العولمة الرأسماليةالنضالات في المغرب

طنجة؛ الوضع الصحي في ظل جائحة كورونا

طنجة؛ الوضع الصحي في ظل جائحة كورونا

حوار مع النقابي علي حموت، العضو بالنقابة الوطنية للصحة (نقابة ك.د.ش)

بعد أشهر ثلاثة من حجر صحي وتجند طاقم مشرف لأداء خدمة عمومية صحية، من أعوان نظافة وحراسة ومساعدين طبيين وممرضين  وتقنيين اداريين وأطباء ومشرفين على التغذية، وعلاج مصابين وتنقل للمساكن لاجراء معاينات ضرورية للمشتبه باصابتهم، وصل الجميع الى درجة من الإنهاك قد تعرض الطاقم الصحي لمخاطر صحية واجتماعية  ونفسية بالغة الخطورة.

وبعيدا عما يروجه إعلام برجوازي، يُنْظَرُ الى المشتغلين بالمستشفيات نظرة ريبة وخوف من العدوى. هذا ما يفسر توجيههم للإقامة بالفنادق، فالخوف من العدوى يلقي بظله على الأزواج والأبناء والأصدقاء. علاوة على ذلك، هناك مشاكل فيما يخص العناية بالبنات والأبناء الصغار، فلمعظم الأطر الصحية أولاد صغار، وآباء مسنون أو مرضى بحاجة الى عناية.

  • هل مِنْ تداعيات على الحالة العائلية للمشتغلين بالقطاع ؟

نعم هناك تداعيات سلبية وتذمر واسع و حالة من الإحباط وصلت إليها الأطر الصحية خصوصا النساء، فمنهن من أضحت مهددة بالطلاق وأخريات فكرن بالاستقالة … معظم النساء الموظفات بالمستشفيات متزوجات من موظفين، وأغلبهن أمهات خلفن بمنازلهن أطفالا صغارا. وبالنظر لغياب الحضانات وجدن أنفسهن يلقين بأطفالهن الى المجهول، يتركنهم لوحدهم  دون رعاية أو عند الجيران…

إنه وضع شاذ عرض العلاقة الزوجية والأسرية لامتحان صعب خاصة أن لا راحة للمشتغلين والمشتغلات الذين واللواتي لا يمكن سحبهم أو سحبهن من فرن المواجهة مع الفيروس. إن ما يغضب أطر الصحة هو ذاك الخصاص المهول في الموظفين بمختلف فئاتهم وتخصصاتهم، بينما ينسحق تحت سياط البطالة آلاف شباب بعد أن أنفق المجتمع عليهم أموالا طائلة لتعليمهم وتكوينهم. فلو توفر الكافي من الأطر الصحية لما شهدنا هذا التوتر النفسي.

  • هل تحصلون على حد كافٍ من الراحة؟

أكيد لا، نشتغل بنظام الحراسة 12/36 و نقضي بقية اليوم حبيسي الفنادق التي هي ليست للنزهة، بعيدا عن الدفء العائلي والأسري، كأننا نشتغل 24ساعة في اليوم.

  • هل هناك إحساس بكون أدوات الحماية كافية ؟

العكس تماما، هي غير كافية، فضلا عن افتقادها للجودة. فالبذلات الواقية المتوفرة حاليا، على سبيل المثال، موجودة بمقاس واحد XL وهي سريعة التمزق، ما يعرض العاملين لإمكانية الإصابة بالعدوى، هناك أيضا نقص حاد في القفازات المعقمة وقناع ffp2   وأدوات أخرى لا تقل أهمية، ما يجعلنا نشتغل تحت ضغط نفسي ومخاوف رهيبة.. وما يزيد التردي حدة، النقص الحاد في أدوات العمل خصوصا بقسم الإنعاش، ما يجعل المرضى، في حالات كثيرة، عرضة لخطر الإصابة بعدوى المستشفيات les infections nosocomiale .

و قد راسلنا المسؤولين بهذا الصدد مرات عديدة دون الحصول على إجابات، ولا حتى التواصل معنا كشغيلة أو كتنظيمات نقابية.

  • كيف يجري التدخل لحل هذه المشاكل؟

للأسف، المسؤولون لا يتواصلون مع الشغيلة ولا مع ممثليهم النقابيين، مثلا النقابة الوطنية للصحة – ك.د.ش بطنجة راسلت المديرة الجهوية عدة مرات، وطلبت لقاء مستعجلا معها لتدارس مشاكل ومقترحات الشغيلة، فلم تتلق أي جواب.

  • كيف تتعامل النقابة مع الحالة القائمة ؟

النقابة تملصت من أي نشاط نضالي بحجة أولوية مواجهة الجائحة، باستثناء احتجاج عرفه مستشفى الدوق دوطوفار قبل بداية حالة الطوارئ الصحية. توقفت عمليا النشاطات الداخلية للنقابة والنقاش الداخلي، علما أن مصالح الشغيلة وحياتهم أضحت مهددة في ظل الجائحة بصورة أكبر.. ظروف عمل أسوأ جراء ضعف بنيات الاستقبال والخصاص في الموظفين والتجهيزات. قد يعتقد البعض أن النقابة من الكماليات.. ومن غير الضروري مناقشة مشاكل الشغيلة في هكذا ظروف. لكن يجب أن يعلم الجميع أن أرباب العمل لا يوقفون عدوانهم في زمن الكوارث، وأن كل مكاسب الشغيل، من يوم عمل من ثمان ساعات والحد الأدنى للأجور والراحة الأسبوعية والسنوية المؤدى عنها والضمان الاجتماعي والتغطية الصحية.. ما كانت لتتحقق لولا النضال النقابي الشاق والضاري. العمل النقابي ضروري ومن أساسيات الحياة في المجتمع الطبقي/الرأسمالي.

السلطات الصحية لم تهتم عموما بمطالب الشغيلة، كما قلت سابقا. النقابة راسلت المسؤولين مرات عديدة دون تلقى جواب في الموضوع. ولحد الساعة لم تحدد النقابة سبلا للتعاطي مع هذا الوضع وهذا التجاهل.

  • كيف يجري التعامل مع المرضى غير المصابين بفيروس كورونا؟

هناك تخبط كبير لدى المسؤولين جعلهم ينسوا أو يتناسوا باقي المرضى. فهناك عشوائية في التعامل مع باقي المرضى، الشيء الذي يجعل المواعد طويلة ومميتة.. خاصة تلك المتعلقة بالأمراض المزمنة كالسرطان ومواعد السكانير التي تهم أكثر من 200 من مرضى أغلبهم من المصابين بالسرطان. في المدن المتضررة أكثر من الجائحة يجب توفير مراكز لاستقبال مرضى كوفيد 19 الذين من ضمنهم مصابون بأمراض أخرى تحتاج تدخلا طبيا. هذه المراكز يجب أن تكون مجهزة بكل المتطلبات الضرورية

  • هل كان الطاقم الصحي كافيا قبل الجائحة؟ وهل التجهيزات والمواد الطبية كانت كافية؟

لا، قطاع الصحة بالمغرب مصاب بالهشاشة ومريض منذ القدم بسبب السياسات النيوليبرالية التي تنهجها الحكومات المتتالية والهادفة الى تسليع هذه الخدمة الاجتماعية… فقطاع الصحة يعاني خصاصا مهولا في الأطر يبلغ أكثر من 10000 من الممرضين وأكثر من 7000 طبيب على أقل تقدير اضافة الى  التقنيين ومشغلي الأدوات الطبية. فمعدل الأطر الصحية لسكان المغرب هو 1.5 إطار صحي، لكل  1000 نسمة ، في حين أن المنظمة العالمية للصحة توصي ب 4.5 إطار صحي، على الأقل، لكل 1000 نسمة. زد على ذلك سوء التوزيع، فمحور الدار البيضاء -الرباط يتوفر على ثلثي الأطباء الاختصاصين الموجدين بالمغرب وتقريبا 50 بالمئة من الممرضين يتمركزون بالجهات الخمس المتوفرة على مستشفى جامعي ( الرباط الدار البيضاء مراكش فاس وجدة). الشيء نفسه يقال بالنسبة للمعدات والتجهيزات الطبية.. النقص مهول في كل الجوانب.

  • هل الميزانية المرصودة للقطاع كافية؟ وهل مِنْ توظيف جديد وعاجل لصالح قطاع الصحة؟

ميزانية وزارة الصحة هزيلة،  مثلا برسم سنة 2019 بلغت 16 مليار و331 ألف مليون درهم، وهي تمثل قرابة 6.5 بالمئة من الميزانية العامة للدولة، دون احتساب الدين العمومي، وباحتسابه تساوي 3.68 بالمئة.  هذه الميزانية تقارب ميزانية المركز الصحي الجامعي مارسيليا بفرنسا. ولنا أن نتصور قيمة ما يصرف على كل مريض يدخل المستشفى العمومي المغربي مقارنة بنظيره الذي يدخل المركز الصحي الجامعي بمرسيليا. إن بلدا ذا بنية صحية هشة مثل بلدنا بحاجة إلى تخصيص خمسة أضعاف الميزانية الحالية على امتداد سنوات ودون تبذير أواختلاس من أجل تمكين القطاع من النهوض بدوره. الموارد متوفرة يكفي ألا توجه لتصرف في بذخ الطبقة البورجوازية، في ملاعب الغولف والقصور واليُخوت والطائرات الخاصة و الصناديق السواداء و معاشات الوزراء و البرلمانيين وغيرها من مظاهر تبذير موارد شعب منكوب في خدماته العمومية.

الحاجة للموظفين كبيرة خصوصا فئة الممرضين، والوزارة تعرف هذا الأمر جيدا، لكنها تلجأ للتوظيف بالعقدة، عن طريق أنبيك، وهذا يخلق الهشاشة وغياب العدالة في القطاع. مثلا ممرض موظف يخضع لقانون الوظيفة العمومية وله أجرة وتعويضات.. مختلف تماما عن ممرض يشتغل بالعقدة ويقوم بنفس المهام ومعرض لنفس المخاطر كالتي تهدد الأول. نفس المهام لكن المكاسب مختلفة. طبعا الوزارة تسعى لتوسيع الهشاشة بالقطع لتشمل فئات جديدة. هذا ما يقتضي نضالا نقابيا موحدا وحازما لمواجهة الأمر، والحفاظ على مكاسب الوظيفة العمومية وتطويرها وتوسيع شمولها لجميع العاملين بالقطاع.

  • ما مصير المستشفى الجامعي و كلية الطب بطنجة؟

يقال إن المستشفى الجامعي سيكون جاهزا في شتنبر[2020]، بالنسبة لكلية الطب، صراحة طلبة كلية الطب بطنجة غطوا بشكل كبير النقص في الأطر في المستشفيات خصوصا في ظل هذه الجائحة، ولولاهم لكان الوضع كارثيا.

طنجة في : 14 يونيو 2020

زر الذهاب إلى الأعلى