ملفات دراسية

سلامة وفعالية لقاحات كوفيد-19 المعتمدة بالمغرب. الجزء 1: تقييم اللقاحات يكون شاملاً ويستند إلى ميزان الأضرار والمنافع

بدأ السّباقُ حول اللقاحات أياماً بعد إعلان حالة الجائحة، وأمام فشل المنظومة الصحية العالمية في إيقاف تفشي الفيروس نتيجة عُقودٍ من سياساتِ التّقشُف في ميزانياتِ الصحة العمومية وإطلاق العنان للمركب الصناعي الطبي-الصيدلي للتحكم في صحة البشر. انطلقت الدعاية للتلقيح وأعلنت شركات الأدوية إطلاق تجارب سريرية على لقاحات أصبحت حسب زعمها “الأمل الوحيد لإنقاذ العالم” من الجائحة، خصوصا بعد فشل العلاجات التي جرى الترويج لها واعتمادها حتى مع افتقادها للفعالية إضافة إلى تأثيرات خطيرة على المرضى. وقد بلغ  عدد اللقاحات المرخص لها حتى الآن عبر العالم إلى 22 لقاحا من بين ما يقارب 140 أجريت عليها أكثر من 420 تجربة سريرية، وتحملت الدول أي الميزانيات العمومية الجزء الأعظم من تمويلها.

منذ بداية الجائحة سادت حالة من عدم الشفافية مرفوقة بغياب للمعطيات وترويج للأكاذيب، وفي هذا السياق أعلن عن انطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد مرض كوفيد-19 بالمغرب يوم 28 يناير 2021، وقبل ذلك بأسابيع قامت المؤسسات الرسمية بحملات دعائية لإقناع المغاربة بمزايا التطعيم، واعتمدت وزارة الصحة لقاحات مختلفة استنادا إلى توصيات ما يسمى “اللجنة الوطنية الاستشارية” وهي لجنة مكلفة بالبث في ملفات التراخيص وقد أجمع خبراؤها على صحة هذا الاختيار، وقام المغرب بطلبات عروض لملايين الجرعات لتلقيح غالبية السكان. وأصدرت الوزارة بتاريخ 22 يناير 2021 بلاغا أعلنت فيه الترخيص بشكل استعجالي للقاح الشركة الصينية “سنوفارم” لمدة سنة، جاء فيه:”… خلصت اللجنة الوطنية الاستشارية بالإجماع إلى مطابقة لقاح “سنوفارم” الصيني بامتياز للمواصفات والمعايير المعتمدة دوليا وطبقا لتوصيات منظمة الصحة العالمية ذات الصلة.وبالتالي يكون هذا اللقاح قد استوفى جميع الشروط المرتبطة بالجودة والفعالية والسلامة، وخلوه من أية أضرار جانبية محتملة …”

إن كان المقصود بالمعايير الدولية توصيات وقرارات المنظمة العالمية للصحة ومختلف مؤسسات مراقبة الأدوية عبر العالم وعلى رأسها إدارة الدواء والغداء الأمريكية والوكالة الأوروبية للأدوية واستيفاء الشروط المرتبطة بالجودة والفعالية والسلامة هو ما توصلت إليه نتائج التجارب السريرية، فجميعها ينطق عكس تأكيدات وزارة الصحة المغربية وخبراء “اللجنة الوطنية الاستشارية”. إن الحديث عن فعالية اللقاح مرتبط بالحماية التي يوفرها ومدتها وكذلك القدرة على وقف تفشي الفيروس وضمان هذه الفعالية لدى مختلف الفئات وكذلك عند وجود تحورات، كما أن سلامة اللقاح يتم تقييمها وفق ميزان المنافع والأضرار على المدى القصير والطويل الأمد.

بعيداً عن ما يُسمى “نظرية المؤامرة”، لا يمكن حتى الجدال من حيثُ المبدأ حول كون التلقيح من بين إنجازات الطب الوقائي، هذه التهمة التي أصبحت جاهزة وشائعة الاستعمال من طرف المدافعين عن اللقاحات بنظرة عمياءْ، ومدفوعة بمبررات الشركات المصنعة لتبخيس كل رأي مُخالفٍ يهدفُ إلى مُلامسةِ الجوانب الأخرى للقاحات، وطرح أسئلةٍ حول فعاليتها وسلامتها وخطورة بعض مكوناتها على صحة البشر. لقد أصبح التلقيح عملية شبه مقدسة لا يجب المساس بها، وقامت الدولة بفرض إجبارية قانونية على بعض اللقاحات وإجبارية فعلية على أخرى ومنها لقاح كوفيد-19، وكل سنة يتم حقن ملايين من فئات المجتمع وبالموازاة مع ذلك يتم التعتيم على فعاليتها وسلامتها وسُمِّيَةِ مكوناتها، وفي كل مناسبة عند انطلاق كل حملة تلقيح نجد في وسائل الإعلام استنساخا فجا لنفس الفكرة يتم قصف عقول الناس بها، تستند إلى ما يلي:”بفضل التلقيح اختفت العديد من الأمراض والأوبئة واللقاحات غير ضارة بالصحة ولا ينتج عنها إلا القليل والبسيط من الأعراض الجانبية”

غالبا ما يتم الاسترشاد بالجُدري لتأكيد هذه المقولة، مرض مُعدي يؤدي إلى تشوهات جلدية خطيرة وأحياناً الوفاة، رغم مرور أزيد من قرن على أولى عمليات التلقيح ضد هذا المرض، استمر بالظهور والتسبب في انتشار أوبئة في مناطق مختلفة، وقد أعلنت المنظمة العالمية للصحة سنة 1958عن برنامج للقضاء عليه عبر حملات تلقيح واسعة لم تكن فعالة في العديد من الدول، رغم خمس سنوات من حملات التطعيم – 1962 إلى 1967- إستمرت نسبة المصابين في الارتفاع بشبه القارة الهندية واندونيسيا ومناطق بإفريقيا جنوب الصحراء والبرازيل، وهو ما دفع هذه المنظمة إلى تغيير استراتيجياتها عبر برنامج (1)          ” المراقبة و العزل ” لسنة 1967 القائم على عزل المرضى وحصر التلقيح على المحيطين بهم، لتعلن بعدها في دجنبر 1979 القضاء النهائي على الجُدري بفضل العزل وتدابير صحية أخرى وأوقفت كل عمليات التلقيح.  

يتعلق المثال الثاني بمرض السُل الذي يناقض ما يتم الترويج له كون اللقاحات وحدها من يوقف زحف العديد من الأمراض، يسجل المغرب كل سنة أزيد من 30 ألف مصاب و3 آلاف وفاة حسب إحصائيات رسمية، وبالرغم من أن هذه الأرقام أقل بكثير من الواقع الحقيقي للحالة الوبائية ببلادنا فإنها تعطي صورة عن هول الكارثة، ويصنف المغرب ضمن الدول التي تعرف انتشارا واسعا لهذا المرض على غرار بلدان كالسودان وجيبوتي وأفغانستان.

 بدأ التلقيح ضد السل ببلدنا منذ فترة الاستعمار وأصبح إجباريا في السبعينيات من القرن 20، وكل سنة يتم تطعيم المواليد الجدد بلقاح “BCG” وبلغت نسبة التلقيح على المستوى الوطني أكثر من 98 %، ورغم ذلك لازال هذا المرض يفتك بفقراء المغرب في الأحياء الشعبية بمدينة الدار البيضاء وطنجة وغيرها من المدن الكبرى. يعتبر التلقيح ضد السل والجدري أمثلة حية على أن اللقاحات ليست دائما الحل السحري للأمراض، قد تكون عاملا مساعدا إلى جانب عوامل أخرى تتعلق بالمستوى المعيشي ومستوى الشروط الصحية والمعيشية بالبلد.

ينتجُ عن التلقيح “أعراضٌ جانيةٌ” بسيطةٌ ومتوسطةٌ ولكن كذلك خَطيرةٌ ومُمِيتةٌ و تَبخيسُها ليس وليد اليوم، وما الجدل القائم حاليا في الوسط العلمي حول لقاحات كوفيد-19 والاعتراضات الشعبية عليها في العديد من البلدان، وقبل ذلك حول لقاحات أخرى إلا انعكاس لهذه الحقيقة. في سنوات التسعينيات اضطرت العديد من الدول على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية إلى سن قوانين خاصة بتعويض ضحايا “الأعراض الجانبية” الناتجة عن التلقيح، وفي دول أوروبية وبأمريكا الشمالية مئات الآلاف من القضايا بمختلف المحاكم منها ما تم تَسويتُهُ، ومؤخرا أقرت المنظمة العالمية للصحة آلية سُميت “برنامج التعويض عن الضرر الناجم عن لقاحات كوفيد-19” في بيانها الصادر بتاريخ 22 فبراير 2021(2) ، وجرى الحديث على أن الاتفاقيات المبرمة بين الاتحاد الأوروبي والشركات المصنعة نصت على إخلاء هذه الشركات من أية مسؤولية وتحمل دول الإتحاد المصاريف التي يمكن أن تترتب عن أية محاكمة ضدها(3) ، كل هذه الترسانة القانونية وكل التعويضات التي اضطرت بعض الشركات إلى صرفها في عدة قضايا لا تستدعيها أعراض بسيطة ناتجة عن اللقاحات وتختفي بسرعة. ليس هذا المقال مجالا لإبراز أمثلة منها لقاحات تم سحبها من السوق، وأخرى لم تنهي الدراسات السريرية الخاصة بها، ولقاحات وضعت ولا زالت تحت ما يسمي “برنامج تدبير المخاطر” سنوات بعد طرحها في السوق نتيجة الأضرار الخطيرة التي تسببها.

للذاكرة فقط: فضيحة لقاحات الأنفلونزا الموسمية H1N1 (4)

إن جشع شركات الأدوية وتواطأ المؤسسات الصحية الرسمية كان وراء هذه الفضيحة الصحية،  والتطرق إليها نابع من أوجه التشابه بينها وبين لقاحات كوفيد-19 من حيث تعامل هذه المؤسسات عبر العالم والقرارات المتسرعة للترخيص للقاحات تبين فيما بعد عدم فعاليتها وخطورتها مخلفة آلاف الضحايا، لازال من هم على قيد الحياة يعانون بسببها.

بعد إعلان حالة وباء عالمي سنة 2009 من طرف المنظمة العالمية للصحة، انطلقت مختبرات الأدوية العالمية في سباق محموم لإيجاد لقاح، وأطلقت العشرات من التجارب السريرية أعلنت نتائجها “الواعدة” في وقت قصير مؤكدة على فعاليتها وسلامتها، لتحصل بعد ذالك على تراخيص وبطلب من هذه المنظمة تم إنتاج ما يقارب مليار ونصف جرعة كان النصيب الأكبر منها لصالح الشركة العالمية البريطانية “Gsk” والفرنسية “Sanofi”، وفي هذا الإطار وقع المغرب اتفاقية لشراء 6،5 مليون جرعة، وبعد مدة قصيرة على انطلاق حملات التلقيح تبين أن الفعالية والسلامة المزعومة ليست إلا مجرد أكاذيب، لتتوالى التقارير حول أحد مكونات هذه اللقاحات وهي مادة “السكالين-Squaline”، فرغم التحذيرات والمعطيات حول خطورة هذه المادة استمرت هذه المؤسسات في الكذب كما جاء في وثيقة للوكالة الفرنسية للسلامة الصحية للمواد الطبية بعنوان “المواد المساعدة في اللقاحات الوبائية H1N1”: “… اللقاحات المرخص لها تحتوي على جيل جديد من المواد المساعدة …تركيبتها مُكونة أساساً من مادة السكالين Squaline … التجارب ما قبل السريرية على العديد من الحيوانات لم تبرهن على أية سُمِّيةٍ خاصة… التجاربُ السريريةُ على الإنسان للقاحات تحتوي نفس المواد المساعدة لم تُظهر أية علامة خَطرٍ …”. 

لَمْ يَدُم نُكْرانُ المُؤسسات الصحية المختلفة طويلاً، فتوالت التقارير من العديد من مراكز اليقظة الدوائية في دول عدة تؤكد العلاقة بين هذه المادة وأحد الأمراض الناذرة المعروف باسم مرض الخدر”Narcolepsie”، مرض یمس الجھاز العصبي ویؤدي إلى اضطراب في النوم مرفق بفشل في العضلات “Cataplexie”، حيت يعرف المصاب به خلال الیوم فترات متعددة من النوم القھري أثناء المشي، العمل … ما یفقد المریض كل إمكانیة للاستقلال الذاتي في أبسط الحاجیات الیومیة. لقد تطلب الأمر 6 سنوات ليقر خبراء المنظمة العالمية للصحة في اجتماع “اللجنة الاستشارية لسلامة اللقاحات” في دجنبر 2016 بهذه الحقيقة، سنوات من الأكاذيبِ حول فعالية وسلامة مزعومة وتجارب سريرية أجريت في فترات قصيرة، ومؤسسات صحية ساهمت في ترويج هذه الأكاذيب ورخصت للقاحات خلفت مئات الآلاف من الضحايا وكأن التاريخ يعيد نَفسهُ مع لقاحات كوفيد-19. يجبُ أنْ يكون تَقييمُ اللِّقاحات مثلُ جميع الأدوية شاملاً، وليس وِفْقَ نظرةٍ سائدةٍ ومعممةٍ عُنوانها العريضُ” التلقيحُ فَعَّالٌ وآمنٌ”

بعض مكونات لقاح “سنوفارم”

اللّقاحات لها طبيعة خاصة كونها مصنوعة من مواد فاعلة لمكونات “حيوية” (بكتيريا أو فيروس)، وموجهة لأشخاص غير مصابين بالمرض، وتمر مثلُ جميع الأدوية بعدة مراحل، بداية من الأبحاث الأكاديمية ثم التجارب المخبرية والسريرية، وتستمر عدة سنوات بالنسبة لجميع اللقاحات المسوقة سابقا، وليس بِضْعةَ أَشْهُرٍ كما هو الشأن بالنسبة للقاحات كوفيد-19، وتستعمل خلال تصنيعها تقنيات مختلفة والعشرات من المواد التي تدخل في هذه العملية كمواد مضافة ومساعدة وحافظة.

اعتمدت الشركة الصينية لإنتاج لقاحها على التقنية التقليدية وهي ليست دائماً آمِنَة كما يتم الترويج لذلك، والمثال لقاح شلل الأطفال الذي ساهم في خلق تحورات للفيروس المسبب لهذا المرض، بحيث أصبحت تتسبب في أوبئة ببعض البلدان لدرجة أصبحت فيها هذه السلالات الجديدة أكثر انتشاراً من الفيروس الطبيعي. يحتوي لقاح سينوفارم على فيروس معطل

“Virus inactivé” لجعله لا يُسبِبُ المرض، ولهذا الغرض استعملت مادة كيمائية تسمى Beta-propiolactine وهي مصنفة منذ 1974 من طرف الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية كمادة مسرطنة لدى الحيوان واحتمالية أن تكون كذلك لدى الإنسان، وفي تقرير صادر عن نفس الوكالة لسنة 1999(5) يشير كذلك إلى أن هذه المادة تتسبب في طفراتٍ جينيةٍ وانحرافاتٍ على مُستوى الحمضِ النوويِّ لدى الحيوان، وتم إدراجها ضمن نفس الخطورة في تقارير عديدة مثل “البرنامج الوطني للتسمم” بالولايات المتحدة الأمريكية، ولحد الآن لا توجد أية دراسة على الإنسان حول هذه التأثيرات المدمرة المؤكدة على الحيوان.

إلى جانب مواد أخرى ضمن المكونات نجدُ الهيدروكسيد ألمنيوم “Hydroxyde aluminium”، أحد مشتقات الألمنيوم ويستعمل كمادة مساعدة للعب دور المهيج لجهاز المناعة، أي لتحفيزه على إنتاج المزيد من مضادات الأجسام ولتخفيض تكلفة الإنتاج، بدأ استعماله في اللقاحات للمرة الأولى في بداية القرن العشرين من طرف الشركة البريطانية “كلاكسو GSK”، وجرى تعميمه ليشمل ما يقارب 3/2 من اللقاحات المسوقة حاليا وأغلبها خاص بالأطفال، ولم تجري أي من الشركات أو المؤسسات الصحية العمومية عبر العالم دراسة تؤكد سلامة هذه المادة لدى الإنسان.

 يُعتبر الألمنيوم من المواد الشائعة الاستعمال في صناعة اللقاحات والتي عرفت ولازالت جدالا في الوسط العلمي في العديد من البلدان، فمن جهة شركات الأدوية وخبرائها، ومن جهة أخرى خبراء مستقلون منفلتون من قبضتها أبرزهم البروفيسور البريطانيExely  أحد كبار المتخصصين عالميا في دراسة هذه المادة، وفريق البحث الفرنسي الذي يترأسه البروفيسور Gherardi، جميعهم يدعون إلى التخلي عن استعمالها في اللقاحات لما لها من أضرار خطيرة على الجسم وشُبهة التسبب في أمراض تمسُ على الخصوص الجهاز العصبي، فكيف يتم التسليم ببساطة بسلامة هذا اللقاح !

إنّ الحُكم على سلامةِ لقاح سنوفارم يبقى مُعقداً مع وجود مُكوناتٍ منها من تأكدت سُمِّيتُه، ومنها من لازال الجدل حولها في الوسط العلمي مستمراً ولا يمكن حسمهُ إلا عبر دراساتٍ جديةٍ وحقيقيةٍ وتجارب مُعمقةٍ غير مُتحكمٍ فيها من طرف شركات الأدوية.

بقلم: عبد الواحد أحتيتش  

بتاريخ 11 شتنبر 2021

جمعية أطاك المغرب

مـراجع

1-   التقرير النهائي للمنظمة العالمية للصحة حول القضاء على مرض الجري

2-   آلية التعويض عن ضحايا ا”لأعراض الجانبية” للقاحات كوفيد-19 التي أقرتها المنظمة العالمية للصحة

3-   رد اللجنة الأوروبية على أحد الأسئلة بالبرلمان الأوروبي

4-   مقال منشور بموقع جمعية أطاك المغرب بعنوان: خلفيات و أهداف حملة التخويف من ڤيروس H1N1 و علاقتها بلقاحات الأنفلونزا

5-   تقرير الوكالة الدولية لأبحاث السرطان

زر الذهاب إلى الأعلى