الشباب

كرة القدم : عنف الملاعب بوجه عنف الدولة في عدم توفير البنيات و وسائل الترفيه الرياضية

               

  كرة القدم : عنف الملاعب بوجه عنف الدولة في عدم توفير البنيات و وسائل الترفيه الرياضية

أقدمت، يوم الاثنين 26 فبراير 2018، اللجنة التأديبية في  جامعة  كرة القدم  على فرض غرامة 50 ألف درهم ( و إجراء مباراتين بدون جمهور)، في حق فريق الرجاء البيضاوي، جاء هذا القرار التأديبي على خلفية أعمال الشغب التي عرفتها المدرّجات الخاصة التي تضم جماهير الفريق خلال مباراته  نهاية الأسبوع الماضي، ضد فريق الكوكب المراكشي. لقد اندلعت مواجهات بين جماهير الرجاء البيضاوي و البوليس  خلفت إصابات في صفوف المشجعين  و اعتقال حوالي  65 شخصا، علاوة على خسائر في تجهيزات الملعب قدرها المسؤولون ما بين  70 و 80 مليون سنتيم.

أسرعت جامعة  كرة القدم باتخاذ العقوبة خصوصا و أن أنظار المستثمرين الكبار و الاعلام …مسلطة على بلدنا، بعد  تقديم المغرب ترشحه  لاستضافة مونديال 2026. ربما لو وقعت أحداث الشغب في سياق أخر  لما تحركت الجامعة بهذه السرعة و الحزم،  و لو كان الأمر يهم الجماهير الرياضية مباشرة لكان التقاعس واللامبالاة هو موقف الجامعة، أو تكتفي ببلاغ  يتيم في وسائل الإعلام ( خصوصا حين تستنفذ تذاكر المباريات الكبرى  من الشبابيك حين يشتريها المضاربين المتواطئين مع إداريي الملاعب لتباع في السوق السوداء بأثمنة باهضة).

    ميزانية الرياضة فقيرة  

الوضع الرياضي في المغرب يرثى له. الرياضة غير معممة ونخبوية و تغيب بنيات تحتية ملائمة و تنعدم ساحات عمومية مجهزة يقصدها المغاربة بعيدا عن روتين العمل و الاستلاب اليومي .  الرياضة في المغرب تشرف عليها الدولة وبالتالي لا يمكن استثنائها من السياسات الليبرالية الجديدة التي تخضع لها الحكومات المتعاقبة، إذ لا يمكن أن تخرج عن التوجيهات المرسومة للمغرب من طرف المؤسسات الدولية التي تقرضه الأموال، فأكيد أن قطاع الرياضة في كواليس الحاكمين قطاع لا يذر مداخيل بالقدر الكافي و بالتالي فهو قطاع غير مربح ولا يغري بالاستثمارات الكبرى( حتى الآن). بالمحصلة، ترصد الدولة ميزانية جد ضعيفة إذا مقارنة مع الميزانيات المرصودة لقطاع استلاب العقول ( تلفزة و راديو و إشهار …). أو تلك الموجه رأسا لقمع المفقرين.

ميزانية وزارة الشبيبة و الرياضة مثلا، لسنة 2012 هي مليار و 656 مليون و 564 درهم . أي أن  نصيب كل مغربي أو مغربية منها هو 50 درهم في السنة و تصل إلى 3 دراهم إذا اكتفينا بميزانية الدولة المخصصة لـ44 جامعة رياضية (1). مع العلم أن تشغيل الشباب و الشابات في مؤسسات وزارة الشباب و الرياضة جد ضعيف، ففي سنة 2012 بلغ 0.3 بالمئة من اليد العاملة(2).

الملاعب ملاذ الثأر الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي

ستظل ملاعب كرة القدم تشهد بين الفينة و الأخرى أعمال عنف و شغب المشجعين فيما بينهم، أو بينهم وبين قوات القمع. لأن الوضع الاجتماعي و الاقتصادي للمغاربة المقهورين متردي و حرية التعبير منعدمة في مؤسسات التعليم في كل مراحله وفي وسائل الإعلام وفي البيت كما  في الشارع .

من بين الأمكنة العامة التي تحس فيها كتلة/ جموع الشباب أنهم قوة و أن في إمكانهم فعل شيء ما ، هو مدرجات الملاعب، خصوصا حين يلتفت الشاب يمينا و يسارا ليجد غريبا يقدم نفس التشجيعات لنفس الفريق المحبب. أكيد ستتطور العلاقة بينهما دون شعور إلى انفعالات ضد كل من يسيء إلى المعشوق ” الفريق ” أو “اللاعب”.

مرد هذا الاحساس الجماعي، إلى تظافر عوامل عدة، يقع على رأسها  القمع الممنهج الذي يتعرضون له في شتى مجالات الحياة ضمن النظام الرأسمالي، لتأتي فرصة إفراغه في الملاعب الرياضية وقد يصل إلى الشارع. في الملاعب ليس هناك طابوهات أو حدود مرسومة، ما يتيح للشباب متنفسا خارج الصندوق يبيح لهم أشياء كثيرة.  في ظل غياب دور الشباب و مسارح و قاعات عرض سينمائية عمومية، فإن الفرصة متاحة فقط في أمكنة جماهيرية مكتظة هي الملاعب : تبدأ ب( برافو …. معليكش…. سير….) لتنتهي بالسب و القذف في وجه لاعبي فريقهم و الحكم و الفريق المنافس و جامعة كرة القدم و البوليس المُراقب، خصوصا حين يفشل فريقهم في إحراز الفوز. و المرجح أن الأمور ستؤول إلى تخريب و تعنيف و تدمير لبنيات تحتية . و سيكون الرد أكبر على البوليس إذا ما تعمد قمعهم. إن الإعلام  و مسيري الفرق هم المسؤولون عن تحويل الجماهير إلى متعصبين خلال فترات الأزمات و الهزائم…. البحث عن الفوز بأي طريقة و التضخيم من المواجهات الرياضية كأنها مسألة حياة أو موت أكيد سيكون لها تأثير على الجماهير المستلبة عند نهاية كل مباراة . فلا تلوموا جماهيرنا الرياضية فأنتم السبب. 

ممتلكاتنا الرياضية ملكنا لأنها من أموالنا العمومية و لا يجوز تدميرها.

لكن أكيد أن أعمال الشغب، في القريب من الأيام، لن تتوقف حين تنتبه الجماهير مرة تلو الأخرى أن قوات القمع التي واجهتهم بشراسة مهشمة الرؤوس و الأضلع وقمعت زملائهم لم يعتقلوا و لم يحاكموا بتهمة القمع بالعنف المادي. لن ينتهي مسلسل التشجيع بتلك الطريقة  ما لم توفر كل الإمكانيات للفوز بقلوب الشباب خصوصا عبر : توفير الملاعب و القاعات الرياضيات و تمكين الجماهير من ولوج الملاعب بأثمنة رمزية بالإضافة إلى تحسين وضعهم المعيشي و تشغيل إخوانهم و أخواتهم… غير ذلك ستبقى الجماهير الرياضية كابوسا في و جوه الحاكمين خصوصا و أن تجربة الألتراس المصري لازالت قائمة أمام أعينهم – أنظر كتاب ثورة جيل ألتراس الموجود على شبكة الإنترنت (3).

ولمزيد من التوغل في نفسية المشجع نقدم لكم رائعة إدواردو غاليونو القصيرة حول ” المتعصب ” ، من كتابه الرائع : “كرة القدم في الشمس و الظل “.

“المتعصب”

” المتعصب هو المشجع في مشفى المجانين،. فنزوة رفض ما هو جلي أغرقت العقل و كل ما يشبهه، و تمضي مع التيار بقايا الغريق في هذه المياه التي تغلي، و هي هائجة على الدوام بغضب لا هدنة فيه.

يصل المتعصب إلى الملعب ملتحفا راية ناديه، ووجهه مطلي بألوان القميص المعبود، مسلحا بأدوات مقعقعة و حادة، و بينما هو في الطريق يكون قد بدأ بإثارة الكثير من الصخب و الشجار. و هو لا يأتي و حده مطلقا. ففي وسط السبيكة الباسلة، أم أربع و أربعين الخطرة، يتحول الخائف إلى مخيف، و المهان إلى مهين للآخرين. القوة الكلية في يوم الأحد تخالف حياة الإذعان في بقية الأسبوع، و الفراش دون رغبة، و الوظيفة دون ميل أو اللاوظيفة: فيكون لدى المتعصب الكثير من الثارات حين يتحرر يوما كل أسبوع .

إنه ينظر إلى المباراة و هو في حالة الصرع تلك، و لكنه لا يراها. فما يهمه هو المدرجات. لأن ميدان معركته في المدرجات. و مجرد وجود مشجع للنادي الآخر يشكل استفزازا لا يمكن للمتعصب أن يتقبله. الخير ليس عنيفا، و لكن الشر يجبره على ذلك. و العدو دائما مذنب، و يستحق لوي عنقه. و لا يمكن للمتعصب أن يسهو، لأن العدو يترصد في كل مكان. فقد يكون ضمن المشاهدين الصامتين أيضاً، و قد تصل به الوقاحة في أي لحظة إلى إبداء رأيه بأن الفريق الخصم يلعب لعبا صحيحا، و عندئذ يحصل على ما يستحقه.”

وحيد عسري

مناضل أطاك المغرب

——

  • كتاب: السياسة الرياضية 1912- 2012 –  منصف اليازغي ص 522
  • نفس المصدر – ص 522.
  • كتاب : ثورة جيل الألتراس – أكرم خميس.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى