غير مصنف

محنة نساء الصويرة و ضرورة النضال من أجل السيادة الغذائية

هل التدافع يقع في المغرب فقط ؟

الجواب قطعا لا. فقد تدافع الكادحون عبر العالم وقتل بعضهم بعضا، في ملاعب كرة القدم أو الساحات الكبرى بل و حتى عند أدائهم لشعائر الدينة . لكن ما يمز التدافع بالصويرة، علته مخزية ، ليس  من زاوية من تدافعوا، بل بالنظر لسبب  التدافع: كيس دقيق وحبات شاي.

حصل هذا في وقت قرر فيه عبد العزيز العماري، رئيس مجلس مدينة الدار البيضاء رفع التعويضات على المهام المخصصة لكل من الرئيس ولذوي الحقوق من المستشارين  إلى  1.56 مليون درهم.*

كذلك، حصل هذا في شهر أطلق فيه النظام المغربي  قمره الاصطناعي “لمراقبة” من تدافعوا بتكلفة 500 مليون اورو (مشروع المراقبة يحتوي قمرين) .

التدافع والموت من أجل حفنة طحين في بلد يتبجح أمام العالم بتقديمه للمساعدات الغذائية للدول المحتاجة مثل دولة قطر !!!!!!!!

التدافع و الموت من أجل كيس دقيق في بلد يقدم نفسه كبلد فلاحي  يصدر الحوامض والبواكر والطماطم …الخ

لكن إن كان المغاربة في حاجة إلى دقيق، وباتوا في العراء و تدافعوا وقتل بعضهم بعضا لأجل حفنة طحين، فلماذا لا نزع القمح بدل الطماطم والحوامض التي تضخم جيوب الأغنياء وتستنزف الثروة المائية للوطن؟

إنه وضع يدفعنا الى التساؤل : من يقرر سياستنا الفلاحية و الغذائية ؟

الجواب بسيط ، فالحاكمون في المغرب يهرولون نحو العملة الصعبة. إنهم ينتجون ما طلبه أسيادهم في الخارج وفق تقسيم عالمي للعمل. نتيجة مسلسل بدأ مند 1964  تاريخ  تقديم البنك العالمي مذاكرته إلى النظام المغربي يوصيه من خلالها بالتوجه للفلاحة التصديرية وتعميق النموذج الاقتصادي الليبرالي .

لكن ما علاقة العملة الصعبة بتدافع النساء بالصويرة ؟

ليست نساء الصويرة من يحتجن العملة الصعبة بل النظام المغربي من أجل تسديد ديونه للخارج. ولأن الدائنين اكثر حرصا على أموالهم من كرامة و حياة النساء بالصويرة، سنوا رزمة من الإجراءات سميت بالتقويم الهيكلي بداية 80 من أجل ضمان تدفق المال  إلى خزائنهم وعمل النظام المغربي بكل جد من أجل تطبيقها. وبنهجه سياسة أدت إلى تدمير الفلاحة المعاشية و خنق الفلاحة الوطنية، وسعيه نحو التصدير لجني العملة الصعبة. بمعنى آخر، من قرر سياسة  الفلاحة التصديرية بدل القمح (عنوان الاكتفاء الذاتي الغذائي) هو قاتل النساء بالصويرة . من قرر إلغاء دعم المواد الغذائية  الأساسية عبر إلغاء صندوق المقاصة بإيعاز من صندوق النقد الدولي و البنك العالمي هو المجرم الحقيقي.

لقد  تدافعت النساء من أجل كيس دقيق لم تشأ الدولة المغربية  توفيره لهن ولا لأبنائهن .

إن النظام الرأسمالي و همجيته التي دمرت البيئة وتسببت في ظاهرة الإحتباس الحراري وما نتج عنه من توالي سنوات الجفاف و الفيضانات و موجات الهجرة الجماعية يتحمل مسؤولية ما حصل .

ويبقى الحدث بعينه يترجم الفردانية والسعي نحو الخلاص الفردي ، فكرة يختزلها النظام الرأسمالي في جوهره وهو  الملكية الخاصة و تسويق فكرة أن الفرد هو المسؤول عن وضعه الاقتصادي و الاجتماعي وأن كل الطرق مشروعة للحصول على نصيبه من الغنيمة .

التدافع من أجل كيس دقيق في الصويرة هو صورة مصغرة للتدافع الكبير غدا بين الدول من أجل مصادر المياه. إنه تذكير بالتدافع من وراء الحواجز العنصرية بسبتة و مليلية وحدود أمريكا. ومن الطبيعي أن الإنسان يحب الحياة و يسعى إليها بكل قواه. ويجانب الصواب من لا يفكر في أية معايير أخلاقية أو متحضرة حين يتعلق الأمر بجشع الاغنياء، وبالمقابل يستحضر أخلاق وقيم التحضر فقط حين يتعلق الأمر بالفقراء. (نذكر هؤلاء بأنه لا مجال أصلا لنقاش أية طريقة متحضرة في تنظيم الحصول على الصدقات. لأن هذه الأخيرة أصلا هي خارج قيم العصر والحداثة)

من أراد أن يثأر لنساء الصويرة فليناهض مذكرات البنك العالمي و برامج التقويم الهيكلي و يعلي صوته من أجل تدقيق المديونية العمومية المغربية وافتحاصها. فخيراتنا كفيلة بتوفير أكياس دقيق في كل بيت ولن تكون النساء في حاجة إلى الوقوف في طوابير صدقات العار.

عزيز معراس

ايت ملول – 23 نونبر 2017

========================================

* انظر موقع هسبريس https://www.hespress.com/regions/372143.html

زر الذهاب إلى الأعلى