الشباب

من أجل رياضة متحررة من التنافس

يجب أن يُتاح، لكل واحد وواحدة منا، إمكان ممارسة رياضة من اختياره طيلة مراحل عمره. بهذا المعنى، وجب إعلان الرياضة خدمةً عمومية. لكن أي نوع من الرياضة نحتاج إليه؟ كيف السبيل لكي يستفيد الجميع منها وفي شروط جيدة، وما العمل حتى تساهم الرياضة وتشارك في عملية تحويل المجتمع؟

التربية على الرياضة / إدانة اضرار تجارة الرياضة   Sport business

يمكن للرياضة أن تجلب الصحة والرفاه وأن تخلق، إلى حد ما، من خلال لغتها الكونية روابط اجتماعية. كما يمكن لها أن تجلب لنا سواء عبر ممارستها او مشاهدتها، متعة، والمتعة مهمة. لا يتعلق الأمر إذن بإقرار أن كل شيء الرياضة منبوذ، وبأنها لا تشكل جزءً من الثقافة، وأنها لا تعدو أن تكون إلا نوعا جديدا من أفيون الشعوب، يهدف الى غسل عقول الطبقات الشعبية. غير أن تقديم الرياضة بطريقة إيجابية فقط، لَهُوَ أيضا أمر شديد الاختزال.

فعلا، استعملت الرياضة منذ قرون وسيلةً جبارةً للترفيه فقط (“الخبز والألعاب”)، ولقد حولت العولمة الرأسمالية الرياضة إلى تجارة وإلى منتوج استهلاكي جماهيري. إنها أيضا أداة ايديولوجية في خدمة الرأسمالية. لقد اصبحت الرياضة بالفعل مرادفا للتنافس، ومن ثمة، فإنها توطد المنطق التنافسي الذي يُغذّيه المجتمع الرأسمالي في مجمله. وجب إذن تحليل المظاهر الاستيلابية العديدة للرياضة (المنافسة، الترفيه، الاستهلاك، التجارة) بطريقة نقدية، يمكن التعرف عليها من طرف أغلب الناس.

إخراج الرياضة من عالم التجارة والتسليع (التبضيع)

لقد أصبحت الرياضة، وبخاصة كرة القدم، تجارة جد ضخمة، وتتحكم بعض المجموعات المالية و في الأندية الضخمة تُضارِبُ بها من أجل الربح، بينما يُباع اللاعبون ويُشترون كسلع. ويشكل ما يرتبط بالرياضة (حقوق انتقال اللاعبين، العقود الاشهارية…الخ) سوقا مربحة بمئات ملايير الدولارات.

 يمكن اتخاذ العديد من الاجراءات من أجل تأطير تجارة الرياضة Sport-business والحد من آثارها المضرة. يمكن أن نبدأ بوقف كل دعم مالي عمومي للأندية المحترفة الخاصة، لأنه وكما يشير إلى ذلك السوسيولوجي والأنثروبولوجي جان ماري بروم Jean-Marie Brohm:” تقوم هذه الاندية بأنشطة تجارية شبيهة بما تقوم بها أي مقاولة خاصة، ويتعين اعتبارها (الأندية) كذلك (أي كمقاولات خاصة)، وعليها أن تعيش إذن من مداخيلها المالية الخاصة “.  ويجب، بموازاة ذلك، وقف منطق الاعفاءات الضريبية défiscalisation ووقف تقليص الاشتراكات الاجتماعية على مداخيل الرياضيين والأندية المحترفة.  وعلى هؤلاء الذين يربحون الكثير من المال أن يساهموا في الرفاه الجماعي، وما من سبب لِيُفْلِت الرياضيون والرياضيات من ذلك.  بعد ذلك يتعين إضفاء الطابع التعاضدي على الموارد المالية والمادية والبشرية، بين كل من الرياضة الهاوية والرياضة ذات المستوى العالي (المحترفة). وأخيرا يتعين التفكير في تأميم بعض الأندية الرياضية الكبرى.

كأس العالم في جنوب أفريقيا: حصيلة كارثية

 من المهم أن نقوم بوضع حصيلة اجتماعية واقتصادية لـ”الأحداث الرياضية الكبرى” (كأس العالم لكرة القدم، الألعاب الأولمبية، البطولات العالمية، سباق الفورميلا 1 … الخ) لأنها “تباع” بصفة منهجية للشعوب من خلال الحجة التالية “: إنها لفرصة كبرى أن يتم احتضان مثل هذه التظاهرات الرياضية لما لذلك تداعيات اقتصادية مهمة، ستخلق فرص عمل، وتزيد النمو الاقتصادي، وتقلص الفقر”. لنأخذ حالة دورة كأس العالم لكرة القدم المنظمة عام 2010 في جنوب أفريقيا. لنرى ما في الأمر.

لم تُحدَث فرص عمل: لم يُتِح تنظيم كأس العالم خلق أي فرصة عمل دائم.  ففي نهاية شهر يوليو/ تموز 2010، تقلص عدد فرص العمل بنسبة %4.7 قياسا بنفس الشهر من السنة السابقة. أكيد أن العمال بنوا ملاعب، لكنها كانت فرص عمل هشة ومؤقتة. فمن مائة ألف فرصة عمل (هزيلة الأجر أصلا) التي تم خلقها خلال خمس سنوات، اندثرت كلها تقريبا. ومن جهة أخرى، تم تدمير العديد من فرص العمل غير المهيكلة لأن الباعة المتجولين تم طردهم من الشوارع وحرموا على هذا النحو من مصدر رزقهم.

ما من نمو تحقق: في البداية تم تقدير وقع النمو بنسبة 1%؛ وتم خفض الرقم إلى نصفه سنة بعد  دورة كأس العالم ليقترب من الصفر.

 المزيد من التفاوتات: يقينا سمح كأس العالم بالتحديث الضروري لبعض البنيات التحتية، المرتبطة بالطاقة والنقل والمواصلات اللاسلكية. غير أن هذه الأخيرة تم التفكير فيها كأولوية تهم الفئات المحظوظة: توسيع أو تمديد الطرق السيارة، انشاء مطار بمدينة دوربان، قطارات فاخرة وسريعة تربط الاحياء الراقية في جوهانسبورغ…الخ. فضلا عن ذلك قرروا بناء ملاعب جديدة، فيما كان البلد يتوفر على ملاعب ملائمة استقبلت كأس العالم لرياضة الريكبي (الكرة المستطيلة) سنة 1995. لم يكن مستقبل هذه الملاعب الضخمة مؤَمَّنا. ونعلم الآن ان ثلاثة بالأقل من تلك الملاعب لن يتم استعمالها، لأنها مكلفة جدا. وحسب منظمة الأمم المتحدة، تم من أجل تجميل المدن تهجير آلاف الاشخاص بالقوة، كما تم محو الآلاف من أحياء السكن الفقيرة.

المزيد من الديون: وكما هو الأمر غالبا في مثل هذا النوع من المشاريع، تم تجاوز الميزانية المرصودة بشكل واسع. ففيما تم توقع 230 مليون في البداية، صرفت السلطات العمومية بجنوب أفريقيا 3.5 مليار أورو. وفي ما يتعلق بالملاعب، تم تقدير الكلفة الاجمالية بزهاء 120 مليون أورو، غير أن الفاتورة النهائية بلغت مليار أورو، أي عشر مرات أكثر مما كان متوقعا في البداية.  إنها الكثير من الديون الإضافية على كاهل شعب جنوب أفريقيا.

 إن لاعبي كرة القدم مغايرون ممكنون

صار معظم لاعبي كرة القدم المحترفين اللامعين منتوجات ناعمة، هدفها الأول أن تدغدغ الحلم وأن تسهل البيع والاستهلاك. وخوفا من تلطيخ صورتهم أو صورة ناديهم أو مستشهريهم Sponsors، يتبنى الرياضيون عموما خطا شديد النعومة (السطحية)” لقد فزنا بثلاث نقط، نحن فرحون” هذا يكفي …

 يذكرنا انطوان دوميني Antoine Dumini وفرانسوا روفان François Ruffin ، في كتابهما “كيف سرقوا منا كرة القدم”، أنه في التاريخ، وَسَمَ العديد من لاعبي كرة القدم تاريخ هذي الرياضة، ليس فقط بلعبهم. سقراطيس Socrates في البرازيل، كارلوس كاسيلي Caszely Carlosفي الشيلي (الذي رفض أن يصافح بينوشيه، وشاهد تعذيب أمه) وروبي فولرRobbie. Fowler في المملكة المتحدة : هؤلاء اللاعبون ملتزمون على طريقتهم لصالح المضطهدين. الأوَّلان (سقراطيس وكاسيلي) ضد الدكتاتوريات بأمريكا اللاتينية، والثالث (فولر) لصالح عمال ميناء ليفربول. وفي الوقت الذي صارت فيه كرة القدم تحت سيطرة المال ومنطق اقتصادي فاسد، تذكرنا هذه الصور الثلاث بأن تصورا مغايرا لكرة القدم ممكن. نضيف مثال خورخي كاراسكوسا Jorge Carrascosa عميد منتخب الأرجنتين الذي استقال يوم انقلاب فيديلا في العام 1976.

 الضبط الصارم للتظاهرات الرياضية الدولية

يتعين على التظاهرات الرياضية الدولية أن تستجيب لجملة معايير ديمقراطية، واجتماعية، وبيئية (ايكولوجية). وبعيدا عن التداعيات المفترضة على النشاط الاقتصادي، يجب أن يشكل الأثر على البيئة، وعلى الرفاه الاجتماعي، العنصرين الجوهريين/الاساسيين. يجب أن تقرر الشعوب المعنية في اختيار الأماكن والميزانيات المرصودة.

 يتعين أيضا منع أن تُجرَى التظاهرات الرياضية الدولية في بلدان تَنْتَهِك بشكل صارخ الحقوق الإنسانية.  من غير المقبول أن تُستغل التظاهرات الرياضية الكبرى كأداة للدعاية لأنظمة سياسية قاتلة للحريات وديكتاتورية. وحتى عندما يتم ذلك، من المهم تنظيم المقاطعة، وتحويل ذاك الحدث الرياضي إلى منبر للدفاع عن مصالح الشعوب المضطهدة.

منع تنظيم كأس العالم بقطر في العام 2022

قطر لا تحترم التزاماتها فيما يخص الحقوق الأساسية، ذاك أقل ما يمكن أن يقال. إنها تسمح وتنظم سخرة وعبودية الآف عمال أوراش البنيات التحتية المستقبلية المرتبطة بتنظيم كأس العالم.  يشتغل هؤلاء العمال في بناء تلك الملاعب 15 ساعة في اليوم، 6 أيام في الاسبوع. تحت 50 درجة حرارية، ويموتون بالمئات نتيجة الإرهاق وحوادث الشغل. إن نسبة وفيات عمال البناء هي أعلى ثماني مرات مما في البلدان الغنية.  يتقاضى أكثر من مليون من عمال البناء المهاجرين أقل من 150 أورو شهريا. محصورين في مراكز معزولة، وممنوعين من ولوج المحلات التجارية والمطاعم والأماكن العمومية الأخرى. يحتفظ رب العمل بجوازات سفر 86%منهم، ولا يمكنهم تغيير عملهم إلا بإذنه.. أن يفرح المرء بتنظيم كأس العالم في هذا البلد هو ببساطة أمر غير ممكن.

 إخراج الرياضة من التنافس

حينما نسمع يوميا عَبْر الرياضة (لكن أيضا عبر برامج تلفزيون الواقع)، رسالة مفادها أنه يجب أن نصارع من أجل الفوز، من الطبيعي أن نميل إلى إدماج التنافس في الميادين الأخرى لحياتنا. بالدعوة وبتمجيد منافسة الآخرين، ولكن أيضا ضد أنفسنا (يجب أن نتجاوز أنفسنا، أن نتألم كي ننجح)، بهذا النحو تخدم الرياضة مباشرة الإيديولوجيا الرأسمالية.

يبدأ إخراج الرياضة من التنافس بتغيير المضمون والقيم التي تلقنها دروس التربية البدنية بالمدرسة: يجب ألا يكون الهدف إنتاج- مهما كلف الأمر- أبطال وترتيب الأفراد. يجب ألا ننسى أنه في “التربية البدنية” هناك تربية. معرفة الجسد والتحكم فيه أمر مهم في ذاته. فضلا عن أن الرياضة يمكن أن تقوم بدور تربوي أوسع، خصوصا بتركيزها على قيم الإخاء والمساواة والتعاون ولكن أيضا على رفض كل أشكال التمييز (العنصرية، كره المثليين، والأجانب، والتمييز على أساس الجنس). يقترح ألبير جاكار A. Jaquard ببساطة أن يتم حذف وإلغاء كل أشكال المنافسة في الرياضة، خاصة بحذف النقط في الممارسة الرياضية.

ترجمة: خليل صدقي

 أطاك المغرب

 المصدر :

 Olivier Bonfond, Il faut tuer TINA ,200 propositions pour rompre avec le fatalisme et changer le monde ; Editions du Cerisier Belgique

زر الذهاب إلى الأعلى