حركة عولمة بديلة

حول كأس العالم 2022 في قطر

“تاريخ كرة القدم هو رحلة حزينة من المتعة إلى الواجب. فكلما تحولت هذه الرياضة إلى صناعة، كان يجري استبعاد الجمال الذي يتولد من متعة اللعب لمجرد اللعب. وفي نهاية قرننا هذا، ستنكُر كرة القدم الاحترافية ما هو غير مفيد، وما هو غير مفيد في عرفها هو كل ما لا يعود بالربح.” إدواردو غاليانو(1)

  ستقام بدولة قطر ما بين 20 نونبر/تشرين الثاني و18 دجنبر /كانون الأول من العام 2022 النسخة 22 من مونديال كرة القدم. نالت الدولة حق تنظيم هذه النسخة في العام 2010 وقد أثار هذا الفوز الكثير من الاستغراب المرفق بالنقد. فقطر ذات مناخ حار (قد تصل الحرارة في الصيف إلى 50 درجة).  وهو بلد بكثافة سكانية قليلة، حيث يبلغ عدد سكان قطر بحوالي 2,908,978 نسمة (وفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة لعام 2021).تتوزع على الشكل التالي  حوالي 333,000 نسمة منهم قطريين، والباقي من جنسياتٍ مختلفة؛ كالهند، والفلبين، ونيبال، وبنغلاديش، وسريلانكا يشكلون في أغلبهم طبقة عاملة وفئة مستثمرين رأسماليين في البلد. كما أن قطر ذات ببنية تحتية غير معتادة على تنظيم تظاهرات عالمية بهذه الضخامة ( فنادق ، ملاعب، طرق، مواصلات..).

إمارة صغيرة بأدوار كبيرة

لا يبدو أن صغر الإمارة بمناخها يشكل عائقا أمام الأهداف التي وضعها حكام قطر.إن لعب دور الديبلوماسي المحافظ على النظام بالمنطقة بين اللاعِبَيْنِ الرئيسين في الشرق الأوسط : الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإيرانية،واستقبال قاعدة عسكرية أمريكية وعلاقات طيبة مع إيران و«حزب الله» ، كما هو الحال بالنسبة للعلاقة بين المتناقضين  دولة إسرائيل ودعمها لحماس، يُشكل حافزا إضافيا على جعلها مستقبلا قبلةً ومركزا للأعمال في القارة.

إن دولة ً مثل قطر باستخدام ثروتها العظيمة( الغاز) وبسياسة ديبلوماسية إعلامية أصبحت (قناة الجزيرة وباين الرياضية )ووعود بمكاسب من استثمارات مالية ضخمة تُسيل اللعاب أكثر من انتقادات عابرةلن تجد حرجا في اللعب بكل الوسائل من أجل الظفر بتنظيم كأس العالم في العام 2022.

مونديال قطر 2022،الاستعداد الجيد يكون قبلا

  جاء تحقيق صحفي(2) بأن تمكين قطر من التظاهرة كان خلال عشاء بقصر الاليزيه بحضور ساركوزي و أمير قطر( الأمير حمد) أنذاك. وكان على الطاولة بالمقابل شراء فريق باريس جرمان و 24 طائرة حربية من نوع Rafale. ليس هذا فقط،اشترت قطر من سويسرا هذا العامأنظمة الدفاع الجوي لحماية ملاعب كأس العالم لكرة القدم، وهي أكبر صفقة أسلحة منذ سنوات مع قطر بقيمة 216.6 مليون دولار أميركي.  إنها مكافأة لبلد جوزيف بلاتر الرئيس السابق الفاسد للفيفا. هذا دون الحديث على التحركات التي قامت بها قيادة  قطر قبل إعلان حدث الفوز عبر زيارات للبلدان الممثلة في الفيفا من أجل الضغط على ممثليها للتصويت لصالح قطر. 

الشركات الراعية والتلفزية سترفع الكأس

ونحن على بعد أيام قليلة من تنظيم المونديال، تكون قطر حسب موقع “يورونيوز” قد أنفقت ما مجموعه 220 مليار دولار في البنية التحتية في ظرف 11 عاما (طرق ووسائل النقل العام وفنادق ومرافق الرياضية و7 ملاعب كبرى). كما ستبلغ عائدات القطاع السياحي القطري فقط من هذه البطولة 7 مليارات ونصف المليار دولار.إن هذه الأموال لن تذهب سوى إلى أرصدة مالكي الشركات الكبرى العاملة بقطر ( شركات البناء و التصميم وشركات الإشهار العالمية…).من المتوقع أن  يصل الإنفاق على الإعلان والتسويق خلال كأس العالم إلى مستوى قياسي حيثأن توقيت البطولة الذي سيكون في الفترة التي تسبق عيد الميلاد ورأس السنة الجديدة سيمنح قطر القدرة على تقديم تجربة أكثر تميزًا للشركات والعلامات التجارية، هذا إلى جانب مداخيل زيارة قطر 1.5 مليون مشجع لحضور هذا المونديال ما يشكما مداخيل إضافية للشركات الراعية للفيفا مقارنة بالنسخة السابقة.

لقد كسبت الفيفا 5.4 مليار دولار كأرباح خلال بطولة كأس العالم 2018، أرباح ارتفعت بنسبة 16 في المائة عن نسخة 2014.وهذا ما يراهن عليه قادة الفيفا،أعلن سابقا جياني إنفانتينو ( قائد فرقة الفيفا ) ” إن قطر مستعدة والفيفا مستعدة والعالم مستعد، بعد مرور أوقات عصيبة بسبب الوباء نحتاج حقًا إلى الالتقاء مرة أخرى”. هذا أكيد فالكل مستعد للمباراة. فنحن أمام مباراة : الملعب تمثله  قطر والمتنافسين  على الأرباح هم  الشركات الراعية  الصديقة  للفيفا والعالم هو المُشَاهد المُسْتَعِد لتأدية واجبات الحضور من جيبه  للمباريات مباشرة أو عبر شاشة التلفاز.

ملاعب أم مقابر

أثار تقرير أخير لهيومن رايتش حول أوضاع العمال بقطر سوء ظروف العمل التي يزاول فيها أغلب العمال المهاجرين أعمالهم، وضُعف الأجور وغياب التأمين الاجتماعي، بالإضافة إلى العدد الكبير من حوادث الشغل التي أودت بحياة أكثر من 6500 عامل، منذ بدء أشغال بناء ملاعب المونديال. هذا دون الحديث عن نظام الكفالة الذي تعمل به قطر في مجال استقطاب اليد العاملة الذي يسمح لوكالات التشغيل بالاحتفاظ بالأوراق الرسمية للمهاجرين العمال طيلة مدة بقاءهم بالبلد. إن تكلفة بناء الملاعب كانت حيوات العمال الذين أرسلت جثتهم دون تعويض إلى بلدان ذويهم.

المقاطعة

أمام هذا التقرير ارتفعت أصوات منادية بمقاطعة المونديال. لقد اقتصر الاحتجاج  على أصوات مشاهير هنا وهناك ،مثل اللاعب الفرنسي السابق إريك كونتونا، والممثل الفرنسي vincentlindon… كما قامت كل من الاتحادات الكروية الدانمارك وألمانيا و إنجلترا بالتعبير عن إدانة لوضع العمال هناك بقطر. وأيضا قررت مدن فرنسية عدم تخصيص شاشات بالساحات لنقل مباريات المونديال احتجاجا منها على سوء معاملة العمال والعنف الممارس على الأقليات هناك بقطر. في حين جرت خلال الإعداد لمونديال البرازيل  في العام 2014 احتجاجات شعبية عديدة ضد ترحيل الشعوب الأصلية و ضد إسراف الحكومة في الإنفاق عوض توفير خدمات التعليم والصحة.

لا شك بأن المبادرة جيدة وتثير الكثير من النقاش حول ظروف العمال المهاجرين بالإضافة إلى أمور أخرى، لكن المقاطعة الحقيقية هي مقاطعة عمال كرة القدم للمونديال. إن إضراب لاعبي المنتخبات ورفض المشاركة في المونديال، له من التأثير الكثير.

ماذا إن رفض ميسي ورونالدو ودي بروين و هاري كين ونيمار ومبابي وكريم بنزيمة وزياش وماني وكثيرون…. المشاركة. هل سيبقى هناك مونديال؟ هل ستحقق الشركات الأرباح؟

بقلم وحيد عسري

01 نونبر 2022

—–

1 – إدواردو غاليانو: كاتب أوروغوياني (ولد في شتنبر في العام 1940 وتوفي في 13 أبريل في العام 2015 ). له كتاب بعنوان “كرة القدم بين الشمس والظل،” حيث تناول السياسة والمتعة والفساد.. في كرة القدم.

2 – https://www.sofoot.com/mondial-2022-un-diner-en-novembre-2010-a-l-elysee-aurait-permis-l-attribution-de-la-competition-au-qatar-520114.html

زر الذهاب إلى الأعلى