العولمة الرأسماليةحركة عولمة بديلة

فيضانات وضحايا : حينما حضر الشعب وغابت الدولة

فيضانات وضحايا

حينما حضر الشعب وغابت الدولة

 

   ذابت الإنجازات التنموية وأوراش الإصلاح الكبرى مع مياه الفيضانات الهائجة التي جرفت معها جثث ضحايا كان من المفترض- حسب دعاية الدولة- أن تكون تلك الإنجازات في خدمتهم.

   لطالما تغنت الدولة بانجازاتها التنموية ومشاريعها الكبرى، وأخذت قروضا ضخمة بمبرر الاسهام في خلق بنيات تحتية وتجهيزات تواكب “التقدم وتحقق الرخاء الاقتصادي والاجتماعي”. لكن واقع الخدمات العمومية (بنية صحية وتعليمية مهترئة) والاجتماعية وواقع البنية التحتية والتجهيزات الأساسية يظهر أن ذلك مجرد نفاق خطابي، فأمام أي تحدي أو طارئ يكشف عن عجز كبير، وفقر في الامكانيات المتاحة وتسقط الشعارات في بحر من الاكاذيب، بينما أنفقت القروض لإعداد بنية تحتية تسهل استثمارات الاجانب ورؤوس الاموال الكبرى.

 

خدمة الديون بدل بناء القناطر

 

   ليس هذا الواقع نتاج سوء تدبير أو تقصير من طرف مسؤولين فاسدين يكفي مساءلتهم أو إقالتهم، بل نتيجة سياسات ليبرالية مفروضة توجه صرف ميزانية الدولة- الممولة من ضرائب الشعب- نحو أداء الديون ودعم القطاع الخاص، بدل إنفاقه في بناء التجهيزات الأساسية. وذلك أيضا نتاج استبداد يصرف الأموال في بناء جهاز قمعي قد يحميه من غضب الشعب، بدل بناء قناطر وطرق سيارة تحمي الشعب من غضب الطبيعة.

 

كلميم… رسالة من تحت الماء

 

   كانت نتائج الفيضانات التي شهدتها كلميم ونواحيها أيام 21 و23 و24 نوفمبر 2014 فاجعة وصادمة. عاش سكان المناطق المحيطة بكلميم (تيمولاي وبويزكارن وتكانت وتيغمرتوأسرير) ظروفا قاسية؛ انقطاع لتيار الكهربائي والماء والطرق وانهيار القناطر الى جانب انقطاع خدمات الهاتف.

   عان السكان من العزلة لأزيد من ثلاثة أيام، نتيجة فيضان الوديان (تلمعدرت وام العشار وواد صياد)، وحصد الفيضان عشرات الضحايا حسب تصريح وزير الداخلية وعدد من المفقودين و مشردين آخرين.

   يكشف هذا الوضع خطابات الدولة ويعري حقيقة الواقع الهش حيث “شعب يموت ودولة خارج الزمن”، فهشاشة البنيات التحتية وغيابها في مجموعة من المناطق، إضافة إلى غياب طاقم الوقاية المدنية وسلبية أجهزة القمع (الدرك الملكي) وغيابهم في مناطق أخرى، عكس عادتهم حينما يتعلق الأمر بقمع الاحتجاجات.

   في الوقت الذي يعمل فيه الاستبداد على قدم وساق لاستقطاب مادحيه محليا ودوليا في منتدى يدعي “حقوق الإنسان”، شاهد العالم كله مهزلة “ترك الناس يموتون” في وقت كان بالإمكان إنقاذهم. أجساد تصارع الغرق وتتمسك بأي شيء يقع في متناول يدها (أغصان، الانتظار فوق أبدان السيارات..).

 

حضر الشعب وغابت الدولة

 

استمرت المأساة المهزلة بعد الغرق. تطوع شباب عزل من كل وسائل الإنقاذ لانتشال الجثث مستعينين بوسائل بدائية (أغصان أشجار وحبال ومواد بلاستيكية)، وحين حضرت الدولة قامت بنقل الجثث في شاحنة لنقل الأزبال، في وقت نقل فيه السياح بواسطة طائرات الهييليكوبتر، لا لشيء سوى أن السياح ينفقون بالدولار وفقراء جبال الأطلس الصغير الذين بلعتهم مياه الوديان لا تسمن دريهماتهم ولا تغني من جوع.

 

الاستبداد يحمل المسؤولية للضحايا

 

   في الوقت التي كانت تعلو حناجر الضحايا بطلب يد النجدة، نفض ممثلو الاستبداد المسؤولية عنهم، ففي رد لوزير الداخلية عن الاسئلة الشفوية بمجلس النواب، حمل الوزير المسؤولية للسائقين والمواطنين الذين لم يلتزموا بتحذيرات الأرصاد الجوية مصرحا بأن “الوسيلة الوحيدة باش ما توقعش المسائل بحال هادي هو الناس ما يخاطروش براسهم”، ولم ينسى الجنرال حسني بن سليمان التذكير بضرورة متابعة السائقين ومحاسبتهم قانونيا. إن عمق ترسخ تقاليد الاستبداد تجعل هؤلاء يصرون على مواجهة الكوارث الطبيعية بطرائق بوليسية.

 

محاسبة الجناة الحقيقيين: مهندسو ومنفذو السياسات الليبرالية

 

   يصر ممثلو الاستبداد على تحميل المسؤولية للكادحين الضحايا وينادون بضرورة محاسبتهم، لكننا نحمل المسؤولية لسياسات خربت البلاد ووجهت البنية التحتية نحو المناطق حيث استثمارات الأجانب والرأسمال المحلي الكبير، ننادي بمحاسبة دولة الاستبداد التي بقيت تتفرج في مواطنين كادحين تجرهم المياه نحو القاع بعد أن جرتهم سياساته نحو قاع البؤس والحرمان.

   إن سياسات تهيئة حقيقية سواء بالمدن أو القرى، سياسة تتوجه نحو الاستجابة لحاجيات الكادحين (تجهيزات أساسية من طرق وقناطر، بنية تحتية صحية وتعليمية..)، يستدعي إعادة النظر في مجمل سياسة الدولة التي تأخذ التوازنات المالية (ديون خارجية، عجز موازنة)، بعين الاعتبار أكثر من اهتمامها بحياة المواطنين، إن سياسة كهذه تستعدي أول الأمر إلغاء الديون الخارجية واسترجاع المنهوب من ثروات المغرب المهربة نحو الخارج وتوجيه تلك الموارد لبناء البلد.

أسماء العيوق

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى