النضالات في المغربمتابعة النضالات

لا لتأجيل النضال بمبرر الزلزال

ما هو الموقف الذي يجب أن تتخذه النقابة و ما هي المطالب التي يجب أن ترفعها؟

لا لتأجيل النضال بمبرر الزلزال

عرف المغرب ليلة الجمعة 8 شتنبر 2023  هزة أرضية قوتُها 6,8 درجات على سلم ريشتر، قوة قادرة على إحداث أضرار بليغة في حال كانت البنيات التحتية،  من سدود وموانئ وقناطر وجسور ومساكن، غير خاضعة للمعايير الهندسية للسلامة المتعارف عليها. إن البنيات الهشة التي غالبا ما تأوي ساكنة كبيرة في الأحياء الشعبية بأحزمة المدن وبالقرى، تكون لقمة سائغة لموجات الزلزال ما يحولها لركام في غضون ثواني معدودة.

كان الزلزال كاشفا لهول الخصاص في البنيات التحتية الطرقية والسككية والإسكانية التي تعاني منها هوامش المدن الكبرى من قبيل مراكش و كذا المراكز الحضرية الصغرى والعالم القروي. في لحظات تهاوت كل الصورالبراقة التي روج لها إعلام البورجوازية، التي لا يجد الكادحون- ات والأجراء- ات فيه مكانا يعبر عن آلامهم- هن و آمالهم- هن. وفي لحظات حزن وغضب قفزت لذهن ملايين الكادحين- ات صور البورجوازيين و كبار المسؤولين في البلاد وهم يستحوذون على أخصب الأراضي الفلاحية وعلى الثروة السمكية، والثروات المعدنية ويستعرضون ثراءهم من خلال آلاف اليخوت والطائرات الخاصة والقصور والفيلات والسيارات الفاخرة. بينما يحكم على الملايين العيش منفية في أحزمة الفقر والبؤس بعد أن استحوذ المعمرون الجدد والشركات الأجنبية على أخصب الأراضي وأجودها وعلى مقدرات البلد وثرواتها.

كما كشف الزلزال هول الدمار الذي لحق بالخدمات العمومية في الصحة والتعليم والبنية التحتية الاجتماعية جراء سياسة التقشف والخوصصة، فالمستشفيات العمومية في حاجة ماسة منذ سنين لآلاف الأطباء- ات وعشرات آلاف الممرضين- ات كما الحاجة ماسة لمستشفيات في كافة المراكز الحضرية الصغيرة و القروية مجهزة بالمعدات الضرورية وبالأدوية. فما بالك بمواجهة كارثة طبيعية كبيرة في ظل خصاص دائم في البنيات الاجتماعية.

كما كشف الزلزال الحالي على هول الجريمة التي تقترفها البورجوازية ودولتها في حق أغلب سكان البلاد، حيث حولت مدنها إلى مدن عشوائية في مجملها حيث تنعدم أبسط الشروط الهندسية، وتغيب الساحات والحدائق عن أحياء سكنية ضخمة، لان البورجوازية، وهي أقلية عددية، تستحوذ على أكثر من ثلثي القيمة المضافة بالبلد، بينما تتقاسم ملايين الشغيلة ثلث الخيرات المنتجة من طرفها، وهو ما يعني أجورا هزيلة لا تمكن من اقتناء مساكن تتوفر فيها معايير الصحة والسلامة.

هذا ما يفسر سكن غالبية سكان البلد في مساكن عشوائية غير ملائمة، ويكشف عن المخاطر التي تواجه كل الحواضر المغربية في حالة ضربها زلزال بنفس قوة الزلزال الأخير.

بعد كوارث عدة ضربت البلاد، خضعت دولة البورجوازية لمطلب إحداث صندوق للتضامن يكون دائما، هكذا تم إحداث “صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية” بموجب القانون 14.110 الذي لم يدخل العمل به إلا في مطلع سنة  2020. دون أن يتمكن هذا الصندوق من الحصول على الموارد الكافية، إذ ربط تمويله بضريبة تضامنية (رسم شبه ضريبي)، بينما هرَّب البورجوازيون الملايير من الدراهم خارج البلاد بشتى الأساليب، وهو وصفه بيان “المكتب الوطني للنقابة الوطنية للأبناك- كدش” بـ: “هذه الكارثة فضحت المنتخَبين والمسؤولين الحكوميين المتعقِبين، وبينت شجعهم، وانعدام الروح الوطنية لديهم”، وإن كان الأمر لا يقتصر فقط على “المسؤولين” بل يشمل أيضا رجال الأعمال، وضمنهم “المجموعة المهنية للبنوك” التي طالبها البيان بـ” بالمؤازرة ماديا ومعنويا للشغيلة المتواجدة في المناطق المنكوبة والمتضررة”[1]. كما يستمر نهب البلاد من خلال آلية الديون الجهنمية التي يستفيد من فوائدها الغزيرة الرأسمال المحلي من خلال نظام المديونية الداخلية والرأسمال الأجنبي من خلال المديونية الخارجية.

إن السياسة الاقتصادية والاجتماعية التي تنهجها الطبقة السائدة هي التي أوصلتنا إلى هذا الوضع المزري، الذي تقاسي فيه الملايين من ويلات الفقر والتهميش. وهي سياسة لا يمكن التصالح معها ولا الإجماع حولها مهما كانت الظروف.

لقد ناضلت الحركة النقابية ومعها القوى التقدمية المتطلعة لنظام اجتماعي عادل، خلال عقود طوال ودفعت تضحيات جسيمة، لكن درب النضال لازال طويلا، من أجل مجتمع بلا طبقات وبلا استغلال وبلا قهر، مجتمع لا يكون نجاح القلة فيه هو حصيلة فشل عشرات الآلاف.

تبقى حملات التضامن التي أطلقتها النقابات العمالية المغربية محمودة ومطلوبة، وتؤكد على حس الانتماء لطبقة يُشكل التضامن والإخاء قيمتها الرئيسية، وعلى أن جميع الكادحين- ات يتخندقون في خندق واحد، لكن يجب أن نعي جيدا أن هذه الحملات التضامنية تبقى غير كافية وتعالج أعراض الزلزال- وغيره من كوارث الطبيعة- دون المس بأصل المشكل: السياسات النيوليبرالية التي تفاقم أثار الزلزال، إن علة وجود النقابة هي النضال ضد الاستغلال الرأسمالي وليس تلطيف الاستغلال.

لا لتأجيل النضال بمبرر الزلزال

 خلافا لمجموعة من الأصوات التي تدعي أن الوقت ليس وقت محاسبة بل هو وقت تضامن ومساهمات، في نفس الوقت الذي تكرس فيه الدولة وكبار الملاكين خياراتهم المعادية للشغيلة، وهذا ما نلحظه عبر استمرار غلاء المعيشة و ارتفاع أسعار المنتوجات الغذائية والمحروقات.

وفي عز الدعوة إلى الإجماع وتجنب النضال والدعوة إلى المحاسبة، وفي حين علق التنسيق النقابي الخماسي (UMT- CDT- UGTM- FET- UNTM)[2] ما تبقى من البرنامج النضالي لشهر سبتمبر 2023، تجسيدا للتضامن مع ضحايا الزلزال، تقوم دولة البرجوازية بمحاكمة عمال شركة “صوفيا سود” المتابَعين بالفصل 288 من القانون الجنائي[3] يوم 13 سبتمبر 2023. إن الإجماع سيف ذو حد واحد تغرسه دولة أرباب العمل بعمق في لحم الشغيلة.

إن الفرصة الأن مناسبة لترسيخ قيم التضامن والنقاش والنضال والمطالبة بـ:

  • توفير كل اللوازم الطبية من أدوية وأدوات الاشتغال بشكل كافي لإسعاف الضحايا؛
  • فتح المصحات الخاصة ومختبرات التحاليل ومراكز الأشعة الخاصة بالمدن المنكوبة والمدن المجاورة أمام ضحايا الزلزال بشكل مجاني لتفادي الضغط على المستشفيات العمومية؛
  • تنازل كبار المسؤولين عن أجورهم وتعويضاتهم تضامنا مع المناطق المنكوبة؛
  • تعليق سداد خدمة الديون وتحويل اعتماداتها لأجل إعادة الإعمار وتوفير البنيات التحتية المناسبة على اعتبار أن هذه المديونية هي أداة نهب واستعمار؛
  • فرض ضريبة على الشركات الخاصة التي حققت أرباحا ضخمة على حساب تضامن الساكنة مع ضحايا الزلزال؛
  • فرض ضريبة تصاعدية على الثروة لتمويل الخدمات العمومية ولمواجهة آثار الكوارث؛
  • تأميم قطاع المحروقات وإعادة تشغيل مصفاة لاسمير كمؤسسة عمومية؛
  • وقف تفكيك الخدمات العمومية وتأميم المصحات الخصوصية ووقف سيرورة تحويل القطاع الصحي لقطاع تجاري، فحياة الناس ليست سلعة. ونفس الأمر بالنسبة للتعليم؛
  • رفع الأجور وإنهاء الهشاشة في عقود العمل.

مناضل نقابي بالنقابة الوطنية للصحة


[1]– 15- سبتمبر 2023، https://alhadathalan.ma/?p=60930.

[2]– 11 سبتمبر 2023، https://shorturl.at/efpwA.

[3] – 11 سبتمبر 2023، بلاغ الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي، الاتحاد المغربي للشغل، https://shorturl.at/gvWZ3.

زر الذهاب إلى الأعلى