النضالات في المغربمتابعة النضالات

قطاع التعليم؛ انبعاث دينامية نضالية من أسفل، بوجه هجوم نيوليبرالي من فوق

قطاع التعليم؛ انبعاث دينامية نضالية من أسفل، بوجه هجوم نيوليبرالي من فوق

” لا تريد الحكومات أناسا قادرين على التحليل والتفكير النقدي. تريد فقط عاملين مطيعين، ذكاؤهم يكفي لتشغيل الماكينات وغباؤهم يكفي ليتقبلوا الواقع الذي يقبعون فيه”. جورج كارلين.

رغم محاولات تضليل مارسها مسؤولو قطاع التعليم منذ سنوات ببلادنا لإخفاء طبيعة الإصلاح الذي يسعون إليه، وبعد انجلاء كل الغبار المحيط بمخططهم التصفوي ذاك، أضحت غالبية كادحات شعبنا وكادحيه على بينة من التخريب الشامل الذي يمثله ذلك الإصلاح وما يرمي إليه من إقبار للمدرسة العمومية. وقد اتضح الأمر أكثر من خلال المشاركة الواسعة للآباء والأمهات والتلاميذ إلى جانب نساء ورجال التعليم في الاحتجاجات المشتركة الجارية المصاحبة لإضرابات الأساتذة والأستاذات، إثر صدور النظام الأساسي الجديد مطلع شهر أكتوبر(2023)، واطلاع كافة المعنيين/ت على فحواه بعد سنتين من سرية أحيطت بها أشغال إعداده من قبل لجنة تقنية ضمت نقابيين وممثلين عن الوزارة ضمنهم خبير في البنك الدولي.  

مخطط أملته مؤسسات مالية دولية ونفذه خدام الاستبداد

بصدور النظام الجديد، تنكشف جوانب أخرى من الخطة التدميرية الشاملة والنيوليبرالية التي وضعها خدام البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمنظمة العالمية للتجارة ببلادنا للإجهاز على ما تبقى من تعليم عمومي. ومن أهداف النظام الجديد:

  • ضرب الحريات النقابية، وفق خطة محبوكة، عبر خلق جيل من الموظفين متقبل للهشاشة في التشغيل ومبتعد عن فكرة التنظيم النقابي [الكفاحي] المؤسس على قاعدة التضامن والتلاحم والملفات المطلبية الدقيقة والشاملة والموحدة، وبالتالي منع تعزيز النقابة المناضلة بقوى النضال الفتية، موازاة مع تجريم حق الاضراب واعتبار أيامه غيابا عن العمل وأخذ ذلك بالاعتبار لتحجيم الترقية، وتثبيت مقولة “الأجر مقابل العمل”. إنها خطة لتدمير النقابة [المكافحة] طالما راودت مالكي رؤوس الأموال لحرمان العمال والكادحين من أداة فعالة [النقابة المناضلة] للدفاع عن أنفسهم أمام هجمات الرأسمال.
  • تخفيض كتلة الأجور عبر الهشاشة وتكريس التوظيف الجهوي وضرب نظام الترقي عن طريق الأقدمية وتعويضه ب “المردودية” و”الأداء الفردي” إذ جرى الاتفاق المبدئي على ضرورة إدراج مبدأ الليونة الوظيفية عبر ما سمي في اتفاق 14 يناير بتقييم الأداء بناء على المعايير الواردة في تقرير البنك الدولي [المغرب في أفق 2040]، إضافة إلى تكثيف استغلال العاملين والعاملات بالقطاع، وفق الجاري به العمل بقطاع المقاولات، وإثقال كاهلهم/ن بمهام خارج نطاق التدريس، عوض توظيفات جديدة ضرورية لتغطية خصاص مهول سينتج عن تقاعد آلاف الأطر مستقبلا، وعوض إلغاء ساعات تضامنية مُعْتَبَرَة رسمية،
  • اعتماد ترسانة عقوبات لردع المخالفين لهكذا نظام مكرس للعبودية وماسّ بالكرامة الشخصية، وجعل الأستاذ تحت طائلة تهديد دائم مسلط عليه كسيف ديمقليس، وفق ميكانيزمات العمل بالقطاع الخاص، ما سيحيل قطاع التربية والتعليم إلى ما يشبه المَخْفَر.
  • النظام الأساسي الجديد بني من خارج نظام الوظيفة العمومية الصادر سنة 1958، عكس الأنظمة السابقة، لأنه ينص على التوظيف الجهوي ويثبته [ولذلك يستخدم لفظ “موارد بشرية” عوض “موظفين”] ويصر على التمهيد لإخضاع المدرسة لنظام المقاولة الخاصة. لهذا يستحيل “تجويده”.. والحل الوحيد: إسقاطه.

لقد اجتهد خدام المؤسسات المالية الدولية ببلادنا مجتمعين  في ابداع نظام أساسي يستجيب لتوجيهات تلك المؤسسات، القاضية بتسليع التعليم وتغيير وظيفته بجعله خادما للأرباح، عبر توجيه طلاب العلم إلى الوظائف المهنية كيد عاملة مؤهلة مهنيا ورخيصة ووضعها رهن إشارة مقاولات رأسمالية لا حاجة لها بالعلم والمعرفة، تلك التوجيهات القاضية بجعل التعليم مجالا للاستثمار المربح [تشجيع إنشاء مقاولات تعليمية خاصة وتمتيعها بتسهيلات ضريبية..] على حساب المدرسة العمومية الجاري تدميرها بالتدريج، أطرا وتلاميذ وبنيات تحتية…

لهذا لا غرابة أن يصدر الحاكمون نظامهم الجديد أياما قلائل قبيل انطلاق اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي السنوية  المحتضنة بمراكش نفس الشهر، كعربون وفاء والتزام بما يصدره هؤلاء الأسياد الأجانب من املاءات. ولا غرابة كذلك أن يصدر الحاكمون قانون المالية الجديد 2024 المُسْتَهْدِفُ جيوبَ الفقراء، مباشرة بُعَيْدَ انتهاء الاجتماعات السنوية لتلك المؤسسات المالية الاستعمارية بمراكش، التي تملي ذاك التفقير وتلك السياسات التجويعية.

ها هو النضال..  يعود  

كانت الدولة تأمل تمرير نظامها الأساسي مثلما مررت “الميثاق” الصادر سنة 1999 و”الرؤية الاستراتيجية” بعده، ثم “التدابير ذات الأولوية” و”القانون الإطار”.. وكل الترسانة التشريعية التي جعلتها تقطع أشواطا متقدمة جدا في تدمير المدرسة وفسح المجال للقطاع الخاص، ففوجئت  بردة الفعل القوية الجارية وتَوَقُّدِ نضال انبعث من رماده كالفينق. توقد يؤكد حقيقة مفادها أن لا شيء ثابت، وكل وَضْع قابل للتغيير، و”لا يمكن الاستحمام في ماء النهر مرتين” فالجزر النضالي والخوف من الاقتطاع لَيْسا أبديَّيْن مدى الدهر.

نقط قوة

انبعث الكفاح وانبعثت معه تقاليد نضال عريقة عراقة نضال الكادحين والكادحات [تقاليد أقبرتها بيروقراطيات النقابات منذ ولوجها حلبة الشراكة والتعاون الطبقي والسلم الاجتماعي]:

  • اتخاذ القرار في جموعات عامة للشغيلة التعليمية بمقرات عملهم/ن، ميزتها الأساس مشاركة نسائية وازنة.
  • انتخاب منسقين ومنسقات بشفافية وديمقراطية مباشرة من جموعات عامة، ومراقبة من جرى انتخابهم/ن من أسفل، وإمكانية عزلهم/ن إنْ هم خالفوا/ن ما اتُّفِقَ عليه.
  • تنظيم احتجاجات بالشارع العام على نحو منظم ووفق خطة تضمن مشاركة نسائية وازنة في إدارة معارك وإكسابها النجاعة والفعالية، مع إشراك للأمهات والآباء في النضال.

نقط ضعف

تأتي الدينامية النضالية الجارية في سياق عقود من غارات أيديولوجية شنتها الدولة عبر مؤسساتها الإعلامية وغيرها وشملت المجتمع بأسره، مستهدفة العقول وطمس الوعي الطبقي ومنع تسيس الطلائع والجماهير على السواء وتسلحها بالتفكير النقدي، وتعميم ثقافة الخنوع والنزعة النفعية. وقد تجلت هذه النزعة بقطاع التعليم، على سبيل المثال، في عدم مناصرة الأساتذة النظاميين لزملائهم المفروض عليهم/ن التعاقد خلال نضالاتهم التي بلغت ذروتها سنة 2019، لاعتقادهم أن وضعهم المهني مريح..

الهبة النضالية الجارية تأتي في هذا السياق، وهناك دعوات للتصعيد ترفع شعار “هنا والأن” و” نكون أو لا نكون”. و”الاضراب المفتوح”، وهي دعوات مشروعة نظريا، لكنها لا تستحضر ميزان القوى الحالي وآثار ركود معظم الشغيلة التعليمية لعقود، والتبليد الممارس من قبل البيروقراطيات النقابية التي أقبرت الروح الوحدوية والتضامنية والكفاحية، كما تجلى في تفرجها على نضالات كبرى خاضتها فئات تعليمية متضررة، على سبيل المثال..

من جوانب القصور كذلك، اعتماد بناء تنظيمي يفضي في الأخير إلى تكريس نزعة استبدالية، فتغيب الجموعات العامة للقاعدة التعليمية، شيئا فشيئا، لتحل محلها الأجهزة الاقليمية والجهوية والوطنية  والقياديون الأشخاص الذين “يفهمون” أفضل من غيرهم. هذه الاختلالات بالإمكان تجاوزها إذا كنا نستخلص الدروس من تجربة نضال سابقة لبعض التنسيقيات.

الطريق الى النصر

الكفاحية مطلوبة في النضال الجاري لكن وفق منظور يعي حجم هجوم الدولة النيوليبرالي المُعَدُّ ترجمة لإملاءات المؤسسات المالية الاستعمارية الجديدة.

لنستبعد شعارات من قبيل ” هنا والآن” ووهم النصر السريع، ونتسلح بطول نفس ضروري لمواصلة المعركة، ونفهم المحيط والسياق فهما جيدا وندرس الواقع ونشخصه كما هو. ولنتقدم بخطوات كفاحية محسوبة وسيكون النصر حليفنا.

النصر لمعارك الكادحات والكادحين

 04/11/2023.

حكيم. ح. عضو جمعية أطاك المغرب.

زر الذهاب إلى الأعلى