المخططات الليبراليةالمكتبةكتب وكراريسملفات دراسية

الحلقة السابعة من سيرورة إرساء وتطور السياسات التعليمية بالمغرب: الميثاق والإجهاز على المجانية والمساواة وتكافؤ الفرص

الحلقة السابعة

  • الميثاق والإجهاز على المجانية والمساواة وتكافؤ الفرص

يبقى طرح السؤال مشروعا، هل بفتح مدرسة على محيط أساسه اللامساواة وانعدام الفرص، محيط جرت خصخصة كل شيء فيه، يمكن ضمان المجانية وتكافؤ الفرص والمساواة؟ هل سيادة منطق المدرسة/المقاولة يؤسس لتعليم مجاني؟ هل فتح المجال واسعا للقطاع الخاص للاستثمار في التعليم يبقي على أمل ما في المساواة وتكافؤ الفرص؟ ….

تنص المادة 163 من الميثاق على أنه “يعد قطاع التعليم والتكوين الخاص، شريكا وطرفا رئيسيا، إلى جانب الدولة، في النهوض بنظام التربية والتكوين وتوسيع نطاق انتشاره والرفع المستمر من جودته..” وتوصي المادة 165 المتعلقة بالتعليم الخاص بحزمة من الإجراءات الامتيازية، كتقديم إعفاءات ضريبية ووضع “الموارد البشرية” رهن إشارته بل تقديم منح له.

الإطار رقم 03

المادة 165 من الميثاق الوطني للتربية والتكوين

165تشجيعا لاضطلاع القطاع الخاص بدوره كاملا على مستوى التعليمين الثانوي والجامعي، تتخذ الدولة، وفق المادة 164 أعلاه، الإجراءات الآتية: أ –      وضع نظام جبائي ملائم ومشجع للمؤسسات الخاصة لمدة يمكن أن تصل إلى عشرين عاما, شريطة التجديد السنوي للامتيازات الضريبية، في ضوء التقويم المنتظم للنتائج التربوية للمؤسسة المستفيــدة ولتدبيرها الإداري والمالي ب –     تشجيع إنشاء المؤسسات التعليمية ذات النفع العام التي تستثمر كل فائضها في تطوير التعليم ورفع جودته، وذلك بإعفائها كليا من الضرائب. ويمنح هذا التشجيع شريطة خضوع المؤسسات المعنية للمراقبة التربوية والمالية الصارمة، كما يتم التجديد السنوي لهذا الامتياز في ضوء تقويم المؤسسة ج –     أداء منح مالية لدعم المؤسسات الخاصة ذات الاستحقاق، على مستوى التعليم الأولي، حسب أعداد الأطفال المتمدرسين بها، وعلى أساس احترام معايير وتحملات محددة بدقة د –     تكوين أطر التربية والتكوين والتسيير وجعلها رهن إشارة المؤسسات الخاصة ذات الاستحقاق بشروط تحدد بمقتضى اتفاقية للشراكة ودفتر تحملات مضبوط هـ –    استفادة الأطر العاملة بالقطاع الخاص من أسلاك ودورات التكوين الأساسي والمستمر المبرمجة لفائدة أطر القطاع العام، وفق شروط تحدد كذلك ضمن اتفاقيات بين السلطات الوطنية أو الجهوية المشرفة على هذه البرامج وبين المؤسسات الخاصة المستفيدة.

لا يشكل دعم التعليم الخاص وفتح المجال له الوجه الوحيد لإنهاء مجانية التعليم، بل إن الميثاق قد طمح لإدخال رسوم التسجيل السنوية (التي يمكن تأديتها على أقساط شهرية) في التعليم العالي بعد ثلاث سنوات وكذلك الثانوي بعد أربع إلى خمس سنوات من صدور الميثاق (المادتان 174 و175).  لقد غلف الميثاق توجهه [نحو إقرار ما سماه إسهام الأسر] بالقول: “يراد منه بالأساس جعلها شريكا فعليا، ممارسا لحقوقه وواجباته في تدبير وتقويم نظام التربية والتكوين وتحسين مردوديته”[1]، حيث يستشف المنظور المقاولاتي للعلاقة بين عارض الخدمة والزبون، يحق لنا هنا أن نتساءل عن مدى مشاركة الأسر التي يدرس أبناؤها في التعليم الخاص (أي يؤدون تكاليف الدراسة) في “تدبير وتقويم” تلك المؤسسات؟ اللهم إذا اعتبرنا عمليات نقل الابناء من هذه المدرسة إلى تلك المنافسة لها، بعد عدم اقتناعهم ب”عرضها” التربوي، مساهمة في “تدبير وتقويم” تلك المؤسسات. وبالفعل هذا هو المطلوب في النهاية، وضع المؤسسات (نقصد هنا العمومية) في حالة تنافس “تجاري” بينها على جلب زبناء، هكذا سـ”تمنح تدريجيا للثانويات صفة (مصلحة تابعة؟ للدولة تسير بطريقة مستقلة SEGMA)”[2] لكي تستطيع القيام بمهام استقبال مساهمات الأسر (رسوم التسجيل والدراسة) والخضوع لأدوات تقويم خارجي مطلوب من المقاولات المساهمة فيه[3]. يمثل تحويل المستشفيات العمومية إلى نظام SEGMA وإقرار تعريفات أداء الخدمات الاستشفائية بها “كمدخل الرفع من جودتها” مثالا حيا لمصير هاته المنهجية، حيث اتجهت تلك المستشفيات ومعها كل النظام الصحي بالمغرب رأسا نحو الحضيض.

تندرج محاولة إقرار رسوم التسجيل (ولاحقا الدراسة) في المنطق التقشفي الرامي لتحميل المواطنين (الأجراء وصغار المنتجين) نفقات تعليم أبنائهم، كما تستلهم منطق “الرأسمال البشري” الذي يعتبر أن التعليم استثمار يقيمه الفرد لتطوير إمكاناته كرأسمال بشري بصورة تزيد من فرص ارتقائه المهني. وبالتالي فعلى الدولة (ممثلة الجهد الجماعي) أن ترفع يدها عن كل طموح فردي للارتقاء، وتجعله رهينة قدرة الفرد على القيام بالاستثمار في ذاته أو القيام باختيارات اخرى كدخوله سوق الشغل بمؤهل تعليمي مُتدنٍّ. إن التعليم ضمن هذا المنطق الليبرالي مثله مثل الدين في دولة علمانية، شأن خاص. إن هذا المنطق هو ما يعنيه الميثاق بتكافؤ الفرص..

بإجهازه على منظور توحيد المدرسة، وفتحه المجال لتشظي المنظومة [عبر فتح المجال للتعليم الخاص وتفتيت منظومة التعليم عبر إعادة تعريف وظائف الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين وجعلها سلطات جهوية للتربية والتكوين (اللامركزية)] أجهز الميثاق على أمل تحقيق المساواة أمام المدرسة. فاتحا المجال لقيام لا مساواة تتعمق بتعمق الفارق بين مدرسة الفقراء (المدرسة العمومية الخاضعة لشتى صنوف الإجراءات التقشفية) والمدارس الخاصة (التي تتفاوت مستويات “جودتها” بحسب قدرة زبنائها على الدفع)، كما بين الجهات الفقيرة والجهات الأكثر غنى.

لم ينس الميثاق العتيد أن يخضع الطلبة للمنطق الليبرالي الجديد للنظام التربوي المغربي المنشود، وخصص لهم مادة تضمن بقاءهم تحت رحمة البنوك منذ نعومة أظافرهم ” يحدث نظام للقروض الدراسية، بشراكة بين الدولة والنظام البنكي، يمكن الطلبة وأولياءهم من أداء رسوم التسجيل بالقطاعين العام والخاص، بشروط وتسهيلات جد تشجيعية”[4] ، أليسوا رأسمالا بشريا؟

تمثل حجة ضخامة الإنفاق العمومي على التعليم بالمغرب حجة أساس للسعي نحو تحميل الأسر أكلافه كليا (التعليم الخاص) أو جزئيا (مساهمة الأسر في الثانوي والعالي)، لكن هذه الحجة لا تصمد كثيرا، فالمبيان أدناه، يبين أن المغرب لا ينفق بالمقارنة مع دول المنطقة الكثير من ناتجه الداخلي الخام على القطاع.

مبيان رقم 3

الإنفاق العمومي على التعليم نسبة للناتج الداخلي الخام بدول MENA [5

بينما اتجه الإنفاق الفعلي على التعليم للانخفاض بالمغرب، حيث أن الكلفة الفردية بقيت في مستويات أدنى من مستويات سنوات تطبيق التقويم الهيكلي، وحتى الارتفاع الذي جرى تسجيله في الثانوي لا يمكن عزوه لارتفاع في الإنفاق الموجه للتلاميذ، بل فقط لارتفاع في أجور الأساتذة نتيجة نيل بعض حقوقهم في الترقية.

جدول رقم 15

تطور الكلفة الفردية للتعليم بمختلف أسلاكه بين 1990 و2006 (بالدرهم الثابت لسنة 1990)[6]

200620052004200320022001200019951990السلك 
17251714,41546,31834,51800174617301577,42075الابتدائي 
36223886,13816,4388035413528,43559,13042,82472الإعدادي 
7650,88067,27841,57060,37239,47114,96803,664927681الثانوي 
9334,19844,48392,29863,410427,110815,6978081139926العالي 

وإذا اكتفينا بمقارنة أرقام 1990 و2006 سنجد تقهقرا واضحا في التكاليف الفردية للتعليم، حيث انخفضت في الابتدائي بنسبة 17% وانخفضت في الثانوي بنسبة 1% وبالنسبة للعالي انخفضت بنسبة 6% بينما ارتفعت في الإعدادي بنسبة 32%. ولفهم هذه النسب وجب ربطها بعامل أساسي هو تطور أجور الموظفين (لا يعتبر ذلك التطور رفعا في أجورهم، بل فقط نتيجة ترقيات تنص عليها الأنظمة الأساسية للتعليم)، وهذا ما يعني أن الانحدار فيما يصل للتلاميذ من اكلاف (البنايات والوسائل التعليمية وتكوين المدرسين المستمر والإطعام والداخليات والنقل المدرسي…) كان شديدا. وهو ما يجعل من رفع أعداد الوالجين للتعليم مرادفا لتدهور شديد في شروط تعلمهم. أما تفسير ارتفاع الكلفة في الإعدادي فيعزى بالإضافة لمسالة الترقية، إلى تقليص عدد سنوات الدراسة فيه مما انعكس على نسبة التأطير (نسبة التلاميذ للأساتذة)، ولا علاقة له بتحسين في الشروط الفعلية للتعلم.


[1] اللجنة الخاصة للتربية والتكوين، الميثاق الوطني للتربية والتكوين/ المادة 173.

[2] اللجنة الخاصة للتربية والتكوين، الميثاق الوطني للتربية والتكوين/ المادة 149.

[3] اللجنة الخاصة للتربية والتكوين، الميثاق الوطني للتربية والتكوين/ المادة157 .

[4] اللجنة الخاصة للتربية والتكوين، الميثاق الوطني للتربية والتكوين/ المادة 178.

[5] المصدر: تقرير البنك العالمي

L’éducation au Moyen Orient et Afrique du nord : Une stratégie pour mettre l’éducation au service du développement/page 23

[6] Brahim cheddati /Instance nationale d’évaluation du système de l’éducation, de la formation et de la recherche scientifique/financement et cout éducation au maroc/ page 22

زر الذهاب إلى الأعلى