CADTMحركة عولمة بديلة

نيكاراغوا: تطور نظام الرئيس دانييل أورتيغا منذ 2007

نيكاراغوا: تطور نظام الرئيس دانييل أورتيغا منذ 2007
25 يوليو 2018
إريك توسان

الكاردينال اوباندو إي برافو والزوج الرئاسي روزاريو موريللو ودانيال أورتيغا
من أجل الظفر بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2006، نجح دانيال أورتيجا في جعل مسألة انتخابه رئيسا مقبولة من قبل الطبقات الحاكمة وخاصة غرفة أرباب العمل COSEP، وقيادة الكنيسة الكاثوليكية ممثلة في الكاردينال اوباندو إي برافو، والرؤساء السابقين أرنولدو أليمان وإنريكي بولانيوس، وصندوق النقد الدولي. كما بذل دانيال أورتيجا قصارى جهده للحفاظ على دعم مجموعة من قادة المنظمات الشعبية الساندينية. نجح في ذلك، ومازال الأمر مستمرا حتى اليوم. فهؤلاء القادة يعتبرون أورتيجا حاميا لسلسلة مكاسب حققتها هذه المنظمات وخاصة لقياداتها.
إن ما حصل عليه دانييل أورتيغا بين 2007 و2018 يذكرنا بما حققه الحزب الثوري المؤسسي في المكسيك خلال الستينيات والسبعينيات (انظر الإطار الخاص بنظام الحزب الثوري المؤسسي). دافع عن مصالح الرأسمال الكبير، وفتح الاقتصاد بشكل واسع في وجه المقاولات الأجنبية الكبرى، وحافظ على علاقات جيدة مع صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والمنظمات متعددة الأطراف الأخرى. قام بذلك كله وقد ضمن مساندة مجموعة من المنظمات الشعبية التي يمارس عليها نفوذًا قويًا، وحافظ على سياسة حد أدنى من المساعدات الاجتماعية (الدعم المالي والمادي للأكثر فقراً دون مكافحة أسباب الفقر الهيكلية) التي سمح بها في نفس الوقت الوضع الاقتصادي الدولي الملائم للصادرات والمساعدة القادمة من فنزويلا. وعلى غرار ما قام به الحزب الثوري المؤسسي في 1968، لم يتردد أورتيجا في استخدام العنف ضد الاحتجاجات الاجتماعية. لكن القمع الذي لجأ إليه في 2018، نسبة الى حجم السكان، كان على نطاق أوسع مما فعله الحزب الثوري المؤسساتي. وعلى غرار هذا الأخير في تلك الفترة، ما زال أورتيجا يتمتع بدعم عديد من الحكومات المناهضة للإمبريالية (كوبا وفنزويلا وبوليفيا) وجزئا من اليسار الأمريكي اللاتيني. إلى متى يمكن أن يدوم ذلك؟ سيعتمد ذلك على عدة عوامل منها حجم الأزمة الاقتصادية الذي يقلل من هامش نهج سياسة توزيع بعض الفتات للأشد فقراً، ومدى قدرة الحركات الاجتماعية واليسار الجذري في نيكاراغوا على التغلب على فقدان البوصلة، وتوسع الاشمئزاز من النظام، ووحشية القمع، وفقدان مصداقية الساندينية والاشتراكية جراء المسخ الذي يمثله نظام دانيال أورتيغا وروزاريو موريللو، وقدرة اليسار الأممي على التغلب على فقدان البوصلة.

إطار: نظام الحزب الثوري المؤسساتي في المكسيك

تمكن الحزب الثوري المؤسساتي ، الذي نشأ سنة 1946، ابتداء من سنوات 1950-1960، من حرف وتضليل ما تبقى من الثورة المكسيكية لسنوات 1910-1920 ومن الإنجازات الاجتماعية العظيمة التي تحققت خلال فترة رئاسة لازارو كارديناس بين 1934 و 1940 ( تأميم النفط والسكك الحديدية، ومصادرة 16 مليون هكتار من كبار ملاكي الأراضي الأجانب أو المحليين، وإعادة توزيع هذه الأراضي على القبائل “الهندية” الأصلية لاستخدامها الجماعي، والانتصار على الديون – تخفيض بنسبة 90 ٪ – المستحقة للبنوك الأمريكية في المقام الأول – (انظر اريك توسان، نظام الديون بالفرنسية، الفصل11، صفحات 242-243). احتكر الحزب الثوري المؤسساتي السلطة وأحاط نفسه بمجموعة من الأحزاب الدائرة في فلكه. كان يسيطر على النقابات العمالية ونقابات الوظيفة العمومية بالإضافة إلى معظم منظمات المزارعين. كان يسيطر على جميع أجهزة الدولة وبعض الصناعات الاستراتيجية ووسائل الإعلام. قمع بشدة انتفاضة الطلاب في 2 أكتوبر 1968 متسببا بمذبحة تلاتيلولكو. لم يتم أبدا الكشف عن عدد القتلى بشكل دقيق. يفيد مصدر جدي بلوغ نحو 300 قتيل. لم تعترف حكومة الحزب الثوري المؤسساتي إلا بما يقرب ثلاثين قتيلا، وهذا ليس مقنعا. في أعقاب حملة القمع التي جرت في 1968، قام الحزب الثوري المؤسسي بتصفية مئات المناضلين اليساريين وعمم الاختفاء القسري من أجل البقاء في السلطة. واستخدم المجموعات شبه العسكرية لتنظيم القمع وتنفيذ الإعدامات. وبدءا من الثمانينات، أجهز تدريجيا على عديد من المكاسب الاجتماعية التي بقيت منذ الفترة الفاصلة بين 1910-1940. وباعتباره حزبا/دولة، اعتمد توصيات “اجماع واشنطن”، وخصخص القطاع العام على نطاق واسع، وبدأ عملية تحرير قوية للأسواق في المكسيك.
ورغم القمع الذي كان ينهجه، نجح الحزب الثوري المؤسسي في الحصول على صمت محرج من عدة حكومات وأحزاب يسارية في أمريكا اللاتينية حتى التسعينيات، لأنه كان له مصالح تختلف عن مصالح واشنطن في بعض الجوانب بعضها مهم.
لفهم الطبيعة المعقدة لسياسة الحزب الثوري المؤسساتي في السلطة وعلاقتها الخاصة مع اليسار الأمريكي اللاتيني، من المفيد أن نقدم بعض الأمثلة. قطع الرئيس ايشيفيريا (1970-1976)” ذي التوجه العالم ثالثي” العلاقات مع ديكتاتورية بينوشي واستقبل المئات من المناضلين الشيليين المضطهدين. ومنح أيضا اللجوء لنشطاء سياسيين يساريين من الأرجنتين وأوروغواي والبرازيل. ولكن في الوقت نفسه، كان ايشيفيريا (الذي كانا متعاونًا مع وكالة المخابرات المركزية) يطبق لأول مرة بطريقة واسعة سياسة الاختفاء القسري للقضاء على المقاتلين المكسيكيين. والحال أن السياسات التقدمية مثل استقبال المنفيين من اليسار الأمريكي اللاتيني تقود قسما من اليسار إلى عدم انتقاد نظام الحزب الثوري المؤسساتي. وهكذا، عندما شاركت الناشطة في مجال حقوق الإنسان، روزاريو إبارا (التي عمل الحزب الثوري المؤسسي على إخفاء ابنها في ابريل 1975) كمنشطة للجنة أوريكا في اجتماعات اتحاد عائلات المفقودين في أمريكا اللاتينية، انتقدتها بشدة أمهات المفقودين في المخروط الجنوبي (الأرجنتين وشيلي وأوروغواي، إلخ)، وخاصة النساء الشيليات، اللواتي رفضن إدراج المكسيك في قائمة الأنظمة التي تمارس الاختفاء القسري. لم ترغب المناضلات الشيليات في الإشارة الى نظام الرئيس لويس ايشيفيريا، خاصة لأنه منح اللجوء إلى قادة ونشطاء حزب الوحدة الشعبية الفارين من ديكتاتورية بينوشي. وفي وقت لاحق، كانت الحكومة المكسيكية من بين الحكومات الأولى التي اعترفت بنظام الساندينيين الذي أطاح بديكتاتورية سوموزا. كما أيدت عملية التفاوض بين رجال حرب العصابات السلفادوريين والنظام القائم. وكانت الحكومة المكسيكية قد سمحت سابقا لفيديل كاسترو ورفاقه، ومنهم راؤول كاسترو وتشي، بالتدرب في مكسيكو قبل إطلاق حملتهم ضد نظام باتيستا في نوفمبر 1956 منطلقين من شواطئ المكسيك على متن قارب غرانما. دافع النظام المكسيكي عن النظام الكوبي ضد الولايات المتحدة بعد انتصار الثورة في 1959.
عمدت حكومة الحزب الثوري المؤسسي التي يرأسها كارلوس ساليناس دي غورتاري (من 1988 حتى نهاية 1994) إلى قمع الانتفاضة الزاباتية ابتداء من يناير 1994. وبدأ احتكار الحزب للسلطة يتهاوى مع الأحداث المأساوية لزلزال 1985 الذي ضرب مدينة مكسيكو بشدة. كان على المجتمع أن ينظم نفسه في مواجهة تقاعس الحكومة خلال الكارثة الطبيعية، وهو ما أفضى الى وعي اجتماعي وسياسي جديد. كانت الفجوة الحاسمة في احتكار الحزب الثوري المؤسساتي واضحة في انتخابات حاكم مدينة مكسيكو في 1997، عندما تم انتخاب كواوتيموك كارديناس (ابن لازارو كارديناس) حاكما كمرشح لحزب يعارض الحزب الثوري المؤسسي.
عاد الحزب الثوري المؤسسي إلى السلطة في 2012. وفي يوليو 2018، فاز المعارض أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، زعيم مورينا، وهو تنظيم من الوسط اليساري، في الانتخابات وأصبح رئيسًا.

دعونا نعود إلى ما حدث منذ فوز دانييل أورتيغا في الانتخابات في نوفمبر 2006 وبداية رئاسته عام 2007. وكما تقول مونيكا بالتودانو، القائدة العسكرية الثورية السابقة: “في سنة 2007، مع وصول أورتيجا إلى الرئاسة، تجلى بشكل بديهي الاتجاه الذي يسير فيه بكل وضوح. فالبراغماتية الاقتصادية التي أظهرتها الجبهة فيما يتعلق بالخصخصة والسياسات النيوليبرالية صارت تتوسع كليا. وهنا بدأت مرحلة جديدة دخل فيها أورتيجا سيرورة تقارب مع الدعامة الأخرى للنظام في البلاد: المقاولون الكبار المنظمون في المجلس الأعلى للمقاولة الخاصة(COSEP) . وهكذا حدث التكافل بين أورتيجا والرأسمال الكبير المحلي. وأنا لا أسمي ذلك تحالفا: إنه تكافل، لأن ما يحدد طبيعة النظام الحالي، هو أن مهمته الرئيسية تكمن في تعزيز وخلق شروط اقتصاد السوق وتقوية رأس المال الكبير، مع توزيع الفتات على الفقراء لكي يظلوا هادئين. (…) فأورتيغا وجماعته ليسوا متناغمين مع رأس المال الكبير لأسباب تكتيكية، إنهم مع الرأسمال الكبير لأنهم صاروا الآن هم أنفسهم مجموعة رأسمالية كبيرة. وتمثل الحكومة اليوم تآلف المصالح هذا بين الأوليغارشية الساندينية الجديدة والأوليغارشية التقليدية والرأسمال الكبير متعدد الجنسيات» .

رفض دانييل أورتيغا التشكيك في شرعية ديون نيكاراغوا وجدد الاتفاقات مع صندوق النقد الدولي

حتى بعد انتصار الثورة في يوليو 1979، قررت قيادة الساندينيين عدم التشكيك في سداد الدين الذي أبرمته سلالة سوموزا. والحال أن هذه المديونية استوفت المعياران اللذان تجعلهما دينا كريها وبالتالي رفض سدادها: فهي لم تفد البلد والدائنون يعرفون ذلك لأنهم كانوا متواطئين بشكل مباشر مع نظام سوموزا الفاسد . أكثر من ذلك، وهذا ليس ضروريا لوصف هذا الديون بأنها كريهة، ساعدت في تمويل ديكتاتورية مسؤولة عن جرائم ضد الإنسانية.
استعملت الديون التي راكمتها الحكومات اليمينية الثلاث المتعاقبة في الفترة ما بين 1990 و2007 في تمويل الإصلاحات النيوليبرالية المضادة والخصخصة والهجمات على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للسكان. وعلاوة على ذلك، كان من الممكن التحقق من أن هذا الدين قد غذى الفساد، وخاصة خلال ولاية أرنولدو اليمان (1997- 2002). كان بمقدور دانييل أورتيغا، بعد انتخابه رئيسا، – لو أراد ذلك – أن يستلهم المبادرة التي اعتمدها رئيس الإكوادور، رافاييل كوريا، الذي تم انتخابه أيضا في أواخر عام 2006. أقام رافائيل كوريا لجنة لتدقيق الديون في يوليو 2007 بمشاركة واسعة للمواطنين (بما في ذلك ممثلو الحركات الاجتماعية الذين ينتقدونه بشدة، مثل CONAIE و Ecuarunari . تمثلت مهمة اللجنة في تحديد الجزء غير الشرعي وغير القانوني للديون العمومية الداخلية والخارجية للإكوادور. واستناداً إلى عمل اللجنة، علقت حكومة الإكوادور، في نوفمبر / تشرين الثاني 2008، من جانب واحد تسديد ذلك الجزء من الديون التي تم تحديدها على أنها غير شرعية وغير قانونية من قبل لجنة التدقيق. ونتيجة لذلك، انتصرت الإكوادور في 2009 على الدائنين. وبالإضافة إلى ذلك، طردت الإكوادور الممثل الدائم للبنك العالمي في مايو / أيار 2007. كما طلبت الإكوادور من صندوق النقد الدولي مغادرة المكاتب التي كان يشغلها في عمارة البنك المركزي، وقررت عدم اللجوء إطلاقا للاقتراض من هذه الهيئة. كما ينبغي التذكير بأن بوليفيا، وبعدها الإكوادور وفنزويلا، قررت الانسحاب من هيئة التحكيم التابعة للبنك العالمي بشأن منازعات الاستثمار.
اتخذ دانيال أورتيجا موقفا مختلفا بالكامل: بذل كل ما في وسعه للحفاظ على علاقات جيدة مع صندوق النقد الدولي، وأكد إنه سيتابع الإصلاحات التي يطالب بها هذا الأخير. وتعهد بتوليد فائض أولي في الميزانية حتى يتمكن من الاستمرار في سداد الدين وخفض عجز الميزانية. ويعني السير في هذا الطريق رفض الاستجابة للمطالب المشروعة لعمال القطاع العام لزيادة رواتبهم، والتي كانت ولا تزال منخفضة بشكل خاص في التعليم والصحة .

زاد دانييل أورتيجا عدد اتفاقيات التجارة الحرة

عندما كان الجبهة الساندينية للتحرر الوطني في المعارضة، دفع دانيال أورتيجا، كزعيم رئيسي، المجموعة البرلمانية للتصويت في 2006 لصالح اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة. كانت هذه نقطة تحول أخرى في توجه الجبهة الساندينية للتحرر الوطني، وذلك لأنها سبق أن اتهمت حكومة الرئيس إنريكي بولانيوس بإخضاع نيكاراغوا لمصالح واشنطن الاقتصادية. رافق مصادقة برلمانيي الجبهة الساندينية للتحرر الوطني على هذه الاتفاقية دعمهم لتغيير سلسلة كاملة من التشريعات استجابة للشروط المسبقة التي فرضتها الولايات المتحدة. تمت الموافقة على معاهدات أخرى للتجارة الحرة بدعم من الجبهة الساندينية للتحرر الوطني كالمعاهدة مع تايوان (دخلت حيز التنفيذ سنة 2008)، وواحدة تتعلق بأمريكا الوسطى مع المكسيك (2011) وأخرى بين أمريكا الوسطى والاتحاد الأوروبي (2012).
عزز دانيال أورتيجا انفتاح نيكاراغوا على مصالح المقاولات الأجنبية في مجال الأعمال التجارية الزراعية والصناعات المعدنية والصيد البحري
قدم مرصد الشركات متعددة الجنسيات في أمريكا اللاتينية (OMAL) ، ومقره في بلاد الباسك والموجه بشكل واضح لصالح الدفاع عن مصالح الشعوب، دراسات مفصلة عن تواطؤ فريق دانييل اورتيجا مع الشركات متعددة الجنسيات على خطى أسلافه في الحكم.
تشير مونيكا بالتودانو إلى ذلك مضيفة شهادتها. فحسب مونيكا، كانت علاقات حكومة إنريكي بولانيوس مع الشركة متعددة الجنسيات الإسبانية “اونيون فنوزا” العاملة في قطاع الطاقة متوترة. وكان بولانيوس قد تقدم بشكاوى ضد “اونيون فنوزا” وحصل على اثني عشر حكما وغرامات فرضتها المحاكم على هذه الشركة. تقول مونيكا بالتودانو: “تم حل كل شيء مع حكومة أورتيجا. في نوفمبر 2007، بينما كان دانييل أورتيغا يلقي خطابًا عنيفًا ضد الشركات متعددة الجنسيات في القمة الأيبيرية الأمريكية في سانتياغو دي تشيلي، كان بايرو أرسي (رجل ثقة دانييل أورتيغا، وعضو سابق في القيادة الوطنية الذين استفادوا بشكل كبير من عملية البنياتا) مجتمعا في مدريد، في قصر مونكلوا، مع إدارة “أونيون فينوزا”. وبموجب “مذكرة التفاهم بين حكومة نيكاراغوا وأونيون فينوزا” – التي تمت المصادقة عليها من قبل الجمعية الوطنية (البرلمان) باعتبارها قانونا، في 12 فبراير 2009، وعدد من التشريعات تعطي مختلف الضمانات للشركة – تم بجرة قلم حذف كل ماضي النزاع، والتراجع عن جميع الأحكام القضائية، وجميع الشكاوى والغرامات المستحقة. بعد ذلك، صدرت عدة قوانين لصالح الشركة متعددة الجنسيات. لم تكن العلاقة مع الشركة متعددة الجنسيات الإسبانية لتوزيع الطاقة متينة مثل ما هي في عهد هذه الحكومة” .
وتضيف مونيكا أنه، تحت رئاسة دانييل أورتيغا، تصاعدت عمليات خصخصة قطاع الطاقة، وبالتالي خصخصة الموارد الطبيعية في نيكاراغوا لصالح الشركات متعددة الجنسيات ولا سيما تلك التي يستثمر فيها أورتيغا. تؤكد مونيكا بالتودانو على أن شركة B2Gold التي يوجد مقرها في كندا، تستحوذ بدعم من الحكومة على «الاستغلاليات المنجمية الرئيسية في البلد” ، مع عواقب سلبية على البيئة والمجتمعات المحلية. ومازالت مونيكا تدين اتلاف الغابات الذي سببتها التنازلات الممنوحة لـ “مافيات الخشب”.
تشرح مونيكا بالتودانو بالتفصيل كيف تمكنت شركة Pescanova متعددة الجنسيات من الحصول على مشاريع مربحة في ظل حكومة دانيال أورتيجا: “ونسوق هنا مثالا آخر، أقل شهرة، هو صيد الأسماك الذي تستحوذ عليه الشركة الإسبانية بيسكانوفا متعددة الجنسيات”. نشرت الباحثة الإسبانية ماريا ميستري في دياجونال (دجنبر 2010) تقريرا عن نشاط بيسكانوفا في نيكاراغوا . وصلت بيسكانوفا إلى نيكاراغوا سنة 2002، حيث اشترت شركة ألتراكونجيلادوس أنتاتريدا وهي شركة مجهولة الاسم، وتعد أكبر مصنع إسباني لتلفيف فواكه البحر، وتملك ثلث شركة نيكاراغوية لإنتاج القمرون في شينانديغا. وانطلاقا من ذلك، توسعت بيسكانوفا ليس فقط في إنتاج القمرون وإنتاج يرقات القمرون في المختبر، ولكن أيضًا في الحصول على عقود امتياز على مزيد من المساحات. إذا كانت بيسكانوفا تتوفر في سنة 2006 على 2500 هكتار، فإنها مع حلول سنة 2008 – تحت حكومة أورتيغا – ضاعفت هذه المساحة، وتسيطر على 58٪ من مساحة امتيازات الصيد، وعلى 82٪ بين يناير وأبريل 2009″ .

القناة الرابطة بين المحيطين


تم إعادة تنشيط هذا المشروع الذي يرجع تاريخه إلى أكثر من قرنين من الزمن من قبل حكومة دانييل أورتيغا. في 14 يونيو 2013، وافقت الجمعية الوطنية لنيكاراغوا بتصويت 61 مقابل 28 على قانون يمنح امتيازًا لمدة 50 سنة قابلة للتجديد للمجموعة الصينية HKDN “تطوير قناة نيكاراغوا”. قدرت التكاليف بمبلغ 50 مليار دولار، أي 41 مليار يورو. بدأ البناء في عام 2015 وكان من المقرر أن ينتهي في 2019 وأن يفتتح مع سنة 2020. وفي النهاية، تم تعليق المشروع بسبب إفلاس الشركة الصينية واختفاء مالكها.
تعارض المشروع منظمات بيئية وعلمية لكونه يمثل خطرا كبيرا وهو يعرض للتلوث بحيرة نيكاراغوا التي تعد بمثابة احتياطي هام للمياه العذبة الضرورية للتنوع البيولوجي وللمجتمعات المحلية التي تعتمد عليها لتأمين مياه الشرب وتستخدمها كذلك لري الأراضي الزراعية. وعلى المستوى الاجتماعي، سيتم ترحيل 25000 شخص.
المنع التام للإجهاض يدخل حيز التنفيذ في القانون الجنائي سنة 2008
كما ذكر في المقال السابق ، صوتت المجموعة البرلمانية الساندينية في 2006، جنبا إلى جنب مع النواب المحافظين، على قانون يمنع كليا الإجهاض. وبالضبط تحت رئاسة دانييل أورتيغا، الذي رفض التراجع، تم إدراج هذا المنع ضمن القانون الجنائي الجديد، الذي دخل حيز التنفيذ في يوليو 2008. هذا المنع لا يقبل أي استثناءات، بما في ذلك في حالة الخطر على صحة أو حياة الحامل، أو في حالة الحمل بعد الاغتصاب. تقول منظمة العفو الدولية: “بالنظر إلى ارتفاع معدل حالات الحمل بين المراهقات في نيكاراغوا، فإن نسبة كبيرة من النساء اللواتي يشملهن القانون الجديد تقل أعمارهن عن 18 عامًا. فإلغاء المقتضيات التي تجيز الإجهاض العلاجي يهدد حياة النساء والفتيات ويضع مهنيي الصحة في وضع لا يحسدون عليه”. فقبل اعتماد قانون الجنائي الجديد، كان الإجهاض “العلاجي” (في حالة الخطر على صحة المرأة الحامل أو في حالة الحمل بسبب الاغتصاب) قانونيًا وكان يعتبر شرعيًا وضروريًا، بموجب قانون صدر في عام 1893 في ظل حكومة زيلايا الليبرالية، والذي كان تتويجا أوليا لسيرورة بدأت منذ سنة 1837. إن حكومة تمثل فعلا المصالح الشعبية بإمكانها ان تصل لتتويج جديد على مستوى التشريع من خلال توسيع الحق في الإجهاض (على سبيل المثال من خلال السماح للمرأة الحامل أن تقرر بمفردها أياً كانت أسباب الحمل، وبإزالة الشروط التي يجب أن يتفق بموجبها ثلاثة ممارسين على إنهاء الحمل وأن على المرأة الحامل الحصول على إذن من زوجها أو من عائلته المقربين). بدلا من ذلك، قرر أورتيجا اتخاذ خطوة فظيعة إلى الوراء.
يصاحب هذا التشريع الرجعي اعتداءات خطيرة على منظمات حقوق المرأة، التي كانت من بين أكثر المنظمات نشاطًا في معارضة حكومة دانييل أورتيغا. وعلى وجه الخصوص، تعبأت MAM (الحركة المستقلة لنساء نيكاراغوا)، بشكل قوي ضد منع الإجهاض، ووجدت نفسها في مرمى سهام السلطات. كانت الحركات النسائية من ضحايا القمع الإداري والبوليسي والقضائي. من أجل إسكاتهن، حثهم دانييل أورتيغا وروزاريو موريلو على الانضمام إلى الحركة النسائية المرتبطة بالنظام. وفي تطور آخر للنظام مثير للقلق نددت موريللو بالحركة المستقلة لنساء نيكاراغوا وبالمساندة الخارجية التي تتمتع بها في نضالها من أجل الحق في الإجهاض معتبرا إياه من عمل الشيطان.

مقدمة مظاهرة 30 مايو 2018: حركة أمهات أبريل. لا المزيد من الاغتيالات! لا لمزيد من المجازر! نطالب بالعدالة!

اللجوء الى الدين

 


يلجأ دانييل أورتيغا وروزاريو موريلو بشكل منهجي إلى مرجعيات الديانة المسيحية معتقدان بشكل دائم بعمل الله الذي يقف إلى جانبهما. إن النظام الذي يقوده زوجان رئاسيان أدى إلى تراجع ايديولوجي عميق. في الاقتباس التالي، تظهر كلمات: الله، الشيطان، الإيمان، العدالة الإلهية، بأحرف غليظة لأنها في كل نصوص موريللو واورتيغا يتم استخدامها بالفعل بأحرف كبيرة.
في معرض حديثها عن التحولات التي عرفتها الجبهة الساندينية للتحرر الوطني تحت قيادة دانيال اورتيغا وروزاريو موريللو، كتبت مونيكا بولتادانو: “هناك تحول ثان وجب تحليله وهو التي قاد الجبهة الساندينية من العقلانية الى الأصولية الدينية. كان برنامج الثورة يطالب باحترام المعتقدات الدينية وينص على العلمانية. وكان دستور 1987 قد نص على أن الدولة ليس لديها دين رسمي وأن التعليم العمومي علماني. وماذا لدينا الآن؟ استعمال وإساءة استعمال التدين الشعبي واستغلاله المستمر لتعزيز مشروع النظام. تعمل مؤسسات الدولة على إعادة إنتاج المعتقدات الدينية لأجل التأكيد على أن كل ما يحدث في البلد هو نتيجة “الإرادة الإلهية”. وبالتالي، إثبات أن سلطة [روزاريو موريللو ودانييل أورتيغا] مصدرها الإرادة الإلهية، تماما كما في ظل الملكيات المطلقة حيث يستمد الملوك سلطتهم المباشرة من الله. وهذا الرابط الإلهي، وفقا للخطاب الرسمي، يجعل نيكاراغوا “مباركة ومزدهرة”. ونتيجة لهذا النموذج، يضطلع كبار رجال الدين بالتشريع، والكنائس تصدر الأوامر، وتقوم السلطات المحلية والبلديات بالترويج للمعتقدات الدينية، وتمتلئ جميع المؤسسات الحكومية والبلديات بالصور والرموز والخطابات الدينية. ”
من جانب روزاريو موريللو، تعود الإشارات إلى الله والشيطان الى زمن بعيد، حيث وجدت مقتطفًا من مقال وقعته في 1991 كمسؤولة عن مجلة فينتانا، وهي الملحق الثقافي ليومية الساندينيين “باريكادا”. فبمناسبة التحضير للمؤتمر الأول للجبهة الساندينية للتحرر الوطني، كتبت موريللو: “نجد داخل الجبهة الساندينيين وغير الساندينيين، كما نجد مليونيرات وبائسين. أرواح الله وأرواح الشيطان […] نعم، أيها السادة، الجبهة الساندينية حاليا جبهة، وكجبهة نجد فيها كل شيء، فهي في هذه اللحظة كومة من القذارة ” . في وقت لاحق، تخلت موريللو عن تشبيهها الجبهة بالقذارة، لكنها من ناحية أخرى، أدرجت في كل خطاباتها نظرة ثنائية متشددة بين الأخيار والأشرار ونظرة دينية سلفية محافظة وظلامية على الأحداث والأشخاص.
في خطاب روزاريو موريللو الذي ألقته في 19 يوليو 2018 أثناء الاحتفال بالذكرى 39 لانتصار الثورة، ناشدت باستمرار إلى الإيمان، وإلى شكر الله، وإلى إدانة الاعمال الشيطانية التي يرتكبها المتظاهرون باحتجاجهم ضد سياسة النظام الذي تشارك في قيادته.
وفي اليوم التالي، تابعت على نفس المنوال في تصريح قدمته على القناة الرابعة التلفزيونية المملوكة لأحد أبنائها: “نعلم أن هناك مؤسسات قادرة على التعرف على جرائم أولئك الذين تسببوا في الكثير من الآلام والكثير من القتلى، والكثير من المعاناة، والكثير من الجرائم الجنونية والشيطانية في بلدنا نيكاراغوا. ونحن نثق في العدالة، ونثق في العدالة الإلهية كذلك ” .
وتستمر في معرض كلامها: “هذا شعب الله، لأن شعب نيكاراغوا هو شعب الله! هناك عدد قليل من الشعوب في العالم الذين يظهرون الكثير من الإيمان والكثير من الإخلاص، مع علاقة قوية مع الله. ونحن، الكاثوليك، مع العذراء مريم وبكثير من (…) الإيمان” .
وفي نفس التصريح، تعارض موريللو الشعب بالنساء وبالرجال اللواتي والذين يناضلون من أجل إلغاء تجريم الإجهاض على النحو التالي: “الشعب الذي دافع عن الحياة في جميع أشكالها، منذ رحم الأم… منذ رحم الأم! بينما يزعم الكثيرون منهم اتخاذ إجراءات مدنية، بينما لا يملكون أي شيء مدني لكونهم مجرمون، وساروا في شوارع ماناغوا، مطالبين بالإجهاض. مستهدفين بذلك الحياة! إنها الحقيقة” .

جزء من مسيرة 30 مايو التي ضمت مئات الآلاف من الأشخاص (ربما 500000)
بعد ذلك قدمت المتظاهرين الذين كانوا يحتجون منذ 18 أبريل 2018 كمجرمين حقيقيين تسببوا بمئات القتلى التي أغرقت الشعب في الأحزان: “… الشعب يعرف ذلك، يعرف من تسبب بالموت. يعرف، لأننا نعرف كيف أنهم، بسبب صراعاتهم الناتجة عن طموحاتهم، بسبب صراعاتهم الناتجة عن ثقافة المخدرات التي يسعون لإرهاب الشعب بإشاعتها، هم مدمنون للمخدرات، مدمنون على الكحول، أناس مرتبطون بكل أنواع الجرائم والانحرافات. يعرفون أنهم قتلوا بعضهم البعض ثم اتهموا الحكومة بعد ذلك” .
يوما قبل ذلك، في 19 يوليو 2018، في التجمع الكبير الذي دعا اليه النظام، صار دانييل أورتيغا على نفس القدر في هذا المنطق الثاني بين الأخيار والأشرار وبشكل استفزازي. أوضح أن المتظاهرين، الذين وصفهم بأنهم إرهابيون وانقلابيون، لديهم ممارسات شيطانية وشريرة. قال إن الإرهابيين كانوا يعذبون الناس ” بطرق شيطانية” (هكذا!) على المتاريس! . وأكد حرفياً أن المتظاهرين “الإرهابيين” و “الانقلابيين” “امتلكهم الشيطان” تماماً. ودعا الأساقفة الكاثوليك إلى “طرد” هؤلاء “الشياطين”، هذه “الأرواح الشريرة” (هذه هي المصطلحات التي استخدمها أورتيجا لوصف المتظاهرين) لمطاردة الشيطان الذي امتلكهم. ويؤكد أورتيجا إنهم يحرقون الجثث بالقرب من المتاريس ويرقصون حولها. ودعا الأساقفة إلى احترام كلمة الله وعدم مساندة المتظاهرين المحتجين المطالبين باستقالة الزوجين الرئاسيين.

الرابط الأصلي للمقال

رابط المقال الأصلي:
http://www.cadtm.org/Nicaragua-L-evolution-du-regime-du-president-Daniel-Ortega-depuis-2007
تعريب يونس الحبوسي (أطاك المغرب)

زر الذهاب إلى الأعلى