الشباب

“التشرميل”: مسمى جديد لظاهرة أقدم، باقية إلى أن تقتلع من جذورها

“التشرميل”: مسمى جديد لظاهرة أقدم، باقية إلى أن تقتلع من جذورها

 

   انطلق الحديث حول الظاهرة بالدار البيضاء؛ مدينة التناقضات الطبقية  والمفارقات الصارخة. يقطن بهاته الجهة أزيد من 3 مليون شخص(وفق الأرقام الرسمية يزداد عدد سكان الدار البيضاء بمعدل 100 ألف شخص سنويا، وتحتاج المدينة 250 ألف وحدة سكنية لسد العجز الحاصل في السكن)، فقط 49 بالمائة منهم نشيطون، في حين يبلغ تعداد سكان جهة الحسيمة تاونات أزيد قليلا من 1,8 مليون، 63 بالمائة منهم نشيطون. 

  تنتج الدار البيضاء 5 مرات ما تنتجه باقي الجهات برقم معاملات يبلغ 30 مليار دولار. ويوجد بهذه المدينة ما يفوق 6000 متسول و 5000 طفل بدون مأوى. نصف وفيات الأطفال دون الخامسة بالمدينة ناجمة عن الأمراض المعدية، و77%  من فقراء المدينة أميون. وحسب وكالة المغرب العربي للأنباء، يتجول بالمدينة سنة 2012 أزيد من 3000 مختل عقلي، ومليون مصاب باضطرابات عقلية ونفسية، وأزيد من 9560 مشرد يشكلون 95 في المائة من مرضى الحالات العقلية والنفسية بالدار البيضاء. وكشفت الأرقام الرسمية أن عدد المرضى الذين حالفهم الحظ، للولوج للمستشفيات من أجل العلاج، لم يتجاوز حوالي  1597 مريض عقلي ونفسي خلال سنة 2012، في الوقت الذي يحرم فيه أزيد من 33 ألف مريض من الولوج للعلاج داخل المستشفيات. وأوضحت أرقام على موقع “أكورا بريس”انه بالبيضاء يوجد أخصائي واحد في الأمراض العقلية والنفسية لكل 144 ألف مصاب، وممرض واحد لكل 42 ألف مواطن. وتصل عدد حالات الإصابة بداء السل بمدينة الدار البيضاء 5311 حالة سنة 2013، والسل مرض معد تساهم قلة التهوية في تنقله من شخص لأخر(دراسة للرابطة المغربية لمحاربة داء السل).

    يفترض بمدينة بحجم البيضاء التوفر على نحو 5400 هكتار من المساحات الخضراء، في حين لا تتوفر هذه المدينة سوى على 1600 هكتار، أي أقل من 1,5 متر مربع للفرد، وهو أقل بكثير مما يحتاجه، ما بين 12 و15 متر مربع حسب منظمة الصحة العالمية كي يتمكن الفرد من إشباع حاجته من الأكسجين.

بؤس، وبطالة، ومرض، وتشرد، ومخدرات، ودعارة، وهشاشة اجتماعية واقتصادية شديدة… تلك المظاهر العديدة لمسأساة حقيقية بفعل رأسمالية تابعة متخلفة. وهذا ما جعل البيضاء الأولى وطنيا في جرائم القتل(وزارة الداخلية 2013). 

البلد غارق في دوامة العنف والسرقة اليومية  

   تنقل وسائل الإعلام المختلفة يوميا أخبارا عن جرائم شديدة التنوع، أبطالها شباب فقير في الغالب. شباب ألقت به التحولات العميقة التي شهدها المغرب في العقود الأخيرة إلى ويلات رأسمالية عفنة. ثلاثة عقود، على الأقل، من انتهاج سياسات ليبرالية جديدة مدمرة للمكاسب، وقاتلة للحقوق. سياسات تخدم مصالح أقلية استحوذت على الثروة والسلطة، وزادت سطوتها عبر الخوصصة وسياسة فلاحية تصديرية وتسهيلات قانونية وضريبة لمالكي وسائل الإنتاج… في المقابل، خدمات عامة بليغة التدهور(صحة وتعليم، ونقل، وبنية تحتية…)، وفقر واسع النطاق، وأجور متدنية جدا، وبطالة جماهيرية ودائمة.

   وفرة في السلع والخدمات، وغيرها من ملذات الحياة، ونزعة استهلاكية متفشية بفعل الثورة التكنولوجية الكبيرة التي شهدها العالم، وشباب فقير لا يجد إلى ذلك سبيلا. متروكا لشأنه، ومعزولا، ومنبوذا، ومحروما من التعبير عن آرائه، لم يجد قسم من هذا الشباب سوى شبكات التواصل الاجتماعي في ظل تراجع دور المؤسسات الاجتماعية والتربوية والثقافية… ورداءة خدمات المتوفر منها. أسر مفككة، وحنان مفقود، ورأي مصادر، وغياب فضاءات الرياضة والمسرح والفن… كل هذا، ألقى بالشباب، ضمن مجالات أخرى، إلى شبكات الفايس والتويتر… وغيرها. إنها محاولة لإشباع رغباته وحاجاته عبر التكنولوجيا، وهي نفسها من خلق تلك الحاجات، والشباب فقير لا يملك مالا لإشباع فعلي لطموحاته.

   طبعا، تتيح هذه الشبكات تبادلا ونقاشا بين الشباب، لكن عدم إشباع طموحهم المتنوع والمكبوت بطريقة “طبيعية” سيؤدي إلى إشباعها بشتى الطرق: العنف والسرقة والابتزاز وسلك طرق الدعارة وتدمير الذات (الانتحار – المخدرات).

“التشرميل”

   راج هذا المصطلح لأزيد من سنة بالدار البيضاء، حسب ما تناقلته وسائل الإعلام. وكانت نائبة برلمانية قد طرحت سؤالا بخصوص العنف والسرقة باستعمال الأسلحة البيضاء، لوزير الداخلية.

   يقدم التشرميل، عموما على صورة شاب يرتدي ملابس غالية الثمن من ماركات عالمية معروفة، وبيديه سلاح ابيض، ويتباهى بعرض مسروقاته المختلفة( هواتف نقالة- أموال- كمبيوتر محمول….) على الفايسبوك. ويقال أن “المشرمل” كان يطلق في البداية على الشاب الفقير الذي هاجر إلى أوروبا وعاد متباهيا إلى حيه مرتديا تلك الملابس الغالية. لقد أثر التطور السريع الحاصل في التكنولوجيا والتحولات النفسية لدى الشباب إثر السيرورات الثورية الجارية بعدة مناطق من العالم على سلوكاته.

   لا أحد بالمغرب ينكر، سوى جاهل، أن سبب تعاطي الشباب لتلك الممارسات هو عدم توفير الدولة لحاجياته البسيطة (حرية رأي – حد أدنى معيشي ملائم للأسر– شغل- بنية تحتية ملائمة لإشباع طموحاته… ). إنه انتقام وانتقاد سلبي لمؤسسات اجتماعية ضحاياها فقراء وكادحون آخرون.

  يوجه الشباب بممارساتهم تلك رسالة واضحة وضوح الشمس: نحن هنا، لا تستهينوا بنا. 

تعزيز الترسانة القمعية يعمق التناقضات القائمة بين الفقراء وفاحشي الثراء

    كانت الدار البيضاء من أكثر المدن التي شهدت بالمغرب أكثر الانتفاضات الشعبية وأعنفها، لهذا فشغل الدولة الشاغل تعزيز قبضتها عليها وتشديدها.

   على إثر تداول شباب نشطاء وتناقلهم على صفحات الفايسبوك عرائض تدعو للاحتجاج ضد ظاهرة القتل والعنف، وارتفاع نسبة الجرائم بالدار البيضاء،  سارعت الدولة عبر إعلامها وشرطتها للتدخل. إذ لا تريد الدولة أن يصبح ذلك( العنف – السرقة – الجريمة) محط نقاش شعبي قد يؤدي إلى وضع الأصبع على الأسباب الحقيقة للفقر ومآسي الشعب.

   استنفر الماسكون بزمام الأمور أجهزتهم لوقف تلك ممارسات نتجت عن سياستهم الطبقية والقمعية، واعتقلت آلاف الشباب (103.700 موقوف بين 1 يناير و30 مارس 2014)، وأرسلت إلى السجن العشرات. وأعلنت أنها ستوفر أزيد من 2400 رجل أمن إضافي.

   تلك هي حلول دولة الأقلية المقدمة لمشاكل فقراء المغاربة: مزيد من تعزيز الترسانة القمعية وتقويتها. كلنا يتذكر أن الدولة مولت شبابا (البلطجية) وشجعتهم للقيام بتلك الممارسات(توفير أجواء قمع المسيرات والوقفات الاحتجاجية) أيام حركة 20 فبراير لقمع الشباب المطالب بالتشغيل والكرامة والعدالة الاجتماعية لكل الشباب. 

   لا، لن يقبل الشباب غير حلول توفير البنيات التحتية وطرد القطاع الخاص من تسيير المرافق العمومية واستغلالها، وتعميم التمدرس المجاني، وتشغيل الشباب… وقطع علاقات التبعية للخارج بدء بوقف أداء الديون.

  الحل هو قيام فقراء الشعب بأنفسهم بمراجعة شاملة لكل السياسات المسببة لكل المآسي.

ختاما، “التشرميل”، مسمى جديد لظاهرة أقدم، باقية إلى أن تقتلع من جذورها.

—————————–

معظم الأرقام الواردة بالمقال موجودة على شبكة الإنترنت.

 

بقلم : وحيد عسري

زر الذهاب إلى الأعلى