البيئة

معضلة المناخ وسبل التدارك

حوار مع جواد المستقبل: عضو السكرتارية الوطنية لجمعية أطاك المغرب وعضو مبادرة التزام الشعوب من اجل المناخ “غلاسكو” .

عرفت الحركات من اجل عدالة مناخية في الآونة الاخيرة تجدرا نسبيا خاصة في صفوف الشباب. هذا التجدر ناتج بالأساس عن خيبات الامل المتوالية من عجز الحكومات و أصحاب القرار الخاضعين كلية لمصالح الشركات الكبرى في عدم احترام الاتفاقيات المبرمة بخصوص المناخ.

تعد مبادرة التزام الشعوب المعروفة سابقا بمبادرة اتفاقية غلاسكو احد ابرز الائتلافات حيث تضم معظم المجموعات و الحركات الشبابية التي تساءل النموذج الرأسمالي الاستخراج ي النيوكولونيالي المفروض على العالم.

الغاية من هذا الحوار مع الرفيق جواد مستقبل هو التعريف بهذه المبادرة وأهدافها و مبادئها و أشكال التنظيم و النضال التي تعتمدها .

  • سيادة: بدءاً، نود منكم تعريفا مقتضبا لمبادرة التزام الشعوب من أجل المناخ؟

مبادرة التزام الشعوب من أجل المناخ، المعروفة سابقا باتفاقية غلاسكو، مبادرة أطلقتها مجموعة من منظمات الشباب المهتمة بقضايا العدالة المناخية، كمنظمة كليمماكسيمو البرتغالية واكستانشن ريبيلين والجمعية من أجل المستقبل والشباب من أجل المناخ.

جاءت هذه المبادرة في خريف العام 2019، بعد خيبة أمل جديدة حلت بهذه المنظمات بعد قمة الكوب 25 بمدريد، و تراخي المسؤولين الحكوميين والشركات من داخل فضاء الكوب، و تخلفهم عن اتخاذ قرارات حازمة وضرورية أمام ما يسمى الاستعجالية المناخية التي تهدد الحياة على كوكبنا، و تُضر بشكل خاص بالفئات المفقرة و المهمشة وبشعوب الجنوب العالمي. قررت هذه المنظمات أن تطلق مبادرة من أجل دفع المنظمات المكافحة لأخد زمام المبادرة وعدم انتظار مناسبات الكوب للتحرك والتعبئة.

فشل الحكومات والمؤسسات في التحرك اللازم رغم أكثر من 25 عاما من المفاوضات، ومواصلة اعتمادها نموذجا رأسماليا استخراجيا واستعماريا جديدا قائما على الطاقات الأحفورية يقودنا نحو الهاوية ايكولوجيا، ويعمق الفوارق بين دول الشمال والجنوب العالمي، كما يعمق الفوارق داخل كل دولة. كل هذا حدا بالمنظمات المستاءة إلى التكتل، والانخراط في مسلسل لقاءات ونقاشات بقصد الاتفاق بشأن الأدوات وما تحتاج حركة العدالة المناخية ككل من خطة لتعود أقوى وتتقدم، وكذلك سبل التنسيق دوليًا وعدم انتظار هذه المفاوضات البيروقراطية كل مرة.

الغرض من اتفاقية غلاسكو هو استعادة المبادرة من الحكومات والمؤسسات الدولية من خلال إنشاء أداة بديلة للعمل (الجرد وجدول أعمال المناخ ثم أجندة الشعوب) وفضاء لمناقشة مختلف الاستراتيجيات والتنسيق بين مختلف مكونات حركة العدالة المناخية. حتى الآن، ركزت حركة العدالة المناخية تركيزًا شديدا جدًا على الضغط على الحكومات لإجبارها على اتخاذ إجراءات بشأن المناخ، أو للدفع باتجاه اتفاقيات دولية أقوى في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) ، مثل بروتوكول كيوتو في عام 1997. أو اتفاقية باريس في عام 2015. وفي المقابل، استمرت الانبعاثات في الارتفاع. ومن هنا تروم هذه المبادرة أن تقترح المنظمات المناضلة خطة عمل خاصة بها، وعدم التعويل على الحكومات والمؤسسات الدولية للقيام بذلك.

  • سيادة: باتت التغيرات المناخية مسألة حياة أو موت، ما تقييمكم للوضع المناخي بالعالم ؟

الوضع أكثر من كارثي ومخيف، وتنذر تقارير مجموعة الخبراء الحكوميين حول تطور المناخ IPCC بتطورات أسوأ مرعبة في السنوات القليلة القادمة.

إننا إزاء تماطل للحكومات، و مواصلتها نمط انتاج و استهلاك وتوزيع لا يتجاهل حجم الأزمة المناخية الشاملة الحالية وحسب، بل يعمقها. فحسب التقرير الأخير للمجموعة الثالثة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC – GIEC الصادر في أبريل/نيسان الماضي، سنصل إلى 1.5 درجة مئوية في وقت مبكر من العام 2030. ومن أجل تفادي ذلك، يؤكد التقرير على ضرورة بدء خفض ملحوظ في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية خلال 3 سنوات القادمة، على أن نصل إلى الذروة في موعد لا يتجاوز العام 2025، وخفض الانبعاثات إلى النصف بحلول العام 2030 إذا توخينا تفادي تجاوز نقطة اللاعودة التي حددها تقرير سابق في 1.5 درجة مئوية.

ليست التغيرات المناخية المرتبطة بظاهرة الاحتباس الحراري مجرد توقعات للمستقبل، بل أمر واقع منذ مدة، لاسيما عبر الظواهر المتطرفة، من فيضانات وحرائق غابات وموجات حرارة. هذه الظواهر تزداد وثيرتها وحِدَّتُها في العديد من مناطق العالم: فيضانات بلجيكا والمانيا العام الماضي، وحرائق الغابات في تركيا والجزائر والمغرب على سبيل المثال لا الحصر.

وستتضاعف، بحسب التقرير ذاته، هذه الظواهر 5 مرات في حالة مواصلة انبعاثات الغازات الدفيئة منحاها الحالي، أي بلوغ حالة احترار عالمي يقارب 3 درجات مئوية.

  • سيادة: بنظركم، كيف يمكن، خارج لقاءات الكوب COP الرسمية، الضغط على الشركات متعددة الجنسية والحكومات من أجل الحد من انبعاثات غازات الدفيئة ؟

تعتمد اتفاقية التزام الشعوب من أجل المناخ جملة واسعة من الاستراتيجيات والتكتيكات، بما في ذلك العصيان المدني، لتحقيق التخفيضات اللازمة للانبعاثات لمنع ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية بحلول العام 2100. كما بلورت الحركة في لقاءاتها العديد من االمقترحات لحملات عملية من أجل التحرك منها:

  • أنشطة ضد سلاسل التوريد و المنشآت الصناعية الملوثة

اقتراح نشاط واحد لتعطيل واحدة أو أكثر من سلاسل الإمداد بالوقود الأحفوري العالمية، من خلال تنظيم أنشطة في مكان الاستخراج، وفي المصفاة، وعلى مستوى النقل، والتصدير، إلخ.

  • قوافل العدالة البيئية

تنظيم قوافل من أجل لقاء المجتمعات المحلية والإنصات لها، ودعم نضالها، ومناقشة البدائل الممكنة. جرى الاتفاق على تنظيم قوافل هذا العام في عدة بلدان. ستكون هذه القوافل أيضًا فرصة لتوجيه أصابع الاتهام والاحتجاج على المشاريع الملوثة القريبة من هذه المجتمعات.

  • حملات التضامن

إرساء هيكلة تتيح للمنظمات القيام بأنشطة تضامن على نطاق دولي في حالة وقوع كارثة مناخية، وكذا التضامن مع نضالات السكان المحليين أو في حالة اعتقال أو اختطاف المناضلين من أجل عدالة بيئية.

  •  سيادة: كيف ترون إمكان بناء حركة بيئية عمالية من أجل انتقال بيئي عادل ومستدام؟

هذا سؤال صعب للغاية، وليست هناك للأسف وصفة سحرية. الأكيد هو استحالة بناء هذه الحركة سوى من أسفل، وعبر نضالات ميدانية بمعية ضحايا الظلم البيئي أنفسهم. يعد كسب ثقة العمال ومنظماتهم وتعبئتها، خاصة المنشئات الصناعية الملوثة، أكبر تحد لهذه الحركة.

يجب اعتبار العمال شريكا استراتيجيا وجزءا من الحل في بلورة البدائل من أجل تغيير نمط أنشطة هذه المنشئات، أو وقفها وإبدالها بأخرى. يمثل الشغيلة، في معظم الأحيان، أول ضحايا هذه الصناعات الملوثة، ولن يترددوا في الدفاع عن بدائل تحترم بيئتهم وصحتهم إذا ما اتخذت مصالحهم المادية المباشرة بعين الاعتبار.

تعد هذه المسألة جوهر مفهوم الانتقال الطاقي أو التنموي العادل.

  • سيادة: شمال أفريقيا والشرق الأوسط من المناطق التي تدفع كلفة التغيرات المناخية الناتجة عن البلدان الصناعية، هل من منظورات نضالية لدى حركتكم تشمل هذه المناطق من أجل عدالة مناخية؟

تعد منطقتنا، منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، رمزا للظلم المناخي. فبينما نجد كل دول المنطقة، باستثناء الدول البترولية، لا تتحمل أي مسؤولية في انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة للانحباس الحراري، تأتي المنطقة في مقدمة المناطق الأشدِّ تأثرا بالتغيرات المناخية الناتجة عن الاحتباس الحراري خاصة اشكالية ندرة المياه.

كما أسلفت، جاءت اللقاءات المختلفة بحزمة تكتيكات وأشكال تحرك وتنظيم حملات، وحتى الفعل المباشر والعصيان المدني. وجرى الاتفاق على اختيار كل منظمة للأشكال الملائمة لسياقها المحلي. للأسف، تشهد منطقتنا تراجعا بالغا في مجال الحريات، خاصة مع انتصار الثورة المضادة بعد الانتفاضات الشعبية الكبيرة التي هزت المنطقة سنة 2011، ما يجعل هامش تحرك المنظمات ضيقا للغاية. ومع ذلك يكافح السكان المحليون بشكل يومي دفاعا عن أقاليمهم – الأرض والمياه والغابة … بوجه هجوم الطبقات السائدة ومواصلتها عمليات التراكم عبر السلب التي ورثتها عن مستعمرينا وتتمادى فيها اليوم بتنسيق مع شركاتها العالمية.

يجب أن نجعل دعم هذه التحركات، ومتابعتها والتعريف بها والتعلم منها، منطلقا من منطلقات بناء حركة من أجل عدالة بيئية بمنطقتنا.

  • سيادة: ستُنظم قمة المناخ، الكوب 27، في شرم الشيخ بمصر، هل تستعدون لمبادرة ما؟

للأسف، كما الحال بالنسبة للمغرب في قمة كوب 22، سيسعى نظام السيسي القامع للحريات إلى استغلال هذه المناسبة لتلميع صورته على المستوى الدولي. وفي المقابل تسعى الدول الغربية، مدفوعة بشركاتها العالمية، إلى الحصول على مزيد من الصفقات، خاصة في الميدان الطاقي. ويجدر هنا التذكير بأن شركة سيمنس الألمانية فازت بعقد بناء أحد أعظم مشاريع الطاقة الحرارية في العالم، عبارة عن ثلاثة محطات لتوليد الطاقة الكهربائية باستعمال الغاز الطبيعي، والتي تم تدشينها سنة 2018. تبلغ القيمة الإجمالية لهذا المشروع 6 مليار يورو، وسينتج 14400 ميغاوات، أي ما يعادل ما يفي بحاجات 40 مليون نسمة.

كما هيأ نظام السيسي، على غرار معظم أنظمة منطقتنا، مخططا من أجل فتح سوق انتاج الطاقة سواء المتجددة او الأحفورية أمام الخواص. كلها مشاريع يتم تمويلها بديون تثقل كاهل ميزانية الدولة وتزيد تبعيتها.

سيكون تنظيم أنشطة نضالية حقيقة ومستقلة بموازاة قمة الكوب 27 أمرا صعبا، لا بل ومستحيلا في نظري. وذلك بفعل الوضع القمعي والحصار الذي تعاني منه الحركات المناضلة بمصر، حيث يفوق عدد المعتقلين السياسيين اليوم ما كان في عهد حسني مبارك سيء الذكر.

إن قرار تنظيم الكوب في ظل أنظمة كنظام السيسي، والخروقات اليومية لحقوق الإنسان وحقوق السكان المحليين، أمر يؤكد موقف مبادرتنا الداعي إلى فك الحركات العالمية المناضلة الارتباط مع أجندة الكوب الرسمية، والتحرر من وهم الضغط على الحكومات والمؤسسات لإرغامها على اتخاذ القرارات اللازمة.

هذا لا يمنع ضرورة استغلال مناسبة الكوب، حيث يكثر الحديث عن الإشكالية المناخية في القنوات الرسمية، من أجل فضح مخططات الحاكمين والشركات العالمية التي تدافع عن رأسمالية خضراء، رأسمالية الكوارث -باستعارة تعبير نعومي كلاين-التي ترى في الأزمة المناخية الشاملة التي انتجتها فرصة ذهبية لتحقيق مزيد من الأرباح.

من جانبنا، نخطط للمساهمة في اللقاءات الاشتراكية الايكولوجية التي ستنظم قبل نهاية هذا العام في تركيا، وذلك بقصد مواصلة التنسيق والتعبئة حول حملات نضالية نسعى الى بناءها مع من هم في الاسفل ومع الضحايا الحقيقيين للأزمة الحضارة الرأسمالية التي تمثل الأزمة الايكولوجية اليوم أحد أخطر تجلياتها.

جواد المستقبل: مناضل من أجل العدالة الاجتماعية والمناخية، عضو بسكرتارية ATTAC-CADTM MAROC .

المقال مأخود من موقع سيادة : https://bit.ly/3OffL3W

زر الذهاب إلى الأعلى