المؤسسات المالية الدولية

جميعا لمناهضة الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي المسؤولَيْنِ عن تدمير بيئتنا

جميعا لمناهضة الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي المسؤولَيْنِ عن تدمير بيئتنا

                يعد كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مؤسستين ماليتين أُنشئتا في إطار اتفاقيات بروتن وودز سنة 1944 عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، بهدف إعادة إعمار ما دمرته الحرب داخل البلدان الرأسمالية، وخاصة أوروبا، فيما حُدِّدَتْ لبلدان الجنوب نفس الوظيفة التقليدية [تماشيا مع القسمة الاستعمارية] تلك المتمثلة في تصدير المواد الأولية وتوفير يد عاملة رخيصة وسوق لتصريف منتجات الشمال. هكذا ترسخت وظيفة البنكين كأداتين للتحكم في مصير الشعوب، واستعمال الديون واتفاقيات التبادل الحر آلِــيَّـتَيْ تدخل  لتوجيه السياسات الداخلية لبلدان الجنوب، على الخصوص، وضمنها بلدنا، حيث ينهج البنكان سياسات تنتهك مقومات الحياة البيئية بالنظر لتشجيعهما للشركات العابرة للحدود والشركات المحلية المستنزفة للثروات الطبيعية من مياه وأراض وغابات، بهدف زيادة النمو ومراكمة الأرباح، دون اكتراث بما تسببه من تدمير للبيئة والبشر، ويتجلى ذلك في ما يقدمه البنكان من دعم مالي للاستثمارات والمشاريع المدمرة للبيئة في شتى المجالات، وفي دعمهما للقطاع الخاص المسيطر في شتى المناحي الاقتصادية كاستخراج المعادن وكافة الأنشطة الاستخراجية والصناعية والفلاحية والسياحية والطاقية، بما فيها إنتاج الهيدروجين الأخضر، المستهلك للمياه، وكل المشاريع المسماة زورا مشاريع تنموية خضراء.

فشركات التنقيب عن المعادن ماضية في استنزاف المياه الجوفية للفلاحين- ات الصغار-ات في القرى المحيطة بالمناجم، والقضاء على زراعاتهم- هن المعيشية وتلويت أراضيهم- هن بالمواد السامة المستخدمة في معالجة المعادن، وهو ما أثار احتجاجات عارمة للسكان في محيط هذه المناجم بالجنوب الشرقي للمغرب، كمنجم اميضر  ومنجم بوازار، في سياق أزمات العطش المستفحِلة كل صيف، بفعل توالي سنوات الجفاف الناتج عن التغيرات المناخية التي يشهدها الكوكب، ويتحمل النموذج الرأسمالي الإنتاجوي المسؤولية الكبرى عنها.

وفي الميدان الفلاحي يشجع البنكان الزراعات التجارية الكثيفة الموجهة نحو التصدير، المستنزفة للمياه الجوفية بكثافة، المدمرة للتربة بالنظر لاستعمالها الكثيف للمدخلات الكيماوية والمبيدات، واعتمادها البذور الهجينة المعممة باسم الملكية الفكرية وبراءة الاختراع، مقابل تدمير همجي للبذور الأصيلة الموروثة عن الأجداد، وفرض تدمير ممنهج للواحات والفلاحة المعيشية والتقليدية وإرساء دعائم الفلاحة العصرية والتجارية المُحَقِّقُة للربح السريع.

أما في الميدان الصناعي فالبنكان يشجعان الشركات الملوِّثة، المسؤولة عن إفراز الغازات الدفيئة الناتجة عن حرق الغاز الأحفوري بكثافة، وفق توجه رأسمالي إنتاجوي يهدف إلى إنتاج كميات هائلة جدا من السلع والبضائع [غير الضرورية] لمراكمة الأرباح، دون اكتراث بآثار تلك الصناعات على الطبيعة والبشر.

وفي مجال الطاقة، قدم البنكان ما يلزم من دعم مالي لمشاريع استثمارات طاقية مدمرة للبيئة، ونذكر منها، على سبيل المثال، لا الحصر، مركب نور للطاقة الشمسية بورزازات، الذي يعتمد تكنولوجيا قائمة على الاستعمال المكثف للمياه، مما جعله يستنزف المياه السطحية لسد المنصور الذهبي المستخدمة في تبريد الآليات والألواح الشمسية وغسلها، وغيرها من الأنشطة المكرسة لإنتاج الطاقة الشمسية المركزة لتوليد الكهرباء وبيع جزء منها لأوروبا. هذا علاوة على نهب هذه المشاريع للأراضي السلالية للسكان المحليين؛ 3000 هكتار بالنسبة لنور ورزازات، و4000 هكتار بالنسبة لنور ميدلت، دون أية استفادة تذكر من هذه المشاريع الضخمة. ففيما يكتسي الانتقال الطاقي أهمية قصوى في ظل الظروف المناخية الحالية، إلا أن الانتقال الطاقي الحقيقي والعادل سيظل متعذرا طالما بقي قطاع الطاقة تحت تحكم الشركات الأجنبية متعددة الجنسيات الطليقة اليد في نهب الموارد العمومية وجني ما يحلو لها من أرباح، في ظل مناخ استبداد ومحسوبية، وحيث يمثل نظام الديون وشراكات القطاعين العام والخاص عقبة كأداء بوجه كل سيادة شعبية، وحتى وطنية، وضمنها السيادة الطاقية. هكذا تتحول مشاريع الطاقة النظيفة في الواقع إلى حجاب جديد لتحقيق مصالح الشركات العابرة للقارات والشركات المحلية.

أما بالنسبة للهيدروجين الأخضر، تعتبــر استراتيجية الاتحــاد الأوروبــي المنشــورة ســنة 2020 خارطـة طريـق لهذا التحـول الطاقي الجديد. وتقتـرح هذه الإستراتيجية أن يوفـر الاتحاد الأوربي حاجياتــه مــن الهيدروجيــن الأخضر مــن شــمال افريقيــا [بمنطق استعماري] لتوفــر هذا الأخير علــى امكانيــات هائلــة لإنتــاج الطاقــات المتجــددة واستغلال مجاورتـه لأوروبا. وقد نشـأت هـذه الفكـرة مـن ورقـة مفادهـا انـه بحلـول 2030 سـيكون للاتحـاد الأوروبي قـدرة 40 جيغـاواط مـن المحلـل الكهربائـي للهيدروجيـن الأخضـر.

فــي المغــرب تعمــل شــركة توتــال ايــرن علــى مشــروع لإنتــاج الهيدروجيــن الأخضــر فــي جهــة كلميــم واد نــون على مساحة 187 ألف هكتار وفي منطقة جافة. يجمع هـذا المشـروع بيـن الطاقـة الشمسـية وطاقـة الريـاح لإنتاج الهدروجيـن الأخضر، ويعمـل علـى إنتاج أول جيغـاواط بحـول عـام 2027. وكمـا العـادة مـررت الدولـة نفـس الخطـاب الـذي جـاء فـي خطـة الطاقـة الشمسـية لسـنة 2009 لمواصلة نهـب المـوارد الطبيعيـة للمنطقـة [استهلاك ملايين الأمتار المكعبة من المياه] واستغلال ســكانها تحــت مســمى الشــراكة المغربيــة الأوروبيــة، التــي ترعاهــا اتفاقيــات التبــادل الحــر، بضغــط مــن نظــام الديون، الذي يسهر القرضان الدوليان على ادامته.

وكخلاصة نقول بأن الأزمة البيئية لم تعد مشكلة ذات تدرج بطيء، بل هي أزمة متسارعة بلغت نقطة اللاعودة منذ سنوات، لذلك فالشعار المرفوع حاليا هو “التخفيف والتكيف” إزاء التغيرات الجذرية التي يشهدها المناخ]، وهي مخاطر أضحت تهدد بفناء الجنس البشري على هذا الكوكب، إذا لم يوضع حد وباستعجال، للتدهور البيئي السائد.

ومعلوم أن السكان الأكثر فقرا هم الذين يؤدون ضريبة الأزمة البيئية أكثر من غيرهم، بالنظر لانعدام قدرتهم على مواجهة آثار التغيرات المناخية، ما يعد ظلما بيئيا ينضاف إلى الظلم الاجتماعي والاقتصادي والاضطهاد القائم على أساس الجنس.

وإزاء هذه المعضلة البيئية، طَوَّرَتْ جمعية أطاك المغرب- مستفيدة من إسهامات الحركة من أجل عدالة بيئية- منظورا بيئيا بديلا، تَأَتَّى لها بفضل اشتغالها على الملف البيئي على نحو مبكر. فمنذ تأسيسها قبل حوالي عشرين سنة، وخلال نضالها النظري والميداني لمناهضة سياسة البنكين الدوليين، ووفاء لأحد أهم شعاراتها، ونقصد  شعار :” التثقيف الشعبي المتجه نحو الفعل النضالي” وجدت أطاك نفسها وجها لوجه مع المعضلة البيئية، التي يعتبر النموذج الرأسمالي للإنتاج المسؤول الأول عنها، ومن هنا شرعت في انجاز أبحاث حول الأزمة الايكولوجية، وطرحت بدائل نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :

– وضع حد لنظام الديون البنكية الذي يمول مشاريع مدمرة للبيئة.

– وقف الأنشطة الاستخراجية التي ينتج عنها تدمير للبيئة، ووضع حد للضرر الذي يهدد حياة السكان المجاورين ويؤدي إلى تشريدهم. المطلوب ترك الغاز الأحفوري في باطن الأرض.

– سيادة السكان المحليين على ثرواتهم الطبيعة من مياه وأراض وغابات، ووضعها تحت الرقابة الشعبية. وذلك لوضع حد لكل أشكال استنزاف الرأسماليين والشركات لهذه الثروات غير المتجددة، المُعْتَبَرَةُ ملكا عاما غير قابل للتملك الرأسمالي الخاص.

– تحويل الزراعة التصديرية المستنزفة للمياه إلى زراعة تلبي حاجيات السوق الداخلية من الغذاء.

–   فـرض التزامـات فعليـة علـى الحكومـات بتخفيـض الغـازات المسـببة للاحتبـاس الحـراري، وأيضـا وضـع آليـات للمراقبـة والعقوبـات.

– فرض ضريبة خاصة على الصناعات الملوثة، ترتفع بارتفاع حجم التلوث الذي تحدثه.

– إعادة الاعتبار لمنطق الخدمة العمومية في قطاعات يؤدي فيها الاستثمار الرأسمالي الخاص إلى زيادة الانبعاثات وتدمير البيئة (قطاع الطاقة والنقل والقطاع المالي…).

– الدفاع عن السيادة الغذائية ضد الزراعة الرأسمالية التصديرية التي تعتبر من أكبر القطاعات المستهلكة للطاقة سواء في الإنتاج أو التوزيع أو النقل.

وعموما، المطلوب بالأساس، تغيير النظام المسؤول عن الأزمة، وفقا لشعارنا: “لنغير النظام الرأسمالي وليس المناخ”.

في هذا السياق، تأتي استضافة المغرب للاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي، المزمع تنظيمه بمراكش خلال شهر أكتوبر المقبل (2023)، وهو ما يعد، في نظرنا، إذعانا من حكامنا للمستعمرين الجدد، الذين يستبيحون السيادة الوطنية لبلدنا، ويتحملون المسؤولية الأكبر فيما يعانيه شعبنا من حرمان ومن فقدان لمكتسباته التي كافح من أجلها منذ فترة الكفاح ضد المستعمرين الفرنسيين والاسبان. فبهذه الاستضافة تحول حكامنا إلى ما يشبه مُنظمي الحفلات والساهرين على راحة الأسياد الأوروبيين والأمريكيين، الذين يتعاونون معهم من موقع التابعين المنفذين للأوامر. من هنا فهذا التنظيم يعد مكافأة لهؤلاء الحكام على حسن تطبيقهم للسياسات الاستعمارية المملاة علينا من قبل أولئك الأسياد، والتي أفضت إلى كوارث اجتماعية حلت بطبقاتنا الشعبية المفقرة، مقابل زيادة إثراء كبار الأغنياء المغاربة والأجانب.

 وبمناسبة انعقاد قمة هذين البنكين الاستعماريين بمراكش، فإننا في جمعية أطاك المغرب، لجنة البيئة، ندعو الحركات الاجتماعية ببلدنا، وكافة قوى المجتمع المدني والمنظمات العمالية المناهضة للسياسات النيوليبرالية، إلى انتهاز فرصة انعقاد قمة البنكين هذه، للانضمام إلى الجهود المبذولة من قبل مناضلات ومناضلين من مختلف الانتماءات والمشارب والاهتمامات، لتنظيم قمة مضادة للنضال ضد هؤلاء الأسياد الذين يسعون لفرض عبودية جديدة على كافة الطبقات الشعبية بالعالم، في محاولة لتحميلها وزر الأزمة التي تنخر كيان هذا النظام الرأسمالي القائم على الاستغلال والاضطهاد، المثير للحروب والفتن، المدمر لبيئتنا، المخرب لمكتسباتنا التاريخية في مجالات الصحة والتعليم والتشغيل..

كما ندعو هذه القوى والإطارات إلى تنسيق الجهود لبناء حركة بيئية مناضلة بالمغرب، تلتحم بنضالات الكادحين والكادحات، دفاعا عن منظور بيئي كفاحي، ديمقرطي مستقل عن السلطة وأرباب العمل، وهو حلم ظل معلقا لسنين، وقد آن الأوان للعمل على تحويله إلى حقيقة. 

لجنة البيئة بجمعية أطاك المغرب.

زر الذهاب إلى الأعلى