النضالات في المغرب

الأحكام الصادرة في حق قادة حراك الريف تبرر وتكشف زيف “العهد الجديد”

الأحكام الصادرة في حق قادة حراك الريف تبرز وتكشف زيف “العهد الجديد”

إن التعبئة من أجل التضامن الكبير مع عائلات وأسر مناضلي الحراك الشعبي الواسع في الريف، ومن أجل استنكار الأحكام القاسية والجائرة التي صدرت في حق طلائعه الصامدون، تفترض تجذر النضال الشعبي واستمراره حتى تتحقق الديمقراطية في البلد.

ناضل فقراء الشعب المغربي منذ عهود من اجل الديمقراطية الفعلية في وطنهم/ن، ومن بينها استقلال القضاء استقلالا تاما، يستطيع ضمان تحقيق عدالة نزيهة تنصر المظلوم على من ظلمه، وتأخذ له حقه المغتصب من طرف الأغنياء وتنصفه في بلده. هذا المطلب الديمقراطي البديهي لم يتحقق رغم كل التضحيات الجسيمة التي قدمها المغاربة. ولو كان تحقق منه قسط قليل فعلا، سنرى عددا من الملفات المتعلقة بالقضايا الكبرى تفتح في المحاكم، ويكون المجرمون الحقيقيون الذين نهبوا الثروات في السجون الآن. لكن هذا لم يحدث، لان الديمقراطية منعدمة، وكل الخطابات والآراء حولها ما هي سوى أضاليل يروجه الاعلام الرسمي. أما الانتخابات وتشكيل الحكومات فإنها شكلية وواجهة للخارج فقط، ولا تعني الشعب شيئا.

القضاء النزيه والديمقراطي هو من يحاكم ناهبي ثروات البلد

عرفت بلادنا فسادا كبيرا في عدة مؤسسات ومقاولات عمومية وطنية، وكذا مجموعة من الأمور المخالفة للقوانين، وتعد بالفعل جرائم كبرى حقيقية، مخربة ومدمرة للاقتصاد الوطني. ومن واجب القضاء إذا كان مستقلا أن يبث في كل مجرياتها، وفتح التحقيق بشأنها ومتابعة ومعاقبة مرتكبيها مهما كانوا وكيف ما كانت صفتهم/ن ورتبتهم في جهاز الدولة.

فمثلا، أبان تقرير سنوي للمجلس الأعلى للحسابات بالمغرب عن وجود عديد من الاختلالات في طريقة تدبير الحسابات الخصوصية، التي تعرف باسم “الصناديق السوداء”، والبالغ عددها 74 حسابا خاصا، وتتوفر على أرصدة كبيرة وصلت أكثر من 122 مليار درهم، لكنها غير مستعملة في مجالات التنمية الاجتماعية كالصحة والتعليم وتنمية القرى والمناطق الجبلية[1]. وهذه هي التنمية المفقودة التي طالب بها سكان الحسيمة والريف وتحركوا من اجلها.

الأحكام الصادرة في حق قادة حراك الريف تبرز هذه الأحكام زيف خطاب “الانتقال الديمقراطي”

بعد النطق بالأحكام على قادة حراك الريف المعتقلين، استنكرها جل المغاربة ونظموا مسيرتين وطنيتين الأولى يوم 8 يوليو 2018 في الدار البيضاء المكان الذي أصدرت منه المحكمة تلك السنوات الطويلة سجنا، والثانية نظمت يوم 15 يوليو 2018 في العاصمة الرباط. مسيرتين شعبيتين تتقدمها أسر وعائلات المعتقلين مطالبة بالإفراج عنهم، وتحقيق مطالب التنمية الحقيقية التي اعتقلوا من أجلها.

تبرز هذه الأحكام زيف خطاب “العهد الجديد” و”الانتقال الديمقراطي” وتحقيق “الإنصاف والمصالحة ” و”جبر الضرر الفردي والجماعي” و”طي صفحة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان” و”العدالة الانتقالية ” إلى غير كل ذلك من الشعارات السياسية الكبرى التي روجت لها أدوات الدعاية الرسمية. كما أبانت عن غياب قضاء مستقل عن الدولة، ومن هنا عجزه عن فتح الملفات الكبرى للفساد والنهب التي وقعت في المؤسسات والشركات العمومية والوطنية، وعن محاكمة المتورطين في نهب الملايير من أموال الشعب المغربي المفقر، وعن إعادة المال الطائل المنهوب والمهرب من اجل تحقيق تنمية جذرية تستفيد منها أغلبية الشعب المغربي المقهور.

إن الأقلية الحاكمة مرهونة بسياسات المؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي)، ومنظمة التجارة العالمية، وكذا بمتطلبات الأسواق العالمية والشركات متعددة الجنسيات، وبمقتضيات اتفاقيات التبادل الحر الاستعمارية. ولهذا فإنها تريد من وراء الأحكام الثقيلة الجائرة على قادة حراك الريف أن تزرع الخوف والتراجع في كل من يفكر في الاحتجاج على سياستها وإزعاج الرأسماليين.

استمرار حراك الريف من اجل الكرامة والحرية والتنمية الحقيقة للمنطقة

في أواخر سنة 2016 قامت السلطات المحلية في مدينة الحسيمة بمنع الشاب محسن فكري من بيع سمكه ونزعته منه ورمته في شاحنة لجمع النفايات في ميناء المدينة بعلة انه يمنع صيده وبيعه. لكن محسن الشاب الفقير تمسك بسلعته التي تعد مصدر رزقه الوحيد هو وأسرته احتج على منع السلطات وارتمى على سلعته داخل الشاحنة. وقام المسؤولون على هذه العملية بتشغيل الحاوية مرتكبين جريمة نكراء. بهذه الطريقة الوحشية استشهد محسن فكري في الحسيمة يوم 28 اكتوبر2016.

بعد هذه الجريمة، خرج الآلاف من السكان من جميع الفئات ذكورا وإناث في موكب جنازة محسن فكري يوم 30 أكتوبر 2016 في بلدته “امزورن”. وعرفت مدينة الحسيمة تجمعات شعبية جماهيرية كبيرة احتجاجا على تعامل السلطات مع الفقراء، رافضين حياة الذل ورافعين شعار “الموت ولا المذلة”. ومن هنا تطورت الأشكال النضالية لحراك الريف واستمرت وتعمقت وتوسعت حيث شملت جل مناطق الريف، وتشكلت جبهات التضامن مع مطالب حراك الريف في جل المدن المغربية وفي بلدان المهجر حيث يوجد المغاربة.

استمر حراك الريف وتوطد، ورفعت أثناء مسيراته صور أبطال حركة التحرر الوطني محمد بن عبد الكريم الخطابي وأعلام جمهورية الريف سنة (1921-1926)، كما رفعت شعارات ضد الإقصاء والتهميش والحق في التنمية والشغل والحياة الكريمة.

وانطلقت سلسلة من التدخلات والوساطات والزيارات والحوارات والقيام بإبعاد موظفين صغار ومحاكمة بعضهم وإعفاء مسؤولين. وفي أواخر شهر مايو 2017 بدأت الدولة تطبق سياستها الفعلية ونظمت حملات الاعتقالات وقامت بحصار مشدد على المنطقة وطوقتها من كل الجهات ولم يعد بإمكان المتضامنين تنظيم قوافل نضالية تضامنية إلى المدينة من اجل فك الحصار وتقديم الدعم والمساندة لضحايا القمع من سكان الريف. وقد نتج عن حملات الاعتقالات نحو 500 معتقل /ة[2].

أثناء الاعتقالات وأطوار المحاكمات ظلت تجري نفس العملية من وساطة وحوارات وتدخلات بين قادة حراك الريف والسلطات والدولة والحكومة من طرف مجموعات متنوعة ومتعددة. لكن المعتقلين صمدوا لأنهم مؤمنين بعدالة قضيتهم وبراءاتهم من التهم التي تريد الدولة محاكمتهم بسببها، والتي تريد من خلالها تجريم قيادة الحركات الاجتماعية والاحتجاجات الشعبية.

واليوم بعد الإجهاز على عديد من المكتسبات وبعد هذه الأحكام الجائرة والقاسية جداً ليس أمامنا سوى المواجهة والثبات على المبدأ النضالي المساند لضحايا سياسة العولمة الرأسمالية وبناء منظمات النضال وأدواته على أسس ديمقراطية لكي نضمن وحدتنا ونعزز قوانا واستمرارنا في الاحتجاج على السياسات الظالمة المتبعة في بلدنا. إن الأحكام الثقيلة لن ترهبنا. سنواصل كفاحنا من أجل إطلاق سراح المعتقلين وتحقيق المغرب الآخر الممكن الذي نحلم به الخالي من الظلم الاجتماعي.

محمد الحيحي – عضو أطاك المغرب

[1] – ‘الصناديق السوداء’ بالمغرب.. من يراقب 122 مليار درهم؟

https://www.maghrebvoices.com/a/morocco-money-parliament-economy/376379.html

[2] – كتاب أطاك المغرب: “حراك الريف: نضال شعبي بطولي، من اجل الحرية والعدالة الاجتماعية”. فبراير 2018.

زر الذهاب إلى الأعلى