض الصغرى كما جاءت بها مؤسسة grameen bank 

يمنح القرض من أجل خلق مشاريع ذاتية مدرة للدخل أي مقاولات مجهرية. المبدأ الأول، إذن، للقروض الصغرى هي أنها ليست قروضا استهلاكية.  و يعد جلب مجموعة من المقترضين، أي السلف التضامني مبدءا ثانيا للحصول على القرض. وتتم عملية الاقتراض على أساس الثقة بين البنك و أفراد المجموعة.

إن الخلاصة العامة و الأساسية لفكرة القروض الصغرى التي حاز بفضلها محمد يونس على جائزة نوبل سنة 2006 تكمن  في أنه يمكن القضاء على الفقر عبر مساعدة الفقراء على التحول إلى مقاولين. واعتبرت المؤسسات المالية العالمية، كالبنك العالمي و صندوق النقد الدولي أن مؤسسات القروض الصغرى هي وسيلة أساسية لمحاربة الفقر. لذا عرفت هاته الأخيرة في التسعينات انتشارا واسعا في البلدان الفقيرة في كل من أسيا و أمريكا اللاتينية و أفريقيا.

 

 

جائزة نوبل لفكرة محمد يونس ومأساة  لنساء العالم

تؤكد مبادئ مؤسسات القروض الصغرى على ضرورة استثمار القرض في أنشطة مدرة للدخل، لكن أثبتت التجربة أن هذه القروض توجه بالأساس  لتلبية الحاجيات الاستهلاكية اليومية  كالتغذية و التطبيب وتجهيز المنازل… إلخ. وبما أن هذه القروض لا تدر دخلا لأداء الدين والفوائد يصبح الفقراء عاجزين عن الأداء، لذا يلجؤون إلى الاقتراض من مؤسسات أخرى لأداء القرض السابق. وهكذا يجدون أنفسهم في النهاية في دوامة لا مخرج منها.

عكس ما تروجه المؤسسات المالية العالمية وحكومات بلدان الجنوب، ليست مؤسسات القروض الصغرى أداة للتنمية و محاربة الفقر، بل مؤسسات مالية استثمارية. يوفر الاستثمار في التمويل الصغير معدل ربح يفوق ذلك الذي يحققه القطاع البنكي، إذ يفوق 20%، بل يصل أحيانا إلى 36% كما حدت بالهند.

تعد الهند من بين بلدان الجنوب الذي عرف انتشارا واسعا لمؤسسات القروض الصغرى. وعوض تحقيق التنمية للنساء الفقيرات وتمكينهن من الدخل ،عمقت فقرهن وتسببت في إفلاسات ومآسي. ففي خريف 2010 أقدمت أزيد من 30فلاحة في مدينة أندرا براديش على الانتحار بعد عجزهن عن السداد. وسبق أن انتحرت 200 فلاحة بنفس البلد لذات السبب. تتبث هذه المآسي، إذن، حقيقة التنمية التي تسعى إليها  مؤسسات القروض الصغرى.

لا تشكل الهند استثناء، فنهب مؤسسات القروض الصغرى للنساء الفقيرات يمارس بمعظم البلدان الفقيرة كالمكسيك ونيجريا و البنين و المغرب…

فبالمكسيك تبلغ معدل الفائدة الذي فرضته مؤسسة تي كريموس للقروض الصغرى إلى 125%، في حين تبلغ بالنسبة لمؤسسة“كومبارتاموس” 82%. أما المعدل الوطني للقروض الصغرى بهذا البلد فيبلغ 70% ، مقابل 37% على المستوى العالمي. ويبلغ معدل الفائدة بنيجيريا 74%. أما في بنغلاديش بلد محمد يونس صاحب فكرة التمويل الصغير فإن ارتفاع الفوائد والعجز عن السداد دفع بالنساء إلى المزيد من الاقتراض من مؤسسات عدة تصل إلى خمسة أو ستة لأداء القرض السابق وهكذا يدخلن في دوامة فرط استدانة لا مخرج منها.

 

القروض الصغرى في المغرب

ظهرت أول تجربة للقروض الصغرى في المغرب بتأسيس جمعية بلا حدود سنة 1993 ،  تلتها بعد ذلك  تجارب أخرى في مجال التمويل الصغير.هكذا تم تأسيس مؤسسة زاكورة للقروض الصغرى سنة1995 من طرف نور الدين عيوش و مؤسسة أمانة للقروض الصغرى سنة 1996 من طرف  إدريس جطو ومؤسسة التنمية والبركة وإنماء والكرامة ومؤسسة أرضي للقروض الصغرى ( تابعة للقرض الفلاحي ) والشعبي للقروض الصغرى ( تنتمي لمجموعة البنك الشعبي). وتنسق هذه المؤسسات فيما بينها في إطار الفدرالية الوطنية للقروض الصغرى. و تأسست مؤسسات القروض الصغرى على أنها جمعيات ذات منفعة عامة وغير هادفة إلى الربح. استفادت منذ إنشائها من مزايا تفضيلية ساهمت في نموها، وفي مقدمتها إعفائها من الضريبة على الدخل و من الضريبة على القيمة المضافة عند استيراد التجهيزات و المعدات المخصصة لتسييرها الإداري.. و تستفيد علاوة على ذلك من دعم نظام الضمان لصندوق الضمان المركزي في الحصول على تمويل أنشطتها من المؤسسات المالية. وكل هذه المزايا الضريبة و التفضيلية احتفظ بها قانون المالية الحالي.

و من بين مصادر تمويلها أيضا، الهبات والقروض التي تتلقاها من مصادر دولية ووطنية. فهي تستفيد من هبات ومنح من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، البنك العالمي، البنك الألماني، برنامج الأمم المتحدة للتنمية، و البنك الأوروبي للاستثمار.أما محليا، فيتم تمويلها من ميزانية الدولة، مؤسسة محمد الخامس للتضامن وصندوق الحسن الثاني الذي تؤول إليه عائدات خوصصة المؤسسات العمومية.

 

لا يزال المغرب يستحوذ لوحده على 78% من إجمالي رؤوس الأموال المستثمرة في سوق القروض الصغرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، رغم تراجع عدد الزبائن وارتفاع معدل تأخر تسديد القروض الذي انتقل من 1,5%  سنة 2007 إلى  6,4% سنة 2009. وتحول العجز عن السداد إلى أزمة فعلية لدى إحدى أكبر المؤسسات  وهي مؤسسة زاكورة للقروض الصغرى التي عجز قرابة ثلث زبنائها عن السداد.

لم تتوقف الأزمة التي عرفتها هذه المؤسسات في سنة 2008- 2009 إلا بتفويت مؤسسة زاكورة للبنك الشعبي بعد إفلاسها. و جرى ذلك تحت إشراف الحكومة التي حرصت على تفادي انهيار أحد نماذج “محاربة الفقر” الذي تبنته تنفيذا لبرامج البنك العالمي. ترجع الأزمة التي عرفها قطاع التمويل الصغير المتمثلة في ارتفاع معدل العجز عن السداد إلى سببين رئيسيين: يكمن السبب الأول في ارتفاع معدلات الفائدة التي تتجاوز 30%،بل تصل أحيانا إلى 70%. أما السبب الثاني فيتجلى في أن معظم القروض التي تمنح للنساء الفقيرات لا توجه لخلق أنشطة مدرة للدخل و إنما توجه للاستهلاك اليومي للأسر كالتغذية والتطبيب و التعليم والتجهيز المنزلي بالإضافة إلى مصاريف الأعياد… ويثبت هذا أن غاية مؤسسات القروض الصغرى ليست محاربة الفقر وإنما استغلال فقر الفقراء للحصول على الأرباح التي تتجاوز مثيلتها بالقطاع البنكي.

مؤسسات القروض الصغرى بورزازات: سقوط القناع عن برامج محاربة الفقر

تندرج سياسة القروض الصغرى في إطار ما يسمى  برامج  محاربة الفقر والهشاشة. تقوم هذه المؤسسات بمنح قروض تتراوح قيمتها مابين 500 درهم إلى 5000 درهم لخلق مشاريع صغيرة مدرة للدخل. ظهرت مؤسسات القروض الصغرى بورزازات سنة 1996.  وتعد مدينة ورزازات من بين المدن التي ترتفع بها نسب الفقر و البطالة بسبب انعدام التجهيزات الأساسية وكذا نتيجة سياسة الدولة في التعليم و الصحة و الشغل. إن مؤسسات القروض الصغرى التي تمنح القروض تعرف جيدا أنها ستوجه إلى الاستهلاك اليومي. ليس هدف هده المؤسسات ،إذن، مساعدة النساء على إنشاء مشاريع مدرة للدخل، بل استغلال الفقر لمنح مبالغ مالية بنسب فائدة عالية يتراوح متوسطها ما بين 30% إلى 40% ويصل أحيانا إلى 100%.

تستهدف مؤسسات القروض الصغرى النساء لعاملين أساسين: أولا تشكل النساء غالبية المحرومين من الدخل وثانيا لأن  النساء أكثر خضوعا ويسهل الضغط عليهن للتسديد. ففي ورزازات تقوم مؤسسات كالشعبي للقروض الصغرى و إنماء بمنح قروض لجميع الفئات: الموظفين ونساء الجنود والشرطة والدرك ومعدمي الدخل كالمتسولين و التلاميذ والطلبة و الأطفال وقد ينتقل مستخدموا هذه المؤسسات إلى الأسواق في المناطق النائية و يقومون بنصب خيم لمنح  القروض. بقلعة مكونة تحكي أسرة عن الضغط الذي مورس على ابنها البالغ من العمر 12 سنة، تم منحه قرضا بقيمة 100 درهم و يدفع أقساطه ب 20 درهم في الأسبوع. ليس هذا كل شيء فمؤسسات القروض الصغرى تمضي في بحثها عن ضحايا آخرين لجني المزيد من الأرباح و تمنح قروضا لطالبات و تلميذات من دون علم الوالدين، وهو ما تسبب في هروب الكثير من الفتيات لعجزهن عن التسديد و التعاطي للدعارة  وتشتت أسر بكاملها. ليست الدعارة مقتصرة فقط على الفتيات بل حتى المتزوجات أجبرتهن أقساط مؤسسات القروض الصغرى على ممارسة الدعارة. تلك هي حال السيدة التي وقفت و صرحت أمام الجميع بأن المصدر الوحيد لإعالتها ولزوجها المريض بالقصور الكلوي هو الدعارة،إنه مجرد مثال على المصير المأساوي الذي انتهت إليه نساء ورزازات الفقيرات.

نضال نساء ورزازات: سبيل كل نساء المغرب للخلاص من جحيم القروض الصغرى

         أمام الضغط المتواصل لمؤسسات القروض  الصغرى  على النساء، و اقتحام بيوتهن وتعدد حالات النصب والاحتيال و تجاهل المسؤولين للشكايات المقدمة  ضد هذه المؤسسات، قامت النساء الضحايا بورزازات بأول خطوة لتنظيم أنفسهن و النضال ضد جشع مؤسسات القروض الصغرى. وتم عقد أول تجمع للنساء سردت فيه  النساء معاناتهن بسبب القروض الصغرى. بعد ذلك توج التجمع بصياغة ملف مطلبي، كانت أهم نقاطه هي: متابعة مرتكبي النصب و الاحتيال ضد النساء،التعويض المالي و المعنوي على الأضرار التي لحقت بهن، الكشف عن فساد هذه المؤسسات  و نهب المال العام،  وقف المتابعات  في حق الضحايا على إثر نضالهن ضد مؤسسات القروض الصغرى ، ووقف أنشطة هذه المؤسسات.

كان أول شكل احتجاجي تقوم به النساء هو توقفهن عن أداء القروض و تنظيم وقفات أمام مقرات هذه المؤسسات وتنظيم مسيرات احتجاجية للنساء في مدينة ورزازات كل أسبوع بمعية الهيئات النقابية و السياسية وحركة20 فبراير. عرفت هذه الاحتجاجات مشاركة واسعة من طرف النساء. و غابت مرة أخرى الجمعيات النسائية عن نضالات نساء ورزازات، و لم تقدم أي نوع من الدعم لأول تجربة نسائية في المغرب تناضل وبكفاحية عالية ضد خروقات وجرائم طالت النساء. و لتعميم تجربتهن عملت النساء على  تنظيم لقاءات تواصلية مع نساء أخريات ضد مؤسسات القروض الصغرى بورزازات المدينة   و القلعة و بومالن و تنغير وتزناخت و اكدز وزاكورة وتاكونيت والمحاميد.

القروض الصغرى:أضاليل لإخفاء الآثار المدمرة لسياسات التقويم الهيكلي

لأول مرة على مستوى المغرب تحتج النساء وتتنظمن ضد نتائج برامج التقويم الهيكلي  التي أدت إلى تدمير الميزانية العمومية و التي تعتبر النساء أولى ضحاياها.

 كشفت معاناة نساء ورزازات عن النتائج الوخيمة لسياسات الدولة الاجتماعية المطبقة وبرامجها المزيفة في محاربة الفقر. فعوض الحفاظ على مجانية التعليم و الصحة وخلق مناصب شغل قارة وتوجيه الاقتصاد لتلبية الحاجيات الأساسية، تقوم الدولة بتفكيك هذه القطاعات وخوصصتها وتوجيه الميزانية لأداء الديون.لا يمكن القضاء على الفقر بمنح نساء قروض وهن محرومات كليا من أبسط حقوقهن. كيف لنساء لا يستطعن الولوج إلى الخدمات الأساسية و الحصول على الغذاء و السكن أن يوظفن قروضا تصل في أقصاها إلى خمسة ملايين في أنشطة مدرة للدخل؟. إن مؤسسات القروض الصغرى توظف لملئ الفراغ الذي خلفه تخلي الدولة عن توفير الخدمات الأساسية. إن فقر و بطالة نساء المغرب وحرمانهن من الصحة و التعليم هي نتيجة مباشرة للسياسة الاجتماعية و الاقتصادية للدولة. ليست القروض الصغرى هي من سيغير أوضاع النساء بل النضال إلى جانب المحرومين من أجل مجانية الخدمات الأساسية وإيقاف توجيه الميزانية العمومية لأداء الديون. لن تستطيع النساء تملك مصيرهن إلا بتنظيم أنفسهن و النضال ضد القروض الصغرى وباقي السياسات الليبرالية. وتعد تجربة نضال نساء ورزازات ضد القروض خطوة أولى يجب دعمها و السعي إلى توسيع  هذه التجربة من أجل تعميق النضال ضد إحدى أوجه الهجوم الليبرالي في المغرب. 

فاطمة الزهراء

المصادر

–   دانيال السباعي.

–   جريدة المناضلة.

–   موقع ضحايا القروض الصغرى بورزازات.

–   سوق تبادل المعلومات التمويل الأصغر- ميكس تقرير2007 – 2009

–   قانون المالية لسنة 2012

 

 

 

.

زر الذهاب إلى الأعلى