العولمة الرأسمالية

فيروس كورونا: غريزة البقاء وبوصلة النضال

هل يريدوننا أن نصمت أو نتوقف عن النضال تحت طائلة “كورونا”؟ كلا. الرأسمال يواصل الهجوم حتى في عز الجائحة، لن تتوقف المقاومة؛ اذن.

نعم؛ وباء كورونا اختبار لمدى قدرتنا على الصمود والمقاومة. يجب ألا تعمينا غريزة البقاء عن البوصلة. ليس بوسعنا التضحية بقناعاتنا  وحرية التعبير عن آرائنا تحت طائلة كورونا فيروس. فتناقض المصالح بين الحكام والمحكومين سيستمر؛ زمن الجائحة وبعدها. وقد أثبت الماسكون بزمام أمورنا أنفسهم ذلك؛ خلال الأيام القليلة المنصرمة؛ وأكدوا، قولا وفعلا؛ أن تأجيل الصراع الطبقي الى ما بعد؛ غير وارد؛ مثبتين [ما أكدته التجربة التاريخية] أن ذاك الصراع؛ ما فتئ يجري بصورة طاحنة؛ حينا؛ أو غير محسوسة وأقل حدة غالبا، لكنه جار دوما. من أبرز تجليات مواصلة الهجوم تلك؛ عزمهم تقديم كل أشكال الدعم لأرباب العمل تحت طائلة انعكاسات كورونا، بضخ الأموال؛ و”تعليق سداد قروض المقاولات واعفائها من المتأخرات”(*) دون “أن يشمل هذا الاجراء الأخير أيضا القروض الصغرى ومديونية الأسر”(*) بالتالي؛ ترك أغلبية الشعب الساحقة لمصيرها المحتوم؛ وجها لوجه مع الوباء.

نعم، الجائحة تطالنا جميعا، لكن ليس بنفس القدْر. التفاوت الطبقي صارخ جدا. كبار السن وذوو الأمراض المزمنة من الطبقات الفقيرة، وهم الأكثرية، ليسوا بنفس حظوظ من هم على شاكلتهم من الطبقات الغنية بمواجهة المرض. الأغنياء يحتمون داخل منازلهم في بذخ ورفاهية، فيما الطبقة العاملة تخرج للكدح؛ في وضع هش بوجه الوباء، ونحن نعلم جيدا ظروف عملها وحياتها الكارثية، واقع فاقمته أزيد من 30 سنة من سياسات طبقية نيوليبرالية قضت على كل مقومات الصمود المتواضعة المتوفرة: تخلي الدولة عن تمويل القطاعات الاجتماعية الأكثر حيوية؛ التعليم والصحة والسكن.. بنهجها سياسات التقشف والتقويم الهيكلي.. تنفيذا لسياسة التبعية ازاء المؤسسات المالية الدولية المانحة؛ والدول الصناعية الكبرى؛  ما حول مدارسنا ومستشفياتنا الى خراب؛ وتسبب بأهوال وأوضاع اجتماعية دراماتيكية.

الرأسماليون وحدهم أفضل وضعا بوجه الوباء. يلتزمون الحجر الصحي لكن دون هموم أو تعقيدات. فمنذ الأزل؛ هم عالة على المجتمع؛ ليسوا منتجين، ويستحوذون على إنتاج ملايين البشر الآخرين المكرهين على بيع قوة عملهم كي لا يموتوا جوعا.

نعم؛ نحن متضامنون بالأمس واليوم وغذا، وإلى الأبد؛ تضامنا طبقيا يكرس أرقى معاني التآخي والتآزر، لن نتفرج على مآسي جيراننا، ولن نتعامل بلا مبالاة مع اخوتنا العمال وأخواتنا العاملات. لن نكل من ترديد مطالبتنا للدولة للقيام بواجبها بسن اجراءات فورية لحماية المشردين والأشقاء المهاجرين؛ وكل من هم بأوضاع هشة وبلا مأوى… ومن أجل  الوقف العاجل لكل أنشطة الإنتاج غير الضروري؛ مع الحفاظ على الأجر؛ كي يتمكن عمال القطاعات المعنية من الاحتماء بدورهم بالحجر الصحي، ومن أجل نهوض الدولة بواجبها بسن اجراءات فورية كذلك؛ كي تضمن تنظيم قطاعات الإنتاج الضرورية بصورة تسمح باعتماد كل التعليمات الصحية الضرورية لمقاومة الجائحة: التباعد، الصابون؛ المعقمات الكحولية…

وبصورة عاجلة؛ ضمان كل ما يلزم من أطقم صحية، بتشغيل شامل للمتوفر منها بصورة دائمة وبكامل الحقوق، واعتبار هذا الوباء مرضا مهنيا؛ بما يساعد على التكفل بهؤلاء الشغيلة أنفسهم؛ وهم المنتصبون في الخطوط الأمامية لجبهة الحرب بوجه الفيروس للقضاء عليه.

إذا؛ بعد زوال الجائحة، سنحصي الخسائر، وسيواسي بعضنا بعضا، لكن علينا أن نستعد لأوجب الواجبات، التي كشفت الجائحة بجلاء الغطاء عنها، أي صحتنا، تعليمنا، سكننا، حمايتنا الاجتماعية، الحد من بطالتنا، حرياتنا السياسية والنقابية والجمعوية والديمقراطية.

تضامننا نبذله لكل البشر، وهو واجب علينا تجاه أبناء طبقتنا وكافة المقهورين. ستمر الأزمة الصحية الماثلة أمامنا، لكن درسها الرئيس؛ أن الرأسمالية تقود البشرية إلى حتفها ما لم يجر القضاء عليها.

* من أجل مخطط استعجالي اجتماعي وصحي حقيقي:

–  توزيع كثيف لأدوات الحماية (من كمامات؛ معقمات وصابون…) وفحوصات مجانية

– تخصيص المليارات للمستشفيات لا المقاولات: توفير الأسرة والمستلزمات، وتشغيل ما يكفي من الممرضين والأطباء، بكامل الحقوق، لردم الخصاص المهول.

* ضد كرونا فيروس؛ حيواتنا أولى من أرباحهم

بكل تأكيد، التدابير الصارمة ضرورية لمكافحة كرونا فيروس. لكن علينا الانتباه للإجراءات الاستبدادية للدولة، فهي أيضا بلا أدنى شك تلبي معايير طبقية صارمة، معايير كلها بخدمة الرأسمال وأرباحه. افتحوا (ن) أعينكم (ن) على ما يجري، لا يجب أن ندع الخوف يغشي أبصارنا أوقات المحن.

بقلم: سلوى زياد

(*)- موقع “أطاك المغرب”  أزمة فيروس كورونا : تعليق سداد قروض المقاولات واعفائها من المتأخرات يجب أن تشمل أيضا القروض الصغرى ومديونية الأسر

 

زر الذهاب إلى الأعلى