البيئة

دفاعا عن السيادة الغذائية بالمغرب
رد على تقرير حول الامن الغذائي لمجلس المستشارين

محــــاور التقرير

  1. توضيح المفاهيم: الأمن الغذائي والسيادة الغذائية
  2. دور صغار المزارعين/ات في إنتاج الغذاء
  3. الأزمة الغذائية العالمية
  4. “مخطط المغرب الأخضر”: تعميق التبعية الغذائية وتهميش صغار المنتجين/ات
  5. “استراتيجية الجيل الأخضر”، تعميق السياسات النيوليبرالية في القطاع الفلاحي
  6. منظور مجلس المستشارين للأمن الغذائي: الدفاع عن استمرار التبعية الغذائية في المغرب
  7. توصيات جمعية أطاك المغرب
  1. توضيح المفاهيم: الأمن الغذائي والسيادة الغذائية

في أبريل 2022، أحدث مجلس المستشارين مجموعة عمل حول الأمن الغذائي ضمت ممثلين عن الفرق والمجموعات البرلمانية من أحزاب ونقابات عمالية. ونشر تقريرها في يوليوز 2022 بعنوان “الأمن الغذائي بالمغرب”.

    يتناول هذا التقرير التطور التاريخي والإطار المفاهيمي لمعنى الأمن الغذائي على ضوء مفهوم المنظمات العالمية وأساسا منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، وكذا مرتكزاته الأساسية من وجهة نظر الطبقات السائدة بالمغرب.

    لا ينحصر الإشكال المرتبط بمفهومي الأمن الغذائي والسيادة الغذائية في مفردتي الأمن الغذائي والسيادة الغذائية فحسب، بل يشمل خلفيات كل واحد منهما وآفاقه كمشروع سياسي واقتصادي واجتماعي. ما هي إذن خلفيات المفهومين؟ إلى أيهما يجب أن ينتصر من هم في الأسفل من مزارعين/ات صغار ومتوسطين وأين ننتصر نحن كشعوب؟

      يتأطر تقرير الأمن الغذائي لمجلس المستشارين بمفهوم ”الأمن الغذائي”. ظهر هذا الأخير في نهاية ستينيات القرن الماضي[1]. تعرفه منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو) بتوفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين بما يلبي احتياجاتهم بصورة مستمرة من أجل حياة صحية ونشطة. يعتمد هذا التعريف على الحجم أو الكم بقطع النظر عن مصدر الغذاء أو نوعيته. لذلك لا يتورع المسؤولون الحكوميون ولا خبراء صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية عن استخدام عبارة ”الأمن الغذائي” بشكل فضفاض. بيد أن الإشكال المحوري في هذا المفهوم يكمن في أنه يتلخص في توفير الغذاء مع عدم ذكر الإمكانيات المتاحة لتوفيره. جرى اعتماد مفهوم الأمن الغذائي في أدبيات المؤسسات الدولية كتعويض عن مفهوم ”الاكتفاء الذاتي” المقترن بموجات التحرر الوطني للشعوب التي وضعت مهمة “تحقيق الاكتفاء الذاتي المحلي من الغذاء على رأس اهتماماتها وأولوياتها”[2].

     خلافا لمفهوم الأمن الغذائي، يشير مفهوم السيادة الغذائية إلى حق الشعوب والدول في إرساء برامج وسياسات فلاحيه تؤمن الاستقلال الفلاحي والغذائي والاقتصادي، مع مراعاة دور المزارعات والمزارعين والسكان الأصليين في مناقشة ورسم المخططات الفلاحية التي تشمل السيادة على الأرض والموارد من مياه وبذور.

نشأ مفهوم السيادة الغذائية لدى حركة نهج المزارعين الدولية (لافيا كامبسينا) سنة 1996 خلال قمة الغذاء المنعقدة من طرف منظمة الفاو، ويعني لديها ”حق الشعوب في غذاء صحي يحترم الثقافات، وينتج بطرق مستدامة ومحترمة للبيئة”. تضع السيادة الغذائية تطلعات واحتياجات أولئك الذين ينتجون ويوزعون ويستهلكون الغذاء في قلب النظم والسياسات الغذائية، بدلا من متطلبات الأسواق والشركات متعددة الجنسيات. تدافعالسيادة الغذائية عن مصالح الأجيال المقبلة وإدماجها، وتشكل إستراتيجية لمقاومة النظام الحالي لنظام الغذاء. تقدم السيادة الغذائية توجيهات لكي تتحدد الأنظمة الغذائية والزراعية والبحرية وتربية الماشية من قبل المنتجين- ات المحليين- ات. تعطي السيادة الغذائية الأولوية للاقتصادات المحلية والقومية وتعمل على تمكين الفلاحة والزراعة الأسرية، والصيد الحرفي، والرعي الذي يقوده الرعاة على أساس الاستدامة البيئية والاجتماعية والاقتصادية”[3].

    أهم ما يمكن أن نستخلصه من مفهوم السيادة كونه ينبني على تجارب محلية نابعة من ثقافات الشعوب الزراعية الذاتية عبر التاريخ ويشكل تعبيرا عن حقيقة نابعة من عمق جمهور صغار المزارعين/ات استطاعوا من خلاله تضمين مجمل ما يعانونه من صعوبات تعيق عمليات إنتاجهم الفلاحي وتصوراتهم من أجل مشروع زراعي ينتصر في النهاية لفائدتهم وللشعوب عموما.
   في الحقيقة، يمكننا الجزم بالقول إن مفهوم السيادة الغذائية هو نقيض لمفهوم الأمن الغذائي. ففي حين يدعو هذا الأخير إلى المزيد من التعويل على آلية استيراد الاحتياجات الغذائية، تُولِّي السيادة الغذائية الأهمية الكبرى لضرورة دعم الإنتاج المحلي.  ينبني مفهوم الأمن الغذائي على الدور المركزي للأسواق العالمية في مسالة توفير الغذاء، في حين تنتصر السيادة الغذائية إلى حق الدول في تحديد سياساتها الزراعية وأولوياتها الغذائية عبر تشريك المزارعين والمزارعات [4].

.2 منظور لجنة مجلس المستشارين للأمن الغذائي والسيادة الغذائية: الدفاع عن استمرار التبعية الغذائية في المغرب

     نهجت الدولة المغربية منذ ”الاستقلال” خيار تعميق التبعية الغذائية المتبعة في علاقتها مع السوق الرأسمالي العالمي والشركات المتعددة الجنسيات، ورد في مقدمة مذكرة أطاك  المغرب حول “تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد”، ما يلي: “كانت أولى توصيات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي في بدايات 1960 متمحورة حول ضرورة اعتماد المغرب على الفلاحة التصديرية كركيزة أساس “للنموذج التنموي” بعد الاستقلال وتمويله عبر القروض [5] صدر تقرير لجنة النموذج التنموي سنة 2021 بعد أربع سنوات من تقرير البنك العالمي المعنون بـ ”المغرب في أفق 2040″، حيث أعلن أن النموذج التنموي القديم قد بلغ حدوده، وطالب بالاستمرار في الإصلاحات الهيكلية النيوليبرالية التي نجح المغرب في تطبيق قسم كبير منها.

    لا يتعدى مضمون النموذج التنموي الجديد جوهر السياسات الاقتصادية السابقة وهي المزيد من تعميق التبعية الغذائية تجاه الخارج وتوجيه فلاحته لتلبية حاجيات المستعمرين القدامى والجدد.

     على ضوء هذا تناول تقرير النموذج التنموي الجديد مفهوم السيادة الغذائية تحت عنوان ”من أجل سيادة غذائية ترتكز على فلاحة عصرية ذات قيمة مضافة، عالية دامجة ومسؤولة”.

   يتضح جليا نهج الحاكمين أسلوب السطو على مفهوم السيادة الغذائية، مع تضمينه لنفس السياسات والبرامج المعتمدة أساسا على الفلاحة الكبرى الموجهة نحو التصدير وهذا لا يعدو كونه استمرارية للسياسات الذي أرساها المستعمر وعمقتها الوصفات المملاة من المؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد الدولي البنك العالمي…الخ)

   خلصت مجموعة العمل الموضوعاتية حول الأمن الغذائي بمجلس المستشارين إلى أن ما تم تبنيه من الدولة بالمغرب لحدود الآن من سياسات فلاحية هو انخراط في مسار ضمان “الأمن الغذائي”، ويعد تقدما مهما في مسار الارتقاء بالسياسة الفلاحية بالبلاد. ورد في تقرير مجموعة العمل: ”شكل موضوع الأمن الغذائي ولا يزال هاجسا وطنيا في السياسات العمومية المنتجة في العديد من القطاعات الهيكيلية ببلادنا وقد تقاطعت البرامج المنجزة في مرتكزاتها الأساسية فحسب في تفعيل الدعائم الاستراتيجية للمنظومة الغذائية والتغذوية على مستوى قطاع الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات والصحة من خلال مخطط المغرب الأخضر بغية تعزيز وزن الفلاحة في الاقتصاد الوطني وتوطيد دعائم الديمومة الغذائية واستدامة الموارد الطبيعية”.[6]

   أدت هذه المخططات كلها إلى تعميق واقع التبعية عبر الاتجاه نحو التصدير وتنمية الزراعة   الرأسمالية الكبرى المستهلكة للمياه مع إعطاء مبررات كون أن هذه الزراعات ستساهم في ضمان الأمن الغذائي. كما أدت السياسات الفلاحية المعتمدة في المغرب منذ عقود الى قيادة المزارع الرأسمالي الكبير لعربة ” التنمية الزراعية” الأمر الذي دفع بالفلاح الصغير نحو الهامش.

   يتلخص اذن مفهوم السيادة الغذائية عند لجنة العمل الموضوعاتية بمجلس المستشارين و”النموذج التنموي الجديد”، في كونه أن القضية من اختصاصات السيادية للدولة اذ ورد في تقرير مجموعة العمل البرلمانية لمجلس المستشارين: “مما لا شك فيه أن تحدي الأمن الغذائي بات يشكل قضية محورية لا تقل أهمية عن مواضيع أخرى كالأمن الاجتماعي والأمن السياسي والسياسي والصحي… الخ. إذن فالسيادة الغذائية بهذا المعنى لا تكون منظورا لإعادة هيكلة المجتمع من أسفل، يقوم به المعنيون بقضية إنتاج الغذاء واستهلاكه؛ أي صغار الفالحين- ات والرعاة والصيادين وأجراء قطاع الفلاحة. هؤلاء هم-ن مجرد موضوع لمسألة سيادية تحتكر الدولة تدبيرها، وليسوا صناع السياسة الفلاحية.

  •  دور صغار المزارعين/ات في إنتاج الغذاء
    • إجماع على أهمية صغار المزارعين 

يأتي معظم الطعام المستهلك في العالم من المزارع سواء كانت زراعية أو حيوانية أو منتجات ألبان أو أسماك، إلخ. يعتمد حوالي ثلث سكان العالم على الزراعة الأسرية في الوقت الذي يعيش فيه أكثر من 450 مليون مزارع في المناطق الريفية يمتلكون مساحات تقل عن 2 هكتار [7] . لسنوات عديدة، كان هناك إجماع نسبي على أن صغار المزارعين والمزارع العائلية ينتجون حوالي 70٪ من جميع المواد الغذائية في العالم، مقارنة بـ 30٪ فقط للزراعة الصناعية التي تعتبر مسؤولة عن غالبية الأضرار البيئية. يتم توفير نصيب الأسد من غذاء العالم من خلال المزارع العائلية الصغيرة بنسبة 80٪ حسب منظمة الفاو في تقريرها لعام 2014 [8]. هناك تم الاتفاق في كل من منظمة الأغذية والزراعة العالمية ومنظمات الأمم المتحدة (الصندوق الدولي للتنمية الزراعية) على أن المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة يشكلون العمود الفقري لإمدادات الغذاء العالمية. كما أعلنت الأمم المتحدة أيضا عن “عقد الزراعة الأسرية” للفترة ما بين 2019-2028. في مقابلة مع مارتن فريك مدير مكتب برلين لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة مع مؤسسة هنريش بول، صرح هذا الاخير بعواقب الحرب على أوكرانيا على الأمن الغذائي مع الإشارة إلى الدور الذي تلعبه الأسواق المحلية في إنتاج الغذاء العالمي.[9]

2.2 من هم صغار المزارعين والمزراعات ؟

    بمجرد أن نبدأ الحديث عن القضايا المرتبطة بالزراعة العالمية، فإننا عاجلا أم آجلا نتحدث عن مصطلح “صغار المزارعين”. ولكن من هم صغار المزارعين بالضبط؟ هل هم مجرد مزارعين بمساحة زراعية صغيرة؟ لماذا يتم ذكرهم كثيرا دون الخوض في التفاصيل حول المصطلح؟ وما هو الدور الذي يلعبونه في إنتاج الغذاء في العالم؟ 

وفقًا لمنظمة الفاو، يُصنَّف أكثر من 1.5 مليار شخص في جميع أنحاء العالم كأصحاب الحيازات الصغيرة[10]. تعتبر زراعة أصحاب الحيازات الصغيرة مهمة للغاية لأن الكثير من الناس يمكنهم كسب لقمة العيش منها أكثر من الزراعة الموجهة نحو التصدير التي تركز أساسا على الربح. ينتج صغار المزارعين لاستهلاكهم الخاص وللأسواق. تنتج المزارع العائلية الصغيرة أكثر من نصف الغذاء المطلوب في جميع أنحاء العالم. على سبيل المثال، في تنزانيا وحدها، يعتمد أكثر من %80 من السكان بشكل مباشر على القطاع الزراعي، ويعمل أكثر من 27 مليون شخص في زراعة أصحاب الحيازات الصغيرة، أي نصاف سكان البلد [11]. وبالتالي، يشكل صغار المزارعين العمود الفقري الاقتصادي لتنزانيا. الوضع مماثل في العديد من البلدان في جنوب الكرة الأرضية. ومع ذلك، فإن التوسع في التصنيع الموجه نحو التصدير للزراعة يهدد نظم زراعة الفلاحين الصغار في جميع أنحاء العالم، وبالتالي مصدر رزق كثير من الناس. علاوة على ذلك، تكون زراعة الفلاحين الصغار في الغالب أكثر استدامة من الناحية البيئية. بسبب نقص رأس المال فإن استخدام المدخلات الزراعية الكيميائية أقل بكثير وتتم معالجة التربة بشكل أكثر رقة بسبب نقص الزراعة الميكانيكية.

في المغرب، حسب معطيات الإحصاء الفلاحي لسنة 1996 (ليست هناك أرقام محينة بعد)، بلغ عدد الفلاحين الصغار الذين يملكون أقل من 5 هكتارات 1.064.417 فلاحا يمثلون أكثر من 71% من مجموع الفلاحين (1.496.349 فلاح)، لكنهم لا يستغلون سوى حوالي 24% من المساحة الزراعية الإجمالية. في حين بلغ عدد الذين يملكون أكثر من 20 هكتارا 58.996 فلاحا يمثلون قرابة 4% من المجموع، ويستغلون حوالي 33% من المساحة الزراعية الإجمالية. وأشارت جمعية أطاك المغرب في بحثها الميداني إلى معدل مساحة من 6 هكتارات يملكها الفلاحون الصغار الذين استجوبتهم في 5 مناطق فلاحية كبرى بالمغرب (83% من المستجوَبين) ومعدل المستغَلة منها 4 هكتارات[12].

فتحت إجراءات برنامج التقويم الهيكلي والانفتاح الليبرالي المعمم ومخطط المغرب الأخضر المجال لتغلغل كبار الرأسماليين الخواص المحليين والأجانب بقطاع الإنتاج الفلاحي، أساسا لأجل التصدير ومتعتهم بالإعفاءات والإعانات، وعمقت سيرورة إفقار الفلاحين الصغار الذين يضطرون على كراء أراضيهم أو بيعها.

حسب البحث الوطني حول “دخل الأسر: المستوى والمصادر والتوزيع الاجتماعي” الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط خلال الفترة الممتدة من 1 دجنبر 2019 إلى نهاية مارس [13]2020، متجنبا بذلك آثار جائحة كوفيد- 19: بلغ متوسط الدخل 2083 درهما شهريا بالوسط الحضري و1297 درهما شهريا بالوسط القروي. يعيش العشر الأكثر فقرا من الأسر المغربية بدخل فردي شهري لا يتجاوز 446 درهما بالوسط الحضري و430 درهما بالوسط القروي. يفوق الدخل الفلاحي لـ %10 من الأسر الأكثر يسرا 38 مرة دخل الـ %10 الأقل يسرا.

  • الأزمة الغذائية العالمية

     تعد المشكلة الغذائية في العالم أحد الإشكالات الكونية التي تواجه البشرية، بل هي أخطرها في عصرنا الراهن، إذ تؤثر بشكل مباشر على حياة الملايين من البشر. تبين إحصائيات منظمة الفاو حدة المشكلة الغذائية وحجمها، حيث تشير هذه الإحصائيات إلى أن مئات الملايين في العالم مهددون بالموت اليوم، بسبب الجوع والأمراض الناجمة عن سوء التغذية. مئات الملايين يعانون الجوع، في حين أن أكثر من مليار ونصف مليار إنسان يتحمّلون مختلف أشكال سوء التغذية، بما في ذلك ما يسمى سوء التغذية “غير المرئي”[14].

   تُعزى الأزمة الغذائية الراهنة بالأساس إلى السياسات النيوليبرالية المطبقة منذ عقود على نطاق الكوكب (خصخصة الخدمات العمومية والسلع، تحرير التجارة، انفلات حركة رؤوس الأموال دون ضوابط، تفاقم حجم الديون بالنسبة لدول الجنوب…). في الواقع يعيش العالم مشكلة نظامية عميقة وضمنها يوجد النموذج الغذائي العالمي الذي تعرض عبر تاريخه لصدمات اقتصادية وإيكولوجية واجتماعية بسبب السياسات ”التنموية” تحت قيادة بلدان الشمال منذ ستينات القرن الماضي (الثورة الخضراء، المعونات الغذائية، برامج التقويم الهيكلي، اتفاقيات التبادل الحر، وسياسات الدعم المباشر والغير المباشر للقطاع الزراعي في بلدان الشمال). هذه السياسات التي أدت إلى تدمير الأنظمة الغذائية.

    على عكس الفكرة الرائجة كثيرا في سنة 2022، التي تعزو غلاء أسعار الغذاء إلى الغزو الروسي لأوكرانيا، بدأت الأزمة الغذائي قبل ذلك بزمن طويل. عرف العالم أزمة غذائية حادة سنة 2007، وبعد ذلك ارتفاع أسعار الحبوب الناتج عن المضاربة في الفترة بين 2014 و2021، وبسبب ذلك زاد عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد على الصعيد العالمي بأكثر من 350 مليونًا، حيث انتقل من 565 مليونًا إلى 924 مليونًا. كانت هذه الزيادة قوية بشكل خاص بين 2019 و2021، حيث أثرت على ما يزيد قليلاً عن 200 مليون شخص. وفي سنة 2021، كان حوالي 2,3  مليار شخص (%29.3 من سكان العالم) يعانون من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الحاد[15]. أما في سنة 2022، فجميع المؤشرات سلبية، حتى أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اجتمع في 17 مايو 2022 للتداول في كيفية التعامل مع الأزمة الغذائية التي قد تثير انتفاضات شعبية.[16]

  1. الأزمة الغذائية العالمية امتداد للأزمة الاقتصادية

   انخفضت أسعار المواد الغذائية خلال الثمانينيات والتسعينيات، وانخفضت مرة أخرى بين عامي 1998 و2002، وزادت قليلاً في 2002-2004، ثم انخفضت في 2005-2006[17]. بعد حصاد عام 2006، كان سعر المواد الغذائية في السوق العالمية مساوياً لسعر عام 1998، والذي كان أقل بكثير من سعر السبعينيات. وفي عام 2008، ظل سعر المواد الغذائية، بالدولار الثابت، أقل من السعر الأقصى الذي تم التوصل إليه في النهاية السبعينيات [18]

   بينما واجهنا أزمة غذائية خطيرة للغاية في 2007-2008[19]، رفعت الى أكثر من 800 مليون عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع فقد تحسن الوضع في الفترة ما بين 2009 و2013 ليتدهور ثانية بدءا من سنة 2014.

2.3. الغزو الروسي لأوكرانيا: تعميق للأزمة الغذائية في العالم

وفقا لموقعهما المفصلّي في إنتاج الحبوب وتصديرها في العالم، يتسبّب أي اختلال في الأنشطة الزراعية والتجارة لأحد هذين البلدين أو كليهما، في اضطراب الإمدادات العالمية للحبوب وكذلك في أسعارها.

ففي أوكرانيا، تكون محاصيل الحبوب في موسم الزراعة الربيعي في العادة جاهزة لحصادها مع بداية الصيف، ولكن في السياق الحالي لا يمكن توقع قدرة الفلاحين في أوكرانيا على حصادها وتسليمها إلى الأسواق. كما أدى النزوح الكثيف للسكان إلى خفض أعداد اليد العاملة والعمّال الزراعيين وسيكون من الصعب الوصول إلى الحقول الزراعية.

      في الجانب الآخر، ماتزال الموانئ الروسية الواقعة على البحر الأسود تعمل حتى الآن، ومن غير المتوقع حدوث أي اختلال ملحوظ في الإنتاج الزراعي في الأجل القصير. غير أنّ العقوبات المالية المفروضة على روسيا قد تؤدي إلى نقص الإمدادات العالمية من القمح باعتبارها أول دولة منتجة له في العالم[20].

     مضت أشهر معدودات على بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، إلا أنها كانت كفيلةً بإغراق العالم بأسره في سلسلة من التحديات الاقتصادية، مخلفةً وراءها أزمة غذاء عالمية حادة ألقت بظلالها على ملايين البشر، فبفعل الحرب، وصلت حالة الأمن الغذائي في العالم إلى منحدر غير مسبوق، وصفها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بـ “المأسوية

    اتضحت بشكل أكثر الأزمة البنيوية في منظومة انتاج الغذاء العالمية إبان جائحة كوفيد- 19 كما هو الحال مع الغزو الروسي لأوكرانيا. عمقت هذه الحرب أزمة الزراعة وانتاج الغذاء، وهددت ولا تزال الملايين من الناس الموجودة في الأسفل. بالموازاة مع هذا تتضاعف التفاوتات الاجتماعية القائمة نتيجة الحرب. ففي غرب أفريقيا مثلا، حيث تتعرض سبل المعيشة للخطر نتيجة صيد الأسماك المفرط وصناعتي زيت السمك ودقيق السمك المدمّرتَين. بلغت معدّلات الجوع مستويات غير مسبوقة[21]. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نجد بلدانا هشة أساسا كسوريا ولبنان واليمن، تعاني  بشكل ملحوظ نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية حسب الأمم المتّحدة[22].

    تعتمد بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل أساسي على أوكرانيا و/أو روسيا لاستيراد المواد الغذائية، وخصوصا القمح والحبوب، كما أن روسيا وأوكرانيا هما من أبرز مصدري الحبوب حول العالم. ففي العام 2020، بلغت حصة روسيا من إجمالي صادرات القمح العالمية 18.7٪، فيما بلغت حصة أوكرانيا خلال العام نفسه 1.9٪. كذلك، فإنّ 40٪ من صادرات أوكرانيا من القمح والذرة تستفيد منها بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. بحسب أرقام البنك الدولي، بلغت حصة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من إجمالي من يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد في العام 2020[23] وهي نسبة مرتفعة على اعتبار أن المنطقة لا تضم سوى 6٪ من سكان العالم.

3.3.  تأثير الحرب الأوكرانيّة على منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط/المنطقة العربية

   عمقت الحرب على أوكرانيا الارتفاع الكبير في سعر القمح والمأكولات الأساسيّة وعجز الأسواق العالمية عن تلبية الطلب على هذه السلع. تُظهر هذه الرسوم البيانيّة تأثير هذه الحرب على المنطقة العربية، مما سيؤدي إلى تفاقم الجوع بين الفقراء مما يبشر بقيام احتجاجات واسعة النطاق في هذا السياق.

الرسوم البيانية

المصدر، مبادرة الإصلاح العربي: تأثير الحرب الاكرانية على المنطقة العربية: انعدام الامن الغذائي في سياق هش أساسا.[24]

   تحتل روسيا المرتبة الأولى في التصدير العالمي للقمح بنسبة %21.8 تليها أوكرانيا في المرتبة الثانية بنسبة %10.6 بينما باقي الدول الأخرى المصدرة للقمح لديها نسبة %67.6.

ارتفع السعر العالمي للقمح في فبراير 2022 ووصل الى أعلى مستوياته على الإطلاق منذ سنة 2008 حيث تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في انقطاع امدادات القمح من اثنين من أكبر الدول المنتجة للقمح في العالم.

   المصدر: نفسه

  توضح المؤشرات أعلاه خارطة دول المنطقة الأكثر اعتمادا على واردة القمح من روسيا وأوكرانيا وباقي الدول الأخرى.

       كشفت الحرب على أوكرانيا كما فعلت جائحة كوفيد-١٩ قبلها هشاشة منظومة الغذاء الحالية ومدى اعتماد هذه المنظومة على المدخلات الكيميائية المُنتَجة بواسطة الوقود الأحفوري وعلى تجارة السلع العالمية، ما يسلط الضوء على ضرورة اعتماد منظومة غذائية محلّية ومتنوعة وأكثر قدرة على التأقلّم والصمود على المدى البعيد. هذه المنظومة البديلة، يجب عليها الابتعاد عن الإنتاج الصناعي للغذاء والتركيز على إنتاج الغذاء المحلي ينبني على أرضية السيادة الغذائية كبديل زراعي مجتمعي.

4.3 – من ينتج الغذاء في المغرب

– الغذاء في المغرب: تاريخ من التبعية

     كان تاريخ انتاج الغذاء في المغرب الحديث دائم الارتباط بمصالح المستعمر حيث كان ما يزرع في الأراضي المغربية موجَّها أساسا نحو التصدير لضمان التكامل مع ما ينتج في الأراضي الفرنسية. لفترة طويلة كانت حاجيات فرنسا للحبوب كبيرة وإبان الحرب العالمية كانت المواد الأولية النسيجية والزيتية تحتل الصدارة في صادرات المغرب المستعمر. لقد دأب المغرب على نفس المنوال بعد الاستقلال الشكلي حيث حافظ على تلبية احتياجات الأسواق الأوروبية عبر تزويدها بنفس المواد الذي كان الاستعمار الفرنسي ينتجها في المغرب.

   رفعت الدولة المغربية شعار تنمية الزراعة الذي من خلاله فتح باب التمويلات الممنوحة على شكل قروض. انفجرت أوائل الثمانينيات أزمة الديون بالمغرب، على غرار عديد بلدان الجنوب التابعة مما اضطرها للخضوع لإملاءات المؤسسات المالية الكبرى وتطبيق برنامج التقويم الهيكلي، وما يعنيه ذلك في القطاع الفلاحي من تقليص لحجم الاستثمارات العمومية والإعانات الحكومية وخصخصة عديد الأنشطة المرتبطة بالإنتاج والتسويق وعديد الشركات الفلاحية العمومية، وتحرير أسعار المواد الغذائية الأساسية.

5.3 نتائج الغزو الروسي لأوكرانيا على الواردات الزراعية بالمغرب

يرتكز النمط الغذائي المغربي، بالأساس على الحبوب. إذ أن متوسط الاستهلاك السنوي من هذه المادة يقارب 200 كلغ للفرد في العام، أي ما يمثل ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي، حيث يعتبر الخبز أهم مكون في النظام الغذائي المحلي

    يعد المغرب أبرز مستوردي القمح من أوكرانيا إلى جانب الذرة، والمنتجات الشبه مصنعة من الحديد أو الفولاذ والمواد البلاستيكية وغيرها، أما على الصعيد التجاري مع روسيا فالمغرب يستورد القمح والفحم وأنواع الوقود والأمونيا والديزل وزيت الوقود والبنزين البترولي والأسمدة الطبيعية والكيميائية. وبحسب بيانات مكتب “الصرف الأجنبي”[25] يُقدَّر حجم الصادرات المغربية لأوكرانيا  بـ 600 مليون درهم، فيما تفوق قيمة الواردات من أوكرانيا ثلاث مليارات درهم وفيما يتعلق بالواردات المغربية من روسيا فتقدر ب 12 مليار درهم في عام 2021 وقيمة الصادرات 600 مليون درهم.

3.6 القمح المتأثر الأبرز

    يعتبر القمح المستورد من أوكرانيا أبرز منتج في واردات المغرب بمبلغ 1.1 مليار درهم في ما تشكل الحمضيات المباعة في روسيا %50 من إجمالي الصادرات إلى المغرب بمبلغ إجمالي يقدر بـ 323 مليون درهم. وفي سياق الحرب على أوكرانيا فان نظام الاستيراد الذي يعتمد عليه المغرب سيتأثر بشكل مباشر خصوصا وأن المغرب يستورد من أوكرانيا لوحدها نحو %12 من مجموع الحبوب التي يستوردها عالميا، أضف إلى هذا توالي مواسم الجفاف الذي تعاني منه البلاد وتراجع الناتج الداخلي الوطني المرتبط بالقطاع الزراعي.

    ارتفع سعر القمح بأكثر من %40 من سعره الاعتيادي في الأسواق العالمية. وبحكم أن المغرب يستورد أكثر من %20 من احتياجاته من القمح والحبوب في روسيا وأوكرانيا فان سعر هذه المادة الأساسية عرف ارتفاعا مهولا.

7.3 الشغيلة الزراعية والفئات الشعبية تؤدي ثمن الأزمة الغذائية

     يتحمل الأجراء والفئات الشعبية كُلفة الأزمة الغذائية بسبب السياسات النيوليبرالية التي تسهل شروط الاستحواذ على الثروات من طرف الشركات المتعددة الجنسيات وأقلية من الرأسمالين المحليين الكبار التي تتكامل مصالحهم مع مصالح الرأسمال الأجنبي.

يتضرر العمال والعاملات بارتفاع الأسعار خصوصا أن الغلاء طال المواد الغذائية الأساسية والتي يعتمد عليها الأجراء في حياتهم اليومية. ارتفاعٌ بلغ في بعض المواد الأساسية %50 في المائة. وبفعل هذا الغلاء استغنى قسم منهم عن شراء هذه المواد لعجزهم من اقتنائها. بالإضافة إلى واقع الزيادات التي تعرفها السلع في نفس السياق يعاني العمال والعاملات من تجميد للأجور بحيث يتقاضون أجورا ضئيلة جدا وفي أغلب الأوقات دون التزامات قانونية مع المشغلين/المستغلين لظروف فقرهم.

ورد في بيان بنك المغرب (22 مارس/ آذار 2022): “ارتفعت أسعار المنتجات الفلاحية بنسبة %18.4، مع تصاعد أسعار القمح، على وجه الخصوص، بنسبة % [26]35.

أصدرت المندوبية السامية للتخطيط مذكرة إخبارية في شهر نوفمبر 2022 حول تطور الأسعار الاستدلالية، ورد ضمنها تزايد الرقم الاستدلالي للمواد الغذائية ب %0,7… وهمت ارتفاعات المواد الغذائية المسجلة ما بين شهري شتنبر وأكتوبر 2022 على الخصوص حسب ذات المذكرة أثمان الزيوت والدهنيات والخضر بـ 2,5% والحليب والجبن والبيض بـ 1,7% واللحوم بـ 0,7% والخبز والحبوب بـ 0,3% والسكر والمربى والعسل والشوكولاته والحلويات بـ %0,2. وفي مقارنة بين أسعار سنة 2022 بسنة 2021 أعلنت المذكرة أن الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك سجل ارتفاعا بـ 8,1% خلال شهر أكتوبر 2022. وقد نتج هذا الارتفاع عن تزايد أثمان المواد الغذائية ب 13,8% وأثمان المواد غير الغذائية ب 4,3%[27].

  • “مخطط المغرب الأخضر”: تعميق التبعية الغذائية وتهميش صغار المنتجين/ات
  1. ما هو المخطط الأخضر؟

    قام مكتب ماكنزي للدراسات بالولايات المتحدة الامريكية خريف 2007 بإنجاز دراسة استراتيجية لصالح وزارة الفلاحة والصيد البحري المغربية مقابل 24مليون دولار. هذه الدراسة ستكون الحجر الأساس لمخطط المغرب الأخضر 2008-2018 الذي أعلن عن انطلاقته الرسمية الملك في أبريل من سنة 2008 ضمن فعاليات المعرض الدولي للفلاحة بمكناس. وارتكز هذا المخطط على سياسة ليبرالية واضحة المعالم، همت التركيز على الفلاحة المتجهة نحو التصدير بغية تسريع إدماج الإنتاج الفلاحي المغربي ومعه غذاء المغاربة في السوق العالمية، عبر تحسين شروط الاستثمار بضمانات حكومية وتحفيزات مالية وجمركية فائقة السخاء لفائدة كبريات التكتلات الرأسمالية الفلاحية المحلية والأجنبية.

    تبنى المغرب منذ عام 2008 “مخطط المغرب الأخضر” بالفلاحة، كمشروع تراه الدولة “طموحاً” و”محرِّكاً” لعجلة الاقتصاد الوطني، وتؤكد على أنه جاذب للاستثمارات الضخمة والرساميل المحلية والأجنبية، بقدر يصل لحوالي 6.7 مليار دولار (وفق آخر أرقام وزارة الفلاحة لعام 2017). منجزات كثيرة ترى وزارة الفلاحة بأنها تحققت على مستوى الزيادة في إنتاج المنتوجات الزراعية من بواكر وحوامض وحبوب.. التي هي على العموم صالحة للتصدير نحو دول الاتحاد الأوروبي.

    يهدف المخطط الأخضر إلى ”تنميتها” وفق دعامتين الأولى “تقوية وتطوير فلاحة ذات إنتاجية عالية وتستجيب لمتطلبات السوق عبر تشجيع الاستثمارات الخاصة ونماذج جديدة من التجميع العادل. وهي تخص ما بين 700 و900 مشروعاً تمثل حوالي 110 إلى 150 مليار درهم من الاستثمارات على مدى 10 سنوات”، وتتطلع الدعامة لثانية إلى “محاربة الفقر في الوسط القروي عبر الرفع بشكل ملحوظ من الدخل الفلاحي في المناطق الأكثر هشاشة”، وينتظر في إطار هذه الدعامة إنجاز 550 مشروعاً تضامنياً، باستثمار يتراوح بين 15 و20 مليار درهم على مدى 10 سنوات. تمول مخطط المغرب الأخضر على العموم هيئات ومؤسسات حكومية وشبه حكومية محلية، وأيضاً مؤسسات أجنبية كصندوق النقد الدولي وتمويلات من الاتحاد الأوروبي.[28]

2.4. حصيلة مخطط المغرب الأخضر

    إن نظرة أولى إلى حصيلة مخطط المغرب الأخضر توضح أنه لم يحقق اكتفاء ذاتيا ولا شكل محركا اقتصاديا من أجل توفير فرص الشغل في الأرياف والمدن. يرتكز أساس المخطط الأخضر على الإنتاج من أجل التصدير، حيث أنه لا يضع في حسبانه العجز الغذائي الحاصل في المواد الغذائية الأساسية بل يعمقه، هذا الأمر الذي يضع المغرب من بين أكبر الدول المستوردة في منطقة البحر الأبيض المتوسط للحبوب والبذور والزيت والسكر. بالإضافة الى هذا فان ثمار المخطط الأخضر تم جنيها من طرف كبار الملاكين والفلاحين مع تهميش صغار منتجي الغذاء الذين لم يستفيدوا شيئا من هذا المخطط سوى المزيد من التفقير.

    لقد لخص نجيب أقصبي أعطاب المخطط الأخضر في أربع مطبات أولها، فشل المخطط في خلق استقلالية الإنتاج بسبب ارتباطه بالأمطار مؤكدا أن “المغرب الأخضر” كان من بين أهدافه الأساسية أن يخفف وطأة التبعية للتقلبات المناخية، بمعنى أن يعطي الحد الأدنى من الاستقلالية للإنتاج الفلاحي، لكن هذا لم يتحقق إلى حدود الساعة. أما المطب الثاني، فيكمن في عدم تحقيق المغرب للاكتفاء الذاتي من المواد الحيوية كالحبوب والسكر وسواهما، فـ”الكمية التي يتم استيرادها من الحبوب بقيت ثابتة لم تتغير”. المطب الثالث يتجلى في التصدير، إذ ضاعف البلد من “إنتاجيته في الخضر والفواكه بهدف تصديرها، لكنه لم يتمكن من خلق أسواق جديدة”. وفي النهاية، يبقى المطب الأخير في عدم تحقيق هدف خلق 1.5 مليون منصب شغل ما بين 2008 و2020، بل تفيد الأرقام الرسمية بأن 150 ألف منصب شغل قد فُقِدَ ما بين 2008 و2017.

   بموازاة ذلك، أكد تقرير المجلس الأعلى للحسابات لعام 2018 بأن هناك تراجعاً في حجم المساحات المسقية، إذ تراوحت ما بين %38 و%45 من الأراضي المزروعة، وهو ما لا يمتثل لما نصت عليه الاتفاقيات المحلية التي أوصت بسقي %67 منها. في المقابل، أشار التقرير إلى “التطور” الملحوظ على مستوى إنتاج القمح الصلب والشعير، إذ أفاد بأن المساحة المزروعة بهذا المنتوج تضاعفت ثلاث مرات، لكنه أبدى شكوكه تجاه المعايير والمؤشرات المعتمدة في تحديد الأهداف المنشودة، سواء في الاتفاقيات المحلية أو في المخطط الأخضر بعدما اتضحت لمراقبي المجلس هوة طافحة بين ما هو مكتوب كأهداف وما هو عملي كإنجازات على الميدان.

     في الواقع يعتبر مخطط المغرب الأخضر سياسة ليبرالية صريحة تسعى إلى تحسين شروط الاستثمار بالفلاحة، التي تطالب بها الشركات متعددة الجنسيات، وتكسير الحواجز الجمركية لصالح المصدرين والمستوردين، الذين يضاربون بالمواد الغذائية، وتوسيع دعم الدولة لكبار المنتجين المحليين في ظل احتداد المنافسة بسوق المنتجات الفلاحية العالمية بسياق الأزمة الرأسمالية العالمية 2007-2008 التي ليست الأزمة الغذائية سوى إحدى أبعادها الرئيسية، إلى جانب الأبعاد الأخرى البيئية، المالية، الاقتصادية، السياسية، إضافة إلى مشكلة الهجرة.

3.4. مخطط المغرب الأخضر: استنزاف الثروات المائية

   لا يمكن الحديث عن حصيلة مخطط المغرب الأخضر دون التطرق للثروة المائية للبلاد منذ انطلاقه، حيث ركز على تصدير بعض المنتجات الفلاحية كالحوامض والبواكر والفواكه الحمراء… كما ذكرنا أعلاه. والمعروف على هذه الزراعات تقنيا أنها تحتاج كميات كبيرة من الماء وهو ما أثر فعلا على استنزاف الثروة المائية في عدد كبير من المناطق التي يتركز فيها هذا النموذج الزراعي التصديري على غرار جهة سوس ماسة ومناطق مختلفة في الجنوب الشرقي التي أصبحت تعاني جفافا حادا، والتراجع المخيف على مستوى الفرشة المائية في حوضي اللوكوس والغرب بشمال البلاد.

   ولضمان تزويد الأسواق الأوروبية والعالمية بالمنتجات الزراعية اعتُمِدت سياسة مائية موجهة لتمكين كبار الفلاحين والمستثمرين الأجانب من مواصلة الإنتاج وجني الأرباح الذي يتماشى مع أهداف مخطط المغرب الأخضر، وذلك بتوجيه السدود لري الضيعات الفلاحية الكبرى أساسا، من خلال إعادة تجهيز عدة شبكات هيدروليكية لهذا الغرض تتضمن آلية محاسبة عبر تثبيت العدادات والتحكم في قطع مياه السقي بشكل فردي، والأكيد أنها ستطبق على صغار الفلاحين الذين يواجهون سلفا صعوبات في أداء فاتورات السقي بحكم غلاءها في ظل فلاحة معاشية مهمشة.  جرى دعم هذه المناطق بسدود جديدة منها على سبيل المثال لا الحصر سد خروفة لدعم سد وادي المخازن بسهل اللوكوس، وأيضا سد قدوسه بمنطقة بوذنيب بالجنوب الشرقي لتجهيز مساحة 5000 هكتار لزراعة نخيل التمر المعدل جينيا، للإشارة، نفس المساحة تستحوذ عليها كبريات الشركات منها سهام بأزيد من 500 هكتار وعدد كبير من الفلاحين الكبار المحليين والمستثمرين. في الوقت الذي تستحوذ شركة سطام على هذه الاستثمارات الهيدروفلاحية. أما في منطقة سوس ماسة فقد جرى الاعتماد على تحلية ماء البحر إجباريا بعد نفاذ الثروات المائية بالمنطقة وتوالي سنوات الجفاف في سياق عالمي متأزم بيئيا، هذا الورش العمومي الذي يكلف المالية العمومية 4.48 مليار درهم لصالح الشركات المتعددة الجنسيات وكبار الفلاحين الناشطين بسهل اشتوكة.

   وقد شجع مخطط المغرب الأخضر على حفر الآبار والثقوب المائية بتقديم تحفيزات مالية، ناهيك عن الفوضى التي يعرفها هذا القطاع حيث يوجد حوالي %91 من الآبار دون ترخيص، خصوصا على مستوى الضيعات الفلاحية الكبيرة، ورغم إحداث مقترح قانون لتجريم حفر وإحداث الثقوب المائية فإن الوضع المائي لن يتغير إن لم تتغير جذريا سياستنا الفلاحية ككل.

  • “استراتيجية الجيل الأخضر”: تعميق السياسات النيوليبرالية في القطاع الفلاحي

     بعد تطبيق المخطط الأخضر الذي اثبت فشله أصدرت الدولة المغربية ما أطلقت عليه ”استراتيجية الجيل الأخضر” هذا الأخير الذي يعتبر مواصلة لنفس اختيارات الحاكمين في القطاع الفلاحي بالمغرب، وبالتالي المزيد من تشجيع للاستثمارات الكبيرة بهدف مضاعفة الصادرات، وتوسيع إعانات السلاسل الكبرى لتسريع التصنيع الفلاحي مع الاستمرار في الاستحواذ على الأراضي ووضع ترسانة قانونية لتمليك الأراضي الجماعية.

   تعتمد استراتيجية الجيل الاخضر على دعامتين أولهما اعطاء “أولوية للعنصر البشري ومواصلة الدينامية الفلاحية”.’

تسعى استراتيجية الجيل الأخضر حسب تعبير واضعيها الى تمكين 400 ألف أسرة فلاحية و رفع دخلها الى أكثر من 3800 درهم في الشهر وتوفير التغطية الاجتماعية لــ 3 مليون فلاح، والتي تبلغ حاليا 1,8 مليون فلاح ومستخدم. وكذا توفير ثروات مائية إضافية، للفلاحة الكبيرة من خلال محطات لتحلية ماء البحر كما هو الأمر بمنطقة سوس. بالإضافة إلى دعم 350 ألف فلاح مقاول من بينهم 45 ألف شاب. على غرار مخطط المغرب الأخضر الذي خلق 300 ألف استغلالية فلاحية (1.8مليون في المجموع الآن). وتوزيع مليون هكتار من الأراضي السلالية على 200 ألف مستفيد، منهم ذوي الحقوق والمستثمرين و45 ألف شاب، وذلك على شكل عروض كراء أو شراء أو شراكات بين الدولة والخواص وتوفير التأمين الفلاحي لفائدة 2.5 مليون هكتار، والذي يبلغ حاليا 1 هكتار، مليون هكتار ستتكلف به التعاضدية الفلاحية المغربية للتأمين، وتكوين أكثر من 1000 إطار فلاحي بدل 500 في السنة حاليا. وكذا زيادة خريجي التكوني المهني ليبلغ 19 ألف بدل 1400خريج في السنة حاليا. وتوفير 5000 مستشار فلاحي منها 520 مستشار للدولة. توفير منصات خدمات رقمية خاصة لفائدة 2 مليون فلاح لتسهيل التواصل بين المؤسسات والفلاحين عبر الانترنيت. إضافة إلى مواصلة عمليات التجميع في جميع سلاسل الإنتاج الفلاحي: تشمل سلسلة الإنتاج عدة مؤسسات تعمل في سلسلة أو حتى عدة قطاعات اقتصادية: ترى تدخل القطاع الأولي (الإنتاج الزراعي) ثم القطاع الثانوي (الإنتاج الصناعي للمنتجات الغذائية مثل الأغذية المعلبة أو الأطعمة المجمدة)، والفيدراليات البين- مهنية التي يبلغ عددها حاليا 19 فيدرالية (حصلت 15منها على التصريح)، وتمكين %25 من هذه التنظيمات من تسيير %30 من الميزانية العمومية، وأيضا عبر تحفيز تعاونيات مقاولتية، إضافة إلى دعم الزراعة البيولوجية لتصل إلى 100 ألف هكتار. مع هيكلة قنوات التوزيع والتسويق. والاستثمار في تقنيات الاقتصاد في الماء والطاقة. الشي الذي نستنتج منه، أنها مجرد أهداف واهية لا أساس لها من الصحة، وستجعل أوضاع صغار الفلاحين تتراجع تراجعا مهولا، ما يفرض عليهم بيع أو كراء أراضيهم. الشيء الذي يتبين من خلاله، تزايد إضرابات صغار الفلاحين والرعاة والسكان المحليين، في جميع المناطق القروية بالمغرب، بسبب تضررهم من هذه السيطرة الرأسمالية الكبيرة متعددة الأوجه.

من خلال استعراضنا للوضع العام لحالة الغذاء في المغرب من منظور شامل يأخد بعين الاعتبار الترابط القائم في السياسات الغذائية محليا وإقليميا ودوليا نكتشف بالملموس فشل النموذج النيوليبرالي المطبق منذ عقود غايته الكبرى هي المزيد من مراكمة الأرباح على حساب الطبقات والفئات الشعبية التي تعاني واقع الحيف والاضطهاد الاجتماعي بكل أشكاله.

6 توصيات جمعية اطاك المغرب

1-6 السيادة الغذائية هي البديل

يمكن تركيز بعض من عناصر إجابتنا عن السياسة الغذائية البديلة بالمنظور الشعبي التي ندافع عنها من داخل جمعية أطاك المغرب فيما يلي:

  1. اصلاح زراعي بديل
  2. الزراعة الايكولوجية
  3. ضرورة النضال لتحقيق السيادة الغذائية
  4. بديل زراعي شعبي ببلدنا

الاصلاح الزراعي الذي نريد:

   لا يجب أن يكون الإصلاح الزراعي مجرد سيرورة لتوزيع ملكية الارض، بل عليه أن يترافق مع تغييرات داخل النموذج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. يجب أن يترافق الإصلاح الزراعي مع سياسة السيادة الغذائية، أي حق الشعوب بتخطيط فلاحتها لتزويد جميع السكان بمواد غذائية وفيرة وذات جودة عالية وبأثمنة منخفضة وعلى مدار السنة[29]

    يعتبر حق كل الشعوب في الانتاج والسيادة على الغذاء وتطويره بما يراعي احترام الخصوصية الثقافية والانتاجية ضرورة لا محيد عنها لتحقيق حماية الثروات الطبيعية ومصلحة الأرض والمياه والبذور وكذا مصلحة من هم- هن تحت، التي يتم انتهاكها من طرف الحاكمين المحتلين لمراكز القرار عبر إملاءات دولية (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمات التجارة العالمية).

    إن الارض ليست سلعة، وتملكها واستعمالها يجب أن يعودا لمن يحرثها. لذلك فكل إصلاح زراعي لا يراعي هذا المنطلق يبقى مجرد شعار رنان يتم استعماله من مواقع السيطرة الطبقية لأصحاب القرار.

من أجل اصلاح زراعي بديل لابد من:

  • تبني إصلاح زراعي يقوم على نماذج تكنولوجية تسمح برفع الإنتاج دون انتهاك صحة الفلاحين والسكان وباحترام الثروات الطبيعية. ولا بد من خلق بنك للبذور تدعمه الدولة ويديره المنتجون ويراقبونه
  • إخضاع تطوير الإصلاح الزراعي، وكذا تنظيم العمل والإنتاج، وفقا لمبدأ المساعدة المتبادلة

والتعاون.

  • تطوير البنى التحتية بالقرى من قنوات للربط بالماء الصالح للشرب، الكهرباء، الصرف الصحي الطرقات، مؤسسات التعليم، المستوصفات الصحية وفضاءات الفن والإبداع..
  • استخدام الأراضي وتحديد المناطق الزراعية القروية التي لا يجب أن يشملها التوسع الحضاري.
  • اعداد قائمة بأنواع المنتوجات المحلية لتفادي فرض منتوجات غير تقليدية أو غير ملائمة للمناطق.[30]

   لتحقيق إصلاح زراعي حقيقي يضمن السيادة الشعبية للسكان على مواردهم الطبيعية لا بد من تبني مبادئ خاصة تنتصر للإرادة الجماعية للأغلبية الساحقة. في هذا الصدد نورد بعض من مبادئ الإصلاح الزراعي المقترحة لتحقيق التنمية المنشودة في مجال السياسة الغذائية في بلادنا ومن أجل السيادة الغذائية.

مبادئ الاصلاح الزراعي:

  • الأولوية لإنتاج مواد غذائية للقضاء على المجاعة وتحسين ظروف العيش والتغذية.
  • الحفاظ على الغابات القائمة وإعادة تشجير المناطق التي جرى اقتلاع أشجارها.
  • وقف تسديد خدمات الدين العمومي حتى يجري استخدام هذه المبالغ لتمويل الديون التييتحملها الفلاحون والسكان عموما.
  • حماية مياه الينابيع، الأنهار، السدود، البحيرات، ومحاربة خصخصتها وتسليعها.
  • تجنب الزراعة الأحادية التي تسبب الأضرار، وتجنب استخدام المنتجات السامة والضارة، والتعامل بصورة صحيحة مع النفايات ومكافحة أي نشاط ملوث للبيئة أو عنيف تجاهها.
  • النضال ضد الحيازات الكبرى من الأراضي، ورفض السياسات التي ينفذها البنك العالمي والشركات متعددة الجنسيات بشأن الإصلاح الزراعي، وشركات احتكار التكنولوجيا، وقطاع الفلاحة التجاري والصناعي الذي يستغلنا، والمؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي ومنظمة

التجارة العالمية ومجموعة السبعة الكبار التي تملي مبادئها التوجيهية فقط وفق مصالح القطاع المالي.

  • مواصلة تحسين معرفتنا بالطبيعة والزراعة، ونقلها إلى الشباب عن طريق تشجيعهم على البقاء

بالمناطق القروية.

  • الحد من سوء استخدام الأراضي لأغراض غير زراعية: كالمرافق السياحية، أو ملاعب الغولف رفض سياسة الاستيراد – بديلا عن الإنتاج المحلي – كونها تقوض أسس السيادة الغذائية.[31]

     إن سيرورة بناء سياسة غذائية تتبنى السيادة الشعبية وصيانة كرامة الشعوب يمر عبر إصلاح زراعي متكامل وشعبي، يعتمد على تكثيف الزراعة الإيكولوجية كشكل إنتاج يحترم الدورات الطبيعية وقادر على إبطاء تغير المناخ والحفاظ على التنوع البيولوجي والحد من التلوث.

الزراعة الايكولوجية

   تجد الزراعة البيئية جذورها في الزراعات الأولى للأجداد الذين كانوا يمارسون هذه الزراعة باعتبارها أنظمة للغذاء المحلي. هذه الأخيرة التي تشكل بديلا عن الزراعات التي تستنزف الموارد الطبيعية وتدمر أشكال الحياة البيولوجية للكائنات… وفيما يلي بعض من المقترحات والبدائل التي نقترحها فيما يخص نظام الزراعة البيئية في بلادنا:

  • ضمان الحقوق الجماعية للفلاحين وأسرهم بالأراضي، المياه والموارد الطبيعية، وتأمينها بما في ذلك الجانب القانوني، ورفض خصخصتها أو تسليعها.
  • حماية التنوع البيولوجي وبذور الفلاحين الصغار الأصلية والسلالات المحلية، ومنع القرصنة

البيولوجية للموارد الطبيعية، وخصخصة الأحياء، والنضال ضد محاولات الرأسمال لتملك الزراعة الإيكولوجية كوسيلة لتعزيز الكائنات المعدلة وراثيا، والتقنيات الحيوية الخطيرة الجديدة، والزراعة خارج التربة.

  • تعزيز أنظمة الأغذية المحلية المتنوعة، المغذية والعلاجية.
  • دعم مكانة النساء ومنحهن ما يلزم من قيمة، وكذا الشباب الذين يشكلون القاعدة الاجتماعية

الرئيسة لتطور وتطبيق الزراعة الإيكولوجية للمساهمة بالتحول الاجتماعي والبيئي لليوم وللغد.

  • إدراج الزراعة الإيكولوجية بالسياسات العمومية خصوصا بالزراعة، الصحة، التغذية، التعليم والبيئة وتقديم منتجات الزراعة الإيكولوجية بجميع أماكن تقديم الطعام الجماعية.[32]

الزراعة البيئية فلسفة بديلة للمزارعين الصغار ضد النموذج الانتقائي النيو ليبرالي السائد، إنها بديل يتضمن رؤية شاملة اقتصادية، اجتماعية، سياسية وبيئية. يحد نموذج الفلاحة الإيكولوجية التي تشكل أساس السيادة الغذائية من استعمال الغازات الدفيئة والمحروقات ويغذي البشرية، وهو الحل ضد احترار المناخ.[33]

 ضرورة النضال لتحقيق السيادة الغذائية:

  يمر الطريق نحو تحقيق السيادة الغذائية في بلادنا عبر محطات من النضال والمقاومة الشعبية تنبني من الأسفل عبر ايجاد وابداع أشكال التنظيم الذاتي، ضدا في نمط التنظيم السائد. من هذا المنطلق الذي يشترك فيه كل منهم- هن في الأسفل يجب العمل على تشكيل تحالفات حقيقية وديمقراطية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.

   لا يمكن اختزال  السيادة الغذائية فقط في تلبية استهلاك محلي بمنتوجات محلية وصحية كما أنها لم تعد مجرد مطلب، إنها مفهوم في قلب النضال، ثوري، شامل، تحرري، مستقل، يدفع نحو التغيير، متعدد التخصصات والأبعاد وديمقراطي بالعمق. والأكثر من هذا، فالسيادة الغذائية لا تخص أوساط الفلاحين وحدهم، بل تسير أبعد من ذلك، وتحمل بطياتها، انطلاقا من المسائل الزراعية والغذائية، الأسس الضرورية لبناء مجتمع آخر، وطريقة أخرى للعمل وتصورنا لحياتنا المشتركة بالمجتمع. فالسيادة الغذائية تندرج في دينامية وفي سيرورة تكتسب ولا تقرر بمراسيم.[34]

   من أجل بديل زراعي شعبي ببلادنا نقترح في جمعية أطاك المغرب خطوات آنية وملموسة نلخص بعض منها في مايلي:

  • تشبيك ضحايا نزع ملكية الأراضي على المستويات المحلية والوطنية، وخوض أشكال نضالية من مسيرات واعتصامات ضد مافيا العقار.
  • توحيد المتضررين من السياسات الحكومية لتدبير مصادر المياه، وتنظيمهم.
  • توسيع التضامن والمقاومة ضد جميع أشكال نهب الثروات
  • تحفيز النضال الميداني الواعي لجميع الفئات المتضررة الكادحة من السياسات النيوليبرالية

المطبقة.

  • تأسيس لجان محلية لدعم الفالحين الصغار والعمال الزراعيين وعائلاتهم، ودعم

مطالبهم بالحق بالتنظيم، وتوسيع تضامن النقابات ، وتحميل المسؤولية للأحزاب والمجتمع المدني بتحسيس الفلاحين ومساندتهم.

  • تفعيل شبكة شمال إفريقيا للسيادة الغذائية والعمل على توسيعها.[35]

أسس بديل زراعي شعبي ببلدنا

لا يمكن تحقيق بديل زراعي شعبي ببلادنا دون:

  • تطبيق سياسة الحمائية لفائدة المنتجات المحلية ضد غزو المنتجات الأجنبية
  • تدعيم الإنتاج الموجه نحو تلبية الاحتياجات المحلية الأساسية
  • تدعيم هذه الزراعات بالنباتات النافعة للتنوع الزراعي للإنسان والحيوان
  • اعتماد تنوع الزراعات والتناوب والتكامل الزراعيين على نفس الأراضي
  • حماية الواحات والمراعي الجماعية وتشجيع الفالحة المعيشية الطبيعية والحفاظ على الإرث الغابوي
  • الدفاع عن الإرث الإيكولوجي واحترام أعراف وتقاليد وخصوصيات كل منطقة وقبيلة
  • ضرورة تنظيم الفلاحين الصغار ذاتيا للدفاع على حقوقهم وحثهم على الاهتمام بالزراعات المعيشية المحلية غير المستنزفة للمياه.
  • تمكين الفلاح الصغير من السيادة على أرضه.
  • ضمان حق الفلاح الصغير في اختيار نوع الزراعة والبذور
  • تمكين الفلاحين الصغار من حقوقهم العادلة بتوزيع الأرض والثروات الطبيعية والثروة الغابوية
  • وضع آليات اطلاع السكان على مداخيل الثروات الطبيعية لمناطقهم
  • ضمان حقوق السلاليين والسلاليات على أراضيهم.
  • إجراء تحقيق بشأن تواريخ التحفيظ العقاري خاصة الملك الغابوي تحت رقابة السكان ووضع جرد لجميع الأراضي المستولى عليها
  • تنظيم حراسة ذاتية من قبل القبائل والسكان للأرض والغابة والموارد[36]

  هذه بعض المقترحات الآنية التي نقترحها فيما يخص أسس البديل الزراعي الذي يحقق السيادة الغذائية ويضمن حق الفئات الشعبية المتضررة من النمط الانتاجي الزراعي السائد في بلادنا.

   ان طرح البدائل الشعبية التي تراعي مصلحة الارض ومن هم/ن في الأسفل كانت و لا تزال من صميم أهداف اشتغالنا داخل جمعية أطاك المغرب هاته البدائل والتوصيات التي تنتصر للفئات الشعبية من صغار العمال والفلاحين الصغار والعمال الزراعيين.

بقلم/ إبراهيم الحاتمي

عضو أطاك المغرب

28 يناير 2023


[1]  Ali m :  Paysanneries souverainté alimentaire et environnement : interview de habib Ayeb le 4 mars 2018 à Tunis : observatoire de la Souveraineté Alimentaire et de l’environnement 2018

[2] الفلاحة التصديرية تقوض السيادة الغذائية وتحاصر صغار الفلاحين في تونس والمغرب، ملخص لبحثي مجموعة العمل من أجل السيادة الغذائية تونس، وجمعية اطاك المغرب ص8 

[3]  لافيا كامبسينا: اعلان منتدى نيليني الصيغة الفرنسية للإعلانhttps:// nyeleni.org/IMG/PDF/declarationfinalmars.pdf ‘’

[4] مرجع سابق ” الفلاحة التصديرية تقوض السيادة الغذائية وتحاصر صغار الفلاحين في تونس والمغرب، ملخص لبحثي مجموعة العمل من أجل السيادة الغذائية تونس، وجمعية اطاك المغرب

مذكرة عامة حول تقرير “اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي” 5
من أجل مغرب آخر ممكن، واقتصاد يقطع مع النموذج الرأسمالي النيوليبرالي

https://bit.ly/3uqD7uq

[6] ” تقرير الأمن الغذائي بالمغرب

[7]  تقرير حالة الأغذية و الزراعة في العالم 2014

https://shortest.link/fpCy

[8] الفاو: أوضاع المزارعين الأسريين ودورهم في القضاء على الجوع رابط النص الأصلي بالإنجليزية: https://shortest.link/eHiJ

[9]  مرجع سابق

https://shortest.link/eHjV

[10]توماس بيوتللر: من هم المزارعين الصغار؟  تاريخ النشر 1 نوفمبر 2017 الرابط الأصلي للمقال باللغة الألمانية:

https://shortest.link/eHkh

[11] مرجع سابق https://shortest.link/fppI

[12] – أطاك المغرب: دفاعا عن السيادة الغذائية بالمغرب. مرجع سابق.

[13] –      دخل الاسر المستوى والمصادر والتوزيع الاجتماعي     https://shortest.link/fpuz

[14] ورد في تقرير منظمة الفاو “حال انعدام الأمن الغذائي في العالم”، للعام 2012 التالي: «لا يزال عدد الجياع في العالم مرتفعًا بشكل غير مقبول بعدما بلغ عدد من يعانون من نقص مزمن في التغذية 870 مليون نسمة ما بين 2010– 2012. ويعيش القسم الأكبر منهم في البلدان النامية حيث يقدّر عدد ناقصي التغذية بزهاء 850 مليون نسمة أي أقل بشكل طفيف من 15 % من السكان”.

[15] منظمة الأغذية والزراعة: حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم. طبعة 2022. https://www.fao.org/documents/card/en/c/cc0639en

[16]جمعية أطاك المغرب: الأزمة الغذائية ف العالم ومقترحات الخروج منها، تاريخ النشر 6 سبتمبر 2022 رابط المقال:

https://shortest.link/eHpv

[17] أريك توسان: مرة أخرى عن أسباب أزمة الغذاء منشور على موقع CADTM بالفرنسية رابط المقال الأصلي:

https://shortest.link/fpv3

[18] يؤكد صندوق النقد الدولي: “إن الازدهار الحالي، الذي هو أكثر عمومية وطويل من المعتاد، يتناقض بشكل حاد مع الاتجاه التنازلي لمعظم السلع في الثمانينيات والتسعينيات. لا تزال الأسعار الحقيقية أقل بكثير من المستويات التي شهدناها في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. رابط النص الأصلي باللغة الفرنسية:

www.imf.org/external/pubs/ft/fandd/fre/2008/03/pdf/helbling.pdf

[19] مرجع سابق

https://shortest.link/fpvt

[20] امنة المرنافي: كيف تهدد الحرب بين روسيا وأوكرانيا الأمن الغذائي التونسي، 23 مارس 2023 رابط المقال: https https://shortest.link/fpvK

[21] برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة: أزمة غذائية متفاقمة تلوح في الأفق في السودان وسط تدهور اقتصادي وحالات

نزوح وفقد للمحاصيل، تاريخ النشر 23 مارس 2022 رابط النص:  https://shortest.link/eHrh

[22] مرجع سابق https://shortest.link/fpwN

 [23]فريد بالحاج و ايت سليمان :  الأمن الغذائي مشكلة تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ولكن هناك سبلاً لعلاجها. تاريخ النشر سبتمبر 2021، رابط المقال:  https://shortest.link/fpx2

[24]  رابط الرسوم البيانية: https://shortest.link/eHND

[25] بيانات من مكتب الصرف الأجنبي

https://shortest.link/fpFer

[26] https://bit.ly/3gQqJAJ،  

[27] https://snrtnews.com/article/60022،

[28]  سعيد ولفقير: في المغرب الأرض المثمرة للمزارعين الكبار وعناد السماء للفلاحين الصغار

[29] دراسة أطاك المغرب ” السيادة الغذائية’ الفصل السادس الصفحة 168

[30]  مرجع سابق ”دراسة أطاك المغرب حول السيادة الغذائية”

[31] مرجع سابق ” دراسة أطاك المغرب حول السيادة الغذائية

[32]  نفسه ص171  ”دراسة أطاك المغرب حول السيادة الغذائية”

[33] كتاب الارض و الحرية من أجل تحقيق السيادة الغذائية ص 34 استجواب مع بول نيكلسون أحد نشطاء فيا كامبسينا الرئيسين

[34] . جولي دوشتيل. مديرة مناصفة لمركز ستيم. في مقدمتها لكتاب ” الارض والحرية. من أجل تحقيق السيادة الغذائية ص8

[35]  مرجع سابق  ”دراسة أطاك المغرب حول السيادة الغذائية”

[36] مرجع سابق  ”دراسة أطاك المغرب حول السيادة الغذائية”

زر الذهاب إلى الأعلى