الديون

أوضاع كادحي القرى والجبال وآفاق نضالاتهم بعد 20 فبراير

 

أوضاع كادحي القرى والجبال وآفاق نضالاتهم بعد 20 فبراير

 

 

لا تنمية حقيقية في ظل مواصلة السياسات النيوليبرالية

شكلت سياسة ما يسمى “محاربة الفقر” عنوانا عريضا للمؤسسات المالية العالمية مع بداية الألفية الثالثة. ففي 8 شتنبر 2000 اجتمع قادة 190 دولة أعضاء منظمة الأمم المتحدة بمناسبة قمة الألفية بنيويورك وصادقوا في جلسة عامة على قرار سمي”تصريح  الألفية”. ويقوم هذا التصريح على 8 أهداف من أجل التنمية يجب تحقيقها في أفق 2015: تقليص الفقر المدقع والجوع- ضمان التعليم الابتدائي للجميع- تطوير المساواة بين الجنسين واستقلالية النساء- خفض وفيات الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات- تحسين صحة الأمهات- محاربة داء السيدا وحمى المستنقعات والأمراض الأخرى- تأمين بيئة مستدامة- إقامة شراكة عالمية من أجل التنمية[1].

وفي سنة 2000-2001 أصدر البنك العالمي تقريره السنوي حول التنمية بعنوان “محاربة الفقر” يتضمن مقاربته الجديدة لظاهرة الفقر وآليات محاربته، وأوصى بأن تقدم البلدان المتخلفة التي ترغب بالاستفادة من مساعداته المالية برنامجها الاستراتيجي لمحاربة الفقر. وقد جاء هذا كله تحت ضغط خطر الانفجارات الشعبية المحتملة في البلدان المتضررة من تطبيق سياسات التقويم الهيكلي منذ أوائل الثمانينات.

 تمثلت الصيغة المغربية لتلك البرامج في ما يسمى “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية” التي انطلقت في ربيع 2005 بهدف الحد من الفقر والتهميش والإقصاء الاجتماعي خصوصا على صعيد القرى والجبال، وذلك من خلال تسهيل الولوج للخدمات الأساسية كالصحة والتربية، والكهربة، والماء الصالح للشرب، والقضاء على السكن غير اللائق، ومحاربة الأمية، وتطوير الشبكة الطرقية، الخ. وكان ذلك بالموازاة مع تبني استراتيجيات قطاعية في إطار السياسات النيوليبرالية ، ومنها “المخطط الاستعجالي” في التعليم، و”نظام المساعدة الطبية” في الصحة، وبرامج “مقاولتي” و”تأهيل”، وإدماج” في قطاع التشغيل، وبرامج السكن الاجتماعي، الخ[2].

لن يكون لهذه الترقيعات أثر فعال في ظل مواصلة سياسة نيو-ليبرالية ترتكز على تقليص الميزانيات الاجتماعية وتجميد الأجور وتقليص دعم مواد الاستهلاك الأساسية ومنح تدبير الخدمات الاجتماعية كالماء الشروب والكهرباء والنظافة والنقل الحضري للقطاع الخاص، الخ. وهذا ما يكشف عنه التخلف البنيوي الحاد الذي تعيشه القرى والجبال المغربية والذي تكشف عنه حتى المعطيات الرسمية، كما تكشف عنه احتجاجات كادحي القرى الذي تنامت منذ مطلع الألفية.

 

بعض مؤشرات التخلف الرئيسية التي تعاني منها الساكنة القروية بشكل عام[3]

–         أمية مرتفعة تقارب نسبتها 57%. ونسب جد مرتفعة في ما يخص الهدر المدرسي.

–          دخل فردي هزيل: يبلغ متوسط الدخل الشهري للفرد في الوسط القروي حوالي 600 درهما (مقابل 1000 درهما في الوسط الحضري). ونجد أن التغذية تمتص نصف دخل الأسر القروية، ويمكن تصور ما تبقى لمصاريف السكن والعلاج والنقل والاتصال لكي يبقى القروي على قيد الحياة مريضا وأميا وجاهلا في غياب أي هامش يصرفه على الثقافة والترفيه والرياضة وولوج عالم الانترنيت. فنسب توفر الأسر القروية على التجهيزات المنزلية المستدامة ضعيفة جدا: حوالي 99% من الأسر القروية لا تتوفر على هاتف ثابت، و64% لا تتوفر على اللاقط الهوائي، و 21% لا تتوفر على التلفاز، و61% لا تتوفر على الثلاجة.

–         فقر مدقع: حوالي ربع سكان القرى فقراء. ولا يتعدى أمل الحياة لدى قروي عند الولادة 68 سنة (مقابل 76 سنة بالنسبة لحضري)، أي أن ساكن المدينة يأمل أن يعيش حوالي ثماني سنوات أكثر من نظيره القروي.

–         أوضاع المرأة القروية تفوق درجة التحمل: نسبة الأمية تتجاوز 70%، وتفوق نسبة الفتيات المحرومات من تعليم ثانوي 83%. ونجد أكثر من 60% من الأمهات لا يساعدها طاقم طبي في الولادة، وتموت 227 امرأة حامل من كل 100 ألف حالة ولادة، كما تموت نسبة 40% من الأطفال عند الولادة.

–         نقص مهول في البنيات التحتية والخدمات الأساسية: تبلغ نسبة الأسر المحرومة من الماء الشروب عبر شبكة المياه في الوسط القروي 57% (مقابل 4% في الوسط الحضري)، وتلك المحرومة من الربط بقنوات الصرف الصحي تفوق 97% (مقابل 14% في الوسط الحضري)، وتلك المحرومة من الكهرباء تقارب 20% (مقابل 3% في الوسط الحضري).

–         العزلة والتهميش: بعد الدواوير عن المدن والأسواق بعشرات الكيلومترات وانعدام وسائل النقل العمومي، وخصاص مهول في الطرق المعبدة،  وممرات عتيقة سرعان ما تتعطل أثناء تهاطل الأمطار ونزول الثلوج. وهذا ما يزيد من حدة ضعف التمدرس وغياب الخدمات الصحية وشح العيش.

–         الهجرة القروية التي تقدر سنويا بحوالي 200 ألف خصوصا الشباب الذين يتركون النساء والأطفال والشيوخ يعانون في الدواوير ويرحلون هم إلى أكواخ البؤس في هوامش المدن، أو يركبون قوارب الموت بحثا عن لقمة عيش.

 

بعض مؤشرات التخلف التي يعاني منها الفلاح كفاعل رئيسي ترتكز عليه التنمية القروية[4]:

–         يبلغ عدد سكان القرى الإجمالي 14 مليون نسمة ويشكلون نسبة 44% من السكان، في حين يبلغ عدد السكان النشيطين حوالي 5 مليون نسمة. أما عدد الفلاحين في مجموع البلد فيبلغ 1 مليون ونصف، منهم حوالي 5% دون أرض، و70% يملكون أقل من 5 هكتارات. أي أن عدد الفلاحين الفقراء أو المفقرين (بدون أرض زائد أقل من 5 هكتارات) يمثلون 75% من مجموع الفلاحين.

–         أمية مستشرية: نسبة 81% من هؤلاء الفلاحين أميون، وقرابة 68% يتجاوز عمرهم 45 سنة. فالشباب القروي يفضل الهجرة على امتهان حرفة أجداده التي لم تعد تسمن ولا تغني من جوع.

–         التركز العقاري : نجد أن 15% من المساحة الإجمالية الصالحة للزراعة تتركز في يد أقل من 1% من المالكين، وتتكون من استغلاليات تفوق مساحتها 50 هكتارا. ولا يحوز 71% من الفلاحين سوى على 26% من المساحة الإجمالية الصالحة للزراعة مصنفة في ملكيات تقل مساحتها عن 5 هكتارات. هذا التركز العقاري الحاد يسير بالموازاة مع إفقار جماهيري للفلاحين الصغار، حيث اندثر أكثر من نصف مليون مزارع صغير يستغلون أقل من 1 هكتار بين سنة 1974 و 1996.

 

إن مؤشرات التخلف البنيوي التي يعاني منها غالبية القرويين والفلاحين الكادحين ناتجة عن السياسات الفلاحية المتبعة منذ أوائل الستينات والتي تستند على توفير شروط نشوء رأسمالية كبيرة تستحوذ على أجود الأراضي في المساحات المسقية التي وفرتها سياسة السدود، والمساعدات في التمويل عبر توفير القروض والإعفاء الضريبي، وتأطير الإنتاج والتسويق نحو الأسواق الخارجية. في حين تبقى غالبية الفلاحين الفقراء في المناطق البورية تتخبط في دوامة غياب إمكانات العتاد والمال، وفي عدم خصوبة الأراضي وندرة المياه وتقلبات الطبيعة، لتستسلم لقدرها في الأخير وتتخلى عن أراضيها لصالح الرأسمال الكبير. ويبقى جوهر هذه السياسة قائما في يسمى “المخطط الأخضر”[5] الذي قدمته الدولة سنة 2008 والذي يريد أن يخلق شروط الاستثمار التي تطالب بها الشركات متعددة الجنسيات ويرافق البورجوازية الزراعية التي تزداد مصاعبها في ظل العولمة الرأسمالية واحتداد المنافسة في السوق العالمية والمحلية التي ستختنق بتدفق المنتجات الأجنبية من جراء الانفتاح المعمم. ويستند هذا المخطط على التكتلات الزراعية الكبيرة باتجاه التصدير أساسا ستجعل من جماهير الفلاحين الصغار والمتوسطين مجرد أقنان في خدمتها.

يحكم هذه المخطط على الفلاحين الفقراء بالزوال حين يدعو صراحة إلى ترك الزراعات البورية ضعيفة المردودية وعلى رأسها الحبوب التي تمثل حوالي 60% من الأراضي الصالحة للزراعة، ولا يقدم لهم بديلا سوى ترقيعات مفلسة من قبل “مشاريع تضامنية” و”استثمارات اجتماعية” و”القروض الصغرى” و “الأنشطة المدرة للدخل”، الخ، تعتمد على صدقات المؤسسات العالمية التي تعصف بها الأزمة المالية العالمية.

 

نماذج بارزة من احتجاجات القرويين في العقد الأول من الألفية[6]

برزت احتجاجات القرويين بشكل جلي منذ أواخر التسعينات مع مسيرة أيت بلال بإقليم أزيلال يوم 4 أبريل 1999 من أجل مطالب ثلاث (تعبيد الطريق وإنشاء مستوصف وتجهيز السوق الأسبوعي) شارك فيها قرابة 1400 شخص وتعرضت لقمع رهيب ومحاكمة 13 مواطنا. تبعتها يوم 2 فبراير 2000 انتفاضة قرية تارميلات بإقليم الخميسات ضد تعديات شركة مياه أولماس التي تعرضت هي أيضا لحصار قمعي عنيف ومحاكمة 7 معتقلين، واحتجاجات سكان سيدي الطيبي بأحواز إقليم القنيطرة الذين اعتصم منهم حوالي 1000 فردا يوم 10 ابريل 2000 بالطريق الرئيسية بين الرباط والقنيطرة ضد هدم منازلهم وتواجهوا مع أجهزة القمع  وتم تقديم 56 معتقلا للمحاكمة، ثم انتفاضة الكهرباء بإملشيل إقليم الراشيدية يوم 4 مارس 2003 ضد الانقطاعات المتكررة للكهرباء داهمت فيها قوات القمع المنازل ونشرت الرعب واعتقلت أكثر من 20 شابا.

ستتوسع هذه الاحتجاجات بشكل كبير مع بداية سنة 2005 التي افتتحتها مسيرة سكان جماعة أيت يحى بالريش املشيل يوم 5 فبراير 2005 الذين قطعوا حوالي 50 كلم باتجاه عمالة الراشيدية من أجل المطالبة بتعبيد طريقهم وفك العزلة عن دوارهم ورفع عسف القائد ، ثم احتجاجات سكان تماسينت بالحسيمة في أبريل 2005 ضد لامبالاة الدولة في ما أصابهم من ضرر جراء الزلزال وتلاعب رجالها بالمساعدات الأجنبية والمحلية، ومسيرة 6000 من سكان إيتزر بإقليم ميدلت يوم 29 ماي 2005 باتجاه الرباط من أجل الصحة والتعليم والكهرباء والطرق وتنمية محلية، واحتجاجات ساكنة طاطا في مايو 2005 من أجل إلغاء تسعيرة خدمات الصحة، وانتفاضة افني الأولى في غشت 2005 ضد الإقصاء ومن أجل الحقوق الاجتماعية، وانطلاق شرارة الاحتجاج في اوكتوبر 2005 بتالسينت وبوعرفة من أجل خفض رسوم فاتورات الماء والكهرباء وخلق فرص شغل.

بالطبع لم نسرد هنا سوى الأمثلة البارزة حيث هناك عشرات الاحتجاجات في الجبال والقرى النائية تمر في صمت ولا تجد صدى إعلاميا في الصحافة المأجورة ولا تقوم ما يسمى بجمعيات المجتمع المدني بأي دور للتعريف بها أو تبني مطالبها.

ستتواصل هذه الاحتجاجات القروية طيلة سنتي 2006 و 2007 منها مسيرة 4 قبائل بجماعة تانشر بإقليم تاوريرت يوم 11 ماي 2006 من أجل تعبيد طريق مسافته 14 كلم وتوفير مشاريع تنموية، واعتصام سكان رأس امليل بكلميم يوم 25 يناير 2007 من أجل المطالبة بالاستفادة من الإنعاش الوطني وتزويد المركز الصحي بالمستلزمات الطبية والماء والكهرباء ومشاريع تنموية، واعتصام نساء أغبالو نسيردان بنواحي خنيفرة يوم 17 شتنبر 2007 وقطعهن للطريق بالحجارة من أجل بناء مؤسسة تأهيلية ورفع التهميش عن منطقتهن، ومعارك سكان زاوية بن صميم بإقليم افران/أزرو في شتنبر 2007 ضد استحواذ شركة رأسمالية على المياه العذبة لعين بن صميم، ومسيرة سكان أيت عبدي بجماعة زاوية أحنصال بأزيلال نهاية نونبر 2007 قطعوا خلالها 110 كلم مشيا على الأقدام طيلة 5 أيام في الثلج والبرد القارس باتجاه عمالة أزيلال من أجل تعبيد الطريق وبناء مستوصف وتجهيزه لوضع حد للإهانة المتمثلة في حمل النساء الحوامل فوق ألواح خشبية، ومسيرة سكان دوار القلعة بمنطقة تاهلة بإقليم تازة يوم 31 دجنبر 2007 قطعوا خلالها 15 كلم باتجاه دائرة تازة من أجل تعبيد الطريق والكهرباء ومستوصف وضد تعسفات القائد نتيجة مقاطعة انتخابات 7 شتنبر 2007.

وستتسع رقعة الاحتجاجات بعد موجات غلاء فاحش في جميع متطلبات العيش اليومي منذ سنة 2006 وبروز تنسيقيات مناهضة غلاء المعيشة (أكثر من 70 تنسيقية محلية). وكان مثالها البارز هي انتفاضة البهاليل وصفرو في 23 شتنبر 2007، واعتصام أكثر من 5000 شخص أمام عمالة صفرو للتنديد بغلاء الأسعار، وما تلاها من قمع شديد ومحاكمة 37 معتقلا. ومن الأمثلة الدالة أيضا على هذه الدينامية النضالية مواصلة امتناع سكان بوعرفة عن أداء فاتورات الماء وهو قرار اتخذوه منذ شتنبر 2006.

بدأت سنة 2008 باحتجاجات بومالن دادس يومي 5 و 6 يناير 2008 بعدما قطعت الثلوج الطريق المؤدية إلى المنطقة ومحاصرة 20 ألف نسمة وعزلهم عن الخارج طيلة أيام وحرمانهم من المؤونة والتغذية، وهي تعبئة واجهتها الدولة بالقمع ومحاكمة 10 فردا. وستأتي انتفاضة سيدي افني طيلة شهري يونيو وغشت 2008 لترسم معالم النضال الشعبي الضروري ضد الفقر والتهميش، وكذا مسيرة الجياع بزاكورة في 5 غشت 2008 من أجل حصتهم من الدقيق وضد غلاء الأسعار. و ستتواصل الاحتجاجات ضد التهميش والإقصاء  بكل من إقليم تازة (احتجاجات سكان الزراردة بتاهلة في صيف 2008على نفاذ المنبع الوحيد المزود بالماء وغياب ثانوية)، والراشيدية (مسيرة أيت يحيى باتجاه قيادة تازارين يوم 16 دجنبر 2008)،  وبني ملال (مسيرة سكان أيت عبدي في 23 فبراير 2009 قطعت 80 كلم في البرد والعراء)، وطاطا (اعتصام قبيلة دوبلال في 18 أبريل 2009)، وأزيلال (احتجاجات دواوير أسامر وبوصالح واخداش في خريف 2009)، ، والجنوب الشرقي (احتجاجات تنسيقية أيت غيغوش بكل من اكنيون، وبومالن دادس، وقلعة أمكونة وخميس دادس في دجنبر 2009).

وطيلة سنوات 2008 و2009 و 2010 ستعرف عديد من المناطق القروية احتجاجات المتضررين من فيضانات الأمطار التي دمرت المنازل البنية التحتية الهزيلة وأتلف المحاصيل الزراعية: منها على سبيل المثال إقليم بوعرفة (مسيرات الآلاف لسكان حي الخيام بفكيك في اكتو بر 2008)، وإيمنتانوت (مسيرة السكان من 10 صباحا إلى 8 ليلا مع قطع الطريق في 2 اكتوبر 2008)، وسيدي قاسم (عصيان سكان الخنيشات في أبريل 2009)، ومراكش (احتجاجات ساكنة أوريكة سنة 2010 )، وسيدي قاسم (مسيرة دوار الشموسة يوم 16 فبراير 2010)، وتارودانت (احتجاجات سكان أولاد الداحو في دجنبر 2010)، الخ.

وفي 26 دجنبر 2010، ستشهد تنغير مسيرة شعبية لم يسبق لها مثيل في تاريخها تنبئ بتطور كبير في استيعاب دروس الكفاح الشعبي من طرف كادحي المناطق المهمشة.

 ارتأينا هذا السرد الطويل لأمثلة الاحتجاج الشعبي في القرى والجبال والتي تبين الطاقة النضالية الهائلة التي تزخر بها القرى المغربية والتي تكشف عن جذرية كبيرة لدى سكانها وقدرة كبيرة على الصمود، خصوصا لدى النساء، رغم أن المطالب جد بسيطة.

تتسم هذه الاحتجاجات بعفوية أشكالها وسهولة احتوائها بوعود من طرف المسؤولين وغياب التنظيم وفقدان الثقة في الذات وغياب التضامن والتنسيق. ومن هنا واجب مناضلي أطاك في أولا، التأكيد على الطابع الاجتماعي لنضالات سكان القرى ضد نتائج السياسات النيوليبرالية وبساطة مطالبهم، وثانيا، كونها منبثقة من القاع الاجتماعي العميق حيث يشارك فيها الأطفال والشيوخ والنساء في انصهار ملحمي فريد، وثالثا، سلمية أشكالها ومعاركها وإن كان يجابهها قمع شرس وعنيف من طرف أجهزة الدولة.

يجب أن يعمل مناضلو أطاك كما عودونا على ذلك في عدة معارك كبرى (طاطا، ايفني، بن صميم، الخ) لمساندة تعبئات ومعارك كادحي القرى والجبال والعمل على فك العزلة عنها عبر التعريف عنها بكافة الآليات الإعلامية وإبرازها إلى المقدمة ، وتنظيم جميع أشكال التضامن معها من قوافل وجمع المساعدات، الخ.

وفي ارتباط بحركة 20 فبراير التي يساهم فيها مناضلو أطاك بنشاط ومسؤولية، لا بد أن يطرحوا ضرورة إبراز المطالب الاجتماعية للقرويين في أرضيات حركة 20 فبراير في المناطق القروية وشبه القروية، والتركيز على مشكل الفساد المستشري في الجماعات القروية الذي أصبح بارزا في جميع مسيرات 20 فبراير في هذه المناطق.

مازالت جماهير الفلاحين الصغار في المناطق الزراعية لم تعبر عن مطالبها كفئة متضررة من السياسات الفلاحية المتبعة، وإن كانت هناك بعض الاحتجاجات القليلة المتفرقة خصوصا ضد المجموعات الزراعية الكبيرة (منتجي الشمنذر السكري بتادلة…)، وضد بعض حالات نزع الأراضي. لكن لا يعني هذا أنها غير مرشحة للانفجار في ظل ما تواصله الدولة في مخططها الأخضر لتشجيع الرأسمالية الزراعية الكبيرة على حساب الفلاحين المفقرين،  والمركبات السياحية والعقارية للترامي على الأراضي (الجماعية والغابات) في جميع مناطق المغرب. فالمخطط الأخضر يطمح إلى توفير 700 ألف هكتار للمجموعات الفلاحية الكبرى: إذا جمعنا مساحة أراضي “الكيش” (240 ألف هكتارا)، وأراضي “الحبوس” (58 ألف هكتارا)، وأراضي الأملاك المخزنية (270 ألف هكتارا)، سنصل في أحسن الأحوال إلى مساحة تقل عن 570 ألف هكتارا[7] . من أين ستأتي الدولة بالباقي؟ ستنزع إلى الأراضي الجماعية الرعوية (12 مليون هكتار) التي قد تكون صالحة للزراعة أو للبنايات، وأراضي الغابات (6 مليون هكتار). ومن مهامنا كأطاك أن نعمل على تفكيك هذه المخططات ونقوم بحملة تثقيف شعبي في أوساط الفلاحين في مناطق تواجدنا (القصر الكبير، شفشاون، سوس،… ).

 

بعض المحاور الأساسية لمطالب جماهير القرى والجبال

–         مسألة الأرض: ضرورة استعادة الأراضي الممنوحة لكبار المالكين الزراعيين ووقف زحف لوبيات العقار والسياحة. يجب تناول مسألة توزيع الأراضي بشكل عام وفق مبادئ إصلاح زراعي شعبي.

–         الديمقراطية المحلية الشعبية: لقد خصبت حركة 20 فبراير مطالب السكان نحو التركيز على فساد المجالس القروية والمسؤولين عن تسيير الشأن المحلي والمطالبة بمحاسبتهم.

–          الخدمات الاجتماعية الأساسية والبنية التحتية الضرورية: التعليم والصحة والماء والكهرباء والطرق والنقل والاتصال والمحافظة على الثروات البيئية المحلية وتوفير شروط الرفاهية من دور للثقافة والرياضة وخدمات إدارية جيدة، الخ.

–         مطالب خاصة بالنساء القرويات نظرا للقهر متعدد الأوجه الذي تعانين منه.

–         التركيز على بعض الخصوصيات المحلية: سكان المناطق الصحراوية، الريف، الجنوب الشرقي، الخ.

–         الدفاع عن الأمازيغية باعتبارها هوية غالبية القرويين.

–         حملة تثقيف شعبي وسط الفلاحين الصغار لتفكيك مخططات الدولة وتطوير مطالب هذه الفئة المقهورة للخروج من وضعيتهم كأقنان تستعبدهم المجموعات التصديرية الكبرى عبر تركيز الإنتاج على الاستهلاك المحلي وتوفير الموارد المالية والماء ومنح المساعدات في كل ما يحتاجه الإنتاج الفلاحي من عتاد وبذور وأسمدة وأدوية، الخ.

                                                                           عمر أزيكي.

 

مداخلة في الدورة السابعة للجامعة الربيعية لأطاك المغرب يوم 2 أبريل 2011 في ورشة “الأوضاع الاجتماعية لجماهير القرى وتأثيرات حركة 20 فبراير”.

 

 


[1] – لتقييم إنجازات “أهداف الألفية”، يتضمن موقع اللجنة من اجل إلغاء ديون العالم الثالث مقالات عديدة، منها مداخلة إريك توسان في منظمة الأمم المتحدة في 15 شتنبر 2010، ومقال “أهداف الألفية: نضال ضد الفقر أو تنمية؟” لفرانسين ميستروم، الخ. www.cadtm.org

[2] – لتقييم أولي لما سمي “المبادرة الوطنية من أجل التنمية البشرية”، راجع مقال ميمون الرحماني: “المغرب:تنمية بشرية، ما أكثر الضجيج وما أقل الحجيج”، 9 يونيو 2009. www.cadtm.org

[3] – معطيات المندوبية السامية للتخطيط من خلال تقريريها: “النمو والتنمية البشرية بالمغرب:معالم إحصائية 1998-2008″، و “المؤشرات الاجتماعية بالمغرب في سنة 2008”. www.hcp.ma/

[4] – معطيات الإحصاء الفلاحي العام لسنة 1996، الوحيد المستعمل لحد الآن.

[5] – “مخطط المغرب الأخضر: الآفاق الأولية للإستراتيجية الفلاحية”. أبريل 2008. www.vulgarisation.net/plan_vert.pdf

[6] – جرى تجميع هذه المعطيات من خلال سلسل دفاتر “وجهة نظر” حول حالة المغرب السنوية (منذ 2006 إلى سنة 2011)، وكذا كتاب عبد الرحيم العطري “الحركات الاحتجاجية بالمغرب” في نفس السلسلة سنة 2008، ثم التقرير الاستراتيجي الذي يصدره مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية لفترتي 2003-2005 و 2006-2010، وبعض مدونات الانترنيت. وفي الحقيقة مازال الأمر يحتاج إلى مجهود كبير لتجميع المعطيات الكثيرة والمبعثرة حول احتجاجات القرويين والفلاحين الصغار لتكون الصورة واضحة أكثر.

[7] – استحواب نجيب أقصبي. مجلة لوجورنال الأسبوعية. مايو 2008.

زر الذهاب إلى الأعلى