الشباب

جمعية أطاك تحتفي بمناضلاتها؛ بشرى التونزي.. ضد البطريركية

مناسبة النشر: الذكرى 20 لتأسيس أطاك المغرب: [يوليوز 2000/2020].

خاضت بشرى التونزي نضالات، انخرطت بنقاشات، شاركت بندوات ومؤتمرات، تحملت مسؤوليات قيادية وخلفت آثارا ايجابية بإطارات نقابية وجمعوية اشتغلت بها أبرزها أطاك المغرب. وبمناسبة الذكرى العشرين [2000/2020] لتأسيس هذه المنظمة المناضلة من أجل عالم آخر ممكن، مغرب آخر ممكن، نستحضر عطاء رفيقات لعبن، ولا تزلن، أدوارا في بناء أطاك وتطوير منظوراتها الفكرية وأدوات تحليلها، وعملن بجهد لتحويل حلم بناء جمعية مناهضة للعولمة الليبرالية بالمغرب إلى حقيقة، وضمن هؤلاء الرفيقات بشرى التونزي.

ولدت بشرى بمدينة آسفي وعينت بها أستاذة للغة العربية بالثانوي التأهيلي منذ سنة 1989، وأدرجت هذه السنة (2020) على لائحة المستفيدين/ات من التقاعد النسبي بعد 31 سنة من العطاء المهني والتربوي. ويرجع الفضل في تكوين بشرى وتطورها بالدرجة الأولى لوالدها، سليل حركة المقاومة (بوجه الاستعمار الفرنسي) الذي كان معاديا لثقافة التزمت البطريركية، وحريصا على تربية بناته على مبادئ الاستقلالية والحرية  والمساواة، المُحَقِّقَةِ لتفتح الشخصية النسائية.

 كان التونزي الأب حريصا على تشبع بناته بملكة النقد ورفض تقبل الواقع كما هو، وعلى جعل حرية التعبير عن الرأي بكل جرأة، من أدوات إثبات المرأة لذاتها- في ظل مجتمع متزمت “حكار” حسب تعبير الوالد، يكرس الدونية واستصغار شأن المرأة.

 لم يكن عمُر بشرى يتجاوز 15 سنة (1979/1980) عندما كان  الأب يُشْرِكُ بناته  في الاستماع إلى النقاشات السياسية التي كانت تجمعه بأصدقائه السياسيين، حيث يدور النقاش حول اليسار بكل تلاوينه.. و رغم أنه لم يكن يساريا، شجع بناته على الانخراط في واحد من  الأندية السينمائية التي كان أنصار اليسار قد أسسوها أواخر سبعينيات القرن المنصرم. ورغم أن بث الأفلام أحيانا كان يبرمج ليلا، لم يكن للأب اعتراض على ذلك، متجاوزا نظرة المجتمع بصفة عامة وتعاليق بعض أفراد العائلة بشكل خاص، بل كان يقف بالمرصاد لكل لائم.. إلى أن تحقق له ما أراد؛ بفرض احترام اختيار بناته. وسيرا على التنشئة  التي خص بها الأب بناته أكثر من أبنائه الذكور، مارست بشرى حقها في التعبير بكل حرية في مختلف المناسبات، خاصة ضد الذكورية والثقافة البطريركية:  “إن جرأتي في الاعتراض والتعبير عن الرأي تريحني ولا تريح الآخر،(تقول بشرى) وهذا ما خلق لي مشكلات .. خاصة مع جمعية حقوقية كنت أنشط بها لسنوات قبل أن أنسحب مضطرة”.        

كان عملنا جماعيا- تقول بشرى وهي تعتز بتجربتها بجمعية أطاك المغرب- إلى جانب رفاق كميمون الرحماني، يوسف مزي، عمر الراضي و غيرهم.. ورفيقات كسعاد كنون، زينة أبيهي ولوسيل دوما..وقد لعبت لوسيل دورا هاما في التطور الفكري لبشرى.

 “فهذه المرأة  ذات الثقافة الغربية الواسعة، (تقول بشرى) والتي اعتبرها مُؤَسِّسَة أطاك المغرب، تعلمت منها الكثير الكثير.. خلال عملي معها وأنا عضو بالسكرتارية الوطنية أو حتى خارج السكرتارية. كنا نشتغل على مواضيع تندرج ضمن المحاور الكبرى لاشتغال أطاك، خاصة المديونية والتبادل الحر، إضافة إلى الهجرة والمسألة النسائية… وكانت لوسيل دوما تخوض في مواضيع لا أحد منا يجرؤ على الخوض فيها. كانت ذات مِراس كبير في الإحاطة بملفات كانت مطروحة على جدول أعمالنا. ولهذا استحالت المعرفة بين يديها إلى سلطة. فلوسيل تفرض نفسها بفكرها وبجديتها في العمل وسرعتها في انجاز المهام. وإذا جمعك بها اشتغال على موضوع ما فإنها تتابعك وتعلمك منهجية العمل وتشجعك وتلزمك بإنجاز ما طلب منك عن قناعة. وهي لا تحتكر المعرفة أو المناصب، فقد حدث أن أَلَحَّت عليَّ كثيرا بأن أشتغل على ملف التبادل الحر وأتابع الملف عِوَضَها، لكنني كثيرا ما كنت أصارحها: “أنت تسيرين بسرعة حيث لا أحد منا يستطيع مجاراتك”.

“لقد تعلمت منها هي وسعاد كنون الاختصار في الكلام و التركيز على الرسالة المراد إيصالها، لأننا في ثقافتنا نقحم العديد من المرادفات قبل أن نفصح عما نريد. علمتنا كيف ننجز مهمة كلفنا بها على أحسن وجه. لقد اختلفنا كثيرا. لكننا تعلمنا منها وحافظنا على علاقة ودية على الدوام. في مختلف اللقاءات، عندما تلاحظ لوسيل التحاق شابات للعمل بأطاك،  كانت تشجعهن وتتقاسم معهن المعلومة والعمل”.

من ضمن ما أنجزته بشرى من مهام، مساهمتها في الإشراف المباشر على أجود تنظيم لإحدى دورات الجامعة الربيعية لأطاك المغرب التي نظمت بمدينة آسفي بحضور ضيوف من الداخل والخارج أبرزهم عالم الاقتصاد والمناضل البلجيكي-الأممي الرفيق إريك توسان [رئيس “الشبكة الدولية للجنة من أجل إلغاء الديون غير الشرعية”] الذي ألقى محاضرة افتتاحية حضرها عدد كبير من المهتمين/ات [في أجواء الغزو الامبريالي للعراق-بداية سنوات 2000] ومرت في أحسن الظروف، لوجستيا ونضاليا.

بعد مسيرة بشرى في أطاك طيلة سنوات، بدأ جيلها؛ جيل المتقدمات في السن (الديناصورات؛ تقول ضاحكة) يُخْلي الصف الأول [كخطوة إلى الوراء] مُفْسحا إياه  لرفيقات شابات كفاطمة الزهراء البلغيتي، أمينة أمزيل، ربيعة الهواري… مع تشجيعهن على مواصلة العمل وتحفيزهن على الحضور في بعض المحطات الوطنية والمشاركة في اجتماعات لجنة النساء بالجمعية، و إبداء الرأي في مختلف القضايا.

في آسفي كانت بشرى قد أسست رفقة نساء مهتمات بالعمل مع/ ولفائدة النساء جمعية أطلقن عليها اسم “المنتدى المغربي للنساء” تهتم  بقضايا المرأة وحقوقها الإنسانية. وقد انتبهت عضوات المنتدى  بصورة مبكرة إلى قضية  النساء ضحايا القروض الصغرى، فنظمن ندوة استُدعِيَت لها نساء من آسفي من ضحايا العاملين بهذه المؤسسات  وضحايا القروض، وقد شاركت بهذه الندوة الرفيقة ربيعة الهواري باسم “جمعية التضامن النسائي” (أكادير) بتقديم ورقة حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء. كما سبق لبشرى من جانبها أن شاركت بندوتين نظمتا ببلجيكا حول الموضوع ذاته. هذا قبل سنتين من تفجر نضالات ضحايا القروض الصغرى بورزازات سنة 2011 لأول مرة بالمغرب، وهو النضال الذي دعمته أطاك منذ البداية ونظمت بشأنه قافلة أولية، ثم قافلة وندوة دوليتين في أبريل 2014 بتنسيق مع الشبكة الدولية للجنة من أجل إلغاء الديون غير الشرعية. كما لا تزال بشرى تواصل مهامها بنفس الجمعية، “المنتدى المغربي للنساء” بنشاط خاصة بالوسط التلاميذي. ومعلوم أن هذا النوع من العمل الجمعوي يلعب دورا قد يكون حاسما في إنقاذ الشباب من مَطَبَّات نذكر منها جماعات الرجعية الدينية، والانحراف وما يستتبعه من مشاكل كالإدمان على المخدرات.. هذا علاوة على التثقيف المتعلق بالجانب الحقوقي.

بقي أن نشير إلى واحد من أهم الروافد التي ساهمت في تطور الرفيقة بشرى، ألا وهو عملها ضمن مجموعة من مناضلي اليسار النقابي والجذري، التي كانت تشرف على تسيير لجنة مؤقتة [إثر تعذر انتخاب المكتب] لفرع النقابة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية  للشغل بمدينة آسفي. تلك المجموعة النقابية المناضلة التي أشرفت آنذاك على إصدار العدد الأول من نشرة “المناضل-ة” بتاريخ 01 يناير 1994، وهي نشرة داخلية للفرع، كما عاشت بشرى أجواء العروض والنقاشات التي كان ينظمها الفرع  لفائدة الشغيلة التعليمية خلال تلك السنوات المجيدة، وشاركت فيها بنشاط إلى جانب رفيق دربها الأستاذ خليل صدقي، المناضل النقابي وأحد قدماء مناضلي أطاك المغرب.

واصلت نفس المجموعة المناضلة المسيِّرة للفرع عملها التثقيفي وسط شغيلة التعليم والشغيلة عامة، وأصدرت العدد الثاني من “المناضل-ة” في فاتح ماي 1994. كما أسست لجنة لمناهضة مشروع مدونة الشغل، وهو مشروع مكيف لخدمة مصالح الباترونا أتت به رياح العولمة النيوليبرالية للإجهاز على حقوق ومكتسبات تاريخية للعمال والعاملات. وفي فاتح ماي 1998 ستصدر نفس المجموعة، باسم الفرع، كراسا بعنوان “من دروس الكفاح العمالي بالمغرب” وهو تجميع لدراسات أنجزها مناضلون عماليون جذريون حول أوضاع الطبقة العاملة المغربية وتجارب نضالاتها، ما شكل إحراجا شديدا للبيروقراطية النقابية الكسولة والمتمادية في سياسة التعاون الطبقي والشراكة والسلم الاجتماعي، والتي استخدمت عسفها للعصف بتلك التجربة النقابية الكفاحية والنوعية، ووضع حد لها باستعمال كل الآليات التي تثقنها كل البيروقراطيات : طرد، تجميد ومصادرة لواحد من أثمن الإصدارات النموذجية لإعلام نقابي مناضل.. وهو إصدار  يساهم في إنارة طريق الكادحين والكادحات ويرشدهم/هن إلى سبل تنظيم المقاومة للتحرر من الرأسمال القائم على الاستبداد والاستغلال..  لقد جرى توقيف التجربة النضالية النوعية لفرع النقابة الوطنية للتعليم بآسفي، لكن آثارها الأدبية وانجازاتها لا تزال تلهم مناضلات كثيرات ومناضلين كُثُر إلى اليوم.

تقول زينة أبيهي رفيقة بشرى في أطاك : “بشرى مثقفة حقيقية في أطاك، ومن سماتها الأساس الالتزام والقدرة على التنظيم والقيادة والتأطير. ذات جرأة في التعبير عن الرأي مهما كان. وإذا ما كلفت بتقديم ورقة في ندوة، فكن متأكدا أنها ستشد إليها أنظار المتتبعين الحاضرين بفضل ما لديها من قدرات على تنظيم أفكارها ومن قدرات على الإقناع وتقديم البدائل المناسبة، وهي امرأة صادقة وتصرح بأفكارها بكل تلقائية. هي من النساء اللواتي بإمكانك المراهنة عليهن، وتتمتع بكاريزما تجعل الجميع يحترمها وينصت إليها. إنها رائعة وصادقة. كل عروضها خلال الندوات تتميز بالتماسك والاتزان والقدرة على إيصال الأفكار وتحقيق الهدف المرسوم للنشاط. بشرى في الغالب لا تخطئ وبحوزتها دائما مخطط (أ) ومخطط احتياط (ب).

بعد هذه الشهادة الحية، لا يسعنا إلا الاعتزاز بما قدمته رفيقتنا بشرى التونزي لجمعية أطاك وللنضال عامة، وبما لا تزال تقدمه؛ من ترجمات وإسهامات تساعد على تغذية موقع أطاك الالكتروني وموقع الشبكة الدولية للجنة إلغاء الديون غير الشرعية في نسخته العربية،  والاعتزاز كذلك بما قدمته/تقدمه كل من لوسيل دوما وسعاد كنون وزينة أبيهي كرائدات وواضعات اللبنات الأولى لأطاك. لا شك أن شابات أطاك وشبانها قد اغْترفن/اغْترفوا الكثير من مَعين هؤلاء الرائدات المُخَضْرَمات، ما سيساعد على تلاقح التجارب، كُهولا وشبابا، على طريق بناء أطاك، منظمة مجتهدة فكريا كالعادة، مناضلة ومتدخلة ميدانيا [وفق قُدُراتها المتواضعة] لترجيح كفة نضال المقهورات والمقهورين، وهذا ممكن، إذ لا شيء ثابت. فلندع جانبا ما يشكله الواقع الحالي من احباطات، ولننظر إلى المستقبل بعين متفائلة، مسلحين بصلابة الإرادة.

31 يوليوز 2020.

ح.ح. عضو أطاك المغرب.

زر الذهاب إلى الأعلى